المصريون يتحدّون الإرهاب بالذهاب إلى السينما

على الرغم من العمليات الإرهابية التي شهدتها مصر في شهر رمضان الفائت، ومنها تفجير دار سينما “رادوبيس”، لم يتأثر الإقبال هذا الصيف على دور العرض السينمائية في القاهرة كما توقع بعض منتجي االفن السابع، بل على العكس فقد شهدت هذه الدور إقبالاً جماهيرياً كبيراً.

سينما رادوبيس: فجِّرت مرتين
سينما رادوبيس: فجِّرت مرتين

القاهرة – هدى أحمد

شهدت دور العرض السينمائية في مصر أخيراً إقبالاً جماهيرياً واسعاً حيث إحتشد الناس لمشاهدة أفلام موسم عيد الفطر، الذي بدأ في 17 تموز (يوليو) الفائت. تتنافس خمسة أفلام جديدة حالياً على الوصول إلى المركز الأول من حيث الإيرادات: “ولاد رزق” بطولة أحمد عز؛ “حياتي مبهدلة” بطولة محمد سعد؛ “سكّر مر”، “نوم التلات” بطولة هاني رمزي؛ و”شدّ أجزاء” بطولة محمد رمضان.
كانت تكاليف إنتاج كل هذه الأفلام الخمسة عالية نسبياً (حسب متوسط تكلفة الفيلم المصري) حيث وصلت إلى ما يقرب ال84 مليون جنيه مصري (حوالي 10.8 ملايين دولار) في المجموع. ولم تساهم الدولة المصرية في تمويل أي منها، على الرغم من مخاوف المنتجين قبل عيد الفطر من إمكانية إنخفاض نسبة الإقبال نظراً إلى حدوث عدد كبير من العمليات الإرهابية التي إبتليت بها البلاد خلال شهر رمضان. ومن أهم تلك العمليات كان تفجير القنصلية الإيطالية في وسط القاهرة في 11 تموز (يوليو) 2011، فضلاً عن إغتيال النائب العام هشام بركات في 29 حزيران (يونيو) الفائت. وكان هناك أيضاً هجوم غرة تموز (يوليو) على القوات المسلحة المصرية في شمال سيناء التي نفّذها تنظيم “ولاية سيناء” الإرهابي، بالإضافة إلى إستهداف المسارح وصالات العرض بينها كانت سينما رادوبيس في شارع الأهرام في محافظة الجيزة التي تعرّضت للتفجير مرتين. وقع الهجوم الأول في كانون الثاني (يناير) 2014 وقتل شخص واحد، وتم القبض على شاب إعترف بتفجير السينما وبإرتباطه بتنظيم “بيت المقدس”، وقال أن إستهداف المسارح ودور العرض السينمائية هدفه قتل رجال الشرطة الذين يحرسونها. ووقع التفجير الثاني في 17 تموز (يوليو) 2015.
على الرغم من الخطر المحدق، قرر أصحاب دور العرض فتح أبوابها للإستفادة من موسم عطلة عيد الفطر، وهو عادة موسم مربح. وفقاً لهاني عبد الفتاح، رئيس قطاع الإستوديوهات ودور العرض، فقد واصل الجمهور إقباله على دور السينما لمشاهدة الأفلام على الرغم من محاولات التفجير.
من جهتهم عانى منتجو الأفلام في مصر وتأثروا بشدة من جراء الهجمات الإرهابية وآثارها السلبية في صناعة السينما، والتي قد تؤدي إلى إحجام الجمهور عن الذهاب إلى المسارح خوفاً. ومع ذلك، أصرّ مديرو دور العرض على العودة إلى العمل في كانون الثاني (يناير) 2014 للوقوف والصمود في وجه العمليات الارهابية – تحديداً بعد تفجير سينما رادوبيس.
وأُطلق سراح العديد من الأفلام الجديدة في شباط (فبراير) 2014، ولكن العائدات كانت مخيبة للآمال، ولم تتجاوز ال5 ملايين جنيه مصري (640،000 دولار).
ومع ذلك، على الرغم من الظروف المماثلة هذا العام، وحتى زيادة العمليات الإرهابية، تحديداً خلال شهر رمضان، إرتفعت إيرادات أفلام عيد الفطر رغم كل الصعاب. وقال شريف مندور، نائب رئيس غرفة صناعة السينما، أن الإيرادات تجاوزت 25 مليون جنيه مصري (3.2 ملايين دولار) خلال العيد (فترة أربعة أيام) ولا تزال في إرتفاع، وفقاً لمسح أجرته غرفة صناعة السينما المصرية.
وقال مندور: “غالبية أفراد الجمهور هي من المراهقين والشباب، الذين عادة ما يتحلّون بالشجاعة ويتميزون بحب الخروج ومشاهدة الأفلام الجديدة على الرغم من العمليات الإرهابية”.
حول وضع دور السينما بعد عيد الفطر، قال مندور أنه على الرغم من أن العطلة قد إنتهت، فقد بقيت الأفلام في دور العرض لفترة أطول بفضل الإقبال الكبير بشكل غير متوقع. وأطلق سراح فيلم “الخلبوص” بطولة أحمد رجب، وبدأ عرضه إبتداء من 29 تموز (يوليو) الفائت. وأكد مندور أن الإيرادات لم تهبط بعد عطلة الاعياد والجمهور مازال مستمراً بالتدفق على دور السينماً.
وقال طارق العريان، منتج ومخرج “ولاد رزق”، والذي يُعرض حالياً في دور العرض المصرية أن إيرادات الفيلم في عيد الفطر كانت أعلى من موسم العام الماضي على الرغم من تصاعد العمليات الإرهابية. وقال: “أصبح الشعب المصري معتاداً على الإرهاب ويريد مواصلة حياته والإحتفال بالأعياد”، وأضاف بأن “النوعية الجيدة” للأفلام التي تظهر الآن قد شجعت الجمهور على الحضور.
على مقربة من وسط القاهرة، بالقرب من القنصلية الايطالية التي تعرضت للتفجير في تموز (يوليو)، إنتظر محمد عبد القادر مع عائلته أمام سينما ميامي لمشاهدة فيلم. ولم يبدُ أنه قلق بشأن الأحداث التي هزت البلاد خلال شهر رمضان أو بالتفجيرات التي وقعت في وسط القاهرة، مثل تفجير مبنى محكمة في آذار (مارس) والذي أسفر عن مقتل شخص وجرح ثلاثة آخرين.
قال عبد القادر أنه قرر “مشاهدة الأفلام الجديدة بعد توقف دام عامين بسبب العنف والتفجيرات”، وأشار إلى أنه قد إنتظر عيد الفطر لوضع حد لتجنب خطر التجمعات الكبيرة.
وأكد عماد جلال، رئيس سينما ميامي، أنه لم يكن يتوقع “هذا الاقبال الكبير في عيد الفطر بسبب تكرار أعمال العنف في شهر رمضان”. وأضاف أن الشعب المصري “يصر على تحدي الإرهاب والعنف”.
وأشار جلال إلى أن المسارح في وسط القاهرة إتخذت تدابير أمنية مشددة مُنع المشاهدون بموجبها من الخروج من دور السينما خلال أوقات العرض. كما أنه صار واجب على المشاهدين إظهار بطاقات الهوية الخاصة بهم في كشك التذاكر. وقال: “شملت هذه التدابير أيضاً بوابات إلكترونية على مداخل المسارح وتفتيش المواطنين قبل الدخول”.
وصف جلال أفلام العطلة بأنها كانت “جيدة جداً مقارنة مع المواسم الماضية”، وقال أن “هناك عروضاً تبدأ الأن في ال12:00 ظهراً وتنتهي في 03:00 بعد الظهر بسبب الاقبال الكبير الذي إستمر حتى بعد انتهاء عيد الفطر”.
وأشاد مساعد وزير الداخليّة اللّواء محمّد نور الدين بـ”الإجراءات الأمنيّة الّتي اتّخذتها الشرطة من أجل دور العرض الكبرى، الّتي تشهد تجمّعات كبيرة بهدف حمايتها من أيّ خطر متوقّع”، لافتاً إلى أنّ “المواطن المصريّ أصبح واعياً أكثر على كيفيّة كشف الأجسام الغريبة والتّعامل مع العبوات الناسفة”.
ورأى أستاذ ورئيس قسم أصول التربية وعلم الاجتماع في جامعة السويس الدّكتور نبيل عبد الخالق أنّ “طبيعة المواطن المصري عاشقة للتحدّي، فلا يستطيع أن يمنع نفسه من الاختلاط لأنّه إجتماعيّ إلى درجة كبيرة، ومهما زادت حدّة عمليّات الإرهاب لا يخاف، فمثلاً عندما عثر أهالي منطقة العباسيّة في القاهرة على قنبلة بدائيّة الصنع لم يهربوا، لكنّهم تجمّعوا حولها أثناء تفكيكها، وهذا الموقف يتكرّر كثيراً. ولذلك، تجدهم يقبلون على دور العرض، رغم تفجير دار عرض في أوّل أيّام العيد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى