الأسباب التي تؤدي إلى السُمنة مُعقّدة

كريستل بدروسيان *

الأسباب الجذرية لإرتفاع السُمنة هي معقّدة للغاية، حيث تمتد إلى عوامل تطورية وبيولوجية ونفسية وإجتماعية وإقتصادية ومؤسسية. فقد حدد تقرير الحكومة البريطانية “فورسايت 2007” عن السُمنة أكثر من 100 من المتغيّرات التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في نتائج السُمنة.
بسبب قرون من إنعدام الأمن الغذائي، تطور البشر مع قدرة بيولوجية للتعامل مع ندرة الغذاء بدلاً من وفرته. إن جسم الإنسان يسعى إلى أطعمة غنية بالطاقة ويحاول الحفاظ على الأخيرة بشكل دهون. إن الهرمونات التي تنظّم الجوع والشبع تشجّع الناس على طلب المزيد من الطعام عندما يندر الغذاء، ولكن لا يبدو أن لديها القدرة على منع الإفراط في الإستهلاك أو التشجيع الإضافي على حرق سعرات حرارية عند وفرة الغذاء.
تتطلب الحياة الحديثة متطلبات بدنية مادية أقل بالنسبة إلى كثير من الناس، الذين يتّبعون أساليب معيشية أقل نشاطاً حيث تحلّ التكنولوجيا مكان الحاجة إلى العمل البدني. مع العديد من فرص العمل مستقرة الآن، فإن ممارسة الرياضة هي إختيار واع وأمر إختياري. وكمثال على ذلك التغيير، في العام 1969 كان نحو 40 في المئة من تلاميذ المدارس الأميركية يتوجهون سيراً على الأقدام أو يركبون دراجاتهم إلى المدرسة. بحلول العام 2001، لم يبقَ سوى 13 في المئة فقط من الذين يقومون بذلك. على مدى السنوات ال50 الماضية، تشير التقديرات إلى أن إنخفاض النشاط البدني المادي في الولايات المتحدة قد أدى إلى إنخفاض صافي في ميزان الطاقة اليومي بمقدار 100 سعرة حرارية للشخص الواحد، وهي حصة كبيرة من التغيير الشامل في ميزان الطاقة البدنية الإنسانية خلال هذه الفترة.
التحضّر الشامل في المناطق – حيث ينمو إجمالي سكان المدن في العالم بنسبة 65 مليون نسمة سنوياً، أي ما يعادل إضافة سبع مدن جديدة بحجم شيكاغو كل 12 شهراً — يزيد الدخل ولكنه من جهة أخرى يعزّز نمط حياة أقل نشاطاً جسدياً. وقد وجدت إحدى الدراسات الصينية أن التحضر يقلّل من إستهلاك الطاقة البدنية اليومية بين 300 إلى 400 سعرة حرارية، والسفر للعمل بالسيارة أو الحافلة يقلّلها ب200 سعرة حرارية إضافية.
لدى البشر أيضاً علاقة نفسية مع الطعام التي تتجاوز حاجة الحصول على القوت الأساسي. إن كثيرين من الناس يستخدمون الطعام كمكافأة أو لتخفيف الضغط، أو يكون لديهم علاقة قهرية مع أنواع معيّنة من الغذاء. هناك علاقة بين البدانة وإرتفاع معدلات بعض الحالات الصحية النفسية، بما في ذلك الإكتئاب.
ويتأثر الناس إلى حد كبير بأعراف إجتماعية وإشارات إجتماعية خفية في عاداتهم الغذائية وموقفهم تجاه الوزن. على سبيل المثال، إذا تناولوا الطعام مع أشخاص آخرين يأكلون أكثر، فإنهم بدورهم سيأكلون أكثر؛ بالمثل، فإن أولئك الذين يتناولون العشاء مع أشخاص يأكلون أقل، فإنهم بدورهم سيتناولون من الطعام أقل. وقد أظهرت إحدى الدراسات أن 35 في المئة من السعرات الحرارية تُستهلَك عند تناول وجبة العشاء مع صديق من عند تناول الطعام وحيداً، وأكثر من 96 في المئة من السعرات الحرارية تُستهلك عند تناول الطعام في مجموعة من سبعة أشخاص. وقد أظهرت دراسة أخرى أن الشخص هو 57 في المئة أكثر عرضة للسُمنة إذا أصبح صديقاً له أيضاً بديناً — أدلة على التطبيع الإجتماعي للحالة.
الواقع أن الحصول على الغذاء أصبح أكثر سهولة على مدى السنوات ال 60 الماضية. في الولايات المتحدة، إنخفضت حصة متوسط دخل الأسرة من الإنفاق على الغذاء من 42 في المئة في العام 1900 الى 30 في المئة في العام 1950 وإلى 13.5 في المئة في 2003.
إن هذا الأمر مفيد من حيث الرفاهية، وخفض معدّلات نقص التغذية، وتحرير الدخل المُتاح. ويؤكد العديد من هذه العوامل على أهمية السياق البيئي كسائق لإنتشار السمنة.
من ناحية أخرى، إن عدسة مفيدة لدراسة كيفية تأثير البيئة في إنتشار السُمنة تكمن في البحث بين السكان المغتربين المزروعين من سياق إلى آخر. على سبيل المثال، المغتربون البريطانيون الذين إستقروا في أبوظبي لديهم معدلات إنتشار مرض السكري بنسبة 18 في المئة، مقارنة مع معدل إنتشار أساس يبلغ 8٪ في المملكة المتحدة.
البيئة الجسدية المادية هي عامل واحد، ولكن من المرجح أن تكون المتغيرات الإجتماعية والثقافية هي أيضاً ذات صلة. وتشير مختلف الدراسات إلى وجود علاقة بين معدل السُمنة لدى المهاجرين من أصل إسباني ومدة إقامتهم في الولايات المتحدة وعمق إستيعابهم الثقافي.
ويتساءل بعض الخبراء عما إذا كان ميزان الطاقة الجسدية الصافية — بأن الناس يتناولون الطعام بإفراط ويمارسون نشاطات رياضية قليلة جداً — هي العدسة المناسبة لدراسة الأسباب الجذرية. هناك إهتمام متزايد في الدور الذي تلعبه المواد الغذائية المختلفة مثل الكربوهيدرات، والبروتينات، والدهون في الأيض وفي الهرمونات التي تنظّم الشبع والجوع. وقد دَعَم العديد من كبار العلماء الرأي القائل بأن الكربوهيدرات المُكرَّرة تُشجِّع زيادة الوزن وتمنع فقدان الوزن. إن العلم حتى الآن ليس حاسماً بالنسبة إلى هذه المسألة، ونحن لا ندرجه في التقييم هنا من دون مزيد من الأدلة. ومع ذلك، فإنه يشكل أحد المجالات المهمة لمزيد من البحث ويمكن أن يعيد تركيز التصميم بالنسبة إلى تدخلات السُمنة. وبالمثل، هناك اهتمام متزايد في دور “الميكروبيوم” (microbiome) – النظام البيئي للبكتيريا المعوية لدينا.
الأدلة العلمية من التجارب المُسيطَر عليها تشير إلى أن الأفراد الذين تحتوي أجسامهم على تنوّع أكبر من أنواع البكتيريا هم أقل عرضةً لإرتفاع “مؤشر كتلة الجسم” وأقل عرضة لزيادة الوزن. وهذا الأمر أيضاً ليس حاسماً بعد بالنسبة إلينا لإدراجه في هذه المرحلة.
بعض المعلقين يعتبر تعقيد السببية الموضَّح في هذا “الكادر” بمثابة هزيمة محدّدة مسبقاً. يقولون: “إذا كانت الأسباب معقّدة جداً، فمن أين نبدأ؟”، ولكن لدينا فهماً جيداً للأسباب المباشرة، حتى لو كانت الأسباب الخلفية معقّدة. ونحن نعلم أنه على مدى السنوات ال50 الماضية، تغيّرت المعادلة اليومية لتوازن الطاقة الجسدية لدى الأفراد؛ والنشاط البدني قد إنخفض، وزاد إستهلاك الطاقة البدنية.
على الرغم من أن هناك مسائل مُعلّقة مهمّة حول تركيبة النظام الغذائي، و”ميكروبيوم” الأمعاء، وعلم التخلق، فإننا لسنا نسير عمياناً من دون أي شعور بالأمر الذي ينبغي معالجته. ولكن التدخل لزيادة النشاط البدني، والحدّ من إستهلاك الطاقة الجسدية، ومعالجة النظام الغذائي لا يمكنها عكس الإتجاهات التاريخية التي تركت السكان على ما هم عليه اليوم. على سبيل المثال، فإننا لا نستطيع، ولا نود، عكس إختراع الإنترنت أو التصنيع الزراعي. نحن بحاجة إلى التقييم الذي يجعل التدخلات ذات معنى وقابلة للتنفيذ في العام 2015.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى