دور الأحزاب المسيحية اللبنانية تخفيف حدّة الطائفية

بيروت – رئيف عمرو

تشير التطورات الأخيرة في الطائفة المسيحية المارونية في لبنان إلى أنه على الرغم من الخلافات السياسية، هناك شعور كبير بالتهديدات الوجودية التي تواجه المسيحيين في المنطقة. وهذا الواقع يتطلب روح التوافق والوحدة.
الحدث الأكثر أهمية في هذا المجال كان المصالحة بين رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع. وكان الحزبان السياسيان المسيحيان الرئيسيان على خلاف منذ فترة طويلة، وبقي عون وجعجع المرشحين المتنافسين لرئاسة الجمهورية اللبنانية.
هذا هو السبب في أنهما وافقا على وثيقة لتفادي الخلافات السياسية والتي حدَّدت وأوجزت المواقف المتفق عليها من حيث المبدأ. وأعربا ضمنياً عن نظرة مفادها أن المسيحيين تعرّضوا للتهميش في النظام السياسي منذ إتفاق الطائف في العام 1989 وفترة الوجود السوري.
وذكرت الوثيقة أن الطائف قد نُفِّذ بطريقة غير مكتملة، مما يتطلب التصحيح من خلال “العودة إلى أركان الميثاق الوطني وأحكام الدستور اللبناني، على أساس توزيع حقيقي 50-50 [في التمثيل المسيحي – المسلم] وسلامة التمثيل البرلماني الفعّال”.
بعيداً من الصيغة المشفَّرة، فقد شعرت الأحزاب المسيحية في السنوات الأخيرة أنها تعتمد بشكل حاد على الجهات السياسية الإسلامية الكبرى للفوز بمقاعدها البرلمانية. على سبيل المثال في ثلاث مناطق رئيسية – بعبدا وجبيل وزحلة – إستفاد المرشحون العونيون من تصويت الشيعة الموالين ل”حزب الله” الذين إقترعوا لصالحهم.
في حين أن هذا لم يُزعج بشكل مفرط عون، فقد ولّد عدم إرتياح بين كثير من الناخبين المسيحيين الذين يشعرون بأن الممثلين الذين يمثلونهم قد وصلوا إلى البرلمان من قبل الناخبين غير المسيحيين. وقد أجبر هذا الأمر عون للذهاب إلى جانب جعجع في الدعوة إلى تغيير القانون الانتخابي، حتى لو لم يكن يعني تماماّ ذلك.
الواقع أن إحباط جعجع يبدو أكثر وضوحاً. في الإنتخابات التي جرت في عامي 2005 و2009، حصل حزب “القوات اللبنانية” على ما يزيد قليلاً عن نصف دزينة من المقاعد النيابية لأن قانون الإنتخابات لا يفيده وليس في مصلحته. ويعتقد جعجع أن المزيد من هذه النتائج المتواضعة يمكن أن تهمّش حزبه بشكل دائم.
لذلك فإن إتفاق عون – جعجع، في جزء منه، هو محاولة لخدمة المصالح الذاتية للجانبين لإعادة التأكيد على أنهما، وحدهما، يمثّلان معظم المسيحيين.
ربما ساعد هذا الواقع على تعجيل تطور حدث ثان في الطائفة المارونية: الإنتخابات التي أوصلت سامي الجميل إلى رئاسة حزب الكتائب، ليحل محل والده، الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل. في الخامسة والثلاثين من العمر سيهدف الجميل الإبن إلى جذب المزيد من الشباب إلى صفوف الحزب، وهو أمر مهم لا سيما في ظل هيمنة “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” على الشارع المسيحي.
كان شقيق سامي الراحل بيار الجميل هو الذي بدأ هذا المسعى بعد الانسحاب السوري من لبنان. وقد أُغتاله مسلحون في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، وربط العديد من السياسيين مقتله بقدرته على تجديد حزب الكتائب، الذي كان يُنظَر إليه على أنه تهديد من قبل سوريا وحلفائها.
بعيداً من السياسة المسيحية الضيِّقة، فإن خلفية جهود الأحزاب المسيحية لتنشيط أنفسها وتحسين العلاقات المتبادلة بينها هي أمر مهم. وفيما نزحت الطوائف المسيحية من العراق وسوريا، وربما بشكل دائم، فإن المسيحيين في لبنان – الموارنة على وجه الخصوص – قد شعروا بالخطر وبأنهم عرضة لما يخبئه المستقبل لهم.
إن الحرب في سوريا قد زادت مخاوفهم. إن إختفاء المسيحيين من سوريا بفضل تمرّد يقوده الإسلاميون يعزز فقط الشعور أن المسيحيين ليس لديهم فرص في الشرق الأوسط. لقد إستغل نظام الرئيس بشار الأسد هذا الأمر لحشد دعم الأقليات، ولكن لأنه بدأ يتراجع، فقد يأخذ معه إلى الهاوية كل الأقليات، بما في ذلك أبناء طائفته العلويين.
إن خطأ الأقليات المسيحية في العراق وسوريا هو أنها لعبت ورقة “تحالف الأقليات”. لقد ربطت مصيرها مع حكم الأقليات ضد الغالبية في كل بلد، وقبلت السياسات القمعية للأنظمة الأقلية لإدامة سيطرتها. الحرب في العراق في العام 2003 والإنتفاضة السورية في 2011 قوّضت هذا الواقع، والآن يواجه المسيحيون ردة الفعل التي كان متنبّأ بها.
من هنا ينبغي على الأحزاب المسيحية في لبنان أن تختار مساراً مختلفاً. بدلاً من تحالف إنتحار الأقليات، فإن عليها إستغلال الدور المنفرد الذي يمكن أن تلعبه كقوة وازنة بين السنة والشيعة المنقسمين. ولكن للقيام بذلك فهي بحاجة إلى إعادة تأكيد إيمانها في نظام التعايش الطائفي الذي يحكم لبنان.
هذا ما فعله العونيون و”القوات اللبنانية”. ولكن عليهما الآن إقناع قواعدهما. لا يزال هناك قناعة راسخة لدى العديد من المسيحيين أن المنطقة لن تتسامح مع الأقليات، وأن الإسلاميين لا بدّ أن يحكموا. قد يكون ذلك صحيحاً في بعض الأماكن، ولكن في لبنان لم يكن الأمر كذلك، كون الضربات الأخطر للمسيحيين كانت في كثير من الأحيان ذاتية.
هذا هو السبب في أن مصالحة عون وجعجع هي خطوة أولى جيدة. ولكن يجب أن تؤدي بعد ذلك إلى إعادة تحديد دور المسيحيين كقوة إعتدال تعمل للحدّ من الإستقطاب الطائفي في لبنان. وهذا يعني إحتضان لبنان والمنطقة بدلاً من النفور من الوضع. ومع العديد من المسيحيين يتطلع الى مغادرة لبنان، فهذا الأمر لن يكون سهلاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى