الدروز في سوريا بين سندان نظام الأسد ومطرقة الجهاديين

فيما يتميز الدروز في لبنان بولائهم لزعماء تقليديين يعودون إليهم في الأزمات والمحن فإن الطائفة الدرزية في سوريا على عكس ذلك لا زعماء لها، الأمر الذي تسبب بإنقسامات في صفوف أبنائها حيث تقاذفتهم عواصف الإضطرابات في بلاد الشام، وبالتالي فهم ينتظرون من يرشدهم إلى الطريق الصحيح الذي ينبغي أن يتبعوه ليحافظوا على وجودهم، فهل يأتي الترياق من الزعيم الأقوى للدروز في لبنان … من وليد جنبلاط؟

وليد جنبلاط: رسالته لاقت صداها عند طائفته في سوريا
وليد جنبلاط: رسالته لاقت صداها عند طائفته في سوريا

بيروت – رئيف عمرو

لسنوات، حذّر المُجتمع الدرزي الإسرائيلي الصغير والهادىء نسبياً – مع زعيمه الروحي الشيخ موفّق طريف — من مخاطر تواجه إخوانهم قي الدين في جنوب سوريا، حيث إستطاع تنظيم “جبهة النصرة” التابع لتنظيم “القاعدة” ومتمردون من السيطرة والهيمنة على غالبية مناطقهم. ومع ذلك، لم يصدر أي رد فعل على تلك التحذيرات حتى حلول 10 حزيران (يونيو) الفائت عندما قُتل أكثر من 20 قروياً من الدروز في إدلب في شمال غرب سوريا على يد أعضاء في “جبهة النصرة”. فقد نُظّمت مسيرات ضخمة في شمال إسرائيل إحتجاجاً ، حيث لوح الدروز بكل فخر بعلمهم ذي الخمس ألوان وبشكل بارز لإظهار تضامنهم عبر الوطني، كما جُمِع ما يقرب من 2.8 مليوني دولار لشراء أسلحة، عبر الأردن، لأبناء طائفتهم في سوريا.
في لبنان كانت ردود الفعل في تناقض ملحوظ مع الطائفة الدرزية. بعد هجوم إدلب، كان الدروز اللبنانيون من دون أدنى شك غاضبين وقلقين، لكنهم في الغالب كانوا آذاناً صاغية لكلام زعيمهم، وليد جنبلاط، الذي دعاهم إلى ضبط النفس. إن جنبلاط، الذي يُعتبر أبرز زعيم درزي في المنطقة وأحد منتقدي نظام بشار الأسد، قد لعب دوراً لا غنى عنه في تخفيف التوترات الطائفية في لبنان، الذي ينقسم سكانه بشكل حاد بين مؤيدين ومعارضين للأسد. وهو يرأس الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي منذ وقوع حادث إدلب، إتخذ خطاً مفاده أن الحل لمشكلة الدروز السوريين يكمن في “الإتصال والتواصل السياسي”. وبالمثل، فقد أوضح المتحدث بإسم الحزب التقدمي الإشتراكي رامي الريس بأن الحزب تواصل مع “جماعة النصرة” وغيره من المتمردين الذين يسيطرون الآن على مساحات كبيرة من محافظة إدلب والقوى الإقليمية مثل تركيا لضمان حماية الدروز — الذين بلغ عددهم في مرحلة ما قبل الحرب في سوريا ما يقرب من 600،000 شخص. بعد أيام قليلة من حادث إدلب، أصدر تنظيم “جبهة النصرة”، الذي لا يعترف به جنبلاط كجماعة إرهابية، إعتذاراً، وقال بأن القتلة إنتهكوا الأوامر وستتم محاسبتهم.
الواقع أن الحرب السورية فد كشفت تصدعاً داخل المجتمع الدرزي اللبناني. بعض الدروز يتعاطف مع النظام السوري وحليفه “حزب الله”، في حين أن البعض الآخر يحافظ على ولائه لجنبلاط، الزعيم البراغماتي الذي يسعى لإبعاد التوترات الطائفية. لا شك أن مهمته صعبة، لكن، حتى الآن، أسفرت سياساته عن نتائج إيجابية ومهمة، خصوصاً في لبنان.

ميول لبنانية

لقد إنتقد بعض الدروز في لبنان إستجابة جنبلاط الفاترة لمحنة إخوانهم في سوريا، لكن الطوائف الدينية اللبنانية الأخرى أثنت عليه، ولا سيما أهل السنة المعتدلين، الذين يسعون أيضاً إلى حماية لبنان من فتنة مستوحاة من سوريا. في 14 حزيران (يونيو)، زار وفد من رجال الدين السنّة شخصيات دينية درزية في بلدة بجنوب شرق راشيا الوادي للتأكيد على أهمية التعايش الودي في مواجهة الهجوم المميت. “لقد جئنا لتقديم تعازينا، لأنه عندما يصيبكم ألم أو مكروه، كذلك نحن. مصائبنا واحدة”، قال مفتي وادي البقاع وزحلة الشيخ خليل الميس، بينما كان يلقى كلمةً أمام مضيفيه. وأضاف المفتي أن جنبلاط “هو الضامن الكبير للإستقرار والوحدة الوطنية”.
إن سمعة جنبلاط لإدارة الأزمات كانت واضحة مرة أخرى في العام 2014 عندما إشتعل القتال لأول مرة بين الدروز الموالين للنظام السوري والمتمرّدين السنّة على الجانب السوري من جبل الشيخ، وهو الجبل الذي يهيمن على كلا الجانبين من الحدود. زار جنبلاط عدداً من القرى الواقعة على الجانب اللبناني في أيلول (سبتمبر) من ذلك العام، واحدة منها كانت عين عطا. إن غالبية سكان هذه القرية هي من الدروز، لكن هناك أقلية مسيحية (لا تزال كنيسة مار الياس مفتوحة وناشطة). وينقسم الدروز في عين عطا بين أولئك الذين يدعمون جنبلاط وأولئك الذين هم من الموالين للحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي يُعتبر من الموالين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد و”حزب الله”. لكن على الرغم من خلافاتهم، فقد ظلّوا موحَّدين.
وجاءت زيارة جنبلاط الى عين عطا بعد أسابيع على فتح سكانها النار على سيارة إِشتُبه في أنها تنقل متطرفين سوريين، وهي خطوة يعترف بعضهم الآن بأنها كانت خطأ. وبحسب ما ورد فإن سيارة “الفان” دخلت القرية من بلدة شبعا التي يهيمن عليها السنة، والتي تؤوي عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين. في خطاب ألقاه بعد الهجوم، حثّ جنبلاط السكان المحليين إلى “التمييز بين الإرهابي واللاجىء السوري”. وتابع: “إذا كان أي شخص منكم يشتبه بأن شخصاً هو إرهابي، عندها دعونا نتصل بالحكومة. فقط الحكومة وأجهزتها (الأمنية) سوف تقرر من هو إرهابي ومن هو لاجئ”.
يبدو أن دعوات جنبلاط من أجل التهدئة والسلام قد فعلت فعلها. بعد أكثر من عشرة شهور على هذا الحادث، لم يعد سكان عين عطا قلقين من إمكانية عبور الجهاديين لجبل حرمون الوعر ودخول بلدتهم. “من الصعب عبور الجبل من هذا الجانب. ولن يحدث شيء هنا قبل وقوعه في شبعا، لأن الوصول إليها أسهل”، يقول نظام، وهو درزي ينتمي إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي. على الرغم من وجهات النظر المختلفة داخل الطائفة الدرزية، فإن الدعم لجنبلاط ولسياساته مترسّخ بين الدروز، الذين هم موالون للحزب التقدمي الإشتراكي وقائده. بالنسبة إليهم، لا يمثّل جنبلاط حماية للطائفة الدرزية فقط ولكن أيضاً للإستقرار الهشّ في لبنان. وهو بالتالي من المرجح أن يحافظ على العلاقات الودية بين ناخبيه وإخوانهم اللبنانيين، ولا سيما أهل السنة، بالنظر إلى أن العديد من المعتدلين السنّة يرحّبون بموقفه السياسي في الصراع السوري، الذي يلعب فيه الدروز السوريون دوراً مهماً.

السيناريو السوري

نصح جنبلاط الدروز السوريين، ولا سيما في جبل العرب في الجنوب، إلى التخلي عن نظام الأسد وتسوية خلافاتهم مع المتمرّدين الذين يسيطرون حالياً على درعا، وهي محافظة ذات غالبية سنيّة تقع على الحدود مع جبل العرب / السويداء إلى الغرب. ولكن هنا، فهو يلقى صعوبة أكثر لإيصال رسالته، وبالتحديد بسبب تعقيدات ولاء الدروز السوريين.
عندما بدأت الإنتفاضة السورية، شارك بعض الدروز في الإحتجاجات وحتى أن عدداً قليلاً منهم إنشق عن الجيش. كما إنتقدوا وحشية النظام وأعربوا أيضاً عن تضامنهم مع هؤلاء الذين يقاتلون ضده. ولكن نظراً إلى خطر التطرف — الذي يستمر الأسد في إستغلاله – لا يزال بعض الدروز في جبل العرب / السويداء يقاتلون مع النظام. كما أن كثيرين من الآخرين مصممون على الدفاع عن المحافظة بأنفسهم ضد الأسد والمتطرفين السنة على حد سواء، وفقاً لفادي الداهوك، وهو صحافي سوري مقيم في بيروت، الذي ينحدر من السويداء. وهناك مجموعات أخرى من الدروز التي ما زالت غير متورطة. خلافاً لإخوانهم في الدين في لبنان، فإن الدروز في سوريا ليس لديهم زعيم سياسي قوي مماثل لجنبلاط. يقود المجتمع في سوريا حالياً ثلاثة من رجال الدين، المعروفين بمشايخ العقل، الذين يُعيَّنون بعد موافقة النظام عليهم.
أما طلال أرسلان، الزعيم الدرزي الثاني الأقوى في لبنان، ووئام وهاب، السياسي الدرزي الموالي للأسد، فقد قاربا الصراع السوري بشكل مختلف عن جنبلاط. يرى أرسلان، الذي يرأس الحزب الديموقراطي اللبناني، أن الدروز يجب أن يواصلوا القتال إلى جانب قوات الأسد. ورفض قبول إعتذار “جبهة النصرة” عن عمليات القتل التي إستهدفت سكان القرى الدرزية في إدلب. “ما زلنا نعتقد أن هذه المجزرة هي جزء من مؤامرة [عالمية] ضد سوريا وتخدم فقط المصالح المشتركة لإسرائيل والجماعات التكفيرية وهما وجهان لعملة واحدة”، حسبما نقلت عنه صحيفة “ديلي ستار” اللبنانية.
وهّاب هو أكثر تطرفاً. لقد زار أخيراً البلدة الدرزية “حضر” في الجانب السوري من جبل الشيخ، التي هي البلدة الدرزية الوحيدة التي لا تزال تحت سيطرة نظام الأسد. في خطاب وجهه إلى عدد من القرويين الدروز ورجال الدين هناك، حذّر من أن “ما يحمينا هي بنادقنا و[متابعة] وجودنا في أرضنا”. وأضاف، “[شعب] حضر سيفوز ومع الجيش السوري سوف يكون قادراً على كسر الحصار”. وفي منتصف حزيران (يونيو)، إستولى متشددون إسلاميون على تلة إستراتيجية شمال حضر وإنتهى الأمر بحصارهم للبلدة. لم يرسل النظام أي تعزيزات الى البلدة المحاصرة، وفقاً لداهوك.
على الرغم من أن عدداً كبيراً من الدروز يقاتلون إلى جانب قوات النظام في حضر، هناك بعض الدروز في البلدة يعملون على المصالحة بين البلدة والمناطق المجاورة التي سقطت في أيدي المتمرّدين. في 21 حزيران (يونيو)، أصدرت مجموعة من رجال الدين الدروز في حضر بياناً يقول: “إننا نشكر الجهود الجارية لفتح خطوط التواصل بيننا وبين جيراننا في قرى القنيطرة ودرعا للحفاظ على الوحدة السورية والهدف الرئيسي للشعب السوري”. وهذا ما حثّ عليه جنبلاط جميع الدروز السوريين للتمسك والإحتضان لمنع الإقتتال بين السنة والدروز.
الجهاديون ليسوا هم الخطر الوحيد الذي يواجه الدروز في حضر. إن البلدة، التي هي قريبة من مرتفعات الجولان المحتلة من الإسرائيليين، تقع في منطقة حيث ينشط “حزب الله” بشكل كبير. في نيسان (إبريل) 2015، أسفرت غارة جوية إسرائيلية عن مقتل أربعة رجال كانوا يحاولون زرع قنابل قرب الجولان المحتل. إثنان منهم كانا أخوين درزيين، ويعود أصلهما إلى مجدل شمس (في الجولان المحتل)، وهما كانا غادرا حضر للقتال مع النظام. وقد تم تجنيدهما من قبل سمير القنطار، وهو درزي لبناني، أدين بقتل عائلة إسرائيلية في نهاريا في العام 1979. وقد سُجن في إسرائيل وأُفرج عنه في العام 2008 في عملية تبادل للأسرى مع “حزب الله”. ومن دواعي القلق أن بعض الدروز، الذي يجري حالياً تجنيده للقتال ضد المتمردين، يمكن في ما بعد أن يُكَلّف بتنفيذ هجمات ضد إسرائيل من جنوب سوريا. وهذا العنف لا يخدم سوى مصالح “حزب الله”، وليس الطائفة الدرزية.

أولوية جنبلاط

تربط الدروز في لبنان وسوريا وإسرائيل علاقات عائلية قوية وإيمان يؤكد على أهمية التضامن. وعلى الرغم من أن الدروز ليس لديهم موقف موحَّد حول كيف ينبغي على أبناء طائفتهم السوريين إدارة الحرب الأهلية الدائرة، فإن حماية هذا المجتمع الصغير في المنطقة هو أولوية قصوى بالنسبة إلى جميع فصائله. ولكن ما يميّز سياسة جنبلاط هو أنه يسعى إلى حماية الدروز من مزيد من الضرر، وفي الوقت عينه يعمل على الحفاظ على التعايش مع الجماعات الدينية الأخرى، وبخاصة أهل السنّة.
لا شك أن الدروز السوريين في وضع غير مستقر، وقد حاول جنبلاط جاهداً مساعدتهم في الوقت الذي ضمن مصالح ناخبيه الخاصة في لبنان. وحتى إذا فشل في إقناع الدروز بالتخلي عن نظام الأسد والسعي الى إتفاق مع المتمردين، فسوف يذكر التاريخ بأن جنبلاط كان الزعيم الدرزي الوحيد الذي سعى إلى السلام في وسط حرب دامية ومجنونة. وحتى الآن فقد نجح في معظمها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى