قطاع الطاقة المتجدّدة يتمتع بمرونة أكثر من أي وقت مضى

يلاحظ الخبراء بأن قطاع الطاقة المتجددة صمد ولم يتأثر كثيراً من إنخفاض أسعار النفط حيث توسّع وإنتعش بدل أن ينكمش، الأمر الذي إعتبروه دليلاً على مرونة هذا القطاع وأهميته لمستقبل الطاقة في العالم.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي: نشر الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي: نشر الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية

واشنطن – محمد زين الدين

كان غرق أسعار النفط الذي حدث خلال العام الفائت بالنسبة إلى مصادر الطاقة المتجدّدة كما كانت مادة “كربتونايت” بالنسبة إلى سوبرمان (التي تُضعِف قواه الخارقة)، على حد تعبير صحيفة “فاينانشال تايمز”. لكن الأمر لم يعد كذلك. نعم، صحيح أن المستثمرين الأميركيين كان يمكن أن يكونوا أفضل حالاً لو وضعوا أموالهم في البورصة من نيسان (إبريل) 2014 إلى نيسان (أبريل) 2015 بدل أن يضعوها في التكنولوجيا النظيفة. لقد شهدت هذه الفترة إنخفاض أسعار النفط من 100 دولار تقريباً إلى أقل من 50 دولاراً للبرميل، قبل أن تتعافى قليلاً. ولكن في الربع الأول من العام 2015، تفوّق العديد من صناديق التكنولوجيا النظيفة بسهولة على عوائد البورصة. وعلاوة على ذلك، لم يشهد القطاع موجة من حالات الإفلاس والانسحاب مثل تلك التي مزّقته قبل عشر سنين، عندما إستطاعت وفرة التصنيع الصيني إلى دفع العشرات من شركات الطاقة الشمسية إلى غياهب النسيان. في الواقع، إرتفعت الإستثمارات العالمية في مجال الطاقة النظيفة بنسبة 17 في المئة في العام 2014، حيث بلغت 270 مليار دولار، عاكسةً عامين من التراجع. وفي حين لا تزال سياسة الدعم الحكومي حاسمة، فإن شركات الطاقة المتجددة كذلك إستطاعت جمع الأموال من الأسواق المالية؛ لقد إرتفع الإستثمار في الأسهم 54 في المئة في العام 2014.
هناك أسباب أخرى للتفاؤل. أحدها هو أن نشر تكنولوجيات الطاقة المتجدّدة يستمر في الإرتفاع. إن الولايات المتحدة في طريقها إلى تثبيت 12 جيغاواط من الطاقة المتجدّدة هذا العام، وهذا يشكّل أكثر من جميع المصادر التقليدية مجتمعة. لقد نمت طاقة الرياح بنسبة 8.1 في المئة في العام 2014؛ وإستناداً إلى تحليلها لمشاريع قيد التنفيذ، فإن إدارة معلومات الطاقة الأميركية تقدّر بأن القدرة ستنمو بنسبة 13،1 في المئة أخرى في العام 2015 و10.9 في المئة في العام 2016. وتنمو الطاقة الشمسية بشكل أسرع، لكن من قاعدة أصغر. من الآن وحتى العام 2022، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن الطاقة المتجدّدة ستمثّل الغالبية بالنسبة إلى القوى الجديدة؛ بحلول العام 2040، يمكن أن تشكّل حصّتها في السوق الأميركية 18 في المئة إرتفاعاً من 13 في المئة في العام 2013.
على الصعيد العالمي، شهد العام 2014 رقماً قياسياً يبلغ 95 جيغاواط جديدة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تشكل مصادر الطاقة المتجدّدة نسبة 25 في المئة من توليد الطاقة في العام 2018، إرتفاعاً من 20 في المئة في العام 2011. وفي العام 2014، شكّلت الطاقة المتجدّدة غير المائية ما يقرب من نصف (48٪) صافي قدرة الطاقة الجديدة. كانت هذه هي السنة الثالثة على التوالي حيث كان الرقم أعلى من 40 في المئة. وقد توسّعت، على وجه الخصوص، خطوات الطاقة الشمسية التي نمت في المتوسط بما يقرب من 30 في المئة سنوياً على مدى العقد الفائت.
لماذا لم تكن أسعار النفط الغارقة بمثابة “كربتونايت” لمصادر الطاقة المتجدّدة؟ وماذا يعني هذا للمستقبل؟

الإتجاهات والإحتمالات

هناك أربعة أسباب رئيسية وراء ضعف الإرتباط بين النفط ومصادر الطاقة المتجددة:
1-تعمل في أسواق مختلفة. يُستخدَم النفط في الغالب في مجال النقل — السيارات والشاحنات والطائرات. قليل جداً منه يتم إستخدامه في قطاع الكهرباء. يشكل النفط أقل من 1٪ من توليد الطاقة (الكهرباء) في الولايات المتحدة وكندا، على سبيل المثال، وليس أكثر من ذلك بكثير في أوروبا. على الصعيد العالمي، هذا الرقم هو حوالي 5 في المئة. في المقابل، تُستخدَم مصادر الطاقة المتجدّدة في الغالب في توليد الكهرباء، لذا فإن العامل الأكثر أهمية بالنسبة إليها، إذن، ليست أسعار النفط، لكن أسعار الكهرباء، وهذه الأخيرة لا تقوم وظيفتها تماماً على تكلفة الوقود. إن الشبكة الكهربائية نفسها مُكلِفة، وهذا هو السبب في أن تكاليف الطاقة في الولايات المتحدة، والتي هي منخفضة نسبياً على الصعيد العالمي (بمعدل 12 سنتاً لكل كيلوواط – ساعة)، قد ترتفع. في أوروبا واليابان، فإن تكاليف الكهرباء أعلى بكثير، والموقف النسبي لمصادر الطاقة المتجدّدة في المقابل هو أفضل.
في بعض الأسواق، يرتبط النفط بسعر الغاز، والذي هو لاعب رئيسي في إنتاج الطاقة الكهربائية (27 في المئة في الولايات المتحدة و18.6 في المئة في أوروبا). في الواقع، أصبح الغاز سعر الأساس للكهرباء، وفي معظم الأسواق، فإن غالبية مصادر الطاقة المتجددة لا تزال أكثر تكلفة. لذلك فمن الممكن بالتأكيد أن يؤدّي الغاز الرخيص إلى تعطيل أو على الأقل إبطاء نمو مصادر الطاقة المتجددة. ولكن هذا لن يؤدي إلى شلّها. علماً أن الغاز أبعد الفحم ويأخذ مكانه تدريجاً، وهذا أمر جيّد بالنسبة إلى البيئة، ذلك لأن الغاز هو أنظف عندما يتعلق الأمر على حد سواء بإنبعاثات غازات الإحتباس الحراري وتلوّث الهواء. وهذا التحوّل يحدث بالفعل. في الولايات المتحدة، إنخفض إستخدام الفحم لتوليد الطاقة من النصف تقريباً في العام 2005 إلى 39 في المئة في العام 2014. وهذا جزء كبير من السبب في أن إنبعاثات غازات الدفيئة ذات الصلة في أميركا إنخفضت بالفعل خلال الفترة عينها.
ولأن الإستثمار في الطاقة هو على المدى الطويل، فإن التغيّرات في السعر الفوري للغاز سوف لن يؤدي في حد ذاته إلى عرقلة الإستثمار في مصادر أخرى. وطالما أن الطاقة المتجدّدة تزداد رخصاً، فإن هناك مكاناً للإثنين. ويجدر بنا أيضاً أن نتذكّر أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية هما بطبيعتهما متقطّعتان: الرياح لا تهب على الطلب، والشمس تغرب كل يوم. لذلك، فإن مصدراً إحتياطياً للطاقة يكون تحت الطلب عند الحاجة — مثل الفحم والغاز والطاقة النووية – هو أساسي لهذه الصناعة. في هذا المعنى، يمكن أن يكمّل الغاز الرخيص في الواقع مصادر الطاقة المتجدّدة.
2-إقتصاديات الطاقة المتجدّدة آخذة في التحسّن. في العام 2011، عندما بلغ الإستثمار العالمي السنوي في مصادر الطاقة المتجددة الذروة بمبلغ 297 مليار دولار، تم تركيب 70 جيغاواط. وفي العام 2014، تم تثبيت ما يقرب من 40 في المئة أكثر أو 95 جيغاواط، على الرغم من أن الإستثمار كان أقل قليلاً حيث وصل إلى 270 مليار دولار. في تلك المقارنة يكمن السبب الأهم هو أن مصادر الطاقة المتجددة قد صمدت من تلقاء نفسها، وبعد ذلك، حتى فيما كان سعر النفط ينخفض بشكل كبير جداً. بكل بساطة، إن مصادر الطاقة المتجددة ترخص وتنخفض أسعارها بإستمرار مع الوقت. وعلاوة على ذلك، فإن معظم الدعم التنظيمي، مثل معايير المحفظة والإعفاءات الضريبية ورسوم التغذية، بقي في مكانه. وهذه الأمور تحمي القطاع إلى حد ما، ولكن القصة الأكبر هي أن القدرة التنافسية تتزايد بسرعة.
في الولايات المتحدة، قدّر “المختبر الوطني للطاقة المتجددة” في العام 2014 أن تكلفة النُظُم السكنية والتجارية الضوئية الشمسية إنخفضت بمعدل يتراوح بين 6 و7 في المئة سنوياً (إعتماداً على الحجم) من 1998 إلى 2013، وبنسبة 12 الى 15 في المئة من العام 2012 إلى العام 2013. وإستمرّت التكاليف بالإنخفاض في النصف الأول من العام 2014، ومن المتوقع أن تواصل هبوطها في المستقبل المنظور.
في الواقع، عندما يتعلق الأمر بسعر الطاقة الشمسية، حتى أكثر التقديرات تفاؤلاً لم تكن متفائلة بما فيه الكفاية. كما يلاحظ المختبر الوطني للطاقة المتجددة، إن توقّعات الأسعار من اليوم إلى العام 2020 هي حوالي نصف الأسعار التي كان يجري التنبؤ بها قبل عشر سنين. إن وكالة الطاقة الدولية،التي كانت تتمتع بسمعة الحذر حول مصادر الطاقة المتجددة، تقدّر الآن أن تكلفة وضع الأرضية للطاقة الشمسية الكهروضوئية (مجموع عمر التكاليف مقسوماً على الناتج الإجمالي) هي متكافئة أو قريبة من التكافؤ في العديد من الأسواق. في الولايات المتحدة، تتوقع مؤسسة “ماكينزي”، بأن تكون الطاقة الشمسية قادرة على المنافسة مع أنواع الوقود التقليدية في معظم الدول بحلول العام 2020. أما بالنسبة إلى طاقة الرياح، من المُسَلَّم به عموماً أنها أرخص نوع غير مائي في الطاقة المتجددة؛ منذ العام 2009، إنخفضت تكلفتها 58 في المئة، وذلك بفضل مواد أقل تكلفة وزيادة الكفاءة. ونتيجة لذلك، فإن طاقة الرياح صارت قادرة (أو قريبة) على المنافسة، على أساس التكلفة لكل واط، من دون دعم، في عدد من الأسواق.
بشكل حاسم، لا يوجد أي سبب للإعتقاد بأن إقتصاديات الطاقة المتجدّدة تسير نحو التراجع والتدهور. من جهته يُمكن للفحم أن يكون نظيفاً، ولكن لا أحد يتوقّع حقاً تغييراً كبيراً في كفاءته، وتشديد الرقابة يساهم في إرتفاع تكاليفه. بالنسبة إلى الغاز، فإن أفضل التقنيات في إستخدامه تتمتع بكفاءة عالية فعلياً. ولكن بالنسبة إلى مصادر الطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية، فإن إدخال تحسينات جوهرية على التكاليف والكفاءة ليست ممكنة فحسب، بل محتملة ومرجَّحَة.
في الإنتاج، على سبيل المثال، يمكن للإقتصادات الكبيرة أن تعرف تواصلاً في خفض التكاليف. ومن المرجح أن تحقّق وفورات كبيرة بالنسبة إلى الخدمة، المعروفة ب”التكاليف الناعمة”، مثل السماح والترخيص والصيانة. في الولايات المتحدة، هناك تباين واسع في تكلفة التركيب؛ إذا وعندما تنتشر أفضل الممارسات، يتوقع المرء أن يرى تقارباً في الطرف الأدنى من السُلّم. وحتى الولايات الأميركية الأرخص (فلوريدا، تكساس، وماين) هي إلى حد كبير أكثر تكلفة من ألمانيا، التي إستطاعت تخفيض “التكاليف الناعمة” بشكل ملحوظ. في العام 2013، تكلف سكان كاليفورنيا 4،94 دولارات لتثبيت “واط ” واحد من الطاقة الشمسية؛ كان الرقم في ألمانيا 2،05 دولارين. إن خفض التعريفات الجمركية على الوحدات الأجنبية (يعني الصينية) سيؤدي أيضا إلى تقليل التكاليف. هناك مجال كبير للتحسين، وهذا ينطبق على العديد من الأسواق العالمية.
من ناحية أخرى، هناك حتى طريقة حيث أن أسعار النفط والغاز المنخفضة جداً يمكن في الواقع أن تساعد مصادر الطاقة المتجددة. إن بلداناً عدة قد ساعدت على الدفع لتغطية تكاليف الوقود الأحفوري من خلال دعم وإعانات المستهلك؛ في العام 2012، قدّرت وكالة الطاقة الدولية أن هذه الإعانات كلّفت الحكومات 544 مليار دولار. وكما تفعل جميع الإعانات، فقد أدت هذه السياسات إلى زيادة الإستهلاك أكثر مما لو كان الناس يدفعون سعر السوق. وعندما إنهارت أسعار النفط، إنتهزت بلدان عدة في أفريقيا، وكذلك مصر والهند وإندونيسيا وأوكرانيا، وغيرها، الفرصة لخفض هذه الإعانات. ورفعت الصين الضرائب على الغاز، والتي كان لها التأثير عينه المُثبِط الذي خفّض الطلب. عندما ترتفع أسعار النفط والغاز، كما يبدو أنها بدأت حالياً، فإن مصادر الطاقة المتجددة ستكون في وضع أفضل نسبياً.
بالنسبة إلى الحكومات والشركات التي تنظر إلى المدى الطويل، هناك طريقة واحدة للتفكير في الأمر هي أن تكلفة الوقود التقليدي قد تنخفض. أو ترتفع. على الأرجح، فقد تفعل كليهما، كما رأينا في عامي 2014 و2015. في المقابل فإن أسعار مصادر الطاقة المتجددة تسير في إتجاه واحد فقط: إلى أسفل. هذا عرض مثير للفضول في ما يتعلق بإنشاء محفظة طاقة مرنة.
3-الديناميات العالمية بالنسبة إلى الطاقة آخذة في التغيّر. لأن الطاقة المتجددة كانت مُكلِفة نسبياً، فقد جاءت غالبية الإستثمارات، تاريخياً، من الدول المتقدّمة؛ فالبلدان الأكثر فقراً رأت أنها لا تستطيع تحمّل أعباء هذه المصادر من الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن البلدان الغنية بالنفط، التي يقع العديد منها في أماكن جغرافية مناسبة تماماً للطاقة الشمسية، لم تكلّف نفسها عناء الإهتمام على حد سواء، لأنها تستطيع حرق النفط الرخيص بالكمية التي تريد. كل هذه الافتراضات تتغير حالياً بسرعة.
في العام 2013، إستثمرت الصين لأول مرة في مجال الطاقة المتجددة أكثر من أوروبا، وفقاً للأمم المتحدة، وهي الآن الرائدة في السوق العالمية في هذا المجال. في ذلك العام، كانت قدرة الطاقة المتجددة الجديدة أكبر من أي نوع آخر. في العام 2014، قامت الصين بتركيب 11 جيغاواط من الطاقة الشمسية، وهناك خطط قيد التنفيذ لتركيب القدرة عينها هذا العام. (تضخ الصين الأموال في عمليات تنظيف الفحم — شكلٌ من أشكال التكنولوجيا النظيفة التي يزدريها العديد من الخضر ولكن يمكنها أن تكون مفيدة جداً). في العام الفائت، كانت الصين أكبر مستثمر في العالم في مجال الطاقة المتجددة (83.3 مليار دولار)، أكثر بما يقرب من 40 في المئة مما كانت عليه في 2013؛ وكانت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية (38.3 مليار دولار)، والثالثة كانت اليابان.
ثم هناك الهند. رئيس الوزراء ناريندرا مودي يريد الإعتماد على الطاقة الشمسية في جزء كبير لإيصال الكهرباء إلى مئات الملايين من الهنود الذين يفتقرون إليها. في حين أن المستشار الإقتصادي للبلاد، أرفيند سوبرامانيان، إعترف أنه “في المستقبل المنظور، سيكون إعتماد الهند على الفحم” فإن الهدف الطموح للبلاد يكمن في تثبيت 170 جيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول العام 2022. وقد إرتفع الإنفاق في الهند في مجال الطاقة النظيفة بنسبة 14 في المئة في العام 2014، إلى 7.4 مليارات دولار. وإنفاق جنوب أفريقيا الذي بلغ 5.5 مليارات دولار جعلها دولة جدية أيضاً للحصول على الطاقة البديلة، وكذلك بلدان عدة في أميركا اللاتينية. في العام 2012، أعلن الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون عن هدف للحصول على 35 في المئة من الكهرباء من مصادر منخفضة الكربون بحلول العام 2024. ووفقاً لتقرير مؤسسة “ماكينزي”، حتى بعد تلقي ضربة بسبب الأزمة المالية، فقد إرتفعت الإستثمارات في المنطقة في الطاقة الشمسية بنسبة 54 في المئة سنوياً منذ العام 2008؛ وفي الكتلة الحيوية، بنسبة 11 في المئة؛ وطاقة الرياح، بنسبة 24 في المئة. وتقود البرازيل والمكسيك وتشيلي هذا الطريق. وتقدّر مؤسسة “ماكينزي” أن من 40 جيغاواط من الطاقة الجديدة التي ستضيفها البرازيل بحلول العام 2040، فهناك ما لا يقل عن 15 جيغاواط ستكون من الطاقة المتجددة، ومعظمها من الرياح؛ بالنسبة إلى المكسيك، فإن التقديرات لمصادر الطاقة المتجددة ستكون 16 جيغاواط بحلول العام 2020. وبشكل عام، شكّلت البلدان النامية فقط أقل قليلاً من نصف (131.3 مليار دولار) الإستثمار العالمي في الطاقة النظيفة في العام 2014، وإرتفع هذا الرقم بشكل أسرع بكثير (36 في المئة) من الإنفاق في العالم المتقدّم (بنسبة 3 في المئة).
كما أنه من الجدير بالذكر أن بعض الدول في الشرق الأوسط أصبح أكثر إهتماماً بالنسبة إلى إمكانات الطاقة الشمسية. فقد أقدمت أخيراً شركة سعودية على شراء مطوّر رئيسي إسباني للطاقة الشمسية، “فوتو واثيو رينيوبل فانتشور” (Fotowatio Renewable Ventures)، الذي لديه خط أنابيب بقدرة تقرب من 4 جيغاواط. من جهتها تريد مصر زيادة الطاقة المتجددة إلى 20 في المئة من القدرة بحلول العام 2020 وتقترب من الموافقة على مشروع للطاقة الشمسية ينتج 2 ميغاواط بتكلفة 3.5 مليارات دولار مع شركة “تيرا سولا” البحرينية. وقد وقّعت شركة المرافق العامة في دبي إتفاقاً في أواخر العام الماضي مع شركة سعودية للطاقة الشمسية حيث من المتوقع أن ينتج منه أرخص تعرفة للطاقة الشمسية في العالم — أقل من ستة سنتات لكل كيلو واط/ ساعة. وتقدّر مؤسسة “ماكنزي” أنه حتى بأسعار 35 دولاراً إلى 45 دولاراً للبرميل الواحد من النفط، فإن الطاقة الشمسية الكهروضوئية تستطيع أن تموّل نفسها – الأمر الذي يفرج عن المزيد من النفط للمملكة العربية السعودية للبيع.
أصبحت اليابان أيضاً لاعباً رئيسياً في قطاع الطاقة المتجددة. في أعقاب حادثة فوكوشيما النووية في العام 2011، زادت الحكومة بشكل ملحوظ إلتزامها بمصادر الطاقة المتجددة. في حين شكلت الطاقة النووية 20 في المئة من توليد الكهرباء في العام 2009، فقد إنخفضت إلى 1٪ فقط في العام 2013، وفقاً لتقرير “ماكينزي”. في العام 2011، قدّمت البلاد “تعرفة تغذية” – في الأساس، سعر مضمون، فوق سعر السوق – لتشجيع إنتاج الطاقة المتجدّدة. وقد إرتفع عدد منشآت الطاقة الشمسية. وكانت هناك مشاكل مرتبطة بهذا الجهد مع المرافق التي أفادت بأنها لا تستطيع إقتصادياً إستيعاب الزيادة في القدرة، ولكن يبدو أن هناك بعض الشك في أن اليابان سوف تستمر على هذا الحال. البلد هو الآن ثالث أكبر مستثمر في الطاقة المتجددة، وقد وجد تقرير “ماكينزي” أن القطاع هو الآن جذاب بما فيه الكفاية حيث أن العديد من غير اللاعبين يدخلونه.
4-العلوم آخذٌة في التحسّن. هناك حالياً تقنيات جديدة للطاقة الشمسية يمكن أن تسمح للخلايا الشمسية لكي تُطرَح وتخرج من طريق طابعة “3-D” وتطبيقها في أي مكان تقريباً. وقد إستطاعت اليابان من جهتها إدارة خلايا الوقود. كما إن تقنيات لتحويل السماد إلى غاز الميثان صارت أسعارها أرخص. وربما الأهم من ذلك، لقد أصبح تخزين الطاقة أفضل وأرخص، والإستثمار في القطاع آخذ في الإرتفاع.
إن العائق الأكبر أمام نشر مصادر الطاقة المتجددة غير المائية على نطاق واسع هو أنها لا يمكن تخزينها ليوم ممطر (أو غائم أو هادئ). ولكن هناك سبباً وجيهاً للتفاؤل. كثافة الطاقة في البطاريات – (كمّ يمكن التخزين بالوزن)– قد تحسّنت بإطراد على مدى العقدين الماضيين، ويبدو أن الوتيرة عادت إلى الإنطلاق، مع إنخفاض سعر التخزين بنسبة 60 في المئة في العقد الفائت، وفقاً ل”الإيكونوميست”. وتقدر مؤسسة “ماكينزي” أن تكلفة إنتاج بطاريات “ليثيوم أيون”، التي تبلغ الآن حوالي 400 دولار لكل كيلو واط/ساعة، يمكن أن تنخفض إلى 150 دولاراً بحلول العام 2020. وتقدّر مؤسسة “آي أتش أس” (IHS)، وهي وكالة إستشارات للطاقة، بأن منشآت التخزين ستصل إلى 40 جيغاواط بحلول العام 2017؛ وسوق تخزين الطاقة يمكن أن تصل إلى 70 مليار دولار خلال العقد المقبل، وفقا لشركة “نافيغانت للإستشارات” (Navigant Consulting).
مع وجود هذا النوع من الإمكانات، فإن العديد من العقول الذكية تعمل بجد في هذا المجال. الشركات الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا، وآسيا، على سبيل المثال، تصب الموارد في تقنيات التخزين. في أوائل شهر أيار (مايو) الفائت، أطلقت “تيسلا موتورز” (Tesla Motors) نُظُماً آلية تعتمد على بطاريتين “ليثيوم أيون، المُقتَبسة من التكنولوجيا المُستخدَمة في سياراتها الكهربائية، والتي من شأنها أن تسمح حتى للشركات الصغيرة والمنازل تخزين وإطلاق الطاقة حسب الطلب. مع قاعدة سعر تبلغ 3 آلاف دولار إلى 3500 دولار، فإن هذه البطاريات التي تزن 220 باونداً، والمعروفة بإسم “باور وول” (Powerwall)، يمكن أن تكون في العمل خلال هذا الصيف. عند هذا السعر، يصبح التخزين مجدياً من الناحية الإقتصادية في نسبة كبيرة من المباني، وهذا يتوقف على البيئة التنظيمية وتكلفة الطاقة الكهربائية.
من جهته يختبر الإتحاد الأوروبي مشروعاً في إيرلندا حيث أن دولاباً متحرّكاً يمكنه تسخير الطاقة الفائضة من الشبكة، ويقوم بحفظها في توربينات، ومن ثم يحرّرها عند الطلب. وعلى صعيده يقوم مختبر وزارة الطاقة الأميركية للإبتكار المشهور المدعو “وكالة أبحاث المشاريع المتقدمة للطاقة” بتمويل دزينة من المشاريع ذات الصلة بالتخزين. ويعتقد الخبراء المتابعون أن هذه الجهود سوف تؤدي قريباً إلى إكتشاف مجموعة متنوّعة من الحلول الفعّالة من حيث التكلفة. إن الطلب على تخزين توقيت تحويل الطاقة، وفقاً لمؤسسة “ماكينزي”، يمكن أن ينمو عشرة أضعاف بحلول العام 2050. هذا النوع من الإمكانات يجذب الإبتكار. وللوصول إلى هناك سوف يتطلب الأمر الإبداع التنظيمي؛ مع ذلك، فإن محللي “ماكينزي” لاحظوا أنه في هذه الفترة، هناك تشوّهات في إشارات الأسعار ونقص عام في الوضوح حول كيفية دمج الطاقة المُخزَّنة في النظام.

اللعبة الطويلة

إن الوقود الأحفوري ليس على وشك النفاد في العالم في المدى القريب. هناك ما يكفي من إحتياطات النفط المعروفة لتغذي الأسواق على مدى السنوات ال 53 المقبلة؛ وطفرة الغاز الصخري في الولايات المتحدة هي مثال على التأكيد بأن الإبتكار والتكنولوجيا يمكنهما أن يغيّرا اللعبة. والفحم وفير.
وهكذا فإن الحال بالنسبة إلى مصادر الطاقة المتجددة لا يمكن أن يكون أنها سوف تُبقي أضواءها مشتعلة فيما الهيدروكربونات تنخفض تدريجاً؛ هذا ليس حتى قلقاً على المدى المتوسط. الحجة الأفضل هي أن الطاقة المتجدّدة هي، إلى حد كبير، أنظف من البدائل، وأنها توفّر مجموعة متنوعة مُرحَّباً بها في إمدادات الطاقة، وبالتالي تعزّز أمن الطاقة الوطني. مع ذلك، حتى هذا لن يكون كافياً إذا كانت الطاقة المتجددة باهظة الثمن و/أو غير موثوق بها. ولكن في كلتا هذه الأبعاد، فإن القطاع يخطو خطوات كبيرة، ونستطيع أن نتوقّع المزيد.
على الرغم من ذلك، فإن شعوراً نسبياً أمرٌ ضروري. إن الإتجاهات الحالية ليست بالضرورة سوف تستمر، ولا ينبغي لكل خبر صغير من الأخبار الجيّدة، أن يتوسع أو يُستقرأ أو يُستنتَج بتهور، كما يحدث في كثير من الأحيان. إن عناوين الصحف التي تُعلن عن وفاة السيارة كما نعرفها أو نهاية شركات النفط الكبرى سابقة لأوانها. (الأدلة تقول: مثّلت السيارات الكهربائية 0.5 فى المئة فقط من مبيعات السيارات في العام في 2014 فيما شكّلت السيارات التقليدية والهجينة 99.95 في المئة). ويجدر التذكر أن حصة الوقود الأحفوري في إستهلاك الطاقة الأولية، وهي الفئة التي تشمل النقل، لم تتزحزح خطوة بين عامي 2005 و2013، وبقيت عند 87 في المئة.
الواقع إن التغيير معقّد وليس سهلاً، خصوصاً عندما يتعلق الوضع بأمر أساسي مثل الطاقة. بالنسبة إلى البلدان المتقدّمة، إن دمج الطاقة المتجددة في النظم الكهربائية القائمة أمرٌ صعب جداً في الواقع. على سبيل المثال، يلاحظ وزير الطاقة الأميركي السابق ستيفن تشو أن معظم طاقة الرياح في ألمانيا هي في الشمال؛ ولتحويلها إلى الصناعة في الجنوب يعني بناء قدرات نقل– وهذا يقع في سياسة “ليس في عقر داري”. إن المرافق الأميركية تواجه وتقارع السياسات التي تجبرها على الشراء من خارج شبكة الكهرباء بأسعار التجزئة. إن الأسواق الناشئة من دون بنية تحتية واسعة للطاقة في المكان ستكون قادرة على تخطي هذه المشاكل ولكنها سوف تضطر إلى التعامل مع قضايا الوصول والتمويل وإستقرار العرض، والتوقعات المتزايدة لمواطنيها.
بإختصار، إن عالماً تعمل طاقته الكهربائية من طريق الطاقة المتجددة ليس على قاب قوسين أو أدنى. سوف تكون عملية الإنتقال على المدى الطويل — مسألة عقود وليست سنوات. ولكن مرونة القطاع في مواجهة أسعار منخفضة جداً للنفط والغاز هي علامة أنه قد يكون في طريقه إلى تحقيق النجاح ولو تدريجاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى