اليـمـن الـى أيــن؟

بعد الإعلان الذي لم ينفذ عن توقف حملة “عاصفة الحزم” الجوّية التي يقوم بها “التحالف العربي”، بقيادة المملكة العربية السعودية على الحوثيين والقوات العسكرية المتحالفة مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في اليمن وإطلاق عملية “إعادة الأمل” على الرغم من عدم توقف الغارات الجوية، يطرح السؤال الآتي: إلى أين يتجه اليمن؟ على الرغم من أن الجواب ربما نستطيع مقاربته في نهاية هذا المقال، وليس الإجابة عنه قطعاً، فإن هناك وقائع لا بد من الاشارة اليها، وأسئلة لا بد من طرحها.

الرئيس عبد ربه منصور هادي: لم يستطع توحيد البلاد
الرئيس عبد ربه منصور هادي: لم يستطع توحيد البلاد

بقلم الدكتور هشام جابر*

بدايةً لا بدّ من الإضاءة على الخريطة الجغرافية والديموغرافية لليمن “السعيد”، بالإضافة إلى الأوضاع العسكرية والميدانية، التي تزيد هذه الخريطة وضوحاً من جهة، وتعقيداً من جهة أخرى.
تُقارب مساحة اليمن ال528,000 كيلومتر مربع أي اكثر 750 مرة من مساحة مملكة البحرين؛ وتتنوع طبيعة أرضه بين صحراوية وجبلية، وغابات، وأحراج. ويحاذي اليمن المملكة العربية السعودية على حدود يبلغ طولها ألف كليومتر، ويتمدد على أكثر من 1900 كلم من الشواطئ البحرية، ويفوق عدد سكانه 27 مليون نسمة. وهناك حوالي مليوني يمني يعيشون في السعودية، بالإضافة الى ملايين من أصل يمني يسكنون حضرموت وجيزان ونجران وعسير.
ويتمتع اليمن بتاريخ عريق يعود الى آلاف السنين، ويتميَّز شعبه بطبيعة تتناسب مع تاريخه وجغرافيته؛ وهو مقاتل كفؤ، صبور، وشجاع. ويمتاز اليمنيون بالإباء وعزّة النفس رغم الفقر.
ومواطنو اليمن مسلمون حيث يشكّل الزيود “الزيديون” أقلية بنسبة 30% (كانوا 60% في العام 1962)، والآخرون ينتمون إلى المذهب الشافعي. ولم يُلاحَظ أي فرق أو تفرقة حتى أمد قريب بين هؤلاء وأولئك. فهم متزوجون في ما بينهم بنسبة كبيرة، ويصلّون في جامع واحد، ووراء إمام واحد. كذلك يمارسون طقوسهم وتقاليدهم معاً كما يحتفلون بأعيادهم سوياً. علماً أن الزيود أقرب الى المذهب “الحنفي” بالنسبة إلى الفقه وإلى الشيعة بالعقيدة (التعلق بآل بيت الرسول، شأنهم شأن المصريين).
واليمن بلدٌ فقير إلا أنه ليس معدوماً، فلديه خيرات جمّة إذا أحسن إستثمارها. وقد بلغ معدل النمو الحقيقي أكثر من 10 في المئة في 2011 و2012، وقد حكمه على مدى أكثر من ثلاثة عقود الرئيس السابق (المشير) علي عبد الله صالح الذي إستأثر بالسلطة بعد مقتل العقيد عبدالله الغشمي في أواخر سبعينات القرن الفائت في ظروف مشبوهة. وكان قبله إغتيل العقيد ابراهيم الحمدي بحقيبة متفجّرة أرسلها له رئيس اليمن الجنوبي.
بعد إقالة أو إستقالة علي عبدالله صالح على أثر الحراك الشعبي، عُيِّن نائبه عبد ربه منصور هادي رئيساً مؤقتاً بموجب ما سمي “المبادرة الخليجية” التي أجمع عليها حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب تكتل اللقاء المشترك ثم ما لبث أن إنتخب رئيساً للجمهورية قي 2012.
ولم يُحسن الرئيس الجديد، الجنوبي الأصل، إدارة الحكم او المحافظة على وحدة اليمن. فبدأ الحراك الجنوبي مطالباً بالإنفصال وتوسّعت القاعدة في جنوب وشمال اليمن مع إنضمام قوات علي عبدالله صالح المؤيدة له في الجيش إلى هذا الحراك. وإنتشرت قوات حركة “أنصار الله” المنبثقة عن “الحوثيين وأنصارها في “صعدة” التي أمست تحت سيطرتهم منذ 2009، إلى باقي المحافظات وأهمها العاصمة صنعاء في العام 2014، إلى أن وصل الأمر الى وضع الرئيس في الإقامة الجبرية من قبل الحوثيين وحلفائهم، حيث قدّم إستقالته، لكن البرلمان لم يجتمع لقبولها، لذا فقد عمد بعد هروبه الى الجنوب إلى سحب إستقالته، وذلك قبل أن يهرب إلى الرياض.
بعد هذه المقدمة الضرورية لا بد من طرح السؤال عن الخريطة العسكرية قبل الحملة العسكرية الجوية وحتى الساعة.
عشية إنطلاق “عاصفة الحزم” كان على الارض اليمنية جيش يقدّر بـ 60 الف عنصر، 95% منهم في القوات البرية مع ألف دبابة وأكثر من 1200 عربة مدرّعة يضاف اليهم أكثر من 200 الف شخص في الإحتياط. ويقدر الخبراء بأن أكثر من 6 ملايين قطعة سلاح تنتشر في اليمن.
أكثر من نصف الجيش اليمني إنحاز الى الحوثيين. خمسة ألوية من اصل سبعة، بالإضافة الى قوات الحرس الجمهوري، وما تبقى من الفرقة المدرعة الاولى، التي كانت تحت قيادة اللواء علي محسن الأحمر. منها من إتخذ قراره لأسباب عقائدية، وجغرافية، وديموغرافية، ومنها من بقي على ولائه للرئيس السابق علي عبدالله صالح. وما تبقى من القوات المسلحة إنسحب الى قبيلته وقريته ومدينته، وإنضم بعض قطاعات الجنوب (لا تتجاوز 10%) الى الحراك الجنوبي والمليشيات المؤيدة للرئيس عبد ربه منصور هادي. أما سلاح الجو، والدفاع الجوي الضعيف أصلاً (لا يتجاوز عديده 3500 عنصر)، فقد تفكك أو تم تحييده، او إخفاؤه، وتمويهه. ودمرت الغارات الجوية قسماً كبيراً منه، وهذا ما يفسّر عدم إسقاط أية طائرة من طائرات “التحالف العربي”.
وبعد أكثر من ثلاثة اسابيع من الغارات الجوية اليومية، والحديث عن “الإستعداد” أو البحث في إطلاق حملة برّية، يطرح السؤال التالي، ما هي الأهداف والأغراض وبالتالي الإستراتيجية لهذه الحرب .
حتى هذه الساعة شمل القصف الجوي مجمل مناطق اليمن وسقط حوالي 4000 ضحية اكثرهم من المدنين. فبالإضافة الى الأهداف العسكرية من قواعد، ومطارات، ومخازن، وقوافل، حيث إدّعى الناطق العسكري السعودي أنها مُستهدّفة حصراً، يؤكد المراقبون ان القصف إستهدف أيضاً البنى التحتية للدولة من خزانات الوقود والمياه والحبوب والمخيمات ومناطق سكنية …الخ.
ويتساءل المراقبون عن الأهداف الإستراتيجية والسياسية لهذه الحرب غير المسبوقة، من بلد عربي على بلد عربي آخر. فنجيب بموضوعية أنه من الواضح أنها تهدف الى تغيير التوازن العسكري لصالح الرئيس عبد ربه منصور هادي وحلفائه من القبائل والميليشيات الجنوبية وما تبقى من الجيش، وصولاُ الى إجبار الحوثيين وحلفائهم وأنصارهم على إلقاء السلاح، والإعتراف بالهزيمة وب”شرعية” عبد ربه هادي. فهل يتحقق ذلك؟ الجواب: قطعاً لا.
من المعروف في العلم العسكري أن الضربات الجوية هي عنصر مساند، وليس عنصراً حاسماً، وهي لمساعدة قوات أرضية وليس الحلول مكانها. وهي وإن إستمرت ولو لأشهر، ستؤدي الى مزيد من التدمير ومزيد من القتل ومزيد من “الحقد”. فهل الهجوم البري هو الحل؟ الجواب: لا ولا (مكررّة)، لأن الميدان في اليمن مستنقع خطير، ورمال متحركة، ومطبات بارزة. ومن لم يصدق ذلك ومن لا يقتنع، عليه العودة الى الجغرافيا والتاريخ وما ذكرناه في مقدمة المقال. وإذا كانت قوات “درع الجزيرة” قد عبرت منذ عامين الجسر الفاصل بين المملكة السعودية ومملكة البحرين، فإن بين السعودية واليمن كما ذكرنا ألف كلم مليئة بالجسور الوهمية والأخرى غير المرئية، والمطبات الخفية. وعبورها مغامرة، ومقامرة، والعودة غير مضمونة.

والسؤال هنا لماذا وصلت الأمور الى هذا الدرك؟

أولاً: تعتبر المملكة العربية السعودية، اليمن حديقتها الخلفية، كما البحرين حديقتها الأمامية، او العكس. وإن ما يحصل في أيٍّ منهما او كلاهما، لابدّ من أن ينعكس سلباً أو إيجاباً على المملكة. صحيح أن الإستقرار في البلد المجاور هو مفيد وإيجابي في المطلق، إلّا أنه من وجهة نظر الرياض يجب ان يبقى تحت المراقبة والسيطرة. كذلك فإن ارساء الديموقراطية، التي هي مطلب حق لا ينكره أحد من جهة، إلّا أنها من جهة أخرى تشبه “الفيروس” الذي ينتقل عبر الحدود من دون تأشيرة أو إذن، الأمر الذي يفتح أبواباً ونوافذ لا حاجة إلى فتحها لأن الوقت لم يحن بعد لتلَقّي رياحها التي يصعب إيقافها.
ثانياً: إن تهديد إيران لمضيق “هرمز” لا يمكن إنكاره. وقد اثبتت خلال مناوراتها البحرية المتكررة وآخرها الرسول الأعظم رقم 9 في شباط (فبراير) الماضي، أنها تستطيع إغلاق هذا المضيق ساعة تشاء، لا سيما اذا رأت أن أمنها قد يتعرض للخطر. ثم جاءت مسألة “باب المندب” وهو الممر الوحيد والمتبقي لتصدير النفط السعودي من موانئ “جدة” و”ينبع” عبر البحر الأحمر مروراً بقناة السويس الى البحر المتوسط وإلى جميع أنحاء العالم. وإذا إستطاع الحوثيون وحلفاؤهم السيطرة على هذا الممر المهم، من خلال سيطرتهم الميدانية على ميناءي الحديدة وعدن، وبينهما مدينة “تعز”، ترى الرياض بأن طهران من خلال تأثيرها على الحوثيين ستستكمل السيطرة على مداخل الخليج بأسره وتتحكم بمصالح كافة الدول المطلة على البحر الاحمر، من مصر الى جبيبوتي مروراً بالسودان والصومال، وأرتريا وغيرها. ولم ينكر الحوثيون علاقتهم بإيران. ولم تنكر طهران تأييدها لهم رغم أنه لم يُسجَّل اي وجود إيراني في اليمن. ورغم هذه الحقائق والمعطيات هل يستحق ذلك، إشعال حرب في المنطقة، يعرف الجميع كيف تبدأ ولا يعرف أحدٌ كيف تنتهي؟ الجواب لدى كل عاقل، وكل صادق، وغير منافق، “لا”. ويتفق مع هذا الرأي اكثر من دولة عربية وغربية وحتى من أيّد هذا القرار، كأميركا وبريطانيا والإتحاد الاوروبي، التي ورد صراحة في بيانات تأييدها للقرار السعودي، ان العمل العسكري ليس حلاً ولا بدّ من المفاوضات والحل السياسي. اما بالنسبة إلى الدول العربية المؤيدة كما جاء ضمناً في إجتماع القمة، فهل أن مصر والاردن وتونس تعتبر أن ايران هي العدو الأول للعرب؟ وان التصدي لنفوذها في الخليج ومناطق اخرى يستوجب حرباً؟ وماذا عن موقف كل من العراق والجزائر وعمان ولبنان وسوريا. فهل لهذه الحرب إجماع عربي؟ ….وماذا عن باكستان ومنذ متى أُعطيت هوية عربية؟
صحيح أن إيران معنية ومهتمة بما يجري في اليمن، وقد حركت قطعاً بحرية في المياه الدولية مقابل ساحل عدن، ولم تدخل المياه الإقليمية لأية دولة. وإن إيران هي “أعقل” من ان تتورط في حرب مباشرة مع السعودية أو أي طرف آخر مهما جرى. إلا ان للجمهورية الإسلامية أدوات أخرى، ووسائل عدة يمكنها اللجوء اليها. ولن يكون ذلك في مصلحة السعودية او الخليج برمته، او العرب بأي حال. أما عن الموقف الأميركي فهو غير مستغرب لمن يعرف واشنطن ومواقفها، فهي التي حرّضت “صدام حسين” لإعلان حربه العبثية على إيران على مدى تسع سنوات حيث كلفت مليون قتيل، ودمّرت أقوى دولة عربية واقوى دولة إسلامية دون منتصر أو مهزوم. والسعوديون يعرفون ذلك، وقد موّلوا قسماً كبيراً من هذه الحرب. وأميركا أعطت الضوء الأخضر او على الأقل الضوء الأصفر، لصدام حسين لإحتلال الكويت عندما أفصح عن نواياه للسفيرة الأميركية في بغداد إبريل غلاسبي، وأجابته حرفياً: “هذا شأن داخلي”. فهل أعطى وزير الخارجية الأميركي جون كيري الضوء الاخضر للرياض لإطلاق عملية “عاصفة الحزم” على اليمن؟ لا أعتقد ذلك، فالظروف قد تغيّرت.
لقد عملت أميركا عن سبق تصور وتصميم على تدمير الجيش العراقي، وتفكيك ما تبقى منه في العام 2003، وحتى اليوم، لم تتم إعادة بنائه. كما قامت مع الحلف الاطلسي بتدمير الجيش الليبي، وليبيا اليوم شاخصة أمامنا وأمامها، وقسّمت أميركا السودان وأعطت رئيسه “عمر البشير” برآءة ذمة، وإخلاء سبيل، ووقف التعقبات من المحكمة الدولية مكافأة على خدماته.
وحاولت أميركا تدمير الجيش السوري فلم تفلح. وتحاول اليوم تدمير الجيش اليمني بسلاح عربي، تقاضت عداً ونقداً ثمناً له بمئات المليارات من الدولارات. واللائحة تطول.
وبعودة الى أحداث اليمن ومصيره، فالوضع الميداني يتلخص بما يلي خلال 27 يوماً من القصف:
قصف يومي على البنى التحتية للدولة ومراكز الجيش وحركة “أنصار الله” وقوافلهما وكذلك على المخيمات ومراكز الأمراء مما اسفر حتى الآن عن سقوط آلاف الضحايا عدا آلاف الجرحى.
مراوحة الوضع العسكري من دون إحراز أي تقدم دراماتيكي للقوى التي تساندها “عاصفة الحزم” مع تسجيل تقدم للحوثيين وانصارهم في “عدن” و “الضالع” و “يحج” و “شبوه” وفي محافظة “إب” في الوسط حيث تقدم الجيش.
توسع تنظيم “القاعدة” وسيطرته على “المكلّا” عاصمة حضرموت الشرقية ثم على قاعدة عسكرية قرب “فوخ” على الحدود مع السعودية، ومتابعة الجيش (المؤيد للرئيس عبد الله صالح) والحوثيين تقدمهم في المكلّا رغم القصف الجوي.
لم تسجّل ولم تعلن أيّ ضربات جوية تستهدف مراكز تنظيم “القاعدة”…حتى طائرات التجسس من دون طيار الأميركية التي كانت تقصف هذه المراكز توقف نشاطها فجأة قبل انطلاق “العاصفة” بأكثر من اسبوعين. وعادت بغارات تعد على عدد اصابع اليد.
وعلى المسرح السياسي إنتقلت باكستان من موقع الفريق المطلوب تدخله عسكرياً الى موقع الوسيط بعدما صوت البرلمان الباكستاني بأكثرية في العاشر من نيسان (أبريل) على عدم التدخل، بل الدخول كوسيط في تسوية سياسية. كذلك كان الحال مع تركيا بعد زيارة رجب طيب أردوغان الى إيران. وأعلنت مصر أنها لن تتورط بالدخول الى الارض اليمنية، ورغم ان الرئيس عبد الفتاح السيسي مدين للمملكة العربية السعودية بدعمه مادياً وسياسياً وهو وفيٌّ بطبعه، كما تشير التقارير، الّا أنه، وهو تلميذ جمال عبد الناصر، يعلم جيداً التداعيات السلبية للتورط المصري في حرب اليمن في ستينات القرن الفائت، وسقوط حوالي 70 ألف قتيل من الضباط والجنود، والذي كان من الأسباب الرئيسية لهزيمة مصر في حرب 1967، ثم انه يدرك بأن مصر موقع مميز، كموقع الأخ الاكبر بين الاخوة العرب ولا بد من استعادته وعدم التفريط به. ويعلم الرئيس السيسي علم اليقين، ومن موقع المجرّب ، بأن القاعدة التي تقتل الضباط والجنود المصريين في سيناء وسائر مصر بواسطة فروعها واخواتها، هي المستفيد الاول مما يجري في اليمن. والقاطف الاول لثماره الدامية. وإذا رأى بعض العرب بأن قتال الحوثيين وقتلهم بإعتبارهم “كفرة” واعوان لإيران هو أولى من قتال القاعدة “الابنة الضّالة”. فإن الشعب المصري ليس من هذا الرأي.
والحقيقة الاخرى هنا وليس الاخيرة، تتعلق بالجيوسياسية وبالتوقيت، وان ما جرى وما يجري في اليمن لا يمكن فصله عما يجري في المنطقة. وما يقال عن هيمنة ايران على اربع عواصم عربية وعن حواجز المملكة السعودية من توسع النفوذ الايراني، وعن بدء الحرب علي اليمن عشية التوقيع على اتفاق لوزان، وعن خشية المملكة من انحسار نفوذها جراء المصالحة التاريخية المرتقبة بين ايران واميركا. يتفهم الكثيرون هذه المخاوف والهواجس، إلا انهم يرون بها تضخيماً ومبالغة، فليس هنالك من شهر عسل مرتقب بين طهران وواشنطن. فالملفات كثيرة، ومعقدة، والمصالح تتقاطع في مكان، وتتشابك في اكثر من مكان. فللسعودية دور لا يمكن تجاهله، او إنكاره، سواء في حجمها المالي والإقتصادي أو في موقعها السياسي والجغرافي. وهي تحوي كعبة المسلمين لذا هي قبلتهم. وكما تعيد اميركا دائماً حساباتها ومواقفها هنالك فرص تاريخية امام المملكة لتعيد تموضعها كقطب كبير وقادر في العالم العربي يستقطب المسلمين العرب كافة، سنة وشيعة، كمذاهب وفرق. وتبحث عن اسباب “السخط” الذي تحدث عنه الرئيس الاميركي وتزيله. عندئذ سترى بأن نفوذها قد اتسع، ولم ينحسر. وقد ثُبّت، ولم يُنزع.

والآن الى اين يذهب اليمن؟

هو أمر واحد، الحل السياسي، بعد وقف القتال بأسرع وقت بإشراف الامم المتحدة والجلوس على طاولة حوار في مكان محايد تطمئن له كافة الاطياف اليمنية، التي لا يمكن لأي منها الغاء الآخرين. حل يمني صرف، برعاية عربية، وإشراف أممي.
اما إستمرار الغارات الجوية، وربما تدخل بري، وحرب إستنزاف لسنوات، كما في سوريا والعراق، مع بعد التشبيه والمقارنة. وإستطراداً الى الاسوأ، كالوضع الليبي او المستنقع الصومالي، الذي لم ينجح المجتمع الدولي في تجفيف مياهه الآسنة بعد ربع قرن. لذا سمعنا امس بوقف “عاصفة الحزم”، وقف التدمير والهدم. وبدء مرحلة “الامل”.
هذا ما نراه ويراه كل صادق، وغير منافق، وهذا ما قلناه قبل وقف العاصفة. واليكم التاريخ شاهد، واليمن ليس الصومال و”صوملة” اليمن كارثة على الجميع. في اليمن هزم العثمانيون قبل هزيمتهم في اي مكان آخر. وفي اليمن خسر عبد الناصر خسارة تعادل نكبة، وفي اليمن سقطت الشيوعية قبل سقوط الستار الحديدي. وما ذلك إلا لأن ولاء الشعب اليمني للوطن يأتي قبل اي ولاء آخر. هذا هو الواقع بكل موضوعية وهكذا نرى الحقيقة بكل صدق ولو كنا مخطئين.

أما لماذا توقفت هذه “العاصفة”؟

1 – ايقن الاخوة السعوديون كما اقتنع الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي ولو متأخراً. ان لا مجال لعودته تحت وطأة القصف.
2 – توالت المبادرات لوقف الحرب. من المبادرة الخليجية الى المبادرة الروسية، الى المبادرة العمانية، الى مبادرة “بان كي مون” بعد القرار 2216 الذي جاء مبتوراً وغير مقبول.
3 – تحرك ايران البحري وتبعه تحرك حاملة الطائرات روزفلت والمدمرة نورماندي. والخشية من اي احتكاك يمكن ان يشعل فتيل الحرب، في وقت ينتظر العالم اتفاقاً تاريخياً.
السؤال الثاني، هل حققت هذه الحرب اهدافها كما قال الناطق العسكري السعودي؟
الجواب نعم ولا.
نعم. إذا اسرعت بدفع الجميع الى طاولة الحل السياسي وكان يمكن ذلك دون تدمير اكثر من نصف البنى التحتية ونصف الجيش وسقوط الآلاف. ولا. حيث كانت بأهدافها اجبار الحوثيين على الاستسلام، والرضوخ، والاعتراف بشرعية حكومة هادي.
وأخيراً وليس آخراً، ان وقف الاشتباكات في اليمن ووقف نهائي لاطلاق النار ورفع الحصار يلزمه وقت وهو امر ملّح ولا ينتظر.
واسئلة اخرى لا تزال تنتظر. منها اين ستجري المفاوضات السلمية، ومتى. وعلى اية أسس هذا ما ستجيب عليه الايام المقبلة. وليس لنا ولكل اليمنيين سوى “الامل” في “مرحلة الامل” كما قال الاخوة السعوديون عند إستبدال الإسم.

• جنرال سابق في الجيش اللبناني، دكتور في العلوم الانسانية، ورئيس مركز الشرق الاوسط للدراسات والعلاقات العامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى