أزمة الخلافة الفلسطينية

رام الله – سمير حنضل

بعد ظهر يوم جمعة هادئ في كانون الأول (ديسمبر) الفائت، إنطلقت الشائعة في البداية همساً وسرعان ما أصبحت صياحاً. الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ذهبت الرواية، نُقل إلى المستشفى لإصابته بمرض لم يُكشَف عنه. المخاوف الصحية المُفترضة لعباس أطلقت موجة من التكهنات في جميع أنحاء العالم على وسائل الإعلام الإجتماعية حتى ظهر أخيراً في محل بقالة في رام الله في وقت لاحق من اليوم عينه، يصافح الناس ويقبل الأطفال. هذا الظهور السريع العام بين الناس –أمر نادر الحدوث لعباس — بُثَّ مباشرة على شاشات التلفزيون الفلسطيني. الرسالة كانت واضحة: عباس بخير على ما يرام، ولا يزال في القيادة. والسؤال الذي يجب طرحه هنا، مع ذلك، هو ماذا سيحدث عندما لن يكون هذا الأمر صحيحاً؟
بلغ عباس أخيراً ال80 عاماً، وكما هو معروف فهو مدخّن كبير. خليفته بموجب القانون هو رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، المسؤول في “حماس” عزيز الدويك المسجون حالياً في إسرائيل. ولكن حتى لو أُفرج عنه، فلن تكون هناك أي فرصة لرئيس برلمان ينتمي إلى “حماس” لكي يستلم مقاليد الحكم في السلطة الفلسطينية. لم يجتمع البرلمان الفلسطيني منذ أكثر من سبع سنوات، وعباس نفسه صار له الآن عشر سنين في فترة رئاسية مدتها أربع سنوات والتي بدأت في العام 2005. القوانين التي تنظم إنتقال السلطة السياسية بالتالي هي غير ذي صلة: حَكَم عباس بموجب مرسوم رئاسي في الضفة الغربية. وحكمت حركة “حماس” من طريق البندقية في قطاع غزة. وقد إقتُرِحت إنتخابات رئاسية وتشريعية منذ بعض الوقت، ولكن لا “حماس” ولا “فتح” على الأرجح تريدها أن تحدث في المستقبل القريب.
لنضع الجوانب القانونية جانباً، فإن الإفتراض الواضح هو أن الرئيس المقبل بعد عباس سوف ينحدر من حركة “فتح”، التي لا تزال تهيمن على الحياة السياسية الفلسطينية. مع ذلك، ليس هناك خليفة واضحاً في الواجهة، ناهيك عن تلك التي تم تعيينها رسمياً من قبل الحركة. إن اللجنة المركزية لحركة “فتح”، أعلى هيئة لصنع القرار في الحركة، لا تزال ضعيفة؛ وأن مجموعة المرشحين المحتملين على حد سواء كبيرة جداً وضحلة جداً. وكما ذكر مسؤول ببلاغة في رام الله في العام الماضي: “الرئيس المقبل سيكون فلسطينياً ووطنياً”.
كان من المفترض أن تتم معالجة الفوضى الداخلية للحركة خلال مؤتمر فتح العام السابع، الذي كان مقرراً عقده في الأصل في شهر آب (أغسطس) 2014. وكان هذا من شأنه أن يكون الإجتماع الأحدث منذ العام 2009، ولكن تم تأجيله مرة أخرى إلى كانون الثاني 2015 بسبب الصراع في غزة بين إسرائيل و”حماس”. وحل الموعد المؤجل وذهب، والإنتخابات المحلية للمندوبين إلى المؤتمر لا تزال جارية. وترددت شائعات حول جدول أعمال المؤتمر العام ل”فتح” بأنه سيشمل إنشاء وظيفة لمنصب نائب الرئيس، على الرغم من أن هذا هو الآن مؤجل كما المؤتمر. من دون هذا المؤتمر، فإنه من المستحيل إجراء تقييم دقيق عن الذي سيحمل ويتزعم السلطة داخل قيادة “فتح”، وربما الأهم من ذلك، إعادة تنشيط فعالية الحركة.
تقف المؤسسات الفلسطينية السياسية المتداعية في تناقض حاد مع كيفية وصول عباس نفسه ليكون رئيساً؛ في المرة الأخيرة –والوحيدة – التي تمت فيها الخلافة في القيادة الفلسطينية كانت في أواخر العام 2004، بعد وفاة ياسر عرفات. في حينه، تحركت القيادتان في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة “فتح” خلال ساعات لحسم مسألة الخلافة، والمنافس الوحيد الآخر لعباس كان أحمد قريع، الذي إنسحب لصالحه. وبمجرّد إختياره، كان إنتخاب عباس في الإنتخابات الرئاسية في العام 2005 مضموناً. إنه دليل على العمليات السياسية الفلسطينية بأن عباس أو قريع كانا وارثين ضمنيين للسلطة بعد وفاة عرفات. كلاهما كان من أعضاء الجيل المؤسس للحركة الوطنية الفلسطينية، مما يجعل صعودهما إلى السلطة من دون عقبات. اليوم، مع ذلك، لا يوجد مثل هؤلاء المرشحين للتعرف عليهم داخل حركة “فتح”، سواء على صعيد طول المدة والعمر أو المكانة السياسية.
يقود عباس السلطة الفلسطينية منذ عشر سنين الآن، أي ما يعادل تقريباً فترة عرفات. في هذه الفترة، كفل عباس بأن لا يظهر من القادة الجدد أحد يمكنه أن يكون وريثاً واقعياً. قد يكون هذا لعب دوراً جيداً في السياسة المحلية، سامحاً له تعزيز السيطرة على النظام السياسي المحتمل أن ينقسم. ولكن كإستراتيجية وطنية، يمكن أن يكون مدمرا للفلسطينيين ككل. السلطة الفلسطينية لا تستطيع تحمل أزمة قيادة إذا كان على عباس أن يترك منصبه، ستجد نفسها منقسمة بين غزة والضفة الغربية، وأمام عملية سلام متعثرة تحتضر، ومواجهة الإستياء المتزايد في الشوارع ومخيمات اللاجئين.
الدولة الفلسطينية تتطلب أشياء كثيرة من أجل أن تكون قابلة للتطبيق والحياة: فرص إقتصادية، وتواصل جغرافي، وموارد طبيعية، ومؤسسات عاملة، وقيادة سياسية.
ويبقى أنه بالنسبة إلى تحقيق تقرير المصير، فإنه يتعين على الفلسطينيين، وكذلك المجتمع الدولي، ضمان عملية إنتقال سلسة بعد عباس، وإلّا وداعاً فلسطين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى