الرجل الذي أدخل الحرف العربي إلى عالم الكومبيوتر والإنترنت

شاركت “مجموعة بطرس العالمية” المتخصصة في التصميم وإبداعات الخط العربي في “معرض أبو ظبي الدولي للصيد والفروسية” الذي جرى أخيراً بين 9 و12 أيلول (سبتمبر) الحالي، من طريق الشركة المتفرّعة منها “مؤسسة بطرس للفنون الجميلة” التي أعلنت في هذا العام عن أعمال مشتركة مع أربعة فنانين معروفين: كريستين شوبل، كريستين جميل، وكارول كمب. والأخيرة عضو في مجموعة “تبادل الحروف” التي هي منظمة تعمل على تشجيع إستخدام الخطوط في مختلف وسائل الإعلام.
ولكن ما هي “مجموعة بطرس العالمية” وما هي إختصاصاتها؟

	من أعماله: لوحة الله
من أعماله: لوحة الله

لندن – هيكل مهدي

“مجموعة بطرس العالمية” (www.boutrosfonts.com)، التي يديرها مراد بطرس بمشاركة قرينته أرليت، هي شركة رائدة في مجال الطباعة والخطوط والتصاميم العربية ومقرها لندن. لأكثر من 40 عاماً، وهي تعمل على الصعيد العالمي، حيث تراوحت مشاريعها من إنشاء مجموعات محارف عربية لبرمجيات وتصاميم لدور مشهورة عالمياً، إلى شعارات عربية للشركات والمنظمات والجمعيات واللجان الخاصة.
خلال سنواته التكوينية، تدرب مراد بطرس تقليدياً كخطاط عربي. ومع تطور أجهزة الكومبيوتر الشخصية تطوّر معها وفرض على نفسه مهمة التخصّص في المشاريع التي تجمع بين تقنيات فن الخط التقليدية والتقنيات الجديدة. كتاباه المعروفان على هذا الصعيد، “العربي للمصممين” و “الحديث عن العربية”، هدفا إلى تبادل حبه للتصميم مع جمهور أوسع، وخطوطه الجميلة يمكن العثور عليها في المؤسسات الكبرى في جميع أنحاء العالم العربي.
قبل الذهاب إلى أبعد من ذلك، فإنه من الضروري أن نوضّح أن بطرس هو مصمم محارف (Typefaces). وكثير من الناس يخلط بين المحارف والخطوط. وقد أوضح الطبّاع نوربرت فلورندو الفرق بإيجاز: “الخط هو ما تستخدم والمحرف هو ما تراه”. ويفصل ستيفن كولز أبعد من ذلك حيث يقول: “عندما تتحدث عن كم تحب لحناً، فلا تقول: هذه “MP3″ (آلية ترميز الصوت للصوت الرقمي) عظيمة. تقول:” إنها أغنية رائعة “وال”MP3″ هي آلية التسليم، وليس العمل الإبداعي. كما هو الحال في عالم الحروف، الخط هو آلية التسليم والمحرف هو العمل الإبداعي”.
وهكذا فإن محارف بطرس هي شكل من أشكال الفن الغرافيكي، التي تخلقها موهبته ويخترعها خياله. وهو يمنح تراخيص الملكية الفكرية لتمكين الآخرين لكي يعبروا من خلال العربية المكتوبة. وهنا تكمن المشكلة. للأسف كثير من الناس لا يدركون بانهم كما يدفعون رسوماً لإمتلاك نسخة من فيلم أو لعبة فيديو، عليهم أن يدفعوا رسوم ترخيص لإستخدام محرف.
بدأ مراد خلق محارف قبل عقود من ظهور جهاز الكومبيوتر أو الإنترنت. وفقاً لبطرس، في أوائل سبعينات القرن الفائت كان خطاطو ومصممو العربية يصممون محرفاً في حجم 3-6 مرات أكبر من الحجم النهائي الذي كانوا يحتاجونه. بعدها كان يُخفَّض مقياس المحرف فوتوغرافياً إلى الحجم المطلوب، ثم تُطبع نسخ عدة على الورق الأبيض المصقول، ويتم قطع الأحرف أخيراً ولصقها معاً باليد لتشكيل الكلمة أو الجملة المطلوبة في مجلة أو إعلان. وكانت عملية بطيئة كثيفة العمالة.
ثم، في العام 1976، بدأت الشركة البريطانية “ليتراسيت” (Letraset) العمل على مجموعة واسعة من المحارف العربية بإستخدام عملية الشاشة الحريرية. وهذا جعل الأمر أسهل بكثير لإستخدام المحارف المتخصصة في مجال الإعلان واللافتات والعناوين وغيرها من المحتوى المكتوب الإبداعي. وبالتعاون بين بطرس و”ليتراسيت” ولد المحرف العربي، “بطرس المعلنون للنسخ” (Boutros Advertisers Naskh) للعمل في وئام مع المحارف الإنكليزية.
“يستند التصميم على أسلوب النسخ الكلاسيكي، محترماً الخط العربي وقواعده الثقافية”، يوضّح بطرس. “تم تصميم خطوط مستقيمة مترابطة إضافية لتتناسب مع مستوى الخط اللاتيني لتحقيق الإنسجام عندما تستخدم جنباً إلى جنب مع محرف متعادل باللاتينية مثل “غراموند”، “بالاتينو” و”تايمز رومان”، وكذلك “هيلفيتيكا”، وفوتورا”، و”فروتيغر”. والخفيفة والمتوسطة الأوزان هي مناسبة لجسم النص. وهناك أوزان أخرى مناسبة للعناوين والعناوين الفرعية. أما الخطوط العريضة، وإصدارات الظل وفي الخط فيمكن أن تستخدم لإعطاء ديكور إضافي لجميع أنواع مواد الإتصال”، مضيفاً.
أصبحت “بطرس المعلنون للنسخ” شعبية جداً، خصوصاً للعلامات في الأماكن المغلقة والهواء الطلق في المطارات والمكاتب والمستشفيات. ولم يمض وقت طويل حتى قفز إستخدام المحارف قفزة أكبر مع قدوم برامج كومبيوترية للتعامل مع معالجة النصوص والفنون التخطيطية. الواقع أنه كان يجب أن يصبح بطرس مليونيراً بسبب إنتشار محارفه في كل مكان. لكن هذا لم يحدث. بدلاً من ذلك أصبحت “بطرس المعلنون للنسخ” محرفاً الأكثر مقرصناً في جميع أنحاء العالم.
“الناس بحاجة إلى معرفة أنه عندما يتم تحميل الخطوط من مواقع على الإنترنت والتي تدّعي أنها تقدم خطوطاً مجانية، فإن معظم تلك العروض ليس قانونياً”، يقول بطرس. مضيفاً: “ينبغي على الناس أن يعتادوا على إحترام إبداع الآخرين والتقبل بأن عليهم أن يدفعوا ثمناً لإبداع الأشخاص. إن الأفراد لن يكونوا سعداء للذهاب إلى مكتب والعمل فيه من دون أجر. كذلك إن المبدعينن ليسوا سعداء عندما يرون أن الأفراد والشركات يقومون بإستخدام ثمار عملهم، وإبداعهم، من دون أي تعويض”.
بطرس ليس مستاء من الشاب الفقير في العالم النامي، الذي ليس لديه المال لتحمّل ثمن محرف ويسرق واحداً خاصاً ب”بطرس العالمية” للإستخدام الشخصي. ولكن إذا أقدم الشاب الفقير عينه على نسخ الخط وبيعه من أجل الربح، عندها يصبح العمل قرصنة. والأسوأ من ذلك في رأيه هو عندما يقوم شخص ما بأخذ تصميم محرف، ويغيّر فيه قليلاً، ويعطيه إسماً آخر ثم يقدمه على أنه خط قانوني. وقد أطلع بطرس “أسواق العرب” على مثال لشخص قد فعل ذلك بالضبط مع واحد من محارف “بطرس العالمية”.
ولكن ماذا يوصي بطرس لتجنب قضايا الملكية الفكرية عندما يتعلق الأمر بالبرمجيات؟
“كلما كانت لديك فرصة، إستخدم برمجيات مفتوحة المصدر،” قال. “أنا أستخدم “أوبن أوفيس” وبرامج أخرى مع رخصة عمومية عامة. الآن هناك الكثير من البرامج المفتوحة المصدر وهذا أمر جيد للبرمجيات التجارية. إنها وسيلة للتأكد من أنك لا تسرق إبداع شخص آخر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى