الطيران العُماني تبني مستقبلاً واعداً خطوة خطوة

فيما شركات الخليج الكبرى الثلاث: طيران الإمارات، الإتحاد للطيران والخطوط الجوية القطرية تتوسع وتجني الأرباح، فإن شركة الطيران العُماني التي تخسر المال حالياً تحلم بدورها بالتوسع وبمستقبل واعد ومزدهر من خلال إستراتيجية طويلة المدى وعلى طريقة الخطوة خطوة يعتقد الخبراء بأنها ستؤتي ثمارها.

الرئيس التنفيذي للطيران العُماني بول غريغوروفيتش: خطة طموحة
الرئيس التنفيذي للطيران العُماني بول غريغوروفيتش: خطة طموحة

مسقط – باسم رحّال

كشركة طيران متوسطة الحجم في سوق طيران خليجية فائقة المنافسة، قد يتوقع البعض من الطيران العُمَاني أن تعمد إلى الترحيب بأي عقبات تُلقى في طريق أكبر منافساتها في دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر. إن الجهود التي تبذلها صناعة الطيران الأميركي لقص أجنحة شركات الطيران الخليجية “الثلاث الكبار”- طيران الإمارات في دبي، الإتحاد للطيران في أبوظبي والخطوط الجوية القطرية – يجب من الناحية النظرية أن تمنح مساحة للتنفس لناقلة العَلَم العُماني للحاق بركب منافسيها.
لم تُذكَر شركة الطيران، التي تتمركز في مسقط، في الملف الشائن الصادر في 55 صفحة عن جماعات الضغط الأميركية في آذار (مارس) الفائت والذي حثَّ واشنطن على منع مزيد من التوسع ل”الثلاث الكبار”. إن الإتفاقات الثنائية التي تمنح تلك الشركات حق الوصول غير المقيِّد إلى أميركا ينبغي أن تُلغى، تقول الحملة، بسبب الدعم المانع للمنافسة الذي تمنحه حكومات إمارتي أبو ظبي ودبي ودولة قطر لتلك الشركات. بينما تعتمد شركة الطيران العُماني على القدر عينه من مساعدات الدولة، فطائراتها لا تطير إلى أيّ من المدن الأميركية، وليست لديها خطط للقيام بذلك. من هنا فإن التدابير الحمائية التي تُعرقل نموها ستكون غير مجدية.
ولكن مع عينه مركّزة بقوة على إستراتيجية طويلة الأمد لقطاع الطيران العُماني، فإن بول غريغوروفيتش، الرئيس التنفيذي للطيران العُماني، ليس في مزاج لإطلاق طلقات إنتقادية ضد جيرانه في الخليج. على العكس من ذلك، فهو يرى أن أي محاولة لفرض قيود على حركة المرور هي لعنة على صحة هذه الصناعة على نطاق أوسع.
“خلاصة القول، أنا أتعاطف مع موقف ووضع (الثلاث الكبار) شركات الطيران الخليجية. أنا ضد الحمائية”، قال في لقاء صحافي خلال الإجتماع العام السنوي لإتحاد النقل الجوي الدولي “أياتا” (IATA)، في ميامي في حزيران (يونيو) الفائت. متابعاً: “مثل كل شركات الطيران في أوروبا في الماضي، إنها تبني أنفسها في حين يتم دعمها من قبل الحكومة”.
“أعتقد أن بعض الحكومات الأخرى، على سبيل المثال في أوروبا، ينبغي أن تنظر إلى كيفية تضافر الجهود المُحرَزة في الشرق الأوسط وتعزيز ودعم الناقلات الوطنية … إذا نظرت إلى كيف أن قطر والإمارات وعُمان تعمل على تطوير بنيتها التحتية، وكيف تضع هذه الدول أيديها معاً وتستثمر في مطارات جديدة، وإبداء الحرص الشديد على العملاء بدلاً من فرض غرامات عليهم – هذه الأمور إذا أخذت بعين الإعتبار في القارة العجوز قد تجعل المنافسة الأوروبية أكثر إنصافاً أيضاً”، مضيفاً.
من ناحية أخرى، إن الوصول إلى أميركا قد لا يكون مشكلة للطيران العُماني، ولكن يحرص غريغوروفيتش على تسليط الضوء على صراعه مع الحمائية في أماكن أخرى. إلى الغرب، رفضت فرنسا أن تمنح الناقلة العُمانية إذناً لرفع عدد رحلاتها الأربع الأسبوعية التي تخدم خط مسقط – باريس، على الرغم من وجود أدلّة على إرتفاع الطلب على هذا الخط. “إذا لم يُسمَح لي بالذهاب أو القيام برحلات يومية إلى فرنسا، أشعر بأن هناك تمييزاً ضدي”، يشكو الرئيس التنفيذي للطيران العُماني. إلى الشرق، فإن القيود المفروضة على حركة المرور في الهند تقوِّض نموذج مركز المحور الإقليمي للشركة، مما يحدّ من عدد المقاعد التي يمكن أن تقدّمها واحدة من أسرع الأسواق نمواً في العالم على الرغم من تزايد الطلب بين العمال المهاجرين – وكثير منهم، من المفارقات، يحصلون على رواتبهم من شركات عُمانية.
تخدم الطيران العُماني حالياً 11 نقطة في الهند مع عدد رحلات إجمالي يبلغ أكثر من 100 رحلة أسبوعياً. وقد أصبحت مدينة “غوا” أحدث إضافة إلى الشبكة في نيسان (إبريل) الفائت، وعرف هذا الخط الجديد بالفعل شعبية لدى السياح الأوروبيين الذين يمرون “ترانزيت” عبر مسقط. لافتاً إلى أن متوسط معدلات إشغال المقاعد يبلغ 95 في المئة عبر الشبكة الهندية، يقول غريغوروفيتش أنه حريص على زيادة عدد الرحلات، بزيادة عدد الطائرات وإضافة نقاط جديدة مثل مدينة “كلكتا”. ولكن قدرته على القيام بذلك تتوقف على رغبة نيودلهي في تحرير هذه الصناعة.
“نحن نحاول التفاوض مع الحكومة الهندية لنرى ما إذا كنا نستطيع الإتفاق على نظام أكثر ليبرالية بين البلدين”، يؤكد. ويضيف: “مع رئيس الوزراء مودي هناك تفاهم على أساس أن هذه الخطة (لتوسع الطيران العُماني) لن تؤثر سلباً في الإقتصاد الهندي، ولكن يمكنها أن تحفز المزيد من النمو وتحقيق المزيد من الإزدهار … تخطط عُمان لمشاريع ضخمة أخرى في مجال البناء، لذلك نحن نوظّف الكثير من الهنود”.
إن النجاح في المحادثات سيؤدي إلى تعميق متناول الطيران العماني في ما يُعتبر بالفعل أكبر سوق في الخارج، ولكن غريغوروفيتش يلقي شبكته على نطاق أوسع من ذلك بكثير. يريد أن تصل شبكة ال48 نقطة إلى 75 وجهة بحلول العام 2020، مع أفضلية التوجه (إلى) والنمو في آسيا. وقد شهدت الأشهر الأخيرة إطلاق الطريق إلى سنغافورة ومانيلا في الفليبين، وجاكرتا في أندونيسيا. وسوف تكون العاصمة البنغالية دكا الإضافة المقبلة في شهر آب (أغسطس) المقبل، في حين أن بالي في إندونيسيا، وسيول في كوريا الجنوبية، وشنغهاي في الصين، هي أيضاً تحت التقييم.
إن إستراتيجية القارات الأخرى هي أكثر تحفظاً. لا تُعتبَر أميركا الشمالية وأوستراليا من الأسواق القابلة للحياة، يقول الرئيس التنفيذي للطيران العُماني، إذ أن مستويات الطلب الحالية لا يمكن أن تدعم إرتفاع التكاليف الثابتة لنشر الطائرات ذات الجسم العريض على مثل هذه الخطوط الطويلة. يجب على الركاب بدلاً من ذلك الإتصال مع الشركات المشاركة بالرمز معنا مثل “كي أل أم” (KLM) في أمستردام، و”غارودا” (Garuda) في جاكرتا. بالنسبة إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فليست هناك حالياً لدى الطيران العُماني خطط لتنمو أكثر من الخطين اللذين تخدمهما بين مسقط ودار السلام وزنجبار في تنزانيا.
من جهتها تبدو أوروبا في هذا الوقت أنها قد نضجت للتوسع، وإن كان ذلك في البداية من خلال عدد رحلات أعلى. إن النقاط الست للشركة التي تخدمها في أوروبا – لندن وباريس وفرانكفورت وزوريخ وميونيخ وميلان – كلها محاور رئيسية في حد ذاتها، وهذا يعني أن العديد من الركاب المتجّهين إلى مسقط تبدأ رحلاتهم في أماكن أخرى في القارة. من خلال تعزيز هذه المسارات الرئيسية ومراقبة ورصد نقطة الإنطلاق الأصلية، يمكن للطيران العُماني تحديد الأهداف المستقبلية للتواصل وفتح خطوط مباشرة من دون توقف.
وأقرب إلى الديار، تبرز إيران بالنسبة إلى الناقلة العُمانية الرسمية بإعتبارها أكثر الأسواق التي تعاني من نقص الخدمات في شبكة إقليمية لشركة طيران، حيث تستفيد حالياً من خدمة رحلة واحدة يومية إلى طهران. وهذا ليس من قبيل المصادفة. “إيران بالطبع مثيرة جداً للإهتمام، ولكن لا يزال لدينا الحصار”، يقول غريغوروفيتش، في اشارة الى العقوبات الأميركية ضد الجمهورية الإسلامية التي ما زالت سارية المفعول منذ تسعينات القرن الفائت، ولكن يمكن أن يتم رفعها في الأشهر المقبلة إذا نجحت المفاوضات النووية. وما لم يكن هناك إنفراج، يؤكد الرئيس التنفيذي، فإن شركة الطيران العمُاني سوف تخطو بحذر.
“لا ينبغي إستباق عملية أكبر، حيث كان صاحب الجلالة (السلطان قابوس بن سعيد) فعّالاً جداً لجمع الولايات المتحدة وإيران معاً”، كما يوضح. مضيفاً: “نحن لا نريد أن نخلّ ونخرّب (العملية) طالما لا تزال هناك عقوبات … ولحظة يُرفَع (نظام العقوبات)، سوف تكون السوق مفتوحة. والعلاقة بين سلطنة عُمان وايران كانت دائما قوية جداً وبنّاءة”.
سواء في الشرق الأوسط أو آسيا أو أوروبا، فإن التوسع في الشبكة سوف يعزز تدفق الركاب عبر مسقط، وينبغي، مع مرور الوقت، أن يعزّز الأداء التجاري للطرق الفردية. في هذا الخصوص تقوم عُمان بإقتراض صفحة من كتيب خطة اللعب ل”الثلاث الكبار” من شركات الطيران الخليجية – بناء شبكة محور مؤثرة يغذيها ربط حركة المرور بين الشرق والغرب – ولكنها تفعل ذلك على “نطاق أصغر” مع زيادة التركيز على السوق المحلية. خلافاً لدولة الإمارات العربية المتحدة وقطر فإن سلطنة عُمان تفتخر بأراضيها الشاسعة التي تتمتع بمناظر طبيعية خلابة وأربعة مواقع للتراث العالمي لمنظمة “اليونيسكو”. والسياحة، خصوصاً سياحة البيئة الراقية، لديها القدرة على وضع عُمان في منحى خاص آخر بصرف النظر عن صخب جيرانها في الشمال.
في المدى القصير، ، يأتي توسيع الشبكة مع ثمن باهظ. لقد غرقت شركة الطيران العُماني في عجز بلغ أكثر من 1.1 مليار دولار على مدى السنوات الأربع الماضية. وقد أطلقت الناقلة برنامج كفاءة، “الشكل والحجم”، في كانون الثاني (يناير) الفائت ومازالت تسعى إلى تحقيق نقطة التعادل بالنسبة إلى العجز بحلول العام 2017، ولكن غريغوروفيتش هو عملي في ما يخص الهدف. يقول: “إذا حاولتُ توفير التكاليف من طريق خفض الوظائف، ومنع الشباب العُماني من بدء مهنة، وبناء المعرفة والخبرة، فإن الحكومة لن تدعم ذلك أبداً”، يصرّ، مشيراً إلى أن هدف ولايته هو رفع مستويات “التعمين” (توظيف العُمانيين) بنسبة 61 في المئة إلى 70 في المئة من القوى العاملة. مضيفاً: “ثمة نقطة أخرى: ينبغي عليّ أن أدعم البنية التحتية في عُمان. هناك الكثير من المال قد إستثمر في مطارات جديدة [مثل] صلالة وصحار والدقم … إذا حاولت تحقيق الربحية من طريق خفض تلك الإستثمارات، فهذا لن يُسمَح به. وسيكون أيضاً من الغباء، لأنه سيكون فراراً قصير النظر”.
متابعاً: “تم بناء كل شيء في عُمان للمدى الطويل. حتى لو كان ذلك يعني أن [هدف التعادل ل] 2017 سيصبح العام 2018، سوف يكون هناك تفهم كامل من قبل الحكومة. ومع ذلك، ما زلت أسعى إلى تحقيق الهدف، ونحن نعمل جميعاً بجد لإنجاز ذلك بحلول العام 2017”.
بدلاً من فرض تخفيضات صارمة من أجل الإلتزام بمهلة تعسّفية، فإن الطيران العُماني تقوم بالإستثمار في أصولها – مطارات وطائرات ورأس المال البشري – لوضع الأساس لمستقبل أقوى. وقد حقق “الشكل والحجم” حتى بعض المدّخرات، ولكن يعتقد غريغوروفيتش بأن التكلفة التنافسية الحقيقية لن تأتي إلّا مع حجم. “لدينا مدير تسويق واحد إذا كانت لدينا 18 طائرة أو 50 طائرة”، يشير. متابعاً: “الإنتاجية تتحسّن [فيما نحن ننمو]، والحجم أيضاً للتفاوض على صفقات أفضل مع مُوَرِّديك. إننا نتبع هذا الطريق مع أكثر من 23 مشروعاً”.
في ضوء هذه الإستراتيجية، فإنه لم يشكل الأمر مفاجأة عندما كشفت شركة الطيران العُماني طلبية لشراء 20 طائرة من الجيل المقبل من طراز “بوينغ 737 MAXS” في آذار (مارس) الفائت، ورفعت في وقت واحد إلتزامها بشراء 10 طائرات من بوينغ 787. ومن المتوقع أن يصل عدد وحدات الأسطول المكوَّن حالياً من 39 طائرة إلى 70 طائرة بحلول العام 2020. وفي الوقت عينه سوف يضاعف مطار مسقط الدولي طاقته السنوية إلى 12 مليون مسافر في العام 2017.
هذه الأرقام قد تكون شاحبة بالمقارنة مع المحاور الضخمة في منطقة الخليج – “محور دبي الدولي” (Dubai World Central) سوف يستوعب 200 مليون مسافر في نهاية المطاف، وناقلة الإمارة الوطنية لديها طلبيات لشراء 277 طائرة – ولكن لم تَدَّعِ عُمان أو تزعم أبداً أنها تتبع السيناريو عينه. إن مسقط مهتمة بصفة رئيسية بالحد من إعتمادها على تضاؤل إحتياطات النفط. إن تغذية ناقلة علمها التي يمكنها تعبئة مواطنيها هي الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك.
قد تكون الشركة تخسر المال اليوم، ولكن الطيران العُماني هي جزء من إستراتيجية ذكية ومدروسة طويلة المدى سوف تؤدي بها إلى الأرباح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى