هل تكون إسرائيل مصدر إلهام لدولة علوية؟

دمشق – محمد الحلبي

أفادت تقارير في الآونة الأخيرة بأن إيران تنوي إرسال آلاف عدة من المقاتلين إلى سوريا، بينهم إيرانيون وعراقيون وأفغان وشيعة آخرون. تبع ذلك تصريحات رئيس فيلق “القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي أعلن بأن الخطط الإيرانية والسورية في النزاع السوري “ستفاجىء” العالم.
والغرض من هذه التعزيزات هو لدعم الجيش السوري الذي توسّع فوق إمكاناته وطاقته، حيث تلقى خسائر فادحة، كما واجه صعوبة في العثور على مجنّدين جدد. إن الهدف الأوسع، كما أفاد بعض المعلومات، يكمن في تعزيز قبضة بشار الأسد على دمشق، وسط سوريا، وفي جميع أنحاء حمص وحماه والمناطق الساحلية. ولتنفيذ مثل هذه الإستراتيجية يبدو أن إيران قد أقنعت الأسد بسحب قواته من المناطق النائية في سوريا حتى تتمكن من إعادة التجمع في مواقع يمكن الدفاع عنها.
لكن بعدما جرى العدّ كان هناك ما يتراوح بين 7000 و 15000 مقاتل (مع بعض الأرقام حتى أعلى) موجودين في سوريا، وقد نفت إيران هذ الأمر أخيراً. وقالت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية مرضية أفخم بأن الأنباء حول “الوجود العسكري للدول الصديقة في سوريا لا أساس لها”، مضيفة: “إن الحكومة السورية والشعب السوري لديهما القدرة على المقاومة وسيستمران في القيام بذلك”.
قد يكون هذا النفي محاولة للتقليل من شأن الوضع الصعب الذي يوجهه نظام الأسد. ومع ذلك، يبدو أن مصادر موالية لسوريا في بيروت تؤكد أنه في حين كانت إيران قد أرسلت عدداً كبيراً من المستشارين إلى سوريا، فإنه حتى الآن لم يكن هناك مقاتلون. والذي يربك الأمور أكثر، هو أن “مصدراً أمنياً” سورياً صرّح لوكالة “فرانس برس” في وقت سابق أن هدف إيران هو تأمين إرسال 10،000 رجل، “لدعم الجيش السوري والميليشيات الموالية للحكومة، أولاً في دمشق، ومن ثمّ لإستعادة السيطرة على جسر الشغور لأنه المفتاح إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ومنطقة حماة”.
في حين أن تفاصيل المساعدة التي ترعاها إيران لا تزال غير مؤكدة، فإن هناك مؤشرات على أن النظام ينتهج بالفعل خطة للتراجع إلى محور دمشق-حمص-اللاذقية. كانت هناك علامات، على سبيل المثال، في السويداء تشير إلى أن النظام ربما يستعد لسحب قواته، في حين أن الاستيلاء على تدمر وكذلك على القاعدة العسكرية للواء 52 في جنوب البلاد، وقاعدة الثعلة الجوية القريبة، قد يكون سهّله في الحقيقة أن الجيش كان يتوقع أن ينسحب على أي حال.
بالإضافة إلى ذلك، إن هجوم “حزب الله” في منطقة القلمون هو، حسب كل التقارير، هو جزء من هذه الخطة الأوسع. من خلال تأمين السيطرة على المنطقة التي تقع بين لبنان والطريق السريع بين دمشق وحمص يأمل الحزب أن يحقق شيئين: حماية خطوط الاتصال بين العاصمة والمناطق الساحلية وضمان إستمرارية الإتصال والتواصل بين المناطق الشيعية في لبنان والدويلة المحتملة التي يسيطر عليها العلويون التي آخذة في التشكل في سوريا.
هذا الأمر كان منذ فترة طويلة في عقل النظام السوري وحلفائه. بل هو أيضاً أحد الأسباب الذي جعل الجيش السوري ووكلاء إيران ينخرطون في التطهير الطائفي الشامل في محافظة حمص في وقت مبكر من الحرب السورية، وكذلك في القلمون في العام 2013، وتهجير أكثر من مليون شخص من أهل السنة السوريين الى لبنان.
ومع ذلك، إذا كنا سنصدّق المصادر الموالية لسوريا في لبنان فإن إستراتيجية التوحيد لا تُطبّق في كل مكان. على سبيل المثال يبدو أن النظام لا يريد التخلي عن حلب، ثاني أكبر المدن السورية. لقد صرح نائب وزير الخارجية فيصل المقداد أخيراً: “كل تخطيطنا الإستراتيجي الآن يكمن في الحفاظ على طريق حلب مفتوحة حتى يتسنى لقواتنا الدفاع عن المدينة”. وهذا يمكن أن يعني إما أن السوريين والإيرانيين ليسوا دائماً على إتفاق تام، حول بعض المواقع الرمزية الذي لا يستطيع نظام الأسد التخلي عنه. أو يمكن أن يعني أن كلا الطرفين لديه وجهة نظر أكثر مرونة حول معنى توحيد الأراضي.
ولكن على إفتراض أن هذا المشروع هو في الواقع الطموح النهائي لنظام الأسد وإيران، فما هي فرصته في النجاح؟ من المفارقات، قد يكون الإثنان ينظران إلى تجربة مماثلة في المنطقة لأخذ الوحي والإلهام، وهي إستيلاء الصهاينة على المناطق الفلسطينية في العام 1948، وطردهم السكان المحليين وإنشاء دولة، تلاها التوسّع.
إلى أولئك الذين يقولون بأن دويلة علوية غير قابلة للتطبيق والحياة، قد يميل بشار الأسد وإيران إلى محاولة الإشارة إلى النتائج ألتي آلت في إسرائيل. ولكن فكرة تعزيز مثل هذه الدولة الصغيرة لها آثار وتداعيات أخرى. وتتعلق هذه بالجدل حول ما اذا كانت إيران وروسيا قد قبلتا بدفع الأسد على التنحي من منصبه، حتى لو كان ذلك يعني انه سيبقى في السلطة خلال المرحلة الإنتقالية.
إذا كانت إيران تسعى فعلاً إلى دويلة علوية، إذن ما هو الهدف الذي تخدمه إزالة الأسد؟ الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يؤدي إلى مثل هذه الخطوة هو تسهيل المفاوضات من أجل التوصل إلى حل للنزاع في سوريا. ومع ذلك فإن الأساس المنطقي وراء دويلة، وبالتحديد الصيغة النهائية للحدود في زمن الحرب، يمثل قصداً معاكساً. إن إنشاء دويلة — في حين أنه قد يؤدي إلى مفاوضات في المستقبل لترسيخ حدود هذا الكيان، على غرار إتفاقات الهدنة العربية مع إسرائيل في العام 1949– يمثّل إستراتيجية مواجهة، وليس تقديم تنازلات. ونتيجة لذلك، فإن أي فكرة لزعزعة إستقرار هذا الجهد من طريق إزالة الأسد من منصبه يبدو بعيد الإحتمال.
قبل كل شيء إن دويلة علوية ستمثل عبئاً لا يطاق بالنسبة إلى لبنان. مع ما يزيد عن مليون سني في البلاد، فإن الشيعة لا يمكن أن يرحّبوا بهكذا لعبة. إن السنّة السوريين لن يعودوا إلى ديارهم وعلى الشيعة اللبنانيين مواجهة العواقب. وكما أظهر الفلسطينيون، إن اللاجئين لا يمكنهم البقاء خاملين لفترة طويلة. فإنهم يعلنون التعبئة لإستعادة ما أُخذ منهم. وجهود لبنان في الماضي لإدارة الفلسطينيين ستبدو هنا أكثر سهولة بالمقارنة.
إن خطط ايران سوف تصبح أكثر وضوحاً في الأسابيع المقبلة. ولكن غطرستها تبدو واضحة بشكل جيد. إن طهران تأخذ المنطقة منذ مدة إلى ما وراء نقطة الإنهيار لتأمين مصالحها الخاصة، حتى لو كان ذلك يعني أن حلفاءها سيدفعون ثمناً باهظاً لذلك. إن الحرائق الناتجة عن تدخلها هي فعلياً تحرق الشرق الأوسط بطريقة لا رجعة فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى