البنوك المغربية تثبّت أقدامها محلياً وتتوسّع إقليمياً

يعتبر المغرب موطناً لبعض من أكبر البنوك في أفريقيا، وهو قد نجا على حد سواء من الأزمة المالية العالمية والإضطرابات السياسية في المنطقة، لذا بدأت مؤسساته المالية الآن توسيع إنتشارها في بقية القارة السمراء.

رئيس مجلس إدارة "التجاري وفا بنك محمد الكتاني: التوسع الخارجي للبنوك مطلوب
رئيس مجلس إدارة “التجاري وفا بنك محمد الكتاني: التوسع الخارجي للبنوك مطلوب

الدار البيضاء – مصطفى الزيَّاني

يضمّ النظام المصرفي المغربي 86 مؤسسة مالية تجارية، من بينها 19 مصرفاً، و36 شركة تمويل، و6 مصارف حرة (أوفشور)، و13 جمعية للقروض الصغرى، و10 شركات للوساطة في مجال تحويل الأموال. وقد بلغ عدد الفروع الداخلية للمصارف المغربية بنهاية العام 2012 (آخر الإحصاءات المتوفرة) 5,447 فرعاً، وفروع مصارف الأوفشور 6 فروع. كما بلغ عدد الفروع الخارجية 25 فرعاً، بالاضافة إلى 10 وكالات و59 مكتباً تمثيلياً. وقد عززت المجموعات المصرفية المغربية خلال السنوات القليلة الماضية حضورها خارج المغرب وبخاصة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
ومن ضمن المصارف التسعة عشر العاملة في المغرب، يوجد 7 مصارف يمتلك الأجانب غالبية رأسمالها، و5 يمتلك القطاع العام غالبية رأسمالها. وتعتبر هذه البنوك متقدمة نسبياً مقارنة مع تلك الموجودة في الدول المجاورة في شمال افريقيا. فهي تصدر تقارير مؤسساتها المالية وفقاً للمعايير الدولية للتقارير المالية، والإمتثال ل”بازل 3″، وتمثل الأصول المصرفية حوالي 125٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد بلغ حجم الموجودات المجمّعة للقطاع المصرفي المغربي حوالي 136 مليار دولار بنهاية النصف الأول من العام 2014، وبلغت ودائعه حوالي 89.5 مليار دولار، وقروضه حوالي 82.3 مليار دولار. أما حقوق الملكية فقد بلغت حوالي 2.9 ملياري دولار.
بالإضافة إلى ذلك، يسجّل القطاع نمواً جيداً بلغ نحو 7٪ في السنة في بيئة ينخفض فيها التضخم ومعدل الفائدة، كما أن نسبة القروض المتعثِّرة قد إنخفضت بشكل حاد من مستوى عال خطير بلغ 20٪ في أوائل العقد الفائت إلى أقل من 7٪ حالياً.

الحكم الرشيد

يتصدّر “التجاري وفا بنك” المصارف المغربية بالنسبة إلى حجم الموجودات والتي بلغت حوالي 47.2 مليار دولار بنهاية العام 2013. يتلوه “القرض الشعبي للمغرب” بموجودات بلغت 35.6 مليار دولار، فالبنك المغربي للتجارة الخارجية بموجودات بلغت 30 مليار دولار. ونشير إلى ان الحصة السوقية لأكبر ثلاثة مصارف مغربية من حيث الموجودات بلغت حوالي 65.5% من مجمل موجودات القطاع، فيما بلغت الحصة السوقية لأكبر خمسة مصارف حوالي 79.4%. وبالنسبة إلى الودائع، فقد بلغت حصة المصارف الثلاثة الأولى حوالي 65.4%، والمصارف الخمسة الأولى 80.5%. أما بالنسبة إلى القروض، فقد بلغت حصة أكبر ثلاثة مصارف 64.5%، وحصة أكبر خمسة مصارف 80.7%. (المصدر: بنك المغرب)
يُشرف بنك المغرب (البنك المركزي المغربي) على عمل النظام المصرفي في البلاد، ويقوم بجميع الجهود لدعم متانته. وقد شرع البنك خلال العام 2012 بالتحضير لتنفيذ توصيات بازل 3 خصوصاً في ما يتعلق بموضوع الأموال الذاتية ونسبة السيولة في المدى القصير. وفي العام 2013، بدأ بتطبيق المعايير الجديدة، بالإضافة إلى العمل على تعزيز المراقبة المجمَعة للمجموعات المصرفية المغربية المتواجدة في الخارج. كما شهد العام 2013 تحقيق تقدم ملحوظ على مستوى المشاريع الهادفة إلى تشجيع الإدماج المالي، حيث جرى إنشاء مؤسسة للتربية المالية وإعداد إطار للتحفيز على تمويل المقاولات الصغيرة جداً والصغيرة والمتوسطة.
إقتبست المصارف في المغرب منذ فترة طويلة خبرة بنكية عريقة، يقول محمد الكتاني، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي ل”التجاري وفا بنك”. مشيراً إلى أن “القطاع المصرفي يستفيد من تقليد طويل من الحكم الرشيد والأداء الصحي وذلك بفضل سياسة البنك المركزي المستقل”.
والقطاع المصرفي المغربي بالفعل هو مركّز، مع البنوك الخمسة الكبرى تمثل .80.5% من السوق من حيث الأصول. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من المؤسسات في البلاد قديمة العهد، حيث تم تأسيسها في بداية القرن العشرين، وإجتازت عصوراً متعددة.
“الإختراق المصرفي هو الفخر بعينه للقطاع المصرفي”، يقول الكتاني. متابعاً: “يرجع جزء من ذلك النمو إلى الطبقة الوسطى التي تتشكل بسرعة في المدن، ولكن الجزء الآخر يكمن في أننا كنا قادرين على الجمع بين الإستثمار في التوزيع، التركيز بشكل خاص على التكاليف، والتقسيم الحريص للزبائن لتقديم الخدمات المصرفية للعملاء الذين لم تكن بعد قد وصلتهم أي خدمة مصرفية ولا يمكنهم تحمل كلفة خدماتنا”.
اليوم حوالي 60٪ من المغاربة لديهم حسابات مصرفية، ما يقرب من ضعف مستوى أوائل العقد الفائت، كما أن عدد فروع البنوك في البلاد قد تضاعف ثلاث مرات في هذا الوقت.
في حالة “التجاري وفا”، فقد أطلق البنك قسماً تابعاً دعاه “وفاكاش” (Wafacash) متخصصاً بالتحويلات. لدى القسم الآن أكثر من 1200 فرع وقد خفّض رسوم البنك إلى النصف.
“ومع ذلك، فإنني لن أصف ذلك بأنه انتصار للبنوك حتى يكون جميع العملاء، بفضل حصولهم على الخدمات المالية كما أيضاً على النمو الاقتصادي، قادرين على إنتشال أنفسهم من الفقر وسلوكهم طريق الوصول إلى الطبقة الوسطى”، يقول الكتاني.

قواعد البيت الملكي

يُثني الكتاني على الإدارة الإقتصادية للسلطات في المغرب حيث يعتبرها واحداً من العوامل الكامنة وراء نجاح البنوك. وفي المغرب، لا يزال النظام الملكي السلطة المطلقة في رسم السياسات، ولكن مسؤوليه يعملون على نحو متزايد بشكل جيد مع الإسلاميين في حزب “العدالة والتنمية” الذي يسيطر عليها البرلمان منذ “الربيع العربي”.
“التجاري وفا” تملكه جزئياً شركة إستثمارية قوية يملكها الملك محمد السادس وتدعى “الشركة الوطنية للإستثمار”. ومع ذلك، فإن هذه الأخيرة قد إستأجرت أخيراً “غولدمان ساكس” “وروتشيلد” لتقديم المشورة بشأن بيع حصتها التي تصل إلى 19٪ في “التجاري وفا”، وهي صفقة تقدر قيمتها بمليار دولار.
تتحكم حكومة حزب “العدالة والتنمية” بأقل من 8٪ من الموازنة العامة للدولة (يسيطر على البقية القصر الملكي)، وفقاً لتقديرات محمد مصباح المحلل في مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي”، ولكن الصراع الكبير بين الحكومة والنظام الملكي الذي من الممكن أن يحدث تم تجنّبه حتى الآن.
وكانت واحدة من السياسات الإقتصادية الرئيسية في الحكومة تركّز على إسترجاع المليارات من الدراهم التي تم تهريبها من المغرب على مدى السنين العشر الماضية. من خلال العمل مع الشركات الكبيرة، تجاوزت السلطات توقعاتها الخاصة وإسترجعت 2.7 ملياري دولار لخزينة الدولة.
من ناحية أخرى، تشكل ودائع غير المقيمين جزءاً مهماً من مجمل ودائع القطاع المصرفي المغربي، حيث بلغت بنهاية النصف الأول من العام الفائت حوالي 19.1 مليار دولار، وهو ما شكل نسبة 21.4% من مجموع الودائع. ونشير في هذا المجال إلى أن النسب السنوية لنمو ودائع غير المقيمين قد فاقت تلك المسجّلة من ودائع المقيمين خلال معظم السنوات القليلة الماضية: 8.94%، و6.89% على التوالي في العام 2013، 6.16% و3.00% في العام 2012، 3.22% و1.95% في العام 2011، و8.96% و6.65% في العام 2009. أما في العام 2010 فقد سجلت ودائع غير المقيمين إنخفاضاً بنسبة 0.93% مقابل زيادة بـ 2.67% لودائع المقيمين. وتشكل تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج مصدراً أساسياً لتلك الودائع.

SPREADS - Copy

SPREADS2 - Copy

بيئة مستقرة

سياسياً، بقي المغرب مستقراً نسبياً من حيث نشاط الأعمال على مدى السنوات الثلاث الماضية. مع ذلك، فإن سياسات التقشف المالي المعتدلة، لا سيما تلك المحيطة برفع الدعم عن الوقود، أدّت إلى معارضة شعبية فورية وعدد من الإضرابات. وبالنظر إلى أن ما يقرب من 40٪ من المغاربة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً الذين يعيشون في المدن عاطلون من العمل إعتباراً من تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، فإنه من اللافت أن البلاد لم تشهد المزيد من الإضطرابات.
“إن الجهود التي جعلت المغرب يعيد العجز في الموازنة إلى مستوياته السابقة كان له أثر إيجابي للغاية في القطاع المالي”، يفيدنا الكتاني. مضيفاً: “فقد خفّض معدل الفائدة المحلية، الأمر الذي ساعد على تحسين السيولة. وكان التوقيت رائعاً لأن بعض أصعب التدابير الإجتماعية [دعم الوقود] نفّذت بينما كانت أسعار النفط تنخفض بسرعة، وهذا أدى إلى تخفيض العبء عن كاهل الطبقة الوسطى والتأثير في التضخم”.
هذا النوع من السياسات التقشفية الذي إنتهجته السلطات كان يُنظر إليه بشكل إيجابي في القطاع المالي، وفقاً لوالتر سيوفي، الرئيس التنفيذي ل”سيتي بنك المغرب”. وأضاف: “بالطبع عندما ينخفض العجز المالي فهو أمر جيّد للأسواق، ولكن على العموم لم يكن هذا النوع من التقشف الذي رأيناه في المغرب شيئاً كبيراً. وقد أدى العفو عن الحسابات غير المعلنة في الخارج للمقيمين المغاربة في العام الفائت إلى تدفقات كبيرة بالعملة الأجنبية إلى البلاد كانت موجودة في مصارف خارجية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الإحتياطات”.

التوسع الإقليمي

بالنسبة إلى سيوفي، إن التطور اللافت للغاية هو توسّع البنوك المغربية إلى البلدان المجاورة في شمال وغرب أفريقيا. “عبر أكبر ثلاثة مصارف، وكلها لديها شبكات من الشركات التابعة والفروع في أفريقيا، فإن التوسع في المنطقة الأوسع سائد وجار بقوة. وأتوقع أن يستمر هذا الاتجاه فيما يرى القطاع المصرفي المغربي تباطؤ النمو محلياً مقارنة مع الأسواق ذات النمو المرتفع في جميع أنحاء القارة “، على حد قوله.
وجاء الإنجاز الرئيسي للبنوك المغربية في المنطقة عندما حصل البنك الشعبي على حصة 50٪ في “بنك اتلانتيك” في ساحل العاج في حزيران (يونيو) 2012.
ومع ذلك، فقد بدأ إتجاه الصناعة المالية المغربية إلى الإنتشار إلى باقي الدول الأفريقية في الواقع مع حملة حرّكتها الحكومة في ثمانينات وتسعينات القرن الفائت، عندما إلتمست حكومات أفريقية أخرى مساعدة تقنية من الرباط للإدارة البنكية. وكانت الموجة الثانية في أوائل العقد الفائت التي كان دافعها السوق.
“في “التجاري وفا” أدركنا في حينه أننا كنا بالفعل من اللاعبين الرئيسيين مع 25٪ إلى 45٪ من حصة السوق [في المغرب] وفقاً للمنتوج في قطاع ينضج تدريجا”، يقول الكتاني.
ويتابع: “كان لدينا فائض من رأس المال والمهارات المتميِّزة في مجال الخدمات المصرفية، والعملاء الكبار مثل الخطوط الملكية المغربية و”إتصالات المغرب” اللتين كانتا قد صارتا من الشركات الفاعلة الإقليمية الرئيسية. وكان القرار الذي واجهناه إما القبول بترك أفضل عملائنا من الشركات للآخرين ونرى تراجع النمو لدينا كما رأس المال للمساهمين، أو صياغة وتنفيذ إستراتيجية دولية تخلق قيمة إضافية”.
ويتواجد “التجاري وفا” الآن في 13 دولة أفريقية أخرى وتشكل العمليات في تلك البلدان 27٪ من إيرادات البنك.

SPREADS

التشاركية الإسلامية

يُعتبر المغرب من الدول التي تأخر دخول الصيرفة الاسلامية إليها. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 صدر قانون التمويل الإسلامي الذي يسمح بالترخيص للمصارف الإسلامية للعمل في البلاد. وقد تضمن القانون الإجراءات الخاصة بعمل المصارف الإسلامية، والتي أُطلق عليها إسم ‘البنوك التشاركية”.
ويعدّ هذا القانون لإعتماد تجربة ‘الخدمات الإسلامية التشاركية’ ضمن النظام المصرفي المغربي. ويتولى المصرف المركزي المغربي منح التراخيص التي تسمح بمزاولة أربعة أنواع من الخدمات التشاركية الجديدة وفق ضوابط يحددها المجلس العلمي الأعلى (والتي هي هيئة دينية رسمية يرأسها العاهل المغربي) والذي سوف يراقب نشاط هذا النوع من الخدمات المالية والمصرفية غير الربوية. وينص القانون، على أن العمليات التجارية والمالية والإستثمارية ستخضع لرأي المجلس الأعلى، ولن تسعى إلى تحصيل أي فائدة أو دفعها. وبإمكان المصارف إعتماد أربع خدمات مصرفية هي المرابحة والإجارة والمشاركة والمضاربة، كما يجوز للمصارف التشاركية الإسلامية إقتراح صيغ تمويلات أخرى، بشرط إستطلاع رأي لجنة مؤسسات الإئتمان والمجلس العلمي الأعلى.
ومن المتوقع أن تساهم المصارف الإسلامية في جذب مزيد من الإستثمارات الأجنبية إلى القطاع المصرفي المغربي وأن ترفع حجم الودائع وإتاحة فرص أكبر لتمويل القطاع الخاص المغربي. وقد توقع تقرير صدر أخيراً عن “طومسون رويترز” أن تبلغ قيمة الأصول المصرفية الإسلامية في المغرب 8.6 مليارات دولار بحلول العام 2018، وأن تتجاوز الأصول المصرفية الإسلامية 5% من إجمالي الموجودات المصرفية.
من جهته، يعتزم “التجاري وفا” الإستمرار في ممارسة التمويل الإسلامي من خلال قسم متخصص يسمى “دار الصفاء”، الذي يعتزم البنك تحويله إلى “بنك تشاركي”.
المؤسسات المالية، مع ذلك، حذرة حول ما ستؤول إليه آثار قانون التمويل الإسلامي، مع الإعتراف بأن نسبة الموجودات المصرفية التي تمثل المؤسسات المصرفية الإسلامية تتفاوت بصورة عشوائية في البلدان التي يتاح فيها التمويل الإسلامي. في المملكة العربية السعودية، يمثل التمويل الإسلامي 35٪ من الأصول، ولكن في الجزائر هذا الرقم هو حوالي 1٪.
“بصراحة، إنه من السابق لأوانه معرفة ما سيكون تأثير قانون التمويل الإسلامي في القطاع المالي”، يقول سيوفي. مضيفاً: “معظم البنوك تنشىء شركات مصرفية إسلامية تابعة لتلبية الطلب لكنه ما زال من الصعب تقدير حجم هذا الطلب”.
أهم شيء بالنسبة إلى البنوك المغربية في هذه المرحلة، كما يقول سيوفي، هو إلغاء الرقابة على الصرف، شيء قال البنوك أنه “الهدف في المدى المتوسط” للسلطات. إذا حدث ذلك،، يعتقد البنوك بأن ذلك سيدعم مشروع مدينة الدار البيضاء المالية، وهي مبادرة أُطلقت في العام 2010 لتحويل أكبر مدينة في المغرب إلى المركز المالي لأفريقيا وبوابة إلى بقية أسواق المنطقة.
يقول سيوفي: “هذا يمكنه أن يساعد على بناء صندوق مشترك للسيولة بالعملة الأجنبية لدعم المغرب لكي يكون مركزاً مهماً لإعادة تدوير الأموال، نظراً إلى تطور قطاعه المصرفي، موجّهاً الأموال للإستثمار في البلدان المجاورة الناطقة بالفرنسية في القارة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى