الفن والسياسة … من معين شريف إلى جوليا بطرس!

بقلم جوزف قرداحي

2015-01-02_21-27-39

ضجَّت مواقع التواصل الإجتماعي أخيراً بفيديوهات ملتقطة من المظاهرات التي شهدتها ساحتا الشهداء ورياض الصلح في بيروت، يظهر فيها عدد من الفنانين وهم يعلنون مواقفهم السياسية المؤيّدة والداعمة لهذا الفريق أو ذاك الحزب أو التيار، على قاعدة أن الفنان إبن المجتمع وهو من الشعب، ومعاناته لا تختلف إطلاقاً عن معاناة الناس الحياتية المتفاقمة نتيجة الفساد المستشري في الدولة اللبنانية، الأمر الذي أغرقها مع مواطنيها في أزمة هي من أخطر الأزمات البيئية على الإطلاق هي أزمة النفايات.
اللافت أن أكثر من مغنٍ لبناني شارك في مظاهرات متباينة في المواقف ومختلفة في الرؤيا السياسية، مثل الفنان معين شريف الذي أطلق مواقف في مظاهرة “طلعت ريحتكم” (التي رفعت صور كل الأقطاب والزعماء السياسيين من دون إستثناء، بصفتهم مسؤولين عن الفساد)، تختلف تماماً عن مظاهرة “التيار الوطني الحر” المؤيدة للعماد ميشال عون الرافض تعميم الإتهامات بالفساد، متهماً التجمعات المدنية بأنها تجمّعات مشبوهة، وإن كانت مطالبها محقّة في رفع شعاراتٍ هي في الأساس شعارات “التيار الوطني الحر”.
معين شريف الذي طالب في مظاهرة “طلعت ريحتكم” كل المسؤولين السياسيين وزعماء الأحزاب والطوائف بالذهاب إلى بيوتهم لأن “ريحتهم طالعة”، عاد ونسف كل مواقفه بعد أيام قليلة في مظاهرة التيار العوني التي استهلها بتحية: “لبيكَ يا نصرالله” الأمر الذي أثار أكثر من سؤال عن دور “حزب الله” في هذا الحشد البشري البرتقالي، وهل هو برتقالي صافي أم وراء البرتقال ليمون أصفر؟!
ما فعله معين شريف وهو المعروف بولائه المطلق ل”حزب الله” والجنرال عون، فعله أيضاً الفنان زين العمر فشارك في مظاهرتين متنافرتين، وأطلق موقفين لا يلتقيان، الأول يريد إسقاط الطبقة السياسية وكل رموزها من دون إستثناء، أما الثاني، فهو المطالبة بإنتخاب الجنرال عون رئيساُ مباشرة من الشعب.
هذا التخبط السياسي في المواقف لم يقع فيه معين شريف وزين العمر وحدهما. فقبلهما وقعت ماجدة الرومي في الإرباك السياسي ذاته في العام 1990 حين غنّت “غضبك نار خللي النار تشعّل نار الثورة” أمام رئيس الحكومة العسكرية آنذاك العماد ميشال عون في قصر الشعب ببعبدا، ثم عادت وإتخذت خياراً آخر في العام 2005 بُعيد إغتيال الرئيس رفيق الحريري، فغنت في إحتفالات “البيال” لقائد ثورة الأرز الجديد سعد الحريري، السعودي المنشأ والهوى والولاء، ولو رفع تمويهاً في بداياته شعار “لبنان أولاً”.
إلى ماجدة الرومي شهدت ساحة االمظاهرات السياسية مواقف لجوليا بطرس، التي كانت أحد أركان مظاهرات العام 2006 أمام منظمة “الأسكوا” في ساحة رياض الصلح في بيروت إحتجاجاً على الحرب الإسرائيلية على لبنان، ومعها وقف مئات الفنانين والإعلاميين ورجال الفكر ومن مختلف التيارات والإتجاهات تنديداً بالعدوان، ولكن اللافت أن جوليا ذهبت في مواقفها أبعد من الجميع، فأنتجت أغنية مصوَّرة على طريقة الفيديو كليب، مستوحاة من خطاب السيد حسن نصرالله إلى رجال “المقاومة”، قام بنظمها الشاعر غسان مطر ولحّنها شقيقها زياد بطرس بتوزيع ميشال فاضل. أما الغريب في الأمر أن الأغنية على روعتها أداء ولحناُ وتوزيعاً وكلاماً وتصويراً، لم تلقَ أي ترحيب علني من جانب الأمين العام للحزب، وبالتالي لم تحظَ بأي فرصة من جانب محطة “المنار” لبثها عبر شاشتها لجمهور “المقاومة”، لأسباب دينية تمنع ظهور أي إمرأة على شاشتها تتعاطى فن الغناء.
وإذا كانت جوليا التي آمنت وغنّت لمقاومة لا تؤمن بها، ولا تجد فيها أكثر من إمرأة ينبغي سترها وتغطية رأسها بالحجاب الشرعي، ومنع صوتها من الغناء لأنه فجور وحرام، وإذا كان الفن لا يلتقي مع السياسة مهما كانت نظيفة لأنها متغيرة ولا تستقر على مبدأ أو قاعدة، وإذا كان إلتزام الفنان القضايا السياسية مهما كانت محقّة وعادلة يجعله فناناً ضيّق الأفق، ومفروزاً للون سياسي قد لا يلتقي مع الجميع، فأي مجد يسعى إليه الفنان حين يمجّد الزعيم وينحني أمامه إسترضاءً؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى