ما وراء المأزق اليوناني

بعدما عاشت اليونان أزمة طويلة بسبب ديونها الضخمة يبدو أن الوضع وصل إلى النقطة الأخيرة، حيث ما زال زعماء منطقة اليورو يضعون الشروط التعجيزية الصعبة على أثينا حيث كان آخرها في 12 تموز (يوليو) الجاري، قبل ذهاب هذا العدد إلى المطبعة. ولكن كيف ستنتهي هذه الأزمة؟ وماذا وراء المأزق اليوناني؟

المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل: بين يديها الحل
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل: بين يديها الحل

بروكسل – ليلى الحلو

إن النقطة النهائية في الأزمة اليونانية هي المرحلة التي لا يصل فيها اليونانيون ولا الألمان إلى عدم القدرة على تقديم المزيد من التنازلات. في اليونان نفسها، لقد صارت هذه النقطة النهائية من الماضي البعيد. لقد وصلت البطالة إلى نسبة 26 في المئة، وأكثر من 50 في المئة من الشباب تحت 25 عاطلون من العمل. إن تخفيض الأجور، لا سيما في القطاع الحكومي، والمهن المؤثرة بما في ذلك الأطباء والمهندسون، أدت إلى نقص في العمالة واسع النطاق. وفي الوقت عينه، فإن معظم النشاط الاقتصادي الجديد يحدث في الأسواق غير المشروعة (إقتصاد الظل) غير الخاضع للضريبة. إقترض اليونانيون المال من مؤسسات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، التي إستحوذت على الديون اليونانية المعدومة من البنوك التي قدمت في البداية القروض إلى اليونان من أجل تحقيق إستقرار قطاعها المصرفي. لا أحد إعتقد حقاً في أي وقت أن اليونانيين يمكنهم تسديد هذه القروض.
الدائنون الأوروبيون – على وجه التحديد، الألمان الذين يسيطرون على المفاوضات الأوروبية مع اليونان – وصلوا الى النقطة النهائية الخاصة بهم في الآونة الأخيرة. الألمان هم أقوياء لكنهم سريعو العطب. إنهم يصدرون نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي إلى منطقة التجارة الحرة الأوروبية، وكل ما يهدد هذه التجارة يهدد الاقتصاد والإستقرار الإجتماعي في ألمانيا. كان هدفهم دائماً ليس الحفاظ فقط على وضع اليورو، ولكن أيضاً على وضع منطقة التجارة الحرة وسلطة بروكسل على الإقتصاد الأوروبي.
لقد تجنبت ألمانيا حتى الآن نقطة الأزمات الشديدة بموافقتها على سلسلة لا نهاية لها من الإتفاقات مع اليونان التي لم يتمكن اليونانيون من تنفيذها والتي لم يتوقع أحد من أنهم يستطيعون تنفيذها، ولكن هذا الأمر سمح لبرلين الادعاء بأن أثينا إستسلمت للمطالب الألمانية بالنسبة إلى التقشف. وقد ساعد هذا الاستسلام المزعوم ألمانيا على إبقاء الدول الأوروبية المثقلة بالديون الأخرى في الخط، فيما شهدت الدول الضعيفة مالياً حماقة واضحة من فكرة التخلف عن الدفع، حيث طالبت بإعادة هيكلة الديون ومواجهة الإتحاد الأوروبي بدلاً من إستيعابه.

اليونان والوضع القبرصي

بالنسبة إلى الألمان، تمثل اليونان سداً. وما وراء هذا السد لم يكن معروفاً، ولم يكن بإستطاعة الألمان أن يتسامحوا بتعرضه لخطر الإنهيار. إن تخلف اليونان عن الدفع سيأتي مع ضوابط على رأس المال مثل تلك التي ظهرت في قبرص، وربما حواجز تجارية مصممة لحماية الاقتصاد اليوناني، وإعادة توجيه مسار اليونان في الاتجاه الاستراتيجي الجديد. إذا كان ذلك لم يؤد إلى كارثة إقتصادية وإجتماعية، فإن بلدان أوروبية أخرى قد تختار أيضاً ممارسة هذا الخيار اليوناني. وكان الخيار الأول لألمانيا لتجنب التخلف عن الدفع خلق وهم الإمتثال اليوناني. أما خيارها الثاني فكان للتدليل على العواقب المؤلمة من رفض اليونان الإستمرار في لعب اللعبة الاولى.
كانت هذه هي النقطة في قضية قبرص. لقد وصلت جزيرة “أفروديت” إلى النقطة التي ببساطة لا يمكنها فيها أن تنفّذ شروط إتفاقات سداد ديونها. وافقت حكومتها المؤيدة للاتحاد الأوروبي تحت الضغوط على الإستيلاء على المال الموجود في الحسابات المصرفية التي لديها أكثر من 100،000 يورو، وإستخدام هذا المال لدفع بعض من الدفعات المستحقة. لكن تعيين الحد الأدنى لرصيد الحساب بالكاد عمل على التخفيف من ضربة أو عزل القبارصة العاديين. متقاعد، بعد كل شيء، يمكن أن يكون لديه بسهولة أكثر من 100،000 يورو في الادخار. والفنادق أو شركات خدمات الطاقة (التي تعتبر بالغة الأهمية بالنسبة إلى الاقتصاد القبرصي) بالتأكيد لديها أكثر بكثير في حساباتها. لقد إدّعى الألمان أن النظام المصرفي القبرصي يتضمن أموالاً روسية في المقام الأول، ولكن – على الرغم من أن لديه بلا شك الكثير من الأموال الروسية – إن معظم الأموال في النظام في الواقع يمثل ثروة يدخرها ويستخدمها القبارصة في مجرى حياتهم وأعمالهم. وكانت نتيجة مداهمة تلك الحسابات الفوضى، حيث لم تتمكن الشركات القبرصية دفع الأجور أو الإيجار، وتجمد الاقتصاد إلى أن تراجعت الحكومة وخففت القوانين في نهاية المطاف – على الرغم من أنه لم يتم أبداً إلغاؤها بالكامل.
كان الإلمان يسيرون على خط رفيع في الدعوة إلى هذا الحل. ولكن بدلاً من من أن يلعبوا لعبة التظاهر فإنهم قد لعبوا لعبتهم الفعلية في اليونان، فهم إختاروا الإظهار للجمهور الأوروبي عن العواقب الحقيقية للتقصير والتخلف عن الدفع. ولكن تلك النتائج تستند إلى أسس سياسية مشكوك فيها. ومن الواضح أن الجمهور القبرصي قد دُمّر وروِّع من قرار قادتهم السياسيين في الامتثال لمطالب ألمانيا. ولكن الأمر الأكثر أهمية تمثل بالرسالة التي تلقاها بقية أوروبا أن عواقب المقاومة ستكون كارثية إلا إذا استسلمت القيادة السياسية للبلد لمطالب الاتحاد الأوروبي. الإستيلاء على جزء كبير من الأصول الخاصة القبرصية لسداد الديون العامة مثال يُحتذى، ولكن ليس المثال الذي يريده الألمان. لقد أظهروا أن الامتثال لتسديد الديون يمكن أن يكون كارثياً في المدى القصير، ولكن فقط إذا كان السياسيون في بلد المدين سمحوا بحدوث ذلك. ومع هذا جاء درس آخر لا لبس فيه: عقوبة عدم الإمتثال، مهما كات مؤلمة، فإنها ليست قاتلة أيضاً – وأفضل بكثير من البدائل.

صعود سيريزا

لا شك أن وصول الائتلاف من حزب اليسار الراديكالي، والمعروف باسم سيريزا، وأحد الأحزاب التي تشكك بأوروبا التي ظهرت في السنوات الأخيرة، إلى الحكم غيّر كثيراً في الأزمة اليونانية.
سارع رئيس “سيريزا” أليكسيس تسيبراس، الذي صار رئيساً للحكومة، إلى المنصة واعداً بالعمل لتخفيف التقشف في اليونان، والحفاظ على البرامج الإجتماعية الحرجة، وإعادة هيكلة جذرية لإلتزامات ديون البلاد، مصراً على أن يتقاسم الدائنون عبئاً أكثر من الديون. مالت الأحزاب والأفراد في الإتحاد الأوروبي – وخصوصاً الألمان – إلى رفض مقترحات “سيريزا”. كانوا معتادين على التعامل مع أطراف مؤيدين للإتحاد الأوروبي في البلدان المدينة التي تتبنى موقفاً مقاوماً للجمهور العام، بينما يقبلون في الوقت عينه الفرضية الأساسية التي وضعتها ألمانيا والاتحاد الأوروبي – في نهاية المطاف، فإن المسؤولية لسداد الديون تقع على المقترض. بغض النظر عما يقوله الجمهور، إن هذه الأحزاب بالتالي قبلت التقشف والتكاليف الاجتماعية المرتبطة به.
“سيريزا”، مع ذلك، لم يفعل ذلك حتى الآن. كانت هناك حجة أخلاقية جارية، وكانت آذان الألمان صماء بالنسبة إليها. كان الموقف الألماني بالنسبة إلى الدين بأن المقترض مسؤول أخلاقياً عن تسديده. عاكس “سيريزا” عاكس ذلك، بقوله بأن المُقرِض والمقترض يشتركان في المسؤولية الأخلاقية. قد يكون المقترض مسؤولاً عن تجنب تكبد الديون التي لا يستطيع سدادها، ولكن المُقرِض، كما جادل الحزب، مسؤول أيضاً عن ممارسة الإجراءات الواجبة الكفيلة بمعرفة أهلية وكفاءة المقترض لعدم إقراض المال لأولئك الذين لن يتمكنوا من السداد. لذلك، على الرغم من أن اليونانيين تصرفوا بطريقة غير مسؤولة وبلا مبالاة بالنسبة إلى إقتراض المال، فإن البنوك الأوروبية التي موّلت أصلاً فورة الإقتراض اليونانية كانت أيضاً غير مسؤولة في السماح لجشعها لكي يطغى على إجراء الإجراءات الواجبة لأهلية المقترض. وإذا، كما قد زعم الألمان، كان المقترضون اليونانيون ضللوهم، فإن الألمان لا يزالون يستحقون ما حدث لهم، لأنهم لم يمارسوا رقابة أكثر صرامة – رأوا فقط علامات اليورو، تماما كما فعل المصرفيون عندما وقعوا على القروض مع اليونان بدلا من تقييد وكبح أنفسهم.
الواقع، إن قصة اليونان هي قصة الإقتراض غير المسؤول والإقراض غير المسؤول. إن قانون الإفلاس في الثقافة الأوروبية والأميركية هو نظام الثنائيات، حيث يتم وضع توقعات للسلوك الحكيم على كل من المدين والدائن. ومن المتوقع على المدين دفع كل ما بوسعه في إطار القانون، وعندما يستهلك هذه القدرة، فإن الدائن هو فعلياً مسؤول أخلاقياً عن قراره للإقراض. وبعبارة أخرى، عندما يفلس المدين، فإن الدائن يفقد رهانه على المدين، ويتم مسح ومحو الدين.
ولكن لا توجد قوانين لإفلاس الدول القومية، لأنه لا توجد سلطة سيادية لإدارتها. وبالتالي، ليس هناك طرف ثالث نزيه للفصل في قضايا الإفلاس الوطني. لا توجد قوانين سيادية تُملي النقطة حيث تكون دولة غير قادرة على سداد ديونها، لا وجود لقوة شاملة يمكن أن تمنحها الحرية لإعادة هيكلة الديون وفقاً للقانون. ولا يوجد أي ظرف من الظروف حيث يعتبر الدائن ببساطة غير محظوظ.
من دون هذه العوامل، شيء مثل الوضع اليوناني يظهر. يسعى الدائنون بلا رحمة خلف المدين، مطالبين بالسداد كأولوية أولى. إن أي إعادة لهيكلة الديون تتعلق بإتفاق الدائن والمدين. في حالة قبرص، كانت الحكومة مستعدة لحماية مصالح الدائنين. ولكن في حالة اليونان، فإن سيريزا غير مستعد للقيام بذلك حتى الأن. كما أنها على استعداد، إذا كنا نصدق ما يقوله الحزب، إلى المواصلة ببساطة صياغة الأكاذيب المؤقتة مع دائني البلاد. اليونان بحاجة إلى الانتقال من هذا الوضع، وتأجيل آخر بلا معنى يؤجل فقط يوم الحساب – ويؤجل الانتعاش.

المنطق وتداعيات خروج اليونان

من شأن انسحاب اليونان من منطقة اليورو أن يؤدي إلى تداعيات. سوف يخلق الفوضى في اليونان لفترة من الوقت، ولكن ذلك سيسمح لليونان للتفاوض مع أوروبا على قدم المساواة. فهي ستدفع إلى أوروبا مرة أخرى بعملتها الوطنية “الدراخما” بسعر يحدده البنك المركزي اليوناني، ويمكنها أن تحدد من جانب واحد المدفوعات. إن الأسواق المالية ستغلق في وجهها، ولكن سيكون لليونان القدرة على سن ضوابط العملة وكذلك الأنظمة التجارية، وتحوّل إهتمامها من البيع إلى أوروبا، على سبيل المثال، إلى الشراء والبيع من روسيا والشرق الأوسط. هذا ليس مستقبلاً واعداً، ولكن اليونان ليست متجهة إلى مستقبل مشرق حتى الآن.
إلقد زعم كثيرون بأن خروج اليونان يمكن أن يؤدي إلى إنهيار اليورو. هذا الإدعاء يبدو محيّراً في البداية. بعد كل شيء، اليونان بلد صغير، وليس هناك أي سبب لكي تكون لأفعالها آثار بعيدة المدى في العملة الأوروبية. ولكن بعد ذلك علينا أن نتذكر الخوف البدائي لألمانيا: إن اليونان يمكن أن تشكل سابقة لبقية أوروبا. وهذا سيكون أمراً مستحيلاً اذا كانت بقية أوروبا تسير على ما يرام، ولكن الأمر ليس كذلك. إسبانيا، على سبيل المثال، لديها أرقام بطالة سيئة تقريباً مثل اليونان. وقد أشار البعض إلى أن إسبانيا هي الآن واحدة من أسرع البلدان نمواً في أوروبا، والتي ستكون مؤثرة إذا لم تكن معدلات النمو مشلولة في بقية أوروبا. وبالمثل، إنخفض معدل البطالة في إسبانيا – إلى مجرد 23 في المئة. أولئك الذين ما زالوا متحمسين للاتحاد الأوروبي إتخذوا مثل هذه التحسينات التافهة كدليل على حدوث تحول جذري. إنها تبدو كضجيج في تحطم مستمر في القطار.
إن الألم الناتج من التخلف عن دفع الديون اليونانية والانسحاب من منطقة اليورو سيكون شديداً. ولكن إذا كان الآخرون يرون اليونان كرائدة للأحداث، وليس استثناء، قد يرون أن آلام إعادة هيكلة الديون من جانب واحد منطقية وتعطي االيونانيين عملة تمكنهم أخيراً من إدارة أنفسهم. الخوف هو أن اليونان قد تخرج من اليورو، ليس بسبب أي إنهيار في المؤسسات، ولكن بسبب وعي حاد أن العملات السيادية يمكن أن تفيد الدول في الألم – فيما العديد من بلدان أوروبا تعيشه.
إشكالية مقترحات اليونان
بناء على الإجنماعات الأخيرة بين الحكومة اليونانية وزعماء منطقة اليورو، طلب هؤلاء الزعماء من الحكومة اليونانية تقديم إقتراحات جدية لمناقشتها ومحاولة إيجاد حل دائم لأزمة اليونان.
على هذا الأساس أعدت أثينا إقتراحات إلى زعماء منطقة اليورو الذين عقدوا إجتماعات لمناقشتها…
ولكن هل إقتراحات الإنقاذ الأخيرة التي قدمتها حكومة اليونان، ووافق عليها البرلمان، ويجري حالياً تدقيق عميق فيها من وزراء مالية وزعماء منطقة اليورو، منطقية وذات معنى؟ إنها الى حد كبير الصفقة عينها التي تم رفضها بشكل حاسم من قبل الناخبين اليونانيين في الخامس من الشهر الجاري. يبدو أن الناخبين يعرفون بوضوح شيئاً لا تعرفه الحكومة – إنها خطة رديئة للإقتصاد اليوناني، ولو تشاورت الحكومة مع الإقتصاديين المكدّسين في أثينا بالتأكيد كان يمكن لها أن تأتي بشيء أفضل.
من أجل الحصول على المزيد من المال من الاتحاد الأوروبي وجدول زمني موسع للدفع (أو حتى – في لحظات – تخفيف عبء الديون) من صندوق النقد الدولي، فقد وافقت اليونان مرة أخرى على قائمة من السياسات الجديدة، وبعضها يتضمن تضحيات أكثر في المدى القصير. في المحادثات التي جرت أخيراً، طلب وزراء مالية منطقة اليورو تعبيراً أكثر عن حسن النية. لاستعارة مجاز من حكاية رويت باللغة اليونانية القديمة، هناك العديد من محطات الصليب على هذا الطريق – مع ذلك قد يبدو الخلاص بعيداً كما النهاية. حتى لو وعدت اليونان أن تسلم نفسها إلى هذه المحنة الجديدة، فإن النمو وديون الإغاثة التي تحتاجها حقاً قد لا تصل في الوقت المناسب.
وفي ما يلي النقاط العامة للمقترحات وما من المرجح أن تفعل بالنسبة إلى الاقتصاد اليوناني ووضع البلاد المالي. النتيجة ليست جميلة.
فوائض الموازنة الأولية من 2015 إلى 2018. سوف تلتزم الحكومة اليونانية أن تنفق أقل مما تجمع من دافعي الضرائب والمقرضين في كل سنة: 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015، ثم 2 في المئة و 3 في المئة و 3.5 في المئة في 2016 و2017 و2018 على التوالي. مع نمو متواضع، فإن حتى هذا الفائض الذي يمثل 3.5 في المئة سيصل إلى حوالي 10 مليارات يورو. ولكن للفوز بأحدث خطة للإنقاذ، تطلب اليونان 53 مليار يورو في شكل قروض جديدة موزعة على ثلاث سنوات. في الأساس، إن مقرضي الإنقاذ هم الذين يوفرون الفوائض؛ فهم يمنحون المال للحكومة اليونانية مشروطاً بوعد بأن تقوم الحكومة بعدم إنفاق كل هذا المال.
هذا أمر مثير للسخرية بشكل واضح. اإن العملية تشبه إختباراً لمعرفة ما إذا كان الطفل يستطيع أن يقاوم أكل الكعكة إذا وضعت أمامه. كما انها سامة إقتصادياً. ينبغي أن تحصل اليونان على فوائض في الموازنة إذا نما إقتصادها بوتيرة صحية، وليس هناك ضمان أن البلاد ستعرف نمواً في العامين المقبلين – ولا سيما بالنظر إلى بقية النقاط على القائمة.
الإصلاح الضريبي. لدى اليونان نظام ضريبي مُعقّد الذي ساعد على خلق إقتصاد ظل واسع. وتتضمن الإقتراحات مجموعة من التغييرات تهدف إلى تبسيط النظام وجمع المزيد من العائدات. من منظور إقتصادي، أي شيء يجعل دفع الضرائب أسهل – ويجعل تجنبها أكثر صعوبة – يؤدي إلى زيادة الإيرادات إلى حد ما بينما يُحتمَل أن يحرّر الوقت الكافي لدافعي الضرائب لكي يقوموا بأنشطة أكثر إنتاجية. لذلك إن جعل النظام أكثر بساطة وشفافية، على سبيل المثال من خلال وضع معدل موحد على الضريبة على القيمة المضافة، قد يرفع الإيرادات من دون الإضرار بالنمو الإقتصادي.
لكن الإقتراحات تتضمن أيضاً عدداً من زيادة الضرائب، وليس فقط بالنسبة إلى الضريبة على القيمة المضافة، ولكن أيضاً الضريبة على أرباح الشركات والضريبة على حمولة الشحن. إن الضريبة على القيمة المضافة، عند 23 في المئة بالنسبة إلى معظم السلع والخدمات، ستكون واحدة من أعلى المعدلات في الإتحاد الأوروبي. وقد إنخفضت الضرائب على الشركات بشكل مطرد في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي في العقد الماضي، وسيكون معدل اليونان الجديد عند 28 في المئة مرة أخرى على الجانب المرتفع للاتحاد بأكمله وبضع نقاط مئوية أعلى من المتوسط لمنطقة اليورو. هذه التغييرات يمكن أن تؤثر في واقع النمو؛ في ظل ظروف طبيعية، من المتوقع أن يتباطأ من جرائها التوسع الإقتصادي.
الرهان هنا هو أنه من خلال توازن موازنتها، سوف تجذب اليونان الاستثمارات وتعود إلى النمو. ولكن إذا كانت ستوازن الموازنة من طريق إرتفاع معدلات الضرائب، فإن اليونان سوف تبحر ضد الريح.
إصلاحات معاشات التقاعد. إن نظام التقاعد العام في اليونان، مثل الدين العام، لا يمكن تحمّله. إرتفع سن التقاعد فعلياً مرتين منذ بداية الأزمة، من 57 إلى 66. وينص الاقتراح الجديد زيادته إلى 67 وإلحاق المزيد من التخفيضات على الفوائد في أثناء محاولة لجمع المزيد من المساهمات من الموظفين والعمال اليونانيين.
إن رفع سن التقاعد يمكن أن يؤدي إلى زيادة الناتج الاقتصادي إذا عزز العدد الإجمالي للعاملين. ولكن إذا إحتفظ كبار السن بوظائفهم لفترة أطول فإن ذلك سيجعل من الصعب على اليونانيين الأصغر سناً العثور على عمل، عندها يمكن أن يكون التأثير عكسياً. وعلاوة على ذلك، إن جمع المزيد من التبرعات من طريق تغيير طريقة قياس الدخل وإلغاء الإعفاءات قد يضع عراقيل أمام إنفاق الأسر اليونانية.
رغم أن العديد من هذه الإصلاحات ضرورية مما لا شك فيه، والرهان هو نفسه مرة أخرى: إن تجدد الثقة بين المستثمرين والمستهلكين سوف تتفوق على الآثار الانكماشية للسياسات.
العمل وأسواق المنتجات. لم تقدم الحكومة اليونانية أي إلتزامات محددة بالنسبة إلى سوق العمل، والتي شهدت بالفعل إصلاحات جوهرية. لكنها إقترحت فتح العديد من الأسواق للسلع والخدمات من طريق إزالة شروط الترخيص والحد من العمل الورقي. وهذه هي خطوات إيجابية من شأنها أن تزيد النشاط الاقتصادي وتحسين جاذبية اليونان للمستثمرين، أكثر من أي مكان آخر في الاتحاد الأوروبي.
ان الحكومة أيضا ستزيل الدعم على الديزل للمزارعين وتخفيض الدعم ووقود التدفئة إلى النصف. مرة أخرى، هذه من المحتمل أن تكون تدابير مفيدة لزيادة كفاءة الاقتصاد اليوناني في المدى الطويل، لكنها يمكن أن تخفض النمو، وإن كان ذلك بشكل طفيف، في المدى القصير.
الخصخصة. المطارات والموانئ، والعديد غيرها من الأصول ستباع إلى مستثمرين من القطاع الخاص وفقاً للمقترحات. هذه المبيعات قد تجلب مليارات عدة من اليورو، ولكن هذا سيكون كافيا فقط لدفع قسم صغير من الدين العام الهائل لليونان. إن أهمية هذه المبيعات سوف تعتمد أكثر على إمكانات المالك من القطاع الخاص لتشجيع المزيد من النشاط الاقتصادي من خلال إدارة أكثر ديناميكية لهذه الأصول ومزيد من الاستثمار في تنميتها. بطبيعة الحال، هذا ليس أمراً مؤكداً.
الحكم والفساد. تتضمن الإقتراحات مجموعة متنوعة من تعهدات لاعتماد معايير الاتحاد الأوروبي وأفضل الممارسات لأداء الخدمات العامة ومكافحة الفساد. ومن أبرز الوعود واحد لجعل تمويل الأحزاب السياسية أكثر شفافية وحماية تحقيقات الفساد من التدخل السياسي. هذه هي مبادرات جديرة بالاهتمام بالنسبة إلى الجزء الأكبر وأيضاً غير مكلفة للغاية. وفي حال تنفيذها بإخلاص، فإنها ستساعد الاقتصاد على النمو في المدى الطويل.
ناقش وزراء مالية منطقة اليورو إقتراح اليونان حتى وقت متأخر من الليل يوم السبت (في 11 تموز (يوليو)، وعبر بعضهم عن شكوكه بقدرة اليونان على تنفيذ ما تقترح – على الرغم من أن الاقتراحات تشبه تلك التي طرحت في وقت سابق من قبل الدائنين أنفسهم. ثم، إذا اقتنعوا بها، سيكون هناك المزيد من المحادثات، وربما على تخفيف عبء الديون. ولكن هذه التأخيرات هي لمواقف سياسية والقليل آخر؛ تبقى الحقيقة أن هذه الإقتراحات، مهما كان من كتبها، لا تزال بعيدة من المستوى الأمثل من الناحية الاقتصادية.
مع ذلك، سوف تضطر اليونان إلى إبقاء المعاناة في ظل التقشف وسداد دائنيها لسنوات عدة قبل أن يكون لهذه الإقتراحات والسياسات الداعمة للنمو الأخرى تأثيرها الكامل. الكثير من النقاط الواردة في الاقتراحات يعني الألم في المدى القصير لتحقيق مكاسب في المدى الطويل؛ أهم خطوة نحو السيطرة على ديون اليونان هي العودة إلى النمو السريع في أقرب وقت ممكن. من الناحية المثالية، فإن توقيت الإصلاحات وضع سياسات أقل كلفة لأول مرة، وجعل السياسات الأكثر كلفة تتوقف على معدلات النمو في المستقبل. آخر شيء تحتاج اليونان إليه هي حزمة أخرى من السياسات التي سيكون تأثيرها الفوري تعميق إكتئابها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى