الفجيرة: إمارة تخزين النفط والغاز

على الرغم من أنها ليست منتجة للنفط تعمل إمارة الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة بجد ونشاط لكي تصبح مركزاً دولياً أكثر أهمية لتخزين المواد الهيدروكربونية العالمية، ولكن هل تستطيع منافسة المحاور الدولية الأخرى؟

وكيل وزارة الطاقة الإماراتي أحمد الكعبي: زيادة قدرة التخزين في الفجيرة
وكيل وزارة الطاقة الإماراتي أحمد الكعبي: زيادة قدرة التخزين في الفجيرة

الفجيرة – عمار الحلاق

عامٌ هو في الواقع وقت طويل في أسواق النفط. قبل إثني عشر شهراً كان البرميل يتداول بسعر أعلى بكثير من 100 دولار.
ومنذ تلك الفترة، وبطبيعة الحال، فقد إنخفضت أسعار السوق بشكل حاد. ولكن في حين أن معظم التركيز في الدول المنتجة للنفط كان على الأثر الإقتصادي لإنخفاض الأسعار والتشديد المحتمَل الذي ستعمد إليه وزارات المال بالنسبة إلى الإنفاق والموازنة، لم يكن الأمر كذلك بالنسبة إلى الجميع في دولة الإمارات العربية المتحدة.
على بُعد حوالي 300 كيلومتر من أبوظبي على الجانب الشرقي من جبال الحجر، يعجّ ميناء الفجيرة المليء بالحياة والنشاط. جنباً إلى جنب مع خدمات تموين السفن، يشكّل تخزين النفط والمنتجات المكَرَّرة شيئاً مهماً وكبيراً فيه. مستفيدةً من موقعها خارج مضيق هرمز، أحد الممرات المائية الأكثر إزدحاماً والأكثر حساسية في العالم، تتربع الفجيرة على رأس قائمة محاور الخزن التجارية العالمية إلى جانب هيوستن وسنغافورة وأمستردام-روتردام-أنتويرب في أوروبا.
متحدثاً في المؤتمر والمعرض الدولي للخزّانات (الصهاريج) في دبي في نيسان (إبريل) الفائت قال وكيل وزارة الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة أحمد الكعبي إن قدرة تخزين النفط في الفجيرة ستزيد إلى حوالي تسعة ملايين متر مكعب بحلول نهاية العام 2015، من حوالي 6.6 ملايين برميل في العام 2013.
وقد تمّ بناء خمسة خزانات (صهاريج) جديدة أخرى لتخزين النفط في الميناء من قبل “فوباك هورايزون الفجيرة”، إحدى الشركات التابعة ل”فوباك”، أكبر مشغّل صهاريج وتخزين مستقل في العالم. وهذه الخزانات الجديدة سوف تضيف، بحلول منتصف 2016، 480،000 متر مكعب إضافية على قدرة التخزين الحالية ل”فوباك” والبالغة 2.1 مليوني متر مكعب. كما يجري بناء رصيف جديد لإستيعاب ناقلات النفط الخام الكبيرة جداً والتي سوف تنقل النفط من خزانات “فوباك”.
أحد أسباب هذا “الهيجان” في أنشطة المشاريع في الفجيرة هو إحتمال الحصول على أرباح ما يسمى “التأجيل” (contango). مصطلح تجاري نفطي يشير إلى الحالة التي سيكون فيها سعر العقود الآجلة للخام أعلى من السعر الفوري (سبوت) المستقبلي المتوقَّع، وهي حالة نشأت منذ أن إنخفضت أسعار النفط في العام الفائت. أساساً، في سوق “التأجيل” يحتفظ التجار بمخزونات النفط وينتظرون لبيعها بربح عندما تعود الأسعار إلى الإنتعاش. وتتطلب هذه الإستراتيجية سعة تخزين ضخمة، وهو أمر، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، غير متوفر عالمياً؛ لدرجة أنه في بعض الحالات، يتم تخزين النفط على ظهر ناقلات في عرض البحر.
“يدعم “التأجيل” (كونتانغو) الحالي عاملان – لقد شهدنا الكثير من نمو المعروض من خارج “أوبك” في السنوات الأخيرة (وخصوصا من الولايات المتحدة)، ومنتجون، مثل ليبيا، يعودون إلى السوق مضيفين إلى زيادة العرض”، قال باتريك كولسِن، العضو المنتدب لشركة الاستشارات الهولندية “بي جي كاي” (PJK) الدولية في مؤتمر دبي. مضيفاً: “في العام الماضي كان الجميع غاضبين لأن السوق كانت تميل إلى التراجع. نحن الآن في فترة “التأجيل” (كونتانغو) ويبدو أن الحفلة قد بدأت من جديد. الأسهم تسير إلى أعلى السقف”.
وقالت إيلين روهوتاس، العضو المنتدب للشركة السنغافورية الإستشارية “راثيو غروب”، للمؤتمر عينه، أن التحدي يتمثل في بناء خزانات بسرعة كافية للإستفادة. مشيرة إلى أن “عمليات “التأجيل” هي جيدة إذا كانت لديك خزانات وصهاريج فارغة. ولكن إذا لم تكن لديك خزانات فارغة فلا يمكنك بناء خزان بالسرعة الكافية لتلبية عمليات “التأجيل”. وإذا كانت لديك خزانات فارغة وكنت أسيراً لمحطة “التأجيل”، فسوف تفرك يديك. ولكن للمضي قدماً قد لا يكون لديك الكثير من قدرات التاجر لأن التجار قد بنوا بالفعل محطاتهم الخاصة للتخزين في منافسة معك”.
وكان بروز الفجيرة كمركز عالمي مهم للطاقة لافتاً ومثيراً للإعجاب. فقبل عشر سنين كانت قدرة مرافق التخزين لديها تساوي ربع القدرة التي هي عليها الآن. وقبل ما يزيد قليلاً عن ال20 عاماً كانت قدرتها تقتصر فقط على تزويد السفن بالوقود.
الآن، بالإضافة إلى صهاريج تخزين النفط والمنتجات الجديدة التي بنيت والتي يجري بناؤها في الإمارة، فإن هناك أيضاً خططاً لبناء مصفاة لإنتاج 200،000 برميل يومياً، وكذلك مرافق للبتروكيماويات وإعادة “تغويز” الغاز الطبيعي المسال. من ناحية أخرى يشكل ميناء الفجيرة فعلياً محطة للغاز الطبيعي القطري الذي يصل عبر خط أنابيب “دولفين” للطاقة من منطقة الطويلة في أبوظبي، في حين أنه منذ العام 2012 تقوم شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) بنقل نحو 70 في المئة من نفطها الذي ينتجه حقل حبشان البري – تقريباً 1.5 مليون برميل يومياً – من خلال خط أنابيب يبلغ طوله 380 كلم إلى الفجيرة للتخزين والتصدير إلى الأسواق العالمية.
لكن بعض خبراء الصناعة يعتقد بأن مثل هذا الإرتفاع السريع في الوضع قد يخلق تحديات للفجيرة إذا أصبحت حقاً مركزاً محورياً على مستوى عالمي لمنافسة سنغافورة أو محور أمستردام-روتردام-أنتويرب في أوروبا.
في مقابلة معه جرت في العام الفائت قال كريس بايك، أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة التجارية “فيتول”، أن شركات النفط الكبرى في أبوظبي بحاجة إلى إتخاذ نهج أكثر ليبرالية بالنسبة إلى التجارة إذا كان على الفجيرة أن تزدهر.
“تاريخياً لم تكن سوقاً إقليمية للإستبدال حيث أن معظم النفط معدّ للتصدير، ويباع من طريق العطاءات من قبل شركات النفط الوطنية”، يوضح في مقابلة مع صحيفة “ذي ناشونال” الإماراتية.
ويتابع: “ينبغي على شركات النفط الوطنية أيضاً توفير الوقود للسوق المحلية، في الغالب مع شكل من أشكال الدعم. ولكنك بحاجة إلى تحقيق توازن بين العرض والطلب على أساس البيع بالجملة، وليس فقط العرض لأنه عندها سيكون سوق عرض بشكل دائم ويشوّه الأسعار. تحتاج الى منشأة حيث يمكن لطرف ثالث أن يأتي ويتنافس بطريقة منصفة، ولكني لا أستطيع شراء وقود للطائرات وتزويد مطار دبي لان “إينوك” تسيطر عليه”.
ويضيف: “لا أستطيع تزويد أبوظبي لان “أدنوك” تسيطر عليها ولا يسمح المسؤولون لأحد في دخول نظامهم الخاص. في شمال غرب أوروبا يمكنني شراء طريقي إلى نظام التوزيع والمشاركة في هذه السوق. الخيار الوحيد هنا هو أن تشتري من المنتج وتأخذ المنتوج إلى مكان آخر”.
على الرغم من هذا، فإن حفلة تخزين وقود “التأجيل” منتعشة على قدم وساق.
“إن بناء سعة أكبر لتخزين الخام في الفجيرة سوف يزيد خيارات التداول بالنسبة إلى شركات النفط الكبرى” قال وكيل وزارة الطاقة الكعبي للمندوبين في دبي في نيسان (إبريل) الفائت.
يبدو أن الذين يستثمرون في الفجيرة مقتنعون بهذا المنطق. متحدثاً في إفتتاح مشروع توسعة خزان “فوباك” في ميناء الإمارة في آذار (مارس) الفائت، قال فرانك إيركيلنز، رئيس “فوباك أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا”، أن مشروع توسعة شركته كان يقوده الطلب على إعادة شحن الخام.
وأضاف: “يعتقد بعض العملاء أن هناك عملاً حقيقياً لهم هنا في مجال إعادة شحن النفط الخام من طريق الفجيرة وهذا هو السبب في أننا قد سهّلنا لهم عملهم من طريق بناء بعض القدرات الإضافية”.
“هناك الكثير من اللاعبين الذين لديهم الخام هنا في المنطقة، وهم ينتجون أو يقومون بشراء النفط ويحتاجون إلى بيعه في السوق العالمية”، موضّحاً، “لذلك فإن الطلب على تخزين الخام من المرجح أن يحدث”.
في شباط (فبراير) الفائت تلقّت محطة النفط في الفجيرة، منشأة مشتركة للتخزين، أولى شحناتها من المقطّرات الخفيفة (بما في ذلك وقود النقل مثل البنزين، أو النافتا) قبل تسلم أولى شحناتها من النفط الخام. وكانت هذه أول منشأة للتخزين في ميناء الفجيرة بخزانات للخام متاحة للتأجير، وفقاً للمدير التجاري للمحطة مالك عزيزة.
من المحتمل جداً أن سوق “التأجيل” قد تنتهي قبل وضع مشاريع الخزانات الحالية قيد العمل، ولكن في بيئة دورية فإنه من غير المرجح أن يردع ذلك الإستثمارات الجديدة في القدرات في محاور مثل الفجيرة. ويعتقد كولسِن بأن وفرة المعروض من النفط الخام من المرجح أن تستمر حتى النصف الثاني من العام الحالي.
مضيفاً: “لكن (حتى عندها) سوف لن يكون هناك أي نقص كبير في السوق، لذلك من المرجح أن يستمر “التأجيل””.
وينتهي إلى القول: “ومع ذلك، فإن تعطل الإمدادات، وربما في ليبيا أو دول أخرى، أمر ممكن. وهذا يمكن أن يؤدي إلى خفض كبير في إنتاج النفط الخام العالمي ونمو أسرع مما كان متوقعاً في الطلب على النفط بسبب إنخفاض أسعار النفط. وهذا يمكن أن ينهي حفلة الخزانات والصهاريج في وقت مبكر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى