التعاون الإقتصادي بين إيران والخليج في ظل الإتفاق النووي

بقلم البروفسور جاسم عجاقة*
ما زالت دول المنطقة العربية حذرة تجاه الإتفاق على البرنامج النووي الإيراني وذلك بسبب التداعيات المتناقضة لهذا الإتفاق. فمن جهة هناك تداعيات إيجابية تطال الإقتصادات الخليجية والعربية عموماً، ومن جهة أخرى فإن تعويم إيران بالمال سيقوّي نفوذها في المنطقة.
إن العلاقة بين إيران والدول العربية هي علاقة صعبة تاريخياً، فبُعيد التمدّد الكبير للأمبراطورية الفارسية والذي إنتهى بخسارة الفرس أمام هرقل أمبراطور الروم في العام 627، قام العرب بحرب “فتح” ضد الإمبراطورية الفارسية وإستطاعوا السيطرة على مناطق كثيرة قبل أن تتم هزيمتهم على يد حفيد جنكيزخان. وإذا إستطاع الأتراك السنّة البقاء في إيران وتقوية وضعهم الإقتصادي، إلا أن العرب إضمحل نفوذهم . هذا التنافس التاريخي على الموارد والسلطة، تعود أصوله إلى الإنقسام الديني بين سني-عربي وشيعي- فارسي والذي تترجم عبر التاريخ بمواجهات عسكرية.
تنخرط سياسة إيران تجاه الدول العربية في إطار سياستها العامة تجاه الدول الإسلامية التي ينص عليها الدستور الإيراني (ما بعد الثورة). وبطبيعة نظام الحكم الثوري فيها، فإن أنظارها تتجه إلى الدول الإسلامية المحيطة بها وعلى رأسها دول الخليج والعراق كنظرة رفض للحكومات العربية التي تعيش نوعاً من “الإسلام الأميركي” بحسب نظرة الإمام الخميني والذي كانت ترجمته على الأرض الحرب العراقية – الإيرانية. وما أجّج المواجهة أكثر مع الدول الخليجية التصادم الإيديولوجي بين نظام ثوري من جهة ونظام ملكي محافظ من جهة أخرى، مع وجود نسبة كبيرة من الشيعة في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين واليمن. وما ميّز السياسة الإيرانية تجاه العالم العربي هو الخطاب العدائي لإسرائيل وأميركا بحيث كان له وقع صدى في الشارع العربي السنّي.
لكن مع وفاة الإمام الخميني، عدّلت إيران في إستراتيجيتها عبر التخلّي عن المواجهة العسكرية المباشرة وظهور خطوط عدة تجاه الدول العربية. فمن ناحية كانت هناك سياسة تجاه دول الخليج، وسياسة تجاه المشرق العربي (العراق، سوريا ولبنان)، وسياسة ثالثة تجاه المغرب العربي. ولكن نظراً إلى المصالح الإقتصادية والدوافع الدينية، نرى أن بلدان الخليج العربي تبقى أولوية مطلقة بالنسبة إلى طهران. فالقرب الجغرافي لدول الخليج ووجود مصالح إقتصادية مُشتركة على مثال آبار البترول في البحر المشتركة بين إيران ودول الخليج، كما والطريق البحري المُشترك بين الجانبين، دفعت بالجمهورية الإسلامية إلى إتباع سياسة حذرة تجاه هذه الدول وذلك عبر المحافظة على الحد الآدنى من العلاقات معها وفي الوقت عينه السعي إلى إضعاف الأنظمة الحاكمة فيها. وإذا ما كانت المواجهة العسكرية قد غابت بشكل مباشر منذ إنتهاء الحرب الإيرانية – العراقية، إلا أن المواجهة السياسية والإقتصادية إستمرّت خصوصاً داخل منظمة “أوبك”، وأصبحت العلاقات مع إيران متعلّقة بشكل كبير بالتوتر السياسي والمنافسة بين الثورة الإسلامية في طهران والنظام الملكي في دول الخليج.
حدّت العقوبات التي فُرضت على الجمهورية الإسلامية من قدرة النظام فيها على مواجهة الأنظمة العربية إقتصادياً. من هنا أتت الإستراتيجية الإيرانية لتفادي هذا العجز عبر شقين: الأول تطوير برنامج نووي بسبب عدم قدرة إيران على الحصول على الأسلحة التقليدية كنتيجة للعقوبات، والثاني العمل على تحريك الأنظمة من الداخل عبر التأثير في الأقليات الدينية في هذه البلدان. وإذا فشلت إيران في الشق الأول، إلا أنها أعطت للمحور الثاني بعداً إستراتيجياً مع تنامي حليفها في لبنان المُتمثّل ب”حزب الله”. وبهذا أصبحت المواجهة الإيرانية الخليجية هي مواجهة عسكرية غير مباشرة ترجمت في بلدان عدة كالعراق، وسوريا، ولبنان، والبحرين، واليمن.
وقد أدت العقوبات الدولية على إيران بدورها إلى إضعافها إقتصادياً وكانت سبباً رئيسياً لتخلّيها عن برنامجها النووي من أجل رفعها. في الجهة المقابلة، تطورت إقتصادات دول الخليج بشكل هائل ومتباين، فغالبية دول الخليج إستفادت من إرتفاع أسعار البترول العالمية ودفعت إقتصاداتها إلى أحجام هائلة. وإعتمد بعضها كقطر إستراتيجيات للإستفادة من الفائض من السيولة وإستثماره في ظل صندوق سيادي كفيل وحده بتأمين موازنة الدولة من دون المردود النفطي. أما بعض البلدان الأخرى كالإمارات، فقد إعتمدت أسلوب تنويع الإنتاج في إقتصادها وخصوصاً الخدمات.

من جهة أخرى بعض الدول الخليجية كالإمارات تتمتع بعلاقات تجارية كبيرة مع إيران على الرغم من الحظر الدولي . فبحسب الأرقام المُتداولة، ما يوازي 20% من الإستيراد الإيراني (من دون المشتقات النفطية) يمّر عبر الإمارات، كما أن رأس المال الإيراني يذهب بالدرجة الأولى إليها. ويعود السبب الرئيسي إلى وجود جالية إيرانية كبيرة (400 ألف إيراني مقيمين) و6000 شركة إيرانية موجودة في الإمارات.
ويبقى السؤال المطروح : هل ستعمد دول الخليج إلى التعاون إقتصادياً مع طهران بعد الاتفاق النووي؟ وما هي الإفادة من ذلك؟
كل الأرقام تُشير إلى أنه من الواجب على دول الخليج التعاون إقتصادياً مع “العدو – الجار” والسبب الرئيسي يعود إلى الإستفادة المادية والإقتصادية التي قد تجنيها الإقتصادات الخليجية من ذلك. ولمَ لا إذا كان بعض الدول التي تُعارض السياسة الإيرانية كتركيا، تحتل المراتب الأولى في التبادل التجاري مع إيران على الرغم من العقوبات الدولية عليها؟ أضف إلى ذلك بأن الإقتصاد الإيراني المتلهّف للإستثمارات الأجنبية سيسمح لرؤوس الأموال الخليجية بتحقيق عائدات على الإستثمارات أكبر بكثير من تلك التي تُحققها في دول أخرى. وفي جميع الأحوال، إذا لم تقم الدول الخليجية بهذه الإستثمارت، فإن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المُتحدة ستقوم بذلك. إضافة إلى أن الدول الخليجية تستطيع الإستثمار في قطاعات تحتاج إلى منتوجاتها نظراً إلى طبيعة الأرض الإيرانية والمناخ الذي يسمح بإنتاج زراعي مثلاً. أما قطاع النفط الذي تُنافس فيه إيران دول الخليج، فإن هذه الأخيرة قد تُشارك الجمهورية الإسلامية في ربحها لتصبح هذه الثروة إستفادة للعرب بدلاً من أن تستفيد منها الدول الغربية.
لكن نظراً إلى الشق السياسي، يبقى الأمر مرفوضاً بالنسبة إلى بعض الدول الخليجية وخصوصاً المملكة العربية السعودية التي تعتبر أن الإتفاق النووي الأخير سيسمح لإيران بالحصول على السيولة التي ستتمكن بواسطتها من الإستمرار في دعم “التنظيمات المُسلحة” المناهضة للسياسة السعودية في العالم العربي.
• خبير إقتصادي وإستراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى