أزمة اليونان: هل تؤدي أوروبا إلتزاماتها من الصفقة؟

بقلم بن برنانكي*

وافق البرلمان اليوناني في الشهر الفائت على المطالب الأوروبية لإتخاذ تدابير تقشّف صارمة جديدة والإقدام على إصلاحات هيكلية، نازعاً بذلك (في الوقت الحالي، على الأقل) فتيل أزمة الديون السيادية في البلاد. الآن هو الوقت المناسب للسؤال: هل أن أوروبا تؤدي إلتزاماتها من الصفقة؟ على وجه التحديد، هل أن القيادة في منطقة اليورو تقدّم الإنتعاش الإقتصادي المطلوب على نطاق واسع لمنح البلدان المُرهَقة مثل اليونان فرصة معقولة لتلبية نموها، ومواجهة أزمة البطالة، وتحقيق الأهداف المالية؟ في المدى الطويل، من الواضح أن هذه الأسئلة ستكون لها تداعيات أكبر بالنسبة إلى أوروبا، والعالم، أكثر من الأسئلة حول ما إذا كانت اليونان الصغيرة يمكنها الوفاء بإلتزاماتها المالية العامة.
للأسف، إن الأجوبة عن هذه الأسئلة هي أيضاً واضحة. منذ إندلاع الأزمة المالية العالمية، كانت النتائج الإقتصادية في منطقة اليورو مخيّبة للآمال بشكل كبير. إن فشل السياسة الإقتصادية الأوروبية يعود إلى جانبين وثيقَي الصلة: (1) ضعف أداء منطقة اليورو ككل؛ و(2) النتائج غير المتماثلة إلى حد كبير بين البلدان داخل منطقة اليورو. ويتّضح الأداء العام المتدنّي في الشكل 1 أدناه، الذي يدل على معدل البطالة في منطقة اليورو منذ العام 2007، حيث يظهر معدل البطالة في الولايات المتحدة للمقارنة. (أ)
في أواخر 2009 وأوائل 2010 كانت معدلات البطالة في أوروبا والولايات المتحدة متساوية تقريباً، حوالي 10 في المئة من القوى العاملة. اليوم يبلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة 5.3 في المئة، في حين أن معدل البطالة في منطقة اليورو هو أكثر من 11 في المئة. وليس بالمصادفة، أن القسم الكبير جداً من البطالة في منطقة اليورو يتألف من العمال الشباب الأصغر سناً؛ فإن عجز هؤلاء العمال عن إكتساب مهارات وخبرة في العمل يؤثر سلباً في إمكانات النمو في المدى الطويل في أوروبا.
ويتّضح التفاوت في النتائج الإقتصادية بين البلدان داخل منطقة اليورو في الشكل 2، والذي يقارن معدل البطالة في ألمانيا (التي تمثّل نحو 30 في المئة من إقتصاد منطقة اليورو) مع ما تبقى من منطقة اليورو (ب).
حالياً، يتجاوز معدل البطالة في منطقة اليورو، من دون ألمانيا، 13 في المئة، مقارنة مع أقل من 5٪ في ألمانيا. وتشير البيانات الإقتصادية الأخرى إلى تناقضات مماثلة داخل منطقة اليورو بين “الشمال” (بما في ذلك ألمانيا) و”الجنوب”.
إن الأنماط الموضَّحة في الشكلين 1 و 2 تشكّل تحديات خطيرة في المدى المتوسط لمنطقة اليورو. كانت العملة الموحّدة (اليورو) وعد بزيادة الرخاء وتعزيز التقارب والتكامل الأوروبي على حد سواء. ولكن الظروف الإقتصادية الحالية لم تستطع بناء الثقة العامة في صنّاع السياسة الإقتصادية الأوروبية أو توفير بيئة مواتية لتحقيق الإستقرار المالي والإصلاح الإقتصادي؛ والتضامن الأوروبي سوف لن يُزهر في ظل نظام ينتج مثل هذه النتائج المتباينة بين الدول.
المخاطر التي تعترض المشروع الأوروبي التي تشكّلها هذه التطورات الإقتصادية هي حقيقية، مهما قد تكون أسبابها. في الواقع، الأسباب ليست صعبة جداً للتحديد. التعافي البطيء من أزمة منطقة اليورو ككل هو نتيجة، من بين عوامل أخرى، من (1) المقاومة السياسية التي أخّرت سنوات عديدة تنفيذ سياسات نقدية عدوانية بما فيه الكفاية من قبل البنك المركزي الأوروبي؛ و(2) سياسات مالية صارمة بشكل مفرط، وخصوصاً في دول مثل ألمانيا التي لديها قدر من “الحيّز المالي”، وبالتالي لا حاجة فورية لربط الأحزمة؛ و(3) التأخر في إتخاذ الخطوات اللازمة، مماثلة ل”إختبارات الإجهاد” المصرفية في الولايات المتحدة في ربيع العام 2009، لإستعادة الثقة في النظام المصرفي. وفي المناسبة أنا لا أودّ وضع “جمود هيكلي” عالٍ جداً في هذه القائمة. إن الإصلاحات الهيكلية مهمة لنمو المدى الطويل، ولكن التدابير لتوفير التكاليف هي أقل أهمية عندما يكون العديد من العمال عاطلين في الأصل فعلياً؛ علاوة على ذلك، هناك مشاكل هيكلية موجودة في أوروبا منذ فترة طويلة لذا لا يمكن تفسير الإنخفاضات الأخيرة في الأداء.

66

ماذا عن قوة الإقتصاد الألماني (وقلة أخرى) بالنسبة إلى بقية منطقة اليورو، كما يتضح من الشكل رقم 2؟ كما ناقشت في وقت سابق، لقد إستفادت ألمانيا من وجود العملة الموحّدة، اليورو، مع قيمة دولية هي أضعف بكثير من العملة الألمانية الإفتراضية التي ستكون (المارك). وهكذا منحت عضوية ألمانيا في منطقة اليورو دفعة كبيرة للصادرات الألمانية، بالنسبة إلى ما يمكن أن تكون مع عملة محلية مستقلة.
ليس هناك من يقترح ويقول أن الكفاءة والنوعية المعروفتين للإنتاج الألماني ليستا شيئاً من الأشياء الجيدة، أو لا ينبغي على الشركات الألمانية أن تسعى إلى المنافسة في أسواق التصدير. ما يشكل مشكلة، مع ذلك، هو أن ألمانيا قد إختارت بشكل فعّال الإعتماد على الطلب الخارجي بدلاً من الداخلي لضمان التشغيل الكامل للعمالة محلياً، كما هو مبين في فائضها التجاري الكبير بشكل غير عادي والمستمر، والذي حالياً يقترب من 7.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. في إطار نظام سعر الصرف الثابت مثل منطقة اليورو، فإن مثل هذه الإختلالات المستمرة هي غير صحّية، وتحدّ من الطلب والنمو لدى الشركاء التجاريين وتولّد تدفقات مالية يمكن أن تزعزع الإستقرار (ت). والأهم من ذلك أن الفائض التجاري الضخم في ألمانيا يضع كل عبء التعديل على البلدان ذات العجز التجاري، التي يجب أن تخضع لإنكماش مؤلم في الأجور والتكاليف الأخرى لتصبح أكثر قدرة على المنافسة. كان يمكن لألمانيا أن تساعد على إعادة التوازن في منطقة اليورو ورفع وتيرة شاملة للنمو في منطقة العملة الموحدة من طريق زيادة الإنفاق محلياً، من خلال تدابير مثل زيادة الإستثمارات في البنية التحتية، والضغط من أجل زيادة الأجور للعاملين الألمان (لزيادة الإستهلاك المحلي)، والإنخراط في إصلاحات هيكلية لتشجيع المزيد من الطلب المحلي. يستتبع هذه التدابير تضحية قليلة أو معدومة في المدى القصير بالنسبة إلى الألمان، وسيقومون بالتالي بخدمة مصالح البلاد في المدى الطويل من طريق الحدّ من مخاطر تفكك اليورو في نهاية المطاف.
662
كلامسوف أنهي مع مقترحين إثنين من المقترحات الملموسة. أولاً، كان ينبغي أن تستند المفاوضات حول عبء الديون، التي من الواضح أن اليونان لا يمكن أن يتحملها، على إفتراضات واضحة حول النمو الأوروبي. إذا تحوَّل النمو الأوروبي إلى أن يكون أضعف مما كان متوقَّعاً، وهذا بدوره سيجعل من الصعب على الإقتصاد اليوناني أن ينمو، عندها ينبغي أن تُمنح أثينا فسحة أكبر بعد عجزها في تحقيق أهدافها المالية.
ثانياً، لقد حان الوقت لقادة منطقة اليورو لمعالجة مشكلة الإختلالات الكبيرة والمستمرة في التجارة (إما فائض أو عجز)، والتي، في نظام سعر الصرف الثابت مثل منطقة اليورو، تفرض تكاليف ومخاطر كبيرة. على سبيل المثال، إن ميثاق الإستقرار والنمو، الذي يفرض القواعد والعقوبات بهدف الحد من العجز المالي، يمكن أن يمتد لكي يكون مرجعاً للإختلالات التجارية كذلك. إن مجرد الإعتراف رسمياً بأن الدول الدائنة كما المُدينة يتعين عليها الإلتزام بالتكيف والإنضباط مع مرور الوقت (من خلال التدابير المالية والهيكلية، على سبيل المثال) سيكون خطوة مهمة في الإتجاه الصحيح
* بن برنانكي هو زميل متميز مقيم يعمل مع برنامج الدراسات الإقتصادية في معهد بروكينغز. وكان من شباط (فبراير) 2006 حتى كانون الثاني (يناير) 2014، رئيساً لمجلس محافظي نظام الإحتياطي الفيديرالي (البنك المركزي الأميركي).
** كُتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى