بنوك الخليج تلجأ إلى إصدار السندات والصكوك لتأمين تمويل عملياتها

فيما تتابع أسعار النفط هبوطها فقد إضطرت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى سحب بعض ودائعها من البنوك الأمر الذي وضع ضغوطاً تمويلية على هذه الأخيرة ودفعها إلى الإستفادة من أسواق السندات والصكوك لضمان حصولها على التمويل الكافي.

البنك الإسلامي في قطر: تصنيفه إرتفع
البنك الإسلامي في قطر: تصنيفه إرتفع

أبو ظبي – سليم سلوم

تقوم المصارف الخليجية حالياً بإصدار سندات وصكوك بمعدل كبير يساوي أكثر من ضعف ما أصدرته في العام الماضي، وفقاً لبيانات جمعية السندات والصكوك في دبي. وفي جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست، توجهت المؤسسات المالية إلى السوق للحصول على المزيد من رأس المال، حيث إستطاعت جمع 5.6 مليارات دولار على الأقل في الربع الأول من هذا العام، مقارنة ب2.5 ملياري دولار للفترة عينها من العام الماضي.
ومعظم الأموال الذي جُمع حتى الآن هذا العام كا من طريق السندات التقليدية، مثل سندات بنك أبو ظبي الوطني التي أصدرها بقيمة 750 مليون دولار في آذار (مارس) الفائت. ومع ذلك، فإن أكبر إصدار حتى الآن تمثل بسندات إسلامية (صكوك) بلغت قيمتها مليار دولار أصدرها بنك دبي الإسلامي في كانون الثاني (يناير) الفائت.
هناك سبب بسيط لهذا الإرتفاع الكبير في نشاط سوق الدين، يكمن في إنخفاض أسعار النفط. في حين أن أسعار الطاقة قد تعافت بعض الشيء هذا العام، فإنها لا تزال أقل بكثير من مستويات حزيران (يونيو) الفائت. وقد كانت لهذه الأسعار المنخفضة نسبياً سلسلة من الآثار المترابطة، بما في ذلك تباطؤ النمو الإقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، وإنخفاض الإيرادات الحكومية وبرامج الإنفاق العام صارت أكثر حذراً.
كل هذا ساهم في هزّ مستويات الثقة العامة بين الأفراد والشركات على حد سواء. ويفيد مصرفيون في المنطقة أن كثيرين من عملائهم باتوا الآن أكثر حذراً وإنهم لا يتحدثون فقط عن مؤسسات الدولة والشركات المرتبطة بالنفط. “أعتقد أن الإنخفاض الحاد في أسعار النفط والتقلبات التي نشأت عن هذا التطور أثّر في معظم الشركات في المنطقة”، يقول أحد المصرفيين التنفيذيين.
يمكن رؤية إنخفاض الثقة بوضوح في إستعداد السكان المحليين لإقتراض المال. في المملكة العربية السعودية، وصل نمو الإئتمان في الوقت الراهن إلى أدنى مستوى له في أربع سنوات تقريباً، وفقاً لشركة جدوى للإستثمار المحلي. في دولة الإمارات العربية المتحدة، يقول البنك المركزي أن الإقبال على الإئتمان عموماً خفَّ في الربع الأول من هذا العام مقارنة مع الفترات السابقة.
ولكن في حين أنه قد يكون يتباطأ، فإن الطلب على الإئتمان ما زال ينمو، مقروناً بإنخفاض النشاط في الإقتصاد الأوسع، الذي يؤدي إلى بعض ضغوط التمويل على البنوك، بما في ذلك إرتفاع تكاليف الإقتراض. في تقرير نشر في أيار (مايو) الفائت، أشار البنك السعودي “مجموعة سامبا المالية” إلى أن سعر الإقراض لمدة ستة أشهر بين البنوك الإماراتية قد إرتفع قليلاً بنحو 40 نقطة أساس منذ بداية العام.
ولعل أكبر قضية تحتاج البنوك إلى التعامل معها في هذه البيئة هي التمويل الحكومي. يعتمد النظام المصرفي في المنطقة إلى حد كبير على المال الذي تضعه الحكومة والكيانات المرتبطة بها كودائع. مع عائدات النفط الحكومية في إنخفاض، فإن قدرة هؤلاء العملاء على الحفاظ على مستويات عالية من الودائع بدأت تتغيَّر.
وفقاً لخدمة المستثمرين لدى وكالة التصنيف الإئتماني “موديز”، في أنحاء بعض دول مجلس التعاون الخليجي هناك نحو 25 في المئة من ودائع البنوك تأتي من الحكومات وهيئات القطاع العام الأخرى. لكن المعدل لدى البحرين هو أقل، 14 في المئة، أما في دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان وقطر فإن المستويات هي أعلى من 30 في المئة.
“على مدى السنوات القليلة الماضية كان إرتفاع عائدات النفط يغذّي النظام المصرفي، سواء بشكل مباشر من خلال أرصدة الحكومة أو من الكثير من شركات القطاع العام التي تتمتع بالغنى النقدي”، يقول خالد حاولادار، وهو من مسؤولي الإئتمان في وكالة “موديز”. “لقد كانت ودائع الحكومات والقطاع العام مصدراً للسيولة الرخيصة”، يفيد.
وتشير تقديرات بنك الإمارات دبي الوطني أن الودائع الحكومية في النظام المصرفي المحلي في أكبر ثلاثة إقتصادات في دول مجلس التعاون الخليجي قد إنخفضت بشكل حاد في الربع الأخير من العام الماضي والأشهر الأولى من هذا العام. وتفيد بأنه في قطر، إنخفضت الودائع الحكومية بنسبة 53 في المئة بين تشرين الأول (أكتوبر) 2014 وشباط (فبراير) 2015. وكانت الإنخفاضات في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أكثر تواضعاً خلال تلك الفترة، بنسبة 14 في المئة و11 في المئة على التوالي، ولكنها لا تزال كبيرة.
ولا تقتصر المشكلة على تلك الأسواق الثلاث. إن البنوك في أسواق خليجية أخرى مثل سلطنة عُمان من المرجح أن تتخذ بعض الإجراءات التصحيحية إذا إستمر هذا الإتجاه في هبوط الودائع الحكومية أيضاً. وقد أشار صندوق النقد الدولي في أحدث مراجعة للإقتصاد العُماني، التي نشرت في أوائل أيار (مايو) الفائت، أن “إنسحاباً مفاجئاً للودائع الحكومية من شأنه أن يثير ضغوطاً بالنسبة إلى السيولة في البنوك”.
إن هذا الإتجاه هو الذي يقود فعلياً البنوك الخليجية إلى إصدار كل تلك السندات والصكوك، فيما هي تحاول تعزيز وضعها المالي.
“في قطر وأبوظبي على وجه الخصوص شهدنا ضغوط التمويل والبنوك هناك تبحث في جمع أموال أكثر مدى”، يقول حاولادار. مضيفاً: “نعتقد أنه على مدار السنة، وخصوصاً في الربعين الثالث والرابع، سنرى الكثير من إصدار السندات والصكوك من تلك البنوك”.
تختلف الظروف والمخاطر في كل بلد. ووفقاً لجايسون تورفي من “كابيتال إيكونوميكس” في لندن، فإن نمو الائتمان قد إرتفع بسرعة في قطر في السنوات الأخيرة، مما خلق مشاكل خاصة بها.
“مما يثير القلق، إن البنوك [في قطر] تعتمد بشكل متزايد على الإقتراض من الخارج لتمويل القروض الجديدة”، كما يقول. مضيفاً: “وبإعتراف الجميع، لقد وُجِّه الكثير من هذه القروض نحو المشاريع الإستثمارية وبالتالي فهي أقل عرضة للتعثّر، مثلاً، من القروض الإستهلاكية. ولكن هناك خطراً حقيقياً هو أنه، على المدى المتوسط، سوف تُترَك قطر مع مشاريع بطاقة مفرطة وإستثمار كبير فشلت في تحقيق عوائد متوقعة. ويمكن للشركات المحلية في حينه الكفاح من أجل سداد القروض، مما قد يتسبب في تشديد شروط الإئتمان”.
في دولة الإمارات العربية المتحدة، في الوقت عينه، على الرغم من أن جزءاً من حزمة الديون الضخمة التي تراكمت لدى الكيانات المرتبطة بالحكومة قد تمّ التعامل معها ودفعها خلال السنوات الأخيرة، فلا يزال هناك الكثير من القروض غير المُسدَّدة التي ينبغي على الكيانات المرتبطة بالحكومة دفعها في السنوات المقبلة. وفقاً لمجموعة سامبا المالية، كان لدى البنوك المحلية في دولة الإمارات مبلغ 26 مليار دولار مخصص للقروض المتعثرة إعتباراً من شباط (فبراير) من هذا العام، مقارنة مع 31 مليار دولار في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي. مع هبوط أسعار النفط وتذبذب النشاط الإقتصادي، هناك فرصة أعلى بأن يصبح بعض تلك الديون متعثرة. لذا تقول “سامبا” أنها تتوقع مزيجاً من تدهور جودة الأصول، وهبوط أسعار النفط وإرتفاع عدم سداد الإلتزامات الائتمانية والذي يعني أن أرباح البنوك في الإمارات ستواجه أزمة هذا العام.
ويمكن أيضاً أن يُنظَر إلى الضغوط على البنوك في المنطقة من طريقة بعض وكالات التصنيف الإئتماني التي تعدّل فيها وجهات نظرها. هذا العام، على سبيل المثال، غيّرت “ستاندرد آند بورز” النظرة المستقبلية لعدد من البنوك، بما في ذلك بنك الخليج الدولي في البحرين وبنك المشرق وبنك أبوظبي التجاري في الإمارات، من إيجابي إلى مستقر. كما خفّضت توقعاتها بالنسبة إلى أربعة بنوك سعودية – مصرف الراجحي، والبنك الأهلي التجاري، وبنك الرياض، وسامبا – من مستقر إلى سلبي.
الواقع أن عدد البنوك الذي شهد تحسناً في تصنيفاته هو أقل بكثير، على الرغم من أن وكالة “موديز” رفعت تصنيف إصدارات البنك الإسلامي الدولي في قطر للآجال الطويلة والقصيرة في أيار (مايو) الفائت، من “A3” إلى “A2” مع نظرة مستقبلية مستقرة.
من ناحية أخرى، لا ينبغي لأي من القضايا المذكورة أعلاه أن تسبب الكثير من الصعوبات للنظام المصرفي في الخليج في المدى القصير. على الرغم من ضغوط التمويل، فإن البنوك في المنطقة هي في حالة جيدة على العموم ولديها نسب رأس مال كافية وقوية. إن مستوى القروض المتعثرة كان في إنخفاض في السنوات الأخيرة، حيث تم إعادة هيكلة ديون بعض الكيانات المرتبطة بالحكومة، وفي حالات أخرى، تمّ سدادها.
مع ذلك، ما هو مجهول هو إلى أي متى ستبقى أسعار النفط منخفضة، وبالتالي، إلى أي مدى ستصل ضغوط التمويل. إن غالبية المراقبين تتوقع بأن أسعار النفط سوف تُنهي هذا العام مرتفعة قليلاً أعلى من بدايته، وسوف تتصاعد مرة أخرى في العام المقبل. وهذا سوف يساعد موازنات الحكومات، ولكن ليس من المرجح أن يرتفع الثمن بما يكفي للكثير من الحكومات في الخليج لتفادي عجز كبير في الموازنة.
والسؤال هنا كيف تختار الحكومات الطرق لدفع عجزها. يمكنها أن تستمر في إستخدام المدخرات الحالية، مثل الودائع المصرفية الخاصة بها؛ سحب بعض الإستثمارات التي تحتفظ بها صناديق الثروة السيادية؛ أو إصدار سندات وصكوك خاصة بها. إن مزيجاً من كل هذه هو الأرجح، وهذا ما يعني أنه إذا إستمر هذا الوضع، أو بدأت أسعار النفط الإنخفاض مرة أخرى، عندها فإن فجوة التمويل للبنوك من المرجح أن تستمر.
“اذا قُدِّر لهذا الإنخفاض أن يكون ممتداً على فترة أكثر من ذلك بكثير، والذي لا نتوقعه حقاً – نحن نتوقع إنتعاش أسعار النفط في العام المقبل ب10 دولارات على الأقل– عندها هذا يحتمل أن يؤدي إلى مزيد من فقدان التمويل”، يقول حاولادار.
من جهته، أفاد صندوق النقد الدولي في أحدث مراجعة له عن إقتصادات المنطقة، التي نُشرت في أيار (مايو) الفائت أن المخاطر بالنسبة إلى البنوك في المنطقة من المرجح أن تزداد مع مرور الوقت. وأضاف أن “تأثير إنخفاض أسعار النفط في النُظم المصرفية للبلدان المصدرة للنفط من المرجح أن يكون صامتاً في المدى القريب، ولكن من المرجح أن تزداد المخاطر السلبية مع مرور الوقت”. ويتابع: “إن تأثيرات الجولة الثانية من إنخفاض أسعار النفط في النشاط الإقتصادي قد يُضعِف جودة الأصول، والسيولة، والربحية، ولكن سرعة التكيف من المرجح أن تختلف بإختلاف البلدان”.
مع ذلك، هناك جانب مضيء نوعاً ما لظروف السوق الحالية، يقول حاولادار، ويكمن في أن حدة المخاوف من إحتمال إرتفاع درجة الحرارة في بعض أجزاء من إقتصادات دول الخليج قد خفت الآن إلى حد ما.
“إن إنخفاض أسعار النفط كان تذكيراً في وقت مناسب تماماً لدول الخليج، حيث بدأنا نرى بعض الحماسة تعود”، كما يقول. وأضاف: “كنا بدأنا نرى نوعاً من العودة إلى ذروة أسعار العقارات. وقد أدى هذا النفط المنخفض إلى وقفة قليلة لنمو الائتمان الذي رأيناه يستأنف مسيرته؛ ولا سيما في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث ترى أن الأسعار تؤتي ثمارها بطريقة مدروسة أكثر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى