اليوان الصيني غير مُهيَّأ بعد لكي يكون عملة إحتياط دولية

لا يبدو أن الصين مستعدة لتزويد بقية العالم بعملتها الوطنية “يوان” أو “رنمينبي”، ولكنها مع ذلك تقوم بجهد كبير لوضعها في سلّة حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي. فهل يعني أن العملة الصينية ستكون عملة إحتياط دولية إذا نجحت جهود بكين في المؤسسة الدولية؟ وبالتالي هل تستطيع الصين القيام بمتطلبات تلك الخطوة؟

اليوان: الطريق ما زال طويلاً قبل أن يصبح عملة إحتياط دولية
اليوان: الطريق ما زال طويلاً قبل أن يصبح عملة إحتياط دولية

بكين – عبد السلام فريد

سرت في الآونة الأخيرة مبالغات ركّزت في معظمها على الدور الدولي المستقبلي للعملة الصينية، “اليوان” أو “الرنمينبي”. وتمثّلت أحدث موجة من الإثارة في محاولة الصين إدخال عملتها في سلة العملات المتمثّلة في حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي. وفقاً للحكمة المنطقية، فإن إدراج اليوان في سلة حقوق السحب الخاصة في المؤسسة المالية الدولية سيشكّل خطوة تاريخية، إذ أنها تعني الإعتراف الرسمي به بأنه عملة إحتياط عالمية. إن وضع حقوق السحب الخاصة، يقول كثيرون، من شأنه أن يعطي البنوك المركزية الدولية الضوء الأخضر لإضافة اليوان إلى إحتياطاتها وتشجيع المستثمرين على ضخ أموالهم في الأسهم والسندات الصينية.
ولكن وضع حقوق السحب الخاصة هو ذر للرماد في العيون، ولا يعني ما سلف. الواقع إن ما يهم حقاً هو ليس ما إذا كان صندوق النقد الدولي سيستخدم اليوان، ولكن من غيره سيفعل؟
إذا كان أي شيء، فإن إدراج العملة الوطنية الصينية في سلة حقوق السحب الخاصة سيكون لفتة سياسية، وليس تغييراً في قواعد اللعبة المالية أو الإقتصادية. قد يبدو هذا الكلام شيئاً غريباً، نظراً إلى الجهد الواضح الذي يضعه المسؤولون الصينيون للفوز بوضع في سلة حقوق السحب الخاصة. بالتأكيد، فإنهم لن يكرّسوا الكثير من الجهد وجعل الأمر أولوية عالية، إذا لم يكونوا يعتقدون أن الخطوة مهمة حقاً بالنسبة إلى اليوان والدور الدولي للبلاد. ولكن الصين لن تكون أول بلد يخطىء ويختلط عليه شكل وضع العملة الإحتياطية مع الجوهر.
هناك نوعان من المفاتيح لكي تستطيع عملة أي دولة أن تعمل كعملة إحتياط عالمية: يجب أن تكون مرغوبة (على حد سواء كوسيلة للتبادل وإدّخار للقيمة)، ويجب أن تكون في المتناول (يمكن للناس أن يدّخروا أرصدة منها لدى البنوك في الخارج). إن إعترافاً رسمياً يمكن أن يقرّ هذه الحقائق، ولكنه لا يفي بها، كما إكتشفت ذلك الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
في العام 1944، إختار مؤتمر “بريتون وودز” الدولي الدولار الأميركي كعملة إحتياط في العالم حيث كان يومها مرتبطاً بالذهب (الذي كانت تملك الولايات المتحدة كميات ضخمة منه). وعملت واشنطن أيضاً في حينه على التأكد من أن تكون أسعار صرف الدولار ثابتة لضمان إستمرار هيمنتها كدولة مصدِّرة. ولكن بعد الحرب، توضَّحت المشكلة بسرعة: أوروبا ليس لديها دولارات، ولا تملك وسيلة لكسبها. لذا إذا كانت الولايات المتحدة لا تستطيع أو غير مستعدة لتزويدها بالدولارات من طريق التجارة، والمساعدات، أو الإستثمار – وبعبارة أخرى، من طريق إدارة عجز في ميزان المدفوعات – فإن إقتصاداً عالمياً يعتمد على الدولار كعملة إحتياطية من شأنه أن ينهار.
وكان الحل لهذا النقص في الدولارات مشروع مارشال، الذي تلته سلسلة من تخفيض قيمة العملة التي وضعت شركاء أميركا التجاريين على أساس أكثر تنافسية معها. في نهاية المطاف، صدّرت واشنطن دولاراتها أساساً من طريق إدارة عجز تجاري كبير ومستمر – وهي حالة من الشؤون لا تزال جارية حتى يومنا هذا حيث كان الأمر سيكون صعب الإستمرار لو لم تبقَ الولايات المتحدة، وإستمرت بأن تكون، مكاناً مربحاً للإستثمار.
إن وضع سلة حقوق السحب الخاصة قد لا يقترب كثيراً من “بريتون وودز”، ولكن المبدأ لا يزال يعمل.
أي بلد يريد أن تكون عملته في الواقع بمثابة عملة إحتياط دولية يجب عليه تزويد بقية العالم منها وتلبية الطلبات على هذه العملة، إما من طريق إدارة عجز تجاري أو من خلال توفير كميات كبيرة من المساعدات أو رأس المال الإستثماري. حتى الآن، على الأقل، فقد إستند نموذج التنمية الصيني على العكس تماماً: إدارة فوائض التجارة وجذب الإستثمار الأجنبي. في هذه العملية، بدلاً من تصدير عملتها الخاصة، فقد إستوردت 4 تريليونات من عملات الدول الأخرى، التي تمتلكها كإحتياطات في البنك المركزي. (في السنوات القليلة الفائتة، شهدت الصين بعض تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج، ساحبةً من هذه الأرصدة الضخمة من العملة الأجنبية بضعة مليارات من الدولارات).

إذن، أين تصلح حقوق السحب الخاصة؟

إن حقوق السحب الخاصة هي وحدة حساب تعيّن قيمة (على أساس سلة من العملات المستخدمة والمتبادلة على نطاق واسع)، وتخصيصها لبلدان من قبل صندوق النقد الدولي. فكّر بها كقسائم، التي يمكن – نظرياً على الأقل – أن يتم تبادلها مع العملات الحالية. وإذا ما أضيف “اليوان” إلى سلة حقوق السحب الخاصة – جنباً إلى جنب مع الدولار، واليورو، والجنيه الإسترليني، والين – يمكن القول بأن البلدان التي لديها حقوق سحب خاصة سوف يكون لديها نوع من الحقوق بالمطالبة باليوان كجزء من إحتياطاتها النقدية. وإذا صادق صندوق النقد الدولي رسمياً عليه يمكن أن يشجّع الأمر أيضاً بنوكاً مركزية لتخزين اليوان مباشرة من تلقاء نفسها.
من الممكن – ولكن من أين سيأتي اليوان؟ أي يوان يُرسَل إلى الخارج، زيادةً على ميزان المدفوعات الصيني (المتواضع حالياً)، من شأنه أن يؤدي إلى مراكمة الصين وتخزينها أكثر بكثير من إحتياطات النقد الأجنبي لنفسها. في الواقع، قد يكون نوع من المبادلة الذي يمكن القيام به (ما دام كلّ من البنكين المركزيين في أي بلدين على إستعداد) مع أي عملتين. حتى بإستخدام اليوان لتسوية العجز في ميزان المدفوعات في الصين سوف يترك البلاد عالقة بكميات كبيرة من إحتياطات العملات الأجنبية التي خزّنتها فعلياً. بعيداً من تفوقه على الدولار الأميركي كعملة عالمية رائدة، فإن إرسال اليوان إلى الخارج – في غياب تحوّل كبير في ميزان المدفوعات الصيني – من شأنه أن يديم، بل وربما يفاقم، إعتماد الصين نفسها على (والتعرض ل) الدولار وعملات الإحتياط الأجنبية الأخرى.
آخرون، بما في ذلك واضعو تقرير صدر أخيراً عن بنك باركليز، يقولون أن وضع حقوق السحب الخاصة من شأنه أن يؤسس لكي يكون اليوان من “الأصول الآمنة”، الأمر الذي من شأنه أن يشجّع المستثمرين على شراء الأسهم والسندات الصينية، مما يمهّد الطريق أمام اليوان ليكون عملة إحتياط دولية. ومن المؤكد أن سيولة أكثر، وتطوراً أكثر لأسواق رأس المال في الصين من شأنهما أن يجعلا الوضع أكثر جاذبية للطلب على اليوان وتخزينه.
لكن السؤال، مرة أخرى، من أين سيأتي المال؟ إذا أقدم الاجانب على شراء السندات الصينية (أو حتى سندات غير صينية) باليوان فيكسبون بذلك بيع (صافي) الصادرات إلى الصين، أو إذا إشتروا البضائع الصينية (أو حتى البضائع غير الصينية) باليوان الذي إقترضوه من البنوك الصينية، عندها يكون اليوان قد صار حقاً عالمياً، مدعوماً بتدفقات ميزان المدفوعات الصيني.
ولكن إذا كان المستثمرون الأجانب ببساطة يحوّلون عملتهم الخاصة إلى يوان لشراء أصول مقيَّمة باليوان في الصين، فهذا هو تدفق لرأس المال. من منظور تدفق العملة، فهو لا يختلف عن سائح يحوِّل دولاراً أميركياً إلى يوان في مطار بكين، أو الإستثمار الأجنبي المباشر الذي يتدفق إلى الصين على مدى سنوات. كلٌّ من هذه المعاملات تنطوي على إستيراد عملات أجنبية إلى الصين مقابل سلع وأصول، وليس تصدير اليوان. الواقع أن وضع حقوق السحب الخاص يجعل الصين نقطة جيدة أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، لكنها خطوة تزيد في الواقع العقبة التي ستكون أعلى بكثير من قدرة الصين على تزويد العالم بإحتياطات اليوان.
يبدو أن العديد من المراقبين يعتقد بأن أي شيء يزيد من تسويق صورة اليوان يضعه على الطريق الصحيح لكي يصبح عملة إحتياط دولية. إن هذا الأمر أبعد ما يكون عن الحقيقة.
بإضافة اليوان إلى سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي بالتأكيد يرفع من مكانته، ولكن هل يفعل ذلك شيئاً لمساعدة – وحتى يمكن ان يعقّد – قدرة الدول الأخرى التي تريد الحصول على إحتياط باليوان بطريقة مجدية وذات معنى؟ تماماً كما كان الحال بالنسبة إلى الدولار الأميركي، فإن المفتاح لدور اليوان في المستقبل لا يعتمد على التسميات الرسمية من فوق، ولكن على ميزان المدفوعات. لكي يستطيع اليوان أن يصبح عملة إحتياطية، ينبغي على الصين أن تعمل على تطوير علاقات مختلفة إختلافاً عميقاً مع بقية الإقتصاد العالمي وبطريقة أفضل من العلاقات التي تقوم بها الآن – وهو تغيير هو أبعد ما يكون عن الوضوح أن الصينيين على إستعداد لإحتضانه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى