هل التعليم مفتاح تمكين المرأة في المملكة العربية السعودية؟

في تقرير المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر في العام 2009، جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة 119 من أصل 134 بلداً بالنسبة إلى المساواة بين الجنسين، ولا سيما في الفرص الوظيفية والتعليم والمشاركة السياسية. علماً أنها كانت البلد الوحيد الذي يسجل صفراً في فئة التمكين السياسي في العام 2008. ومنذ ذلك الحين عملت الرياض على سد الفجوة بين الجنسين، وحققت تحسينات كبيرة مما جعلها أفضل دولة في إجراء التحسينات مقارنة ببدايتها. وفي تقرير سد الفجوة لعام 2014، فإن السعودية حققت تقدماً ملحوظاً في التمكين السياسي، ولكن إلى أي حد؟

الملك عبد الله: أصدر إصلاحات لتحسين وضعية المرأة السعودية
الملك عبد الله: أصدر إصلاحات لتحسين وضعية المرأة السعودية

الرياض – سمير الحسيني

في الأخبار الواردة أخيراً من المملكة العربية السعودية: فيديو على الإنترنت يعرض رجال الشرطة الدينية وهم يوجّهون اللوم إلى إمرأة مُحجَّبة بشكل كامل لعدم إرتداء قفازات؛ فتوى رجل دين تُحرِّم على النساء مشاهدة مباريات كرة القدم لمنعهنّ من التحديق في أفخاذ الرجال؛ وحُكِمت إمرأة ب70 جلدة بتهمة إهانة زوجها على ال”واتساب” (WhatsApp). في الوقت عينه، أصدرت وزارة التعليم السعودية إحصاءات تُبيِّن أن النساء يشكّلن ما يقرب من 52 في المئة من خريجي الجامعات داخل المملكة، في حين درست أكثر من 35،000 فتاة سعودية في الخارج في العام 2014، وأكثر من نصفهن إخترن الدراسة في الولايات المتحدة، في جامعات كبرى مثل هارفارد وستانفورد وجورجتاون. ولكن النقيض يمكن أن يكون أكثر قساوة: إن الدولة عينها التي ترعى النساء للحصول على درجة عالية من التعليم –دكتوراه- في الخارج، لا تسمح لهن بقيادة السيارة في بلدهن.
في حين أن السعودية غالباً ما توصف في الغرب، وفي أجزاء كثيرة من العالم العربي، بأنها واحدة من أكثر الدول قمعاً في العالم تجاه المرأة، فإن هذا التناقض يوحي بأن الأمور هي أكثر تعقيداً مما تبدو عليه. أحد التفسيرات للتعليم كنقطة مضيئة في سجل مظلم لحقوق الإنسان هو القيمة العالية تقليدياً التي تُعطى له في كل من الثقافتين الإسلامية والعربية. “إطلب العلم من المهد إلى اللحد” و”أطلب العلم ولو كان في الصين” هما من بين الأقوال التي نقلت عن النبي.
لكن على الرغم من الأسس الدينية الراسخة التي بُنيت عليها المملكة، فإن تعليم المرأة في السعودية هو ظاهرة جديدة نسبياً. في العام 1970، بلغت معدّلات محو الأمية لدى النساء 2 في المئة فقط. إن الزخم لتوسيع تعليم المرأة جاء في منتصف سبعينات القرن الفائت بعد الطفرة النفطية، بسبب القلق بأن يؤدي تزايد أعداد الرجال السعوديين الذين يدرسون في الخارج إلى زواجهم من نساء أجانب لتجنّب الإضطرار إلى الزواج بفتيات غير متعلمات. وبعد أربعة عقود، تفتخر المملكة الآن بمعدل 91 في المئة للإناث الملمّات بالقراءة والكتابة (مقابل 97 في المئة للرجال). ويزعم المسؤولون السعوديون أنه تم القضاء على الأمية بشكل كامل تقريباً بين الأجيال الشابة من الإناث.
إستفاد الرجال السعوديون طويلاً من برامج الحكومة للدراسة في الخارج، ولكن عندما جاء الملك عبد الله إلى السلطة في العام 2005، أصدر للمرة الأولى برنامجاً للمنح الدراسية في الخارج خاصاً بالإناث. وتفيد المعلومات بأن الفتيات يشكلن 20 في المئة على الأقل من المستفيدين من المنح. ويشير النقاد إلى حواجز موضوعة أمام النساء في البرنامج، إذ أنه لا يتطلب الأمر من الطالبات فقط الحصول على إذن من أسرهن للسفر والتعلم في الخارج، ولكن أيضاً ينبغي وجود وصي ذكر أثناء دراستهن؛ في الممارسة العملية، هذا يمكن أن يؤدي إلى أن تأخذ طالبة بالغة من العمر 30 عاماً تعيش في الولايات المتحدة شاباً يبلغ من العمر 18 عاماً “كوصي”. ويشير آخرون إلى أن أصول برنامج المنح الدراسية، بإعتبارها مبادرة تبادل ثقافي في أعقاب الكشف عن أن غالبية الخاطفين في أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، كانت سعودية. أحد المعلقين السعوديين البارزين مضاوي الرشيد، يرى بأن الأعداد المتزايدة من النساء اللواتي يحصلن على منح الدراسة في الخارج يقمن بوظيفة “سفراء” مهمتهن تغيير التصورات الغربية بالنسبة إلى المرأة السعودية — وبالتالي تخفيف الضغط عن التغيير الحقيقي داخل المملكة. مع ذلك، لا يجادل كثيرون في التقدم الذي تحقق في مجال تعليم المرأة في عهد الملك عبد الله. وشملت الإنجازات البارزة الأخرى فتح أول جامعة مختلطة في السعودية، جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، بالقرب من مدينة جدة الساحلية، في العام 2009، وأكبر جامعة للإناث فقط في العالم، جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، في العاصمة الأكثر تحفظاً، الرياض.
هل ستؤدي هذه المكاسب في مجال تعليم المرأة إلى تغيير أوسع؟ إتجاه التغيير الذي يدعو إلى المساءلة هو أن إرتفاع مستويات تعليم الإناث لم يُترجم إلى المشاركة في القوى العاملة على نطاق واسع في المملكة السعودية. في حين أن إتجاهات مماثلة أيضاً تُلاحَظ في عدد قليل من البلدان المتوسطة الدخل في المنطقة، مثل الأردن، فإن المملكة العربية السعودية هي في المرتبة الأدنى بين البلدان ذات الدخل المرتفع بالنسبة إلى مشاركة الإناث والفرص الإقتصادية. إن نسبة مشاركة القوى العاملة النسائية في المملكة تبلغ 20 في المئة، أي أقل من نصف العدد في الكويت أو الإمارات العربية المتحدة. ولكن لا بد من القول أنه تم إحراز تقدم، مع وصول معدلات مشاركة المرأة إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه خلال العقود القليلة الماضية وإختيار النساء أنواع جديدة من المهن، من الرياضة الأولمبية إلى أمينة صندوق في السوبر ماركت. في الواقع، أعادت الناشطة النسائية السعودية سمر فتاني الفضل إلى الملك عبد الله في توسيع فرص عمل المرأة خارج قطاعي التعليم والطبابة إلى مجالات مثل الخدمات المصرفية وتكنولوجيا المعلومات، والهندسة المعمارية، والعلوم. وفي الشهر الماضي قالت وزارة العمل أن المرأة السعودية يمكنها أن تعمل في قطاع الطهي في الفنادق “طالما أن بيئة عملها خالية من الرجال”.
لكن عموماً، تلاحظ منظمات حقوق الإنسان أن جهود الحكومة لجذب المزيد من الإناث إلى القوى العاملة كانت في كثير من الأحيان غامضة، لم تستطع تحقيق الأهداف، أو تعثرت بسبب مواقف القوى المحافظة. إن المعركة الشرسة بين الحكومة والمتشدّدين من رجال الدين على مسألة تبدو تافهة حول ما إذا كان يمكن للمرأة أن تعمل كمساعدة في متجر لبيع الملابس الداخلية تظهر كم هي هذه القضايا مثيرة للنزاع والجدل. وعلاوة على ذلك، ينبغي ألّا يُفترَض أن جميع النساء السعوديات المتعلّمات تعليماً عالياً يردن العمل. بعضهن يفضلن أن يكنَّ ربات بيوت متعلّمات كأسلوب حياة مشروع، تماماً كما هو الحال في الغرب. ولكن بشكل عام هناك أدلّة شفهية مستشرية قوية تشير إلى أن الكثير من الخريجات السعوديات لا يردن المشاركة في القوى العاملة المدفوعة، ولكنهن يناضلن من أجل إيجاد فرص مطابقة لمؤهلاتهن.
إلى أي مدى ينبغي أن يكون صانعو السياسات المنخرطون مع المملكة لتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان متشحّعين من التقدم الهائل في تعليم المرأة والفتح التدريجي لفرص العمل؟ هل سيتابع العاهل السعودي الجديد الملك سلمان خطوات سلفه الراحل الملك عبدالله في هذا المجال؟ تشير دلائل مبكرة إلى أن الملك الجديد لن يُلغي الإصلاحات الصديقة للمرأة لسلفه. وهو يواصل عمله بالمضي قدماً بحذر بالنسبة إلى الحقوق الإنتخابية للمرأة، مع حلول الموعد المقرر للسماح للنساء بالتصويت للمرة الأولى في وقت لاحق من هذا العام، على الرغم من أن ذلك سيجري فقط في الإنتخابات البلدية. كما أن هناك إشارات إلى تغييرات لرفع بعض القيود المفروضة على الحركة النسائية. في أثناء إطلاق الحملة الحكومية الجديدة التي دُعيت “جواز سفرك، هويتك” في جدة، قال المدير العام لمكتب الجوازات في المملكة أن القواعد التي تفرض على النساء تحت سن 45 لإظهار أن لديهن إذناً من وصي ذكر للسفر تمّت مراجعتها، وإستبدالها بقواعد جديدة من المرجح أن تركّز على سبب السفر بدلاً من العمر. وفي حين أن تفاصيل الإصلاحات المقبلة ما زالت غامضة، فإن حقيقة أنه تمت مراجعة وإستبدال الشرط الذي يفرض على المرأة أن تحصل على إذن من وصي ذكر للسفر تعتبر خطوة مهمة.
من ناحية أخرى، يشير العديد من المراقبين إلى أن الحكومة السعودية على ما يبدو أكثر تقدمية من بعض قطاعات السكان في البلاد، وعلى هذا النحو فقد واجهت رد فعل قوياً من بعض الأوساط حيال سياساتها بشأن عمل المرأة وتعليمها. لهذا السبب، فإن الملك سلمان، في حين من المرجح أن لا يعكس أي إصلاحات أجراها الملك عبد الله، فمن غير المتوقع أن يسرع في تنفيذها أيضاً. مع البطالة بين الشباب السعودي تحوم تحت 30٪، هناك ضغط سياسي ثقيل على الحكومة للحفاظ على وصول الذكور إلى وظائف بدلاً من تشجيع أعداد كبيرة من النساء للإنضمام إلى القوى العاملة.
في الوقت عينه، يتوقع الخبراء بأن تستفيد النساء من سياسة “السعودة”، وهو ما يعني أن الشركات العاملة في المملكة العربية السعودية من المتوقع على نحو متزايد أن تعمد إلى توظيف وتدريب السكان المحليين بدلاً من الإعتماد على العمالة الوافدة، وخصوصاً بالنسبة إلى المواقع التي تتطلب مهارات أعلى. وبالتالي هناك أسباب أخرى غير حقوق المرأة لتعزيز مشاركة القوى العاملة النسائية، مثل التنمية وإهتمامات بناء الدولة، فضلاً عن الطلب القوي على عمل المرأة السعودية في بعض القطاعات (على سبيل المثال، الزبائن من النساء يفضلن شراء الملابس الداخلية من محلات تعمل فيها النساء بدلاً من الذكور الوافدين). ولكن إذا كانت التحركات لتوظيف الإناث يدفعها طلب صاحب العمل أو إعتبارات حقوق الإنسان، فإن المعارضة المحافظة ضد دخول المرأة إلى سوق العمل لا تزال قوية.
إن التأثير في المجتمع السعودي من جيل جديد من الإناث المتعلمات تعليماً عالياً – حيث العديد منهن لم تذهب جدّاتهن إلى المدرسة ولم يعرفن القراءة أبداً- يتعيّن الشعور به تماماً. يبدو أن التغيير التدريجي لا مفر منه. وكما قال طالب سعودي يدرس في واشنطن لإحدى الصحف: “أعتقد أن المرأة هي أكثر طموحاً من الرجال في بلادنا. لدينا الكثير من الاشياء للقيام بها بالنسبة إليها… لا يوجد لدينا العديد من الخيارات، نريد إيجاد خيارات أخرى جديدة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى