قطر تستنجد بشركتين بريطانيتين لتلميع صورتها

بعدما ألقي القبض على معظم أفراد اللجنة المركزية للمنظمة الدولية لكرة القدم “فيفا” وإستقال رئيسها، أعلنت وزارة العدل الأميركية بأنها تبحث في كيفية حصول قطر على شرف إستضافة دورة كأس العالم في 2022. لذا بدأ القلق يتسرّب إلى الدوحة الأمر الذي دفعها بالإستنجاد بشركتين بريطانيتين بهدف بعث رسالة علاقات عامة أكثر إيجابية للعالم، ولكن كيف يمكن أن تفعل ذلك؟

الأمير تميم بن حمد آل ثاني: هل يستطيع تلميع صورة إمارته؟
الأمير تميم بن حمد آل ثاني: هل يستطيع تلميع صورة إمارته؟

الدوحة – إبراهيم شعبان

لم تكن قراءة عناوين الصحف أخيراً ممتعة وخصوصاً في المملكة المتحدة. لقد إعتُقِل أفراد بعثة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) خلال رحلة صحافية إلى قطر، وسُجِنوا بسبب جرأتهم على توجيه كاميراتهم في إتجاهات كانت السلطات هناك تفضّل عدم قيامهم بها.
كان مكتب رئيس الوزراء القطري دعا مراسل “بي بي سي” مارك لوبيل وفريقه في أوائل أيار (مايو) الفائت للإطلاع على الإقامة المريحة الجديدة التي تم إنشاؤها للعمال المهاجرين. ولكن عندما حاول أن يصوّر المدن العمّالية التي لم تكن في برنامج الزيارة الصحافية الرسمية، إحتجزته الشرطة القطرية وزجّته مع فريقه في السجن.
وقد أكدت هذه الحادثة للعديد من المراقبين العالميين أنه في حين قد تكون قطر تملك مالاً للحرق، فإنها لا يمكنها شراء دعاية جيدة.
إعتادت الدوحة على تلقّي إنتقادات لاذعة وهجمات من وسائل الإعلام على مدى السنوات القليلة الماضية. منذ فوز الإمارة الخليجية بحق إستضافة كأس العالم لكرة القدم، واجهت حملة إعلامية مكثّفة لتسليط الضوء على أوجه القصور المزعومة في الطريقة التي تمارس فيها الإمارة أعمالها، ونهجها المفضّل لنشر إحتياطات مالية ضخمة لشراء نفوذ عالمي، في حين تُعامِل اليد العاملة المُهاجرة المُكلَّفة ببناء الملاعب والبنية التحتية لهذا الحدث الكبير في العام 2022 معاملة سيئة.
وقد إضطرت السلطات القطرية أيضاً للتعامل مع وسائل الإعلام العربي المعادية، التي إستخدمت دعم الدوحة لجماعة “الإخوان المسلمين” وحلفائها في جميع أنحاء المنطقة كعصا “تضرب” بها الإمارة. كما أن النهج الوقح الذي تتبعه محطة تلفزيون “قناة الجزيرة” التابعة لها، أثار غضب جيرانها الخليجيين لفترة طويلة. لذا فإن غالبية دول مجلس التعاون الخليجي – التي تعامل العمالة المهاجرة بطريقة ليست أفضل بكثير من قطر — كانت على إستعداد أيضاً للإستمتاع قليلاً بالشماتة من إنتقادات وسائل الاعلام الغربية لإمارة آل ثاني.
من جهتها إضطرت قيادة قطر إلى تبني حملة علاقات عامة بمسار مزدوج من أجل حماية سمعتها من كل الذي ذكرناه. منذ البداية، عندما حفز الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني التنمية الإقتصادية القائمة على الغاز الطبيعي المسال في البلاد، فقد وضعت قطر نفسها في مكان بعيد من جيرانها. من خط سياستها الخارجية المستقل إلى سياسة شراء الأصول العدوانية، فقد سعت إلى خلق علامة تجارية أو صورة تتمتع بالجرأة والبهرجة والتبجّح التي كان جيرانها يبتعدون منها إلى حد كبير.
في مواءمة نفسها مع الكيانات العالمية الأكثر جاذبية مثل نادي برشلونة لكرة القدم، الذي سينتقل أسطورته في خط الوسط تشافي هيرنانديز لينضم قريباً إلى فريق “السد” القطري، فقد حاولت الدوحة تشكيل صورة عصرية جامعة وثقافية. لكن في الوقت عينه، فيما أبرزت مؤسسات عالمية لحقوق الإنسان مثل “هيومن رايتس ووتش”، عيوباً في معاملة البلاد للقوى العاملة الأجنبية على أراضيها، وإدّعت حملات صحافية عدة بأن هناك علاقات سرية للدوحة مع المنظمة العالمية لكرة القدم “فيفا”، فقد كان على الإمارة الخليجية الصغيرة وضع إستراتيجية إتصالات دفاعية كبيرة؛ ومع تعرض سمعتها للسوء من جميع الجهات، فقد إضطرت إلى توظيف شركات علاقات عامة كبرى للمساعدة في عملية حصر الأضرار.
إستنجدت إمارة آل ثاني بشركات إتصالات إستراتيجية رائدة في لندن، مثل “بلو روبيكون” (Blue Rubicon) و”بورتلاند” (Portland)، لمساعدتها على تلميع صورتها، على الرغم من أن عناوين الصحف عن فضيحة “الفيفا” وتداعياتها على قطر والأخبار المحرجة الناتجة من إعتقال أفراد بعثة ال”بي بي سي” في أيار (مايو) توحيان بأنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيَّن القيام به.
كانت “بلو روبيكون” ناشطة في قطر منذ العام 2007، حيث عملت مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، من شركة “قطر غاز” إلى الدوائر الحكومية، فضلاً عن المستثمرين الأجانب الرئيسيين مثل شركة “شل”.
وعادة ما يتم التشاور مع هذه الجهات المعنية في عملية واسعة النطاق لها علاقات مع إستراتيجية خلق العلامة التجارية والصورة الوطنية للسلطات القطرية.
وفقاً للمدير العام ل”بلو روبيكون” كريس نورتون ، إن الشركة تمارس عملها بناء على إلتزام طويل الأجل مع الإمارة، ول”مساعدة مؤسساته الكبرى على التواصل مع التنمية والطموحات السريعة في البلاد”. إن تسليط الشركة الضوء على بعض “التحديات الإجتماعية والإتصالات الرائعة التي تلعب على نقاط القوة لدينا كوكالة إستشارات” تلمّح إلى حجم التحدي؛ مع عنوان واحد أخيراً في صحيفة الغارديان البريطانية – “كم هو عدد العبيد الذين ينبغي أن يموتوا من أجل كأس العالم في قطر قبل أن تتحرك “فيفا”؟” — يسطّر بوضوح مدى الإِضرار بالسمعة الذي تعرضت له الدوحة.
من ناحية أخرى، إن العدد الكبير من الشركات الرائدة الدولية العاملة والموجودة في قطر يعني أن موجز العلاقات الإعلامية هو أوسع من مجرد إنعاش الصورة العامة للدولة. وقد أشار بعض الشركاء في الشركات إلى عدم إرتياحه بالنسبة إلى الدعاية السلبية التي تركّزت أخيراً على قطر من خلال تعاملها مع العمالة الأجنبية في ظل نظام الكفالة المثير للجدل.
“لدى قطر العديد من القضايا للمعالجة والمواجهة”، يقول توربيورن سولتفيت، نائب رئيس منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة “فيريسك مابلكروفت”. “إحداها هي قضية العمل والعمال. تحتاج الدولة إلى معالجة ومواجهة الإنتقادات التي صارت واسعة النطاق، وليس مجرد الإظهار بأنها تعامل العمال المهاجرين العاملين في مشاريع دورة كأس العالم على نحو أفضل. لقد ركّز المسؤولون القطريون على القضية بشكل ضيِّق جداً حتى الآن، وإلى أن تتوسع نظرتهم بالنسبة إلى القضايا الأوسع نطاقاً مثل حرية تكوين الجمعيات، فإن المشكلة ستظل قائمة”.
في ظل الضغوط المتزايدة، فقد أدخلت قطر إصلاحات على نظام الكفالة، مُطلقةً مبادئ توجيهية جديدة التي تتطلب الإلتزام الصارم من قبل المقاولين بالنسبة إلى المعايير الدنيا للعمال الأجانب. وقد دعمت هذه الإصلاحات وكالات إستشارات الشؤون العامة، التي لديها مهمة لا تُحسد عليها لإعادة بناء صورة الدولة الخليجية وفقاً لهذه الإلتزامات الجديدة.
ويأتي التحدي عندما تبدو إستراتيجية الإتصالات في حالة جيدة مع الحقائق على أرض الواقع. وعلى الرغم من بعض الجهود لضمان تحسين الظروف المعيشية، فإنه من الصعب لجميع الحلقات في السلسلة أن تتوحّد على رسالة واحدة.
“إن القطريين كانوا يعملون مع شركات علاقات عامة غربية منذ بضع سنوات، لكن المشكلة هي أنه إذا كنت لا تزال تعامل العمالة الأجنبية بطريقة سيئة، فإنه لا يمكنك التغطية كثيراً”، يقول نيك بومان، الذي يرأس شركة إتصالات إستشارية في المملكة المتحدة، “ماندرين بي آر” (Mandarin PR). مضيفاً: “إن العلاقات العامة يمكن أن تعمل وتؤدي إلى نتيجة جيدة إذا كنت تفعل الشيء الصحيح؛ أما إذا كنت تفعل الشيء الخطأ، لا يمكنك الإعتماد على العلاقات العامة لإخفاء أخطائك الخاصة”.
كما أن إرسال صحافيين لرؤية بضعة مرافق للإقامة مصمَّمة بشكل جيد، عندما لا تكون هذه بالتأكيد المعيار في جميع أنحاء البلاد، من غير المرجح أن تحسّن الوضع والصورة.
الواقع إن إجراءات التشغيل القياسية تكمن في وضع خطة إتصالات تبعث الرسالة الإيجابية التي تريد الدوحة إيصالها إلى العالم. في حالة أولمبياد لندن 2012، كان كل شيء عن إلهام جيل – رسالة تعني بأن شيئاً قد تم إنشاؤه والذي من شأنه أن يستمر إلى ما بعد الأسبوعين لفترة البطولة.
حتى الآن، لم تخلق قطر رسالة مماثلة في ما يتعلق بكأس العالم 2022. صار عملها أصعب بسبب التصوّر لدى البعض بأنها حصلت على إستضافة البطولة في ظروف غير شفافة، وبسبب الإعلان الأخير لوزارة العدل الأميركية عن عزمها البحث عن أسباب منح شرف إستضافة الدورة للدوحة.
كما يلاحظ أحد العاميلن في الإتصالات من ذوي الخبرة العالية في الخليج، هناك طريقة وراء نهج العلاقات العامة الذي تتبعه قطر.
“لديهم مشكلة الأنا في قطر حيث يريدون أن يكونوا الأفضل في العالم. وهذه الأنا لديها جدول تنويع إقتصادي مرتبط بها، وهذا يعني شراء مجموعة كبيرة من الأصول الدولية “، يقول الأخصائي الذي رغب في عدم الكشف عن هويته.
بالمقارنة مع دول الخليج الأخرى، كانت قطر غير مبالية حول الطريقة التي تروِّج بها عن نفسها. وفيما دول خليجية أخرى، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية، تفضل إتصالات ثنائية منفصلة مع لاعبين إقليميين رئيسيين، فإن قطر كانت تبعثر إتصالاتها.
إن التراكم العدواني للأصول العقارية المهمة الدولية، من متجر “هارودز” إلى “ثكنات تشيلسي” في لندن، لم تسترشد بنهج إستراتيجي واضح حول كيفية دعم هذه الأصول للتنمية في دولة قطر. إن ميلها إلى “الصراخ” للإعلان عن وجودها يتناقض مع النهج الأكثر دهاء الذي إعتمدته وتعتمده الرياض وأبو ظبي.
إن دول الخليج، يقول الأخصائي، تدفعها أهداف سمعة معيَّنة. أحدها يرمي إلى بناء أمة، يُنظر إليها كشريك موثوق قادر على القيادة وفرض الإحترام – وأهداف أخرى ترمي إلى السعي إلى حفظ وتطوير رأس المال البشري وتشجيع المهاجرين على المجيء والعمل في أراضيها. الجزء الثاني من هذه الإستراتيجية يقوم على وضع سلسلة من المشاريع الكبيرة التي تربط شركاء أجانب بعلاقات دائمة بين البلدين. وهذا يمكن أن ينطوي على جلب شركاء ثقافة أو تعليم ذوات مصداقية مثل الجامعات أو المتاحف الغربية.
على الرغم من أن قطر قد أقامت مدينة تعليمية، وأقامت علاقة مع نادي برشلونة لكرة القدم الذي يتضمن إلتزاماً بالتنمية البشرية، فإنها تتخلّف عن غيرها من دول الخليج في تطوير علامة تجارية قوية في ما يتعلق بالجمعيات.
وهي تعاني أيضاً من إختلاف بين فروع الحكومة كون بعضها أكثر إلتزاماً بجدول أعمال تحسين ظروف العمال أكثر من غيره. إن وزارة الداخلية، التي تعتبر مسؤولة عن نظام الكفالة، يُنظَر إليها على أنها أقل إفتتاناً ببرنامج الإصلاح من وزارة العمل والشؤون الإجتماعية، تحت إدارة الوزير الدكتور عبد الله صالح مبارك الخليفي، الذي كان أكثر إنفتاحاً حول الإخفاقات الحاصلة في البلاد. “إن أوجه القصور التي أواجهها، والمشاكل التي أواجهها، لا يمكنني إخفاءها، وقطر هي بلد مفتوح والآن مع الهواتف الذكية، كل شخص هو صحافي”، قال لصحيفة “الغارديان” اللندنية.
من جهتها تتعامل وكالات إستشارات العلاقات العامة في قطر مع عناصر مختلفة. في حين أن “بورتلاند” لديها موجز أوسع للشؤون العامة، افإن “بلو روبيكون” هي أكثر تركيزاً على كأس العالم، حيث تقدم تقاريرها إلى اللجنة العليا للمشاريع والإرث، وهي الهيئة المسؤولة عن تنظيم دورة كأس العالم والتابعة للحكومة القطرية.
وقد تعرقل عمل هذه الوكالات – خصوصاً مع علامات تجارية متعددة الجنسيات عالمية كبيرة مثل “كوكا كولا” و”فيزا” اللتين تحدثتا علناً ضد التجاوزات المزعومة لحقوق الإنسان في قطر، وقد حثّت “فيزا” منظمة “فيفا” على التحرك بسرعة أكبر بالنسبة إلى قضايا العمل والعمال وحقوق الإنسان المحددة.
“يحتاج القطريون إلى النظر إلى القضايا في أسفل سلسلة التوريد، من الأجور والإجازات إلى مرافق الرعاية الطبية. وهذا يعني هناك حاجة إلى إنفاق حكومي كبير للإلتفاف على هذه المشاكل. ولكن إذا كان لديك المال لبناء ملاعب متعددة بمليارات الدولارات، عندها نستطيع التأكيد على أن لديهم المال لبناء نموذج عمل أفضل للممارسات مصحوباً بإيماءات الموافقة من الامم المتحدة التي تحتاج إليها”، يقول أخصائي العلاقات العامة.
على مستوى أكثر دنيوية، يتعيَّن على سلطات قطر الحذر من إعتماد إستراتيجيات “جيكل وهايد”. تطرح حصيرة ترحيب لزيارة الصحافيين، ثم تزج بهم في زنزانات السجون، الأمر الذي لا يجعل نهج التواصل فعّالاً. حتى الصحافيين الذين هم من ذوي المكانة المتواضعة سوف يتنبهون ويرون بسرعة من خلال ثغرات في الصرح. “إن محاولة إخفاء الممارسات الحالية السيئة من طريق الإتصالات تأكل الثقة”، يقول الإختصاصي.
ماذا، إذن، هل يجب وضع قائمة تحقق مرجعية للعلاقات العامة لدولة قطر؟ نقطة البداية هي التشاور على نطاق أوسع بين الجهات المعنية، على المستويين المحلي والدولي، حول ما هو مقبول.
التحدي بالنسبة إلى قطر صار أكثر فظاعة لأن الحصان قد غادر الإسطبل فعلياً. “من وجهة نظر دورة كأس العالم، إن الأمر لا يتعدّى ممارسة الحدّ من الضرر أكثر من أي شيء آخر”، يقول إختصاصي الإتصالات. في إندفاع الإمارة الخليجية المتهوِّر للفوز بالـتالق والبريق الدولي، في جزء منه للتعويض عن عزلتها في منطقة الخليج، فقد تجاهلت بأن سلامة الطريقة التي تفوز من خلالها بإستضافة كأس العالم لها أهمية كبيرة.
الواقع أنه يمكن لإستراتيجية الإتصالات عمل الكثير. تحتاج عقلية الناس الذين يتخذون القرارات أن تتغيَّر أيضاً. وعلى مستشاري العلاقات العامة أن يقولوا لمموليهم القطريين الحقيقة المُرّة، بدلاً من أخذ أموالهم والتوصية بعلاقات عامة مثيرة ومدروسة بشكل سيىء.
لا يزال هناك سبع سنوات للعمل قبل أن تفتح دورة كأس العالم أبوابها. وهذا يشتري لقطر الوقت لإستعادة سمعتها حيث ينبغي في هذه الأثناء أن تبيِّن بأنها تفعل الشيء الصحيح، مع الإستمرار في دفع أجندة التنويع الإقتصادي التي ساعدت على توفير الكثير من الثروات في قطر في السنوات الأخيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى