إسكتلندا تحلم بتعميم الكهرباء من طاقة المدّ والجزر في بحرها

تعمل إسكتلندا، بمساعدة من الحكومة اليريطانية المركزية، على الإستفادة من سطح بحر الشمال بعدما إستفادت من قعره. لذا تحوّلت المياه الباردة في شمالها مكاناً لإختبار الجيل المقبل من الطاقة النظيفة أو الخضراء. وإذا نجح المهندسون في مهمتهم التقنية للإستفادة من تلك المياه، فهناك ثورة جديدة واعدة ستولد في عالم الطاقة البديلة.

النائب أليكس سالموند: "مملكة عربية سعودية أخرى من الطاقة في بحر الشمال"
النائب أليكس سالموند: “مملكة عربية سعودية أخرى من الطاقة في بحر الشمال”

أدنبره – محمد سليم

من المعروف أن أمواج المدّ والجزر التي تعبر وتشق مضيق “بنتلاند فيرث” (Pentland Firth) هي من بين الأسرع في العالم. إن التيارات، التي تمر عبر هذا المضيق الذي يمتد على نطاق 6 أميال بين البر الرئيسي الإسكتلندي وجزر أوركني ويربط بحر الشمال إلى المحيط الأطلسي، تندفع كلياً بسرعة تفوق 11 ميلاً في الساعة. ويبدو أن إسكتلندا تأمل هنا، في هذه المياه الرمادية الزرقاء الباردة، أن تعثر على طاقتها المستقبلية – وليس في النفط الموجود تحت قاع المحيط، ولكن من طريق تسخير قوة المياه نفسها.
الواقع أن هذا الأمر سيجعل تلك البقعة واحدة من أفضل المواقع في العالم لتطوير طاقة المد والجزر، وذلك بفضل سرعة التيارات، وعدم عمق البحر، والمسافة غير البعيدة جداً من شبكة الكهرباء في البلاد. في العام 2006، أطلق النائب أليكس سالموند، الذي صار في وقت لاحق الوزيرالأول الرابع في إسكتلندا، على تلك المنطقة من المحيط “مملكة عربية سعودية جديدة لطاقة المدّ والجزر”. من الناحية النظرية، يُمكن ل”بنتلاند فيرث” وحده أن يولّد ما يقرب من نصف الطاقة الكهربائية المستهلكة حالياً في إسكتلندا، وفقاً لدراسة أجراها باحثون في جامعة أوكسفورد.
في ضوء هذه المعطيات، لم يبقَ سوى نجاح المهندسين في إيجاد الطريقة التقنية للإستفادة من ذلك.
على مدى العامين المقبلين، عملت “ماي جن” (MeyGen)، الشركة التي تقف وراء مشروع رائد لتسخير إمكانات المياه الهائجة في “بنتلاند فيرث”، على التخطيط لتركيب أربعة “توربينات” في قاع البحر. مثل “توربينات” الرياح الحديثة، ولكن مدفوعة بالماء بدلاً من الهواء، فإن هذه المجموعة من التوربينات سوف تتحرك بقوة وسرعة مع إيقاع أمواج المدّ والجزر. وإذا سارت الامور بشكل جيد، فإن هذه المجموعة يمكن أن تتوسع إلى ما يصل إلى 269 توربيناً، مما يجعلها أكبر مشروع لطاقة تيارات المد والجزر في العالم. وإلى درجة كبيرة، فإن مستقبل طاقة تيارات المدّ والجزر – واحدة من مصادر الطاقة الأكثر وعداً، ولكن أيضاً واحدة من مصادر الطاقة الأكثر دونكيشوتية وخيالية – يتعلق بنجاح هذه الخطط الطموحة. بحلول العام 2016، تتوقع “ماي جن” (MeyGen) البدء في إرسال الطاقة الكهربائية من التوربينات إلى الشبكة البرية. إن توليد الكهرباء يمكن أن ينمو في نهاية المطاف إلى قدرة تبلغ حوالي 400 ميغاواط – ما يكفي لتزويد 175،000 منزل في إسكتلندا، وفقاً للشركة.
الواقع أن الإنسان بدأ الإفادة من طاقة المدّ والجزر منذ منتصف القرن التاسع عشر على الأقل. فقد عمل على محاصرة المياه خلف السدود والإفراج عنها عبر عجلات المياه التي تستخدم الطاقة لتحويل الرُحى لطحن الحبوب. ولكن على الرغم من تاريخها الطويل، فإن طاقة المد والجزر لم تصبح أبداً جزءاً رئيسياً من مزيج الطاقة في العالم. اليوم، فإنها تمثّل أقل من 0.001 في المئة من إمدادات الطاقة العالمية. ولا تزال تشكل أحد أصعب التحديات للطاقة المتجددة، ليس فقط بسبب صعوبة التشغيل وصيانة معداتها في ظروف لا ترحم – العمل تحت الماء صعب ومكلف – ولكن أيضاً بسبب المخاوف من التأثيرات في الحياة والصناعات البحرية مثل صيد الأسماك و الشحن. ومع ذلك، فقد تزايد الإهتمام والإستثمار في السنوات الأخيرة في طاقة المد والجزر، في جزء كبير منه بسبب مخاوف بشأن تغيّر المناخ.
من السهل أن ندرك جاذبية طاقة المدّ والجزر. فإن لديها بصمة كربون مماثلة لتلك التي تتمتع بها طاقة الرياح، ولكن مع مزيتين رئيسيتين: التوربينات هي مخفية تحت الأمواج، حيث لا يمكنها أن تفسد أي منظر، ومن الأسهل التنبؤ بالمد والجزر أكثر من الرياح. وفيما يتحرك الماء، فإنه يدير التوربينات التي تنتج الكهرباء؛ وبقدر ما نستطيع تمرير المزيد من المياه عبر التوربينات في فترة معينة من الوقت، فبقدر ما يمكن توليد المزيد من الطاقة.
ولكن مثل صناعة طاقة الرياح منذ بضعة عقود، فإن تطوير تيار المدّ والجزر يمرّ ببعض الآلام المتنامية. مثلما إنفجرت قدرة الطاقة الشمسية أخيراً – تزايدت أكثر من عشرة أضعاف منذ العام 2000 – بعد سنوات من التطور البطيء مع تحسن التكنولوجيا وخفض التكاليف، فإن طاقة المد والجزر قد تتمكن من تتبع مسار مماثل لكي تصبح مصدراً رئيسياً للطاقة الخضراء.
لقد تم بناء أول محطة تجارية لطاقة المد والجزر على نهر رانس في فرنسا منذ أكثر من 50 عاماً، والآن هناك أكثر من نصف دزينة من محطات طاقة المد والجزر التجارية قيد العمل، بما في ذلك محطة في كوريا الجنوبية تبلغ قدرتها 254 ميغاواط التي بدأت العمل في العام 2011. كما أن محطة “إنتشيون” لتوليد 1320 ميغاواط من طاقة المد والجزر، والتي هي قيد الإنشاء في كوريا الجنوبية حالياً، ستكون الأكبر من نوعها في العالم عند إكتمالها في العام 2017.
مع ذلك، فإن هذه المحطات التي تعتمد طاقة المد والجزر تستخدم تكنولوجيا مختلفة وأكثر نضجاً من المشاريع المخطط لها على ساحل إسكتلندا. في حين أن مشروع”ماي جن” ( MeyGen) سوف يركّز ويثبّت التوربينات في قاع المحيط في طريق سريع للمد والجزر، فإن المشاريع الفرنسية والكورية الجنوبية بدلاً من ذلك تستخدم سداً تبنيه عبر النهر، أو المصب، أوالخليج، أو بحيرة إصطناعية. وتمتلىء هذه المسطحات المائية مع إرتفاع المد والجزر ثم تطلق المياه من خلال توربينات الطاقة الكهرومائية عندما ينخفض المد والجزر، لتوليد الكهرباء.
تُعتبر بريطانيا الرائدة عالمياً في التكنولوجيا المتطورة لتيار المد والجزر. وترى المملكة ليس فقط فرصة لإستغلال مواردها الوفيرة من المد والجزر، ولكن أيضاً فرصة للإستحواذ على حصة كبيرة من السوق العالمية المحتملة لتكنولوجيا الطاقة البحرية. وتعلّق الآمال الآن على “مشروع الصوت الداخلي” الذي تبنيه “ماي جين” (MeyGen) والذي يعدّ الأكبر بين تسعة مشاريع لطاقة المد والجزر المخططة ل”بنتلاند فيرث” و”حديقة أوركني البحرية للطاقة”، واحدة من حديقتين خاصتين أنشئتا خلال السنوات الثلاث الماضية في المملكة المتحدة. إن هذا المشروع “لا يزال في مرحلة تطوير مبكرة”، وفقاً للشركة، وسوف يُعرَف قريباً إذا كانت كل خطوة في مراحل نهجه ناجحة.
ومع ذلك، يُمكن لمشاريع طاقة المد والجزر أن تساعد المملكة المتحدة على تلبية تفويض الإتحاد الاوروبي لتوليد 15 في المئة من إحتياجاتها من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2020. وتقدّر الحكومة أن طاقة الأمواج وتيار المد والجزر مجتمعة يمكن أن توفر في نهاية المطاف ما يصل الى 20 في المئة من إحتياجات المملكة المتحدة من الكهرباء. وبحلول نهاية العام 2013، مع ذلك، سجلت القدرة المثبتة الإجمالية في بريطانيا من طاقة الأمواج والمد والجزر مجرد 7.2 ميغاواط فقط.
إن تطوير الطاقة في “بنتلاند فيرث” لا يزال في مهده، ومشاريع طاقة المدّ والجزر هناك – وغيرها – تواجه بعض العقبات الرئيسية التي يصعب التغلب عليها بسهولة. على الرغم من أن نماذج من توربينات تيار المد والجزر قد تم نشرها، فإن عملية التنمية والتطوير عرفت تأرجحاً صعوداً وهبوطاً، ولم يزل على التكنولوجيا أن تبرهن نفسها على نطاق تجاري كامل. في الولايات المتحدة في العام 2012، تلقت شركة “فيردانت باور” أول ترخيص تجاري في مجال طاقة المد والجزر في البلاد من لجنة تنظيم الطاقة الفيديرالية لبناء مشروع تجريبي في النهر الشرقي بمدينة نيويورك، الذي يربط “ونغ آيلاند ساوند” مع المحيط الأطلسي. ولدى “فيردانت باور” الإذن بتثبيت وتركيز ما يصل إلى 30 من الجيل الخامس لتوربينات تيار المد والجزر، مع قدرة على توليد ما مجموعه حوالي 1 ميغاواط، إبتداء من هذا العام.
كما هو الحال مع معظم التكنولوجيات الجديدة، كانت التحديات التقنية أكبر مما كان متوقعاً في البداية. العشرات من تصاميم التوربينات تتنافس لجذب الإهتمام، ولكن لا منتصر واضحاً – واحد أثبت أنه موثوق ودائم وفاعل، وفعّال من حيث التكلفة – برز حتى الآن.
هناك إرتفاع التكاليف الرأسمالية لمثل هذا المشروع، وهناك العديد من الشكوك حول ما إذا كانت التوربينات يمكنها أن تصمد في الظروف القاسية من دون أن تنكسر، أو تتعطل، أو تتآكل. عندما قامت “فيردانت باور” بتثبيت توربينين من الجيل الأول في النهر الشرقي في نيويورك في العام 2006 كمشروع تجربة، كانت التيارات أقوى من المتوقع وتعطلت الشفرات في غضون يوم واحد.
إن إنشاء البنية التحتية البرية والبحرية اللازمة لربط التوربينات إلى الشبكة هو أيضاً يمثل تحدياً. الواقع إن وضع الكابلات وتأمين التوربينات في المياه الفاترة في إسكتلندا، وحركة المياه السريعة لن تكون سهلة.
كمصدر واعد فإن طاقة تيار المد والجزر لا تزال مُكلفة ويتطلب دعماً حكومياً، حتى في المواقع التي تتمتع بأفضل موارد طاقة المد والجزر في العالم. بعض الدعم الحالي يأتي من الحكومة البريطانية في شكل تمويل مباشر، كما هو الحال مع مشروع “ماي جن” (MeyGen). بعض من ذلك يأتي بشكل دعم للبحث والتطوير لمطوري طاقة المد والجزر. وبعد ذلك، هناك “جائزة سالتاير” (Saltire Prize)، التي تبلغ قيمتها 10 ملايين جنيه إسترليني من الحكومة الاسكتلندية التي تذهب إلى “المنظمة أو الفرد أو الفريق … التي تحقق أكبر حجم من الانتاج الكهربائي مع حد أدنى يبلغ 100 جيغاواط/ ساعة على مدى فترة سنتين متواصلتين، وذلك بإستخدام قوة البحر فقط”، وفقاً لموقع الجائزة. إن شركة “ماين جن” (MeyGen) هي واحدة من أربع شركات متسابقة تتنافس على الجائزة التي ستُمنح في تموز (يوليو) 2017. “انه تحد صعب، ولكن نحن فيها للفوز بها”، يقول الرئيس التنفيذي للشركة دان بيرسون.
إذا لم تتمكن طاقة تيار المد والجزر من النجاح في إسكتلندا، التي لا تتمتع فقط بتيار قوي من أمواج المدً والجزر ولكن أيضاً بالدعم الحكومي القوي للطاقة النظيفة، فمن غير المرجح أن تنجح في أي مكان آخر. ولكن إذا نجح مشروع “ماي جن” (MeyGen) بإرسال الكهرباء الى الشبكة البرية من دون أي مشاكل كبيرة، فهذا من شأنه أن يرسل إشارة قوية إلى المستثمرين، والمرافق، والسياسيين مفادها أن طاقة المدّ والجزر يمكن أن تنضم إلى مجموعة متنامية من مصادر الطاقة المتجددة القابلة للحياة. ويقول بيرسون: “نحن ندرك تماماً إلى أي مدى يعوّل القطاع على نجاحنا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى