الإقتصاد اللبناني يختنق … يختنق!

تسبّبت الحرب الأهلية في سوريا المتاخمة والمشهد السياسي الراكد بأن ينمو إقتصاد لبنان بوتيرة بطيئة في السنوات الأخيرة. وفي حين أن عوامل، مثل إنخفاض أسعار النفط، تعطي بعض الأسباب للتفاؤل، فإن الشعور السائد من عدم اليقين في البلاد يعني أن قلة ترى بأن إقتصاد لبنان سيحقق كامل إمكاناته في أي وقت قريب.

المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني: "تلقينا صدمات خارجية عدة"
المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني: “تلقينا صدمات خارجية عدة”

بيروت – رئيف عمرو

الأزمة في سوريا المجاورة، وعدم اليقين السياسي الداخلي، والوضع المالي المتدهور، كلها رمت بثقلها على الإقتصاد اللبناني خلال العام الفائت. كان الصراع السوري في حد ذاته مدمّراً بالنسبة إلى لبنان، حيث قدّر البنك الدولي أن أثره المالي السلبي في بلد الأرز بين عامي 2012 و 2014 وصل إلى تراكمية بلغت 2.6 ملياري دولار، أي حوالي 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2013.
وقد تفاقمت هذه المشاكل من خلال إنخفاض الصادرات، وتدفق أكثر من 1.5 مليون لاجئ – أي ما يعادل حوالي 25٪ من مجموع السكان – يقيمون حالياً في البلاد.
وكان تأثير ذلك في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ملموساً، إذ أنه وصل في العام 2014 إلى نسبة 2٪، وفقاً لصندوق النقد الدولي، حيث كانت الزيادة هامشية على تلك النسبة المسجّلة في 2013 والبالغة 1،5٪. وأرقام النمو هذه ليست جيّدة على الإطلاق وسيئة إذا ما قورنت مع سنوات الطفرة التي شهدها لبنان بين عامي 2007 و2010، عندما تمتّعت البلاد بمعدلات نمو ناتج محلي إجمالي حقيقي ما بين 7٪ و 9٪.

مدعاة للتفاؤل؟

مع ذلك، في حين أن الصورة اليوم تبدو قاتمة إلى حد ما، يشعر العديد من المراقبين أنه لا يزال هناك مجال للتفاؤل في هذه البيئة المكتئبة.
“لقد واجه لبنان عدداً من الصدمات الخارجية، وخصوصاً من الحرب في سوريا، ولكن من الناحية النسبية فقد تم التعامل مع هذه التحديات بشكل جيد”، يقول آلان بيفاني، المدير العام لوزارة المال في لبنان. مضيفاً: “إذا كنت تنظر في السياق الإقليمي – حيث كان النمو بطيئاً في الأردن، وواجهت تركيا عدداً من التحديات وليبيا لا تزال تكافح من أجل إكتساب المزيد من الزخم – فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي المتوقَّع لدينا حوالي 2.5٪ في العام 2015 هو خبر جيد نسبياً”.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن العجز العام إنخفض من 6,362 مليار ليرة في 2013 الى 4,632 ملياراً في 2014، وإنخفضت نسبته من 30,9% من المدفوعات الإجمالية الى 22,0% في العامين المذكورين توالياً، وحقق الرصيد الأول فائضاً كبيراً قيمته 1,970 مليار ليرة في 2014 في مقابل عجز مقداره 361 ملياراً في 2013.
وعلاوة على ذلك، إستجابةً لتزايد عدد التهديدات الإقليمية، بما في ذلك وجود قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على حدود البلاد في العام 2014، عملت مختلف الأجهزة الأمنية اللبنانية بحزم للحفاظ على الإستقرار.
“يسيطر الجيش على الحدود الشرقية مع سوريا وقيادته واثقة جداً حول تأمين وضمان تلك الحدود. كما نعمنا داخلياً أيضاً بشكل جيد بالإستقرار على مدى ال 12 شهراً الماضية”، يقول الدكتور فريدي باز المدير المالي لمجموعة عوده، أكبر بنوك البلاد.

إصدار سندات دولية

في ظل هذه الظروف، كشف لبنان على لسان وزير ماليته علي حسن خليل يوم 25 شباط (فبراير) الفائت عن أكبر عملية إصدار سندات خزينة بالعملة الأجنبية، بلغت قيمتها 2,200 مليون دولار، وهي الأكبر منذ دخول الدولة الأسواق المالية في تسعينات القرن الفائت، وقد إستجابت السوق بشكل إيجابي عليه. وإنقسم الإصدار الى شطرين: الأول بقيمة 800 مليون دولار إستحقاق سنة 2025 بمعدل عائد 6,2%، والثاني بقيمة 1,400 مليون دولار إستحقاق 2030 بمعدل عائد 6,65%. وفاق حجم الطلبات على الإكتتاب كل التوقعات ووصل الى 4,900 مليون دولار، غير أن حجم الإكتتاب الخارجي في الإصدار بلغ 15% فقط.
“على الرغم من نجاح الإكتتاب، فإن الإصدار يدل على إحتياجات إقتراض عالية للحكومة. إن السبب الرئيسي وراء دفع وزارة المال أسعار قسيمة منخفضة، على الرغم من العجز المالي الواسع ومستوى الدين العام العالي جداً، هو أن القطاع المصرفي المحلي هو المكتتب الرئيسي في الإصدار”، يقول فرانسوا باسيل، رئيس جمعية المصارف اللبنانية ورئيس مجلس الإدارة والمدير العام لبنك بيبلوس.
علاوة على ذلك، يبدو أنه من غير المحتمل أن يكون هذا الإصدار الوحيد لسندات دولية في لبنان لهذا العام. متحدثاً إلى وسائل الإعلام المحلية بعد هذه الصفقة، إدّعى وزير المال علي حسن خليل بأن الوزارة تتطلع إلى الإستفادة من السوق للحصول على 4.4 مليارات دولار في إصدارات لتلبية متطلبات الإنفاق. علماً أن عروض سندات إضافية تتطلب موافقة البرلمان الذي أعطى الضوء الأخضر لإصدار مبلغ 2.5 ملياري دولار فقط لعام 2015.
ولكن تواجه الدولة اللبنانية إستحقاقات مالية في الاسابيع المقبلة، الأمر الذي دفع بوزارة المال أخيراً الى بدء التحضير لترتيب إصدار جديد بالعملات الأجنبية في سياق عملية إستبدال السندات التي تستحق في آخر حزيران (يونيو) الجاري بقيمة 500 مليون دولار، ونهاية آب (أغسطس) المقبل أيضاً وتصل قيمتها الى نحو 500 مليون دولار.
وفي هذا السياق، بدأ وزير المال مساعي حثيثة بهدف دفع الكتل النيابية الى تحمل مسؤولياتها والنزول الى مجلس النواب وعقد جلسة تشريعية يتم خلالها إقرار قانون جديد يسمح لوزارة المال بإتمام هذه العملية التي تصفها أوساط الوزارة بالطارئة، لكون الرصيد المتبقي من القانون الأخير الذي أصدره مجلس النواب في جلسته التشريعية يوم 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 والخاص بالإجازة للحكومة إصدار سندات خزينة بمبلغ 2,5 ملياري دولار، لا يزيد على 300 مليون دولار، اي ان الوزارة إستنزفت 95% من القوانين المتاحة لديها، والأموال المتبقية لا تكفي لتغطية العملية الجديدة المنتظرة والتي تبلغ قيمتها الإجمالية حوالى مليار دولار.

تسديد الدين العام

في الواقع، لعبت المصارف اللبنانية دوراً مهماً في دعم السندات السيادية. وقد ساعدت كميات كبيرة من التحويلات المالية من المغتربين اللبنانيين القطاع المصرفي على تمويل الدين العام على مر السنين، الأمر الذي منح البنوك فرصة التعرض الكبير لسندات الدولة المنخفضة التصنيف. وتفيد تقديرات وكالة “فيتش” أن ما يقرب من 60٪ من مجموع الديون الحكومية هي من البنوك المحلية.
وكانت هذه الدينامية في كثير من الأحيان مصدراً لإنتقادات القطاع المصرفي في البلاد، والذي تُوَجَّه له عادة الإنتقادات بسبب تعرضه لتلك السندات المالية التي تُعتبر ذات مخاطر عالية. مع ذلك، فإن هذا المنظور على أرض الواقع متنازع عليه ولا يحظى بإجماع الخبراء.
“إنها [السندات الحكومية] ليست محفوفة بالمخاطر لسبب بسيط جداً، هو أن الوضع الصافي للأصول في لبنان – على الرغم من نسبة الديون في البلاد – هو إيجابي. ويتصل هذا بحقيقة أن الدولة اللبنانية لا تزال تملك العديد من الأصول، بما في ذلك المرافق العامة”، يقول الدكتور باز. مضيفاً: “لو صدر حساب تقريبي متحفّظ لقيمة المرافق العامة، جنباً إلى جنب مع بعض الأراضي الرئيسية التي لا تزال تحتفظ بها الدولة، يمكن أن يصل بسهولة إلى الرقم 100 إلى 110 مليارات دولار. وهذا لا يشمل إحتياطات النفط والغاز المؤكدة. كل هذا مقابل 66 مليار دولار من الديون المستحقة”.
وعلى الرغم من هذه القوة الكامنة، فإن مستويات الدين الحكومي مرتفعة بشكل إستثنائي، حتى بالمقاييس العالمية. وفقاً لصندوق النقد الدولي، فهي تقف حالياً عند 145٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
الواقع أن الدين العام الإجمالي قد وصل في نهاية آذار (مارس) الماضي الى نحو 104,663 مليار ليرة أي ما يوازي 69,4 مليار دولار في مقابل 104,390 ملياراً في نهاية الشهر الذي سبق. وقياساً بنهاية العام 2014 يكون الدين العام الاجمالي إزداد بمقدار 4,300 مليار ليرة نتجت من إرتفاع الدين المحرّر بالعملات الأجنبية بما يوازي 2,792 ملياراً اي ما يوازي 1,852 مليون دولار، وإرتفاع الدين المحرر بالليرة اللبنانية بقيمة 1,508 مليارات ليرة. ويُعزى ذلك بشكل كبير الى إصدار سندات “يوروبوند” في شباط (فبراير) 2015 بقيمة 2,2 ملياري دولار، إضافة الى إصدار سندات خزينة بالليرة طويلة الاجل من فئة 10 سنين توزعت بين 921 مليار ليرة في كانون الثاني (يناير) و512 ملياراً في آذار (مارس) 2015 و7 سنوات، بقيمة 522 ملياراً في شباط (فبراير) 2015.
أما الدين العام الصافي، والمُحتسَب بعد تنزيل ودائع القطاع العام لدى الجهاز المصرفي فبلغ 88,198 مليار ليرة في نهاية آذار (مارس) 2015، مُسجِّلاً إرتفاعاً بسيطاً نسبته 2,1% قياساً بنهاية 2014. وفي نهاية آذار (مارس) 2015 بلغت قيمة الدين العام المُحرَّر بالليرة اللبنانية 63,260 ملياراً، مشكّلة نحو 60,4% من إجمالي الدين العام في مقابل ما يعادل 41,403 مليارات ليرة للدين المُحرَّر بالعملات الأجنبية، أي ما نسبته 39,6% من الدين العام الاجمالي.
“إن عبء الديون عال جداً. لا يمكننا العيش من التحويلات المالية، وهذا هو السبب الذي يدفع البلاد الآن للتحوّل إلى التركيز على الإقتصاد المنتج. على سبيل المثال، فإننا نشهد عدداً متزايداً من الشركات الجديدة المبتدئة، وكذلك النجاح في قطاعات إقتصادية جديدة، بما في ذلك صناعة التكنولوجيا “، يقول بيفاني. مضيفاً: “يتركز النمو الإقتصادي حالياً على قطاعات البنوك والبناء والسياحة. يجب علينا التنويع”ً.

التنويع ضروري

من جهته، عمل مصرف لبنان، البنك المركزي في البلاد، جاهداً على تشجيع المقرضين لدعم الكيانات المبتدئة والناشئة الجديدة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. إن التعميم 331 الصادر عن مصرف لبنان في العام 2013، يقدّم للمصارف اللبنانية ضمانات تصل إلى 75٪ من إستثماراتها في رؤوس أموال الشركات المبتدئة التي تلبّي معايير محددة. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدداً من البنوك التجارية يسعى جاهداً إلى التعامل مع الشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن الإقتصاد الأخضر المزدهر في البلاد، لتعزيز النمو والتنويع الإقتصادي.
فرنسبنك، رابع أكبر مقرض في لبنان من حيث رأس المال فئة 1، دخل منذ سنوات عدة في شراكة مع مؤسسة التمويل الدولية لتحقيق هذه الأهداف. في العام 2014، إتفقت المؤسستان على فتح خطّي إئتمان لدعم الشركات المحلية في إقتنائها التكنولوجيا الخضراء، لمساعدتها على تقليل تكاليفها وتحسين إنتاجيتها.
وعلاوة على ذلك، إن إستخدام فرنسبنك لتسهيلات تقاسم المخاطر لمؤسسة التمويل الدولية في العام 2007 ساعد البنك اللبناني على توسيع نطاق وصوله إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة في لبنان، والتي تشكّل حوالي 97٪ من إجمالي المؤسسات. وفقاً لذلك، بين عامي 2009 و2013 توسّعت أعمال فرنسبنك مع الشركات الصغيرة والمتوسطة نحو 3 مرات، مع معدل نمو سنوي مركّب بلغ 24.1٪. وهذه المبادرات وغيرها، ستكون مهمة في تقدم التنمية الإقتصادية في لبنان.

الإصلاح الهيكلي

بالإضافة إلى التنويع الإقتصادي، فإن لبنان يحتاج أيضاً إلى إصلاحات هيكلية جدّية. في الوقت الحاضر، لا يزال القطاع العام متضخّماً وغير فعّال، مع إمتصاص تكلفة الأجور، على وجه الخصوص، جزءاً كبيراً من موازنة الدولة. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، تستهلك الأجور حوالي 30٪ من الإنفاق الحكومي. بالإضافة إلى ذلك، فإن إصلاح المرافق المملوكة للدولة إلى حد ما قد يكون من أهم التحديات الإقتصادية التي يجب أن تتصدّى له البلاد.
إن مؤسسة كهرباء لبنان، المملوكة للدولة، ما زالت تطبق تعريفات 1996 التي بقيت من دون تغيير منذ ذلك العام، عندما كان سعر النفط نحو 23 دولاراً للبرميل. وتشير تقديرات من العام 2013 إلى أن نسبة 4.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي حُوِّلَت إلى مؤسسة كهرباء لبنان لتمويل ما هو في الواقع دعم سخي للطاقة. وعلاوة على ذلك، فإن قطاع الطاقة في البلاد غير فعّال بشكل ملحوظ. ولدى لبنان حالياً نحو 2,019 ميغاواط من القدرة المثبتة لتوليد الطاقة. ويقابل هذا 3,195 ميغاواط من الطلب خلال فترات الذروة، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
“لقد دعا القطاع المصرفي السلطات إلى تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها أن تقلّل إحتياجات الحكومة من الإقتراض المرتفع”، يقول باسيل. مضيفاً: “وتشمل الإصلاحات مكافحة التهرّب الضريبي، وتحسين الضرائب، وتحصيل الرسوم، والحد من الإنفاق العام غير الفعّال، ومحاربة الفساد، وبيع الحيازات العقارية المتعثّرة، وتجميد التوظيف في الإدارة العامة المدنية، فضلاً عن تحرير قطاع الإتصالات، وإصلاح قطاع الكهرباء ، حيث أن مؤسسة كهرباء لبنان تشكّل إستنزافاً للخزينة”.
مع ذلك، على لبنان إجتياز مسافة قبل أن يمكنه معالجة هذه التحديات. إن ما يُنظَر إليه على نطاق واسع أنه يمنع أي تقدّم ملموس هو المأزق السياسي الذي طال أمده. على الرغم من تشكيل حكومة وحدة وطنية – بعد إنتظار 10 شهور – في آذار (مارس) 2014، لم يتوصّل لبنان بعد إلى إتفاق بشأن إنتخاب رئيس جمهورية جديد. في 3 حزيران (يونيو) 2015، فشل البرلمان اللبناني للمرة 24 في إنتخاب رئيس للدولة.
حول هذا الموضوع، أشار تقرير بحثي صادر عن “دويتشه بنك” في آذار ( مارس): “إن هذا الوضع يُضعف من قدرة البرلمان على تمرير التشريعات ويؤثّر بالتالي على عمل رئيس الوزراء تمام سلام، الذي إحتاج 10 شهور لتشكيل الحكومة الجديدة في أوائل العام الفائت. إن التوترات بين الفصائل المتناحرة اللبنانية لا تزال مرتفعة، وقد زادت حدةً من جراء الحرب الأهلية السورية وتقدم تنظيم “الدولة الإسلامية” في بلاد الشام “.

دفعة النفط

مع ذلك، هناك ما يدعو إلى التفاؤل في لبنان. إن الإنخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية الذي حدث في العام 2014 من المتوقع أن يستمر على مدى هذا العام. مع أسعار تحوم حول 60 دولاراً للبرميل، فإن البلدان المستوردة للنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما فيها لبنان، ستكون من الدول المستفيدة.
“يستفيد لبنان بشكل كبير من إنخفاض أسعار النفط. وقد رأينا بعض المكاسب في العام الماضي لكننا نتوقّع أن يتحقق بشكل أكبر وكامل في وقت لاحق في العام 2015. وتفيد التقديرات أن البلاد ستوفّر حوالي 800 مليون دولار بسبب الإنخفاض في الأسعار”، يقول سعد الأزهري، رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لبنك لبنان والمهجر.
الواقع إن سقوط أسعار الطاقة يمثّل لحظة حظ خاصة بالنسبة إلى لبنان في ضوء ديناميات إنتاج الطاقة المحدّدة في البلاد، وفقاً لماتياس أنغونين، المحلّل لدى وكالة “موديز”. يقول: “إن تأثير إنخفاض أسعار النفط هو إيجابي في حالة لبنان. إن لبنان بلد مستورد للنفط وقطاع الطاقة فيه هو غير فعّال بشكل كبير. يتم إنتاج جزء كبير من توليد الكهرباء على مستوى الأسرة، وهو ما يعني زيادة إستهلاك الوقود. إن معدل تمرير أسعار النفط المنخفضة في لبنان هو من بين أعلى المعدلات في المنطقة”.
بالتزامن مع إنخفاض أسعار النفط، فقد برز أيضاً أن إنخفاض قيمة اليورو كان بمثابة نعمة للإقتصاد اللبناني. إن التخفيض الحاصل في العملة الأوروبية الموحدة على تكلفة الواردات قد وفّر للمستهلكين اللبنانيين دخلاً إضافياً قابلاً للتصرف، وأدى إلى تحسين كبير في قدرتهم الشرائية. وهذا يبشّر بالخير للعام الجاري، على الرغم من أن الآثار المترتبة على هذه الاتجاهات بعد 2015 هي أقل وضوحاً.
“في المدى الطويل، فإن الآثار ستكون مختلطة أكثر. إن لبنان هو الآن في فترة إنكماش، وهناك فرصة ان تدخل البلاد في دوامة إنكماش أعمق”، يقول أنغونين.

ثمة حاجة للوحدة

بينما تُقدِّم الصورة الإقتصادية الأوسع للبنان وضوحاً أكثر مما قد تكشف أرقام الناتج المحلي الإجمالي، فإن حلّ مشكلة الركود السياسي في البلاد سيكون المفتاح لمعالجة التحديات في المدى الأطول.
ستكون هناك حاجة إلى وحدة الحكومة قبل ان تتمكن البلاد من الشروع في سلسلة من الإصلاحات الإقتصادية والمالية التي تشتد الحاجة إليها. ومع ذلك، يبدو هذا الأمر في الوقت الراهن غير مُرجَّح. إن الحرب في سوريا لا تؤثر سلباً فقط في البلاد من حيث التعامل مع تدفق اللاجئين والصراع على الحدود، فإنها تلقي أيضاً ظلاً طويلاً على البيئة السياسية الداخلية في لبنان. وكما يلاحظ صندوق النقد الدولي: “من دون حلٍّ في سوريا، من المتوقع أن يبقى الأداء الإقتصادي [في لبنان] ضعيفاً”.
على هذا النحو، فإن على لبنان بشكل واضح إجتياز طريق طويل. ومع ذلك، فإنه عانى من أزمات أقسى وأسوأ بكثير في تاريخه الطويل. قلة من اللبنانيين تشكك في قدرة البلاد على العودة إلى ذلك النوع من النمو الاقتصادي المرتفع. السؤال سيكون، كم سيستغرق هذا الأمر؟
“أنا لا أشعر أننا قريبون من تحقيق الإتجاه التصاعدي الحقيقي. ان الإتجاه الصعودي الحقيقي سيكون في الوصول إلى نمو 8٪ حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي خلال مدة لا تقل عن خمس سنوات، من أجل إغلاق فجوة الناتج “، كما يقول باز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى