هوليوود تدخل معاقل الصين لتنقذ مستقبلها

كشفت مؤسسة الفيلم الأميركي إرتفاع إيرادات أفلام هوليوود من السوق العالمية في مقابل إنخفاضها من سوق أميركا الشمالية. ونشرت المؤسسة تقريرها لعام 2014 عن وضع سوق الأفلام في هوليوود محلياً وعالمياً، وكشفت أن إجمالي الإيرادات بلغ نحو 36 مليار دولار، لكن معظم المداخيل أتى من السوق العالمية وليس من أميركا الشمالية كما كان معهوداً منذ عشر سنين. وتصدّرت بلدان شرق آسيا لائحة الإيرادات التي بلغت 12 مليار دولار، وكانت حصة الصين منها خمسة مليارات دولار، بينما حقق شباك التذاكر الأميركي حوالي عشرة مليارات دولار بتراجع بلغ 5%. وكشف التقرير بروز الصين كسوق أساسية الأمر الذي دفع بهوليوود في السنوات الأخيرة إلى مراعاتها في الصناعة السينمائية. فقد عرض الجزء الأخير من فيلم الرجل الحديدي “آيرون مان” مشاهد إضافية تم تصويرها خصيصاً للسوق الصينية. كما إضطر منتجون في هوليوود إلى إدخلال تعديلات على فيلم تحدث عن غزو الصين للولايات المتحدة ليصبح العدو كوريا الشمالية خوفاً من غضب المشاهد الصيني.
في كل الأحوال إنسَ بكين وشنغهاي. إن تحديد مصير أفلام هوليوود مثل “عصر أولترون” (Age of Ultron) وغيره سيكون في أماكن في داخل الصين مثل “تشانغتشو”.

فيلم " المنتقمون: عصر أولترون": حصد مليار دولار في 3 أيام في الصين
فيلم ” المنتقمون: عصر أولترون”: حصد مليار دولار في 3 أيام في الصين

تشانغتشو (الصين) – عبد السلام فريد

قبل عشر دقائق من حلول منتصف الليل، إجتمع حشد صغير من المدخّنين وإلتقطوا صوراً ذاتية بواسطة هواتفهم الجوّالة خارج “سينما الصين للأفلام الشرقية العالمية” في الطابق العلوي من مركز التسوّق “لايمنغ متروبوليتان مول” في وسط مدينة تشانغتشو، وهي مدينة على مستوى المحافظة في شرق الصين. في الداخل، إصطف جمهور السينما للحصول على مآكل مسلية سريعة تتراوح من الفشار (بوبكورن) والمشروبات الغازية إلى لحوم البقر المجفف وعصير الذرة. على الرغم من تخمة الخيارات ومجموعات الوجبات الخفيفة، فإن مجموعة من جمهور السينما تقوم علناً بتهريب أكياس بقالة محشوة بالمشروبات وكتل فارغة مختومة من “التوفو” المخمر. قبل بضع دقائق من منتصف الليل، إصطفّ المشاهدون للمطالبة بنظارات الأبعاد الثلاثية للدخول إلى صالة العرض التي تتسع لأكثر من 300 مقعد. لقد حلّ يوم 12 أيار (مايو)، ووصل معه البطل الخارق “مارفيل” في تتمة سلسلة (Avengers) أو “المنتقمون: عصر أولترون” إلى الصين.
أنفق رواد السينما في تشانغتشو وغيرها من المدن الصينية 33.9 مليون دولار لمشاهدة فيلم “عصر أولترون” في 12 أيار (مايو) وحده، الأمر الذي يجعله أكبر مردود لإفتتاح فيلم في أيام الأسبوع في الصين من أي وقت مضى. إن الفيلم – الذي يجمع “الرجل الحديدي”، “ثور”، “كابتن أميركا”، و”هاك” لمحاربة آفة عالمية جديدة – بدأ عرضه الأول في الولايات المتحدة في الأول من أيار (مايو) الفائت، حيث يسير على الطريق الصحيح للحصول على مردود أقل إلى حد ما من الفيلم الأول الأصلي “ذي أفنجرز” أو المنتقمون” في 2012 الذي حقق 623 مليون دولار محلياً. مع ذلك، إن المبيعات الضخمة في بلاد ماو تسي تونغ تساعد على زيادة المردود الإجمالي العالمي ل”عصر أولترون” والذي عبر المليار دولار بعد ثلاثة أيام من إطلاقه في سوق الصين.
أصبحت الصين ثاني أكبر سوق للأفلام في العالم في العام 2012، ويقول محللون أنها قد تأخذ زمام المبادرة من الولايات المتحدة في أقل من ثلاث إلى خمس سنوات. في الوقت عينه، تمدّدت جذور هوس الأفلام في الصين إلى عمق البلاد؛ في حين شكّلت مدن ضخمة مثل بكين وشانغهاي وقوانغتشو 32 في المئة من شباك التذاكر في البلاد في العام 2010، فقد إنخفضت هذه النسبة بحلول العام 2014 إلى 23 في المئة، كما إرتفعت مبيعات التذاكر في المدن ذات الدرجة الثانية والثالثة مثل تشانغتشو. إن الإتجاه واضح: فيما تنمو سوق السينما الصينية، فإن البلديات الصغيرة والمتوسطة الحجم في البلاد ستشكل حصة متزايدة من مناظر السينما في العالم، وكذلك ستقرر المصائر المالية بشكل متزايد لأكبر الافلام في هوليوود.
عرض فيلم في بلاد الجسر الصيني يحتفظ بشعور الغرب المتوحش حتى في تشانغتشو، التي تبعد فقط حوالي مئة ميل من مدينة شنغهاي، وهي موطن ل3.3 ملايين نسمة. الجمهور الصاخب الذي أتى لمشاهدة العرض الأول لفيلم “عصر أولترون” في منتصف الليل تجاذب اطراف الحديث بشكل علني خلال العرض، كاشفاً بعض الأحيان عن الثغرات بين ثقافة الشرق والغرب. “هل هذا أولترامان؟” سأل أحد المعجبين عند ظهور شخص أحمر يرتدي ملابس يشبه بطلاً يابانياً في ستينات القرن الفائت في أواخر الفيلم. (تنبيه: على الرغم من أنه محشو بالشخصيات فالفيلم ليس فيه أولترامان). وتميل الصالات هنا أيضاً إلى عكس الطفرة العقارية التجارية للصين، حيث أن ميلها إلى الإسراف والإفراط يبدو أقوى في مدن الطبقة الدنيا. تشعر مراكز التسوق بالضغط والضيق فيما التسوّق عبر الإنترنت يمتص مبيعات المتاجر، والمطوّرون يعتمدون بشدة أكثر من أي وقت مضى على دور السينما وأماكن الترفيه الأخرى لسحب وجذب الزبائن. وقد إفتتحت أكثر من عشرة مراكز للتسويق “مولات” جديدة في تشانغتشو على مدى السنوات الخمس الماضية. معظمها يحتوي دوراً سينمائية جديدة.
على الجانب الإيجابي، هذا يعني بأن عشاق السينما المحلية صاروا يتمتعون بصالات عرض سينمائية مثل سينما “واندا” في مركز التسوق الجديد “واندا بلازا” التي فتحت في أبوابها في جنوب المدينة في أواخر 2014. ومجموعة “واندا” هي أكبر مطوّر في الصين، بعد شرائها في العام 2012 سلسلة صالات العرض الأميركية التي تملكها “إي أم سي للترفيه” (AMC Entertainment)، أكبر مشغل للصالات السينمائية في العالم. في 12 أيار (مايو)، إلتقط زوجان صورة ذاتية بواسطة هاتف نقال وهما يرتديان “تي شيرت” عليها صورة “مارفيل” بينما كانا ينتظران دخول سينما “واندا” لحضور فيلم “عصر أولترون” في صالة سينمائية ذات أبعاد ثلاثة “IMAX” التي تعد الأفضل في المدينة.
إذا كانت صالة “IMAX” في سينما “واندا” تمثل النهاية العالية لمتعة الذهاب إلى فيلم في تشانغتشو، فهناك في المقابل المتطرف تقوم صالات سينمائية في أماكن مثل الشارع التجاري “ماوي” (Maoye)، مركز تسوق تجاري قديم يكافح في الضاحية الجنوبية للمدينة. على الرغم من معاناة مركز التسوق في تشانغتشو من عدم وجود زبائن، فإن هناك عدداً قليلاً من المعاقل مثل سينما “جاكي تشان” التي تحمي المكان من الإنضمام إلى صفوف المراكز شبه المهجورة في البلاد. المشجعون الحريصون على حضور فيلم “عصر أولترون” يجب عليهم إجتياز مكان كبير مسقوف كان يضم متجراً مهماً في مركز التسوّق، وتسلّق سلالم متحركة معطلة إلى الطابق الرابع، والتهرب من برك مياه وبلاطات مكسورة سقطت من أسقف المركز المتورّمة والتي تتسرب منها المياه. كان سقوط قطع من الخرسانة موضع تحقيقات في وسائل الإعلام المحلية حيث أصابت متسوّقين في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ولكن لله الحمد عندما زرت المكان لحضور العرض الأول لفيلم “عصر أولترون” لم تكن هناك أي قضية فقد صلّح المطوّر كل شيء. نظراً إلى الموقع، يمكن للمرء أن يتوقع من سينما “جاكي تشان” أن تكون من بين تلك الأشياء التي ستكافح في سوق تنافسية، ولكن يقول الموظفون أن التذاكر – على الأقل بالنسبة إلى “عصر أولترون” – تباع بشكل جيد.
التحدي المحتمل الآخر لمعاقل هوليوود هو القرصنة الصينية، فيما المحلات التجارية في شوارع المدن ذات المستويات الثانية والثالثة والرابعة لا تزال تزاول القرصنة لأقراص الفيديو الرقمية (دي في دي) غير الشرعية من الأفلام الأميركية الحديثة مع وقاحة لم تعد شائعة في شوارع بكين وشنغهاي. لكن إزدهار شباك التذاكر ومحادثات على مستوى جماهير السينما تشير إلى أن إغراء محتوى مجاني تقريباً لا يفعل شيئا يذكر لثني كثير من السكان من التمتع بليلة مع أحدث ما أنتجت هوليوود. بسؤالهما لماذا يزوران صالات السينما عندما يكون في وسعهما الحصول على “دي في دي” رخيص السعر والوصول بسهولة للقرصنة على الإنترنت، قال الزوجان اللذان كانا ينتظران لحضور عرض “عصر أولترون” في “لايمنغ متروبوليتان مول” أنهما لا يستطيعان مشاهدة فيلم أميركي جديد في المنزل. وأضافا: “إن الأمر مملّ. يمكننا أن نرى الأفلام المحلية في المنزل. الأفلام الأجنبية هي أفضل عندما يمكنك رؤيتها على شاشة كبيرة ويكون لك رد فعل وتضحك مع الآخرين”. الشراء من المنصات الصينية على شاكلة “غروبون” يعني أيضاً أن “تذاكر السينما رخيصة جداً جداً”.
مع شعبية الأفلام الأميركية عالية جداً والتي من المتوقع أن تزيد فليس من المتوقع أن تستطيع الهياكل المتحلّلة لمراكز التسوق الخالية تقريباً ولا أقراص الفيديو الرقمية من أن تمنع سكان تشانغتشو والمدن الصينية الأخرى من الحضور إلى صالات العرض السينمائية. في الواقع، إن السؤال الرئيسي في نهاية أكثر من ثلاثة أسابيع مربحة ل”عصر أولترون” في الصين هو ما إذا كان مردوده لديه فرصة لإجتياز المردود الذي حققه أحدث ملك لشباك التذاكر في البلاد وزميله في هوليوود، “غاضب 7” (Furious 7)، الذي يسميه الصينيون “سو كي” للإختصار. وتشير أرقام مبكرة وردود فعل الجمهور بأن تتمة سلسلة “سريع وغاضب” (Fast and Furious ) قد تكون عالية وآمنة.
فيما أنيرت أضواء الداخل وخرج الجمهور من عرض منتصف الليل ل”عصر أولترون”، أعطتني معجبة من تشانغتشو مراجعة بليغة من جملة واحدة: كان فيلماً جيداً، ولكن “ليس جيداً كفيلم سو كي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى