ملف النفط اللبناني في قبضة المفاوضات النووية

بقلم البروفسور جاسم عجاقة*
يُخبرنا التاريخ أن الحلم الإيراني بإمتلاك التكنولوجيا النووية ليس إلا جزءاً من حلم أكبر ألا وهو جعل إيران دولة كبرى. ويعود حلم الجمهورية الإسلامية في إيران بامتلاك الطاقة النووية إلى منتصف القرن الماضي حيث قامت بريطانيا بتأمين التدريبات اللازمة لمئات المهندسين الإيرانيين في عهد شاه إيران. وبدأ تنفيذ البرنامج النووي الإيراني في العام 1974 وذلك بتوقيع عقد مع شركة ألمانية لإنشاء محطة توليد للكهرباء بالطاقة النووية حيث تم إختيار مدينة بوشهر. وأخذ الأمر منحى أخر مع تبوؤ نظام المولّى سدة الحكم عبر الثورة الإسلامية في إيران في أواخر سبعينات القرن الماضي، حيث توقف إنشاء معمل بوشهر مع إمتناع الدول الغربية عن تزويد إيران بالمعرفة والمعدات المُرتبطة بالتكنولوجيا النووية. هذا الإمتناع جاء كنتيجة لتخوّف الغرب من طموحات طهران من إمتلاك ترسانة عسكرية قوية كافية لمواجهة إسرائيل والدول الخليجية المُحيطة.
وكبر الحلم الإيراني مع مرور الزمن حيث عملت السلطات، على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، إلى الوصول إلى الإكتفاء العسكري الذاتي وذلك عبر تصنيع الأسلحة والذخائر الضرورية لخلق قوة ردعية وهجومية في الوقت عينه. وتكلل الجهد الإيراني بصنع أسلحة متنوعة من الأسلحة الخفيفة إلى الصواريخ والطائرات والغواصات ومُعظم الأسلحة الإستراتيجية التقليدية. هذا الأمر أثار حفيظة الغرب الذي تخوّف من أن تعمد إيران إلى تدعيم ترساناتها العسكرية التقليدية بترسانة نووية. وقد تصاعدت المخاوف مع تصريح شهير للرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد الذي قال: “إسرائيل مرض سرطان يجب إقتلاعه”.
أضف إلى هذا الواقع، الصراع العربي-الفارسي المُتمثل بالصراع السعودي-الإيراني والذي تُرجم على الأرض بحرب سنية-شيعية بدأت مع حرب إيران والعراق في ثمانينات القرن الفائت والتي إنتهت بفوز معنوي للعراق. ووصل هذا الصراع إلى ذروته في العراق لينتقل بعدها إلى لبنان ويعود بالتالي إلى العراق وسوريا وينتهي في اليمن.
لكن الإنفتاح الغربي وخصوصاً الأميركي على طهران في بداية هذا العقد، دفع بالأمور إلى واقع أخر وهو المفاوضات. هذه المفاوضات دفعت إلى الاتفاق في العام 2013 على تقليص حجم مخزون اليورانيوم المُخصّب، وأثبت تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في 1 تموز (يوليو) 2015، أن إيران إحترمت هذا الإتفاق مع بلوغ هذا المخزون 7537 طناً أي ما دون الكمية التي تمّ الاتفاق عليها. وكان للإتفاق المبدئي الشهير في 2 أيار (مايو) الماضي أثر كبير في تطور المواقف من كلا الطرفين.
لكن عملية المفاوضات وخلافاً لكل التصريحات، لم تقتصر على الملف النووي الإيراني بل طالت الملف العراقي، السوري، اليمني واللبناني. ونقتصر في هذا المقال على الملف اللبناني حيث أن البعد الإستراتيجي الإيراني في لبنان والمُتمثل ب”حزب الله”، كان في محور المفاوضات وهذا ما تُثبته زيارة نائب وزير الخارجية الاميركية لشؤون الطاقة آموس هوشتاين إلى لبنان والتي بحث فيها مع المسؤولين اللبنانيين ملف المنطقة الإقتصادية الخالصة والحدود المُتنازع عليها مع إسرائيل.
هذا التطور يأتي بعد مرور خمسة أعوام على إقرار قانون النفط البحري وتعيين هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، حيث لم تشهد هذه الفترة أي تطور في مجال النفط في لبنان. والملف اليوم عالق في أدراج مجلس الوزراء الذي لم يستطع حتى الساعة إقرار مرسومي شروط التلزيم وتقسيم المنطقة الإقتصادية الخالصة إلى رقع (Block).
وبحسب التحاليل، فإنه من المحتمل أن يكون ملف النفط اللبناني قد تمّ ربطه بملف المفاوضات على البرنامج النووي الإيراني حيث من الممكن أن تكون السيناريوهات على الشكل التالي:
الطلب من لبنان أن يشرع إلى التنقيب عن النفط وذلك بغض النظر عن الواقع الخلافي مع إسرائيل على أن يتمّ حل الخلاف لاحقاً. وهذا السيناريو هو نوع من التطبيع للواقع الحالي أي 500 كلم2 من المنطقة الإقتصادية الخالصة المقضومة من حصة لبنان لصالح تل أبيب.
القبول بإعطاء لبنان المساحة المقضومة من الدولة العبرية على أن يعمد “حزب الله” إلى الإمتناع بشكل قاطع عن مهاجمة إسرائيل. وهذا السيناريو هو نوع من هدنة لمرحلة ما بعد “داعش”. وقد يقول البعض أن “حزب الله” لا يهاجم حالياً إسرائيل، وهذا يعود إلى إنشغاله بمحاربة “داعش” الذي يخلق نوعاً من الهدنة.
القبول بإعطاء لبنان المساحة المقضومة من قبل إسرائيل على أساس إتفاق مبدئي على معاهدة سلام بين بيروت وتل أبيب تبدأ بقبول إعطاء لبنان المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تحتلها إسرائيل وفي المقابل يقبل بلد الأرز بمنح الدولة العبرية حقاً في مياه الوزاني على أن يتم لاحقاً بدء تعاون تقني بين البلدين في مجال الطاقة وتصدير الغاز كتمهيد لمعاهدة سلام بينهما.
بالطبع، السيناريو الأخير يظل بعيد المنال في ظل المعارضة القوية التي تُظهرها المقاومة تجاه إسرائيل والرأي العام اللبناني غير الحاضر لهكذا سيناريو. لكن وبمعرفة الإستراتيجية الأميركية الطويلة الآمد، يُمكن القول أن المعطيات المقبلة قد تكون كافية لتغير الواقع كما حدث مع “الربيع العربي” ومقولة كوندوليزا رايس الشهيرة عن الشرق الأوسط الجديد.
• خبير إقتصادي وإستراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى