ماذا تعني عودة السعودية إلى سوق السندات؟

الرياض – راغب الشيباني

تمثّل عودة المملكة العربية السعودية الأخيرة إلى سوق السندات تحوّلاً كبيراً في سياسة الحكومة فيما تسعى أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم إلى أسواق رأس المال لتغطية العجز في الموازنة والسحب من رصيد الإحتياطات الأجنبية.
إن إصدار ال15 مليار ريال سعودي (4 مليارات دولار) في منتصف تموز (يوليو) الفائت كان أول سندات سيادية تعرضها الرياض منذ العام 2007، مع تلميح كبار المسؤولين إلى مزيد من “الغزوات” إلى الأسواق. إن السندات – وهي إصدارات تقليدية لسبع سنوات وعشر سنين مع عائد 2.57% و2.88% على التوالي- قد بيعت إلى مؤسسات سعودية شبه سيادية، وفقاً لتقارير صحافية.
وتزامن إصدار السندات مع أول عجز متوقّع للموازنة السعودية منذ العام 2009، بسبب ضعف عائدات النفط والنفقات المستمرة على برامج أعمال رأس المال والإستثمار.
الواقع أن العائدات من صادرات النفط قد تنخفض أكثر، مع هبوط الشحنات بنسبة 10٪ في أيار (مايو) الفائت على الرغم من إنتاج شبه قياسي، وفقاً لبيانات رسمية صدرت في 20 تموز (يوليو) الفائت. كانت الصادرات في أيار (مايو) في أدنى مستوى لها في خمسة أشهر، حيث بلغ متوسطها 6.94 ملايين برميل يومياً، منخفضةً 800،000 برميل يومياً عن الشهر السابق.
وتأمل المملكة العربية السعودية إغلاق بعض هذه الفجوة من طريق زيادة مبيعات منتجات النفط المكرّر محلياً، ولا سيما الديزل، مع إرتباط البلد الآن مع “رويال داتش شل” رابع أكبر مكرّر في العالم.
عائدات النفط الوفيرة كانت تموّل تقليدياً الإنفاق الحكومي، مع تخصيص المملكة العربية السعودية مبلغ 4.4 تريليونات ريال سعودي (1.2 تريليون دولار) لمشاريع التنمية في السنوات الخمس الماضية وحدها – 30٪ منها ذهبت إلى برامج أعمال رأس المال، وفقاً للبيانات الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي في حزيران (يونيو) الفائت.
بينما إستحوذ الإنفاق العام على 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي في العام الفائت، حيث بلغ مجموعه 1.1 تريليون ريال سعودي (293.4 مليار دولار)، فقد تراجعت مستويات الدين العام إلى 1.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت الإحتياطات الأجنبية 97٪ من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي وضع المملكة في وضع جيد للحصول على ديون تمويل مع الإصدار الأخير.
وفقاً لفهد المبارك، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، فإن السندات سوف توفّر تغطية إضافية لعجز الموازنة هذا العام، والذي كما قال لوسائل الإعلام المحلية في 9 تموز (يوليو) الفائت، بأنه سيتجاوز العجز المتوقَّع البالغ 145 مليار ريال سعودي (38.7 مليار دولار). وسوف تستخدم الحكومة مزيجاً من الإحتياطات الأجنبية وإصدار السندات لتغطية العجز، موضّحاً، علماً أنه تم سحب 244 مليار ريال سعودي (65.1 مليار دولار) من الإحتياطات هذا العام حتى الآن.
على الرغم من أن مؤسسة النقد العربي السعودي لم تُشر إلى جدول زمني لمزيد من الإصدارات أو كم هي تأمل بالحصول من سوق السندات، فقد أفاد فهد التركي، كبير الإقتصاديين في شركة “جدوى للإستثمار”، بأن البلاد يمكن ان تتطلع إلى إقتراض ما يصل الى 200 مليار ريال سعودي (53.3 مليار دولار) هذا العام.
ويرى محلّلون عدداً من الإيجابيات في تحوّل السياسة نحو مستويات مرتفعة من الديون، لا سيما وأن المملكة معرّضة إلى مستوى منخفض من الديون في الوقت الحاضر.
يقول جون سفاكياناكيس، مدير قسم الشرق الأوسط ل”مجموعة أشمور” المالية، أن الخطوة الأولية في سوق السندات، وتلك التي من المنتظر أن تتبعها، سوف تعمل على توسيع سوق رأس المال السعودية، واضعةً معايير لإصدارات مستقبلية ومُمهِّدة الطريق للقطاع الخاص لإصدار سندات خاصة به عندما يريد زيادة رأس المال.
“بشكل عام، يريد المنظمون تشجيع الشركات على إصدار السندات كبدائل من القروض المصرفية، التي تهيمن حالياً على تمويل الشركات”، قال سفاكياناكيس. “وهذا من شأنه أن يوزّع مخاطر الشركات خارج النظام المصرفي، مما يجعل القطاع المالي ككل أكثر صحية، في الوقت الذي يوفّر أيضاً قنوات للصناعة الإستثمارية المتنامية”.
بينما كان الإشتراك في طرح السندات الأول يقتصر على الأموال الحكومية وشبه الحكومية، فمن المرجح أن الإصدارات الأخرى سوف تستهدف السوق الأوسع، موفّرةً للبنوك السعودية وسائل إستثمار طويل الأمد مع عوائد ثابتة.
علاوة على ذلك، ينبغي أن يسمح التصنيف القوي للمملكة العربية السعودية الحصول على الديون بسهولة إلى حد ما، وفقاً لتقرير شركة “جدوى للاستثمار” عن الربع الأول. “تتوقع الآن الحكومة إصدار ديون كجزء من إستراتيجية لتمويل عجزها. وهذا التغيير في الإستراتيجية يأتي فيما تحاول المملكة الإستفادة من مكانتها الإئتمانية الصلبة، والتي أكّدتها وكالات التصنيف الرئيسية”، كما يشير التقرير.
وقد حافظت المملكة العربية السعودية على تصنيفها الإئتماني “AA-” من وكالة “أس أند بي” (S & P) وسط خفض الوكالة تصنيف الدول الأخرى المنتجة للنفط، على الرغم من أن توقعاتها تم تعديلها إلى مستقر في كانون الاول (ديسمبر) وسلبية في شباط (فبراير)، مع إعادة “أس أند بي” السبب إلى إعتماد البلاد على عائدات النفط.
الجهود المبذولة لتنويع الإقتصاد وتعزيز النمو غير النفطي يُمكن أن تساعد على تهدئة هذه المخاوف، فيما تموّل إصدارات الشركات توسّع القطاع الخاص. وتتوقع شركة “جدوى للإستثمار” أن ينمو الإقتصاد الأوسع بنسبة 3.3٪ هذا العام، مع توقع أن يؤدي القطاع الخاص غير النفطي أداء أكثر قوة، وينمو بنسبة 5٪.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى