البتروكيماويات السعودية تُشعر ب”البرد” من إنخفاض حرارة أسعار النفط

لم يؤدِّ هبوط أسعار المواد الهيدروكربونية إلى خلق تحديات جديدة لقطاعات مختلفة من إقتصاد المملكة العربية السعودية فقط بل وصل إلى قطاع مرتبط بالنفط والغاز والمتمثل بصناعة البتروكيماويات.

رئيس مجلس إدارة أرامكو الوزير خالد الفالح: "سيستفيد منتجو البتروكيماويات في المدى الطويل"
رئيس مجلس إدارة أرامكو الوزير خالد الفالح: “سيستفيد منتجو البتروكيماويات في المدى الطويل”

الرياض – راغب الشيباني

بعد سنوات من الفورة والتوهّج في إرتفاع أسعار النفط، فقد قضى منتجو المواد البتروكيماوية في المملكة العربية السعودية الأشهر الستة الفائتة في مراجعة حساباتهم معلنين أسفهم وعدم رضاهم عن قرار منظمة “أوبك” بالسماح لأسعار النفط الخام بالإنخفاض – الفعل الذي أدّى إلى تآكل الميزة التنافسية التي يتمتّعون بها تقليدياً كمستخدمي للقيم الغاز الطبيعي.
إن إنخفاض أسعار النفط، جنباً إلى جنب مع تباطؤ النمو في القطاع الصناعي في الصين، كان لهما تأثير سلبي في صناعة البتروكيماويات العالمية. في كانون الثاني (يناير) 2015، إنخفضت أسعار البتروكيماويات كمتوسط شهري 133 دولاراً للطن خلال كانون الأول (ديسمبر)، إلى 850 دولاراً للطن، وفقاً لمؤشر البتروكيماويات العالمي بلاتس، مقدِّماً بذلك أدنى مستوى له منذ أكثر من خمس سنوات.
ويبدو أن شركات البتروكيماويات الخليجية تحمل ندوب الإنخفاض. وفقاً ل”أبحاث سيكو” ومقرها البحرين، كان من المتوقع أن تصمد الهوامش على الأقل في الربع الرابع من العام 2014 نتيجة لتأثير متأخر حيث إنخفضت أسعار المواد الخام أكثر من أسعار المنتجات. لكن معظم العجز يُعزى إلى حد كبير إلى أسعار أضعف التي نخرت الخط الأسفل للصناعة.
على الرغم من أن ال14 شركة بتروكيمائية المدرجة في المملكة العربية السعودية شهدت زيادة طفيفة في القيمة السوقية الكلية في العام الماضي، فإن النتائج المالية تكشف عن التأثير الكامل لتراجع أسعار النفط الخام في الربع الرابع للعام 2014. وفقاً ل”الراجحي كابيتال”، إن النتائج المالية للشركة السعودية للصناعات الأساسية “سابك”المخيِّبة للآمال في الربع الرابع – إنخفضت الأرباح الصافية إلى 4.36 مليارات ريال (1.16 مليار دولار) بإنخفاض 29 في المئة في العام على أساس سنوي – كانت أقل بكثير من التقديرات المعلنة سابقاً. وعلى الرغم من أن المحللين كانوا يتوقعون أن تنخفض الأرباح بسبب تراجع أسعار المنتجات، فإن إنخفاضاً حاداً أكثر مما كان متوقعاً يشير إلى أن الشركة قد تكون أدارت عملياتها بمعدلات أقل في ظل سيناريو الطلب الضعيف. إن إرتفاعاً حاداً في نفقات التشغيل أسقط الأرباح التشغيلية إلى 7.56 مليارات ريال (هبوط بنسبة 26.3 في المئة في العام على أساس سنوي، مقارنة بتقديرات البنك البالغة 8.99 مليارات ريال).
على الرغم من أن مجموعة منتجات “سابك” تمتد عبر سلسلة القيمة للبتروكيماويات، فإن الشركة تستمد جزءاً كبيراً من عائداتها من المنتجات البتروكيماوية الأساسية والوسيطة. كما تلاحظ “الراجحي كابيتال”، بأن أسعار هذه المنتجات تلقّت ضربة شديدة في أعقاب إنخفاض حاد في أسعار النفط الخام وهذا هو الذي أدى إلى ضعف الأداء.
مع هذه النتائج التي تضرب الخط السفلي لأكبر مجموعة بتروكيماويات في الشرق الأوسط، فإنه لم يكن من المستغرب أن وكالة التصنيف “ستاندرد اند بورز” قد أقدمت في شباط (فبراير) الفائت على مراجعة تصنيف الشركة حيث خفّضت توقعاتها بالنسبة إلى “سابك” من مستقرة إلى سلبية.
الواقع أن متاعب “سابك” تدل على تحدّ أوسع للإقتصاد السعودي إذ أن البتروكيماويات تشكل سبعة في المئة على الأقل من إجمالي الصادرات. إن إنخفاض الإيرادات ليس فقط ضرب المملكة على جانب عائدات صادرات النفط الخام، لكنه ضربها أيضاً من خلال وصوله إلى أرباح البتروكيماويات.
وتأتي هذه الضربة المزدوجة تماماً فيما تخطط المملكة العربية السعودية لتقديم بداية تشغيل الإنتاج الجديد. سوف تبدأ “أرامكو” السعودية و”داو كيميكال” هذا العام الانتاج في أول مشاريعهما في مجال “الأثيلين” و”البولي أثيلين” في مصنع “صدارة” الكيميائي الضخم الذي بلغت تكاليف إنشائه 20 مليار دولار، والذي سينتج ثلاثة ملايين طن سنوياً.
وقد بدأ هذا المشروع الضخم في العام 2011 عندما كانت أسعار النفط أعلى بكثير من 100 دولار للبرميل. ولكن “صدارة”، ويا للسخرية، هو أيضاً أحد المشاريع الذي من المرجح أن يستفيد من النفط الرخيص مقارنة مع منتجي المواد المستمدة أساساً من “الإيثان” في المملكة.
إن “صدارة” هو أول مخطط بتروكيماوي في الخليج يستخدم النافتا، التي تشتق من النفط بدلاً من الغاز، كمادة وسيطة. إذن لا يجب أن تكون هناك مفاجأة من أن مؤيدي “صدارة” ملتزمون تماماً بهذا المشروع، خلافاً لبعض جماعات البتروكيماويات الخليجية الأخرى التي أقدمت على إلغاء بعض المشاريع في الأشهر الأخيرة. فقد أوقفت قطر العمل على مشروعين للبتروكيماويات يعتمدان على الغاز، بما في ذلك مشروع الكرعانة البالغة تكاليفه 6.4 ميليارات دولار الذي تم إلغاءه في كانون الثاني (يناير) الفائت وذلك بعد وضع مجمع السجيل للبتروكيماويات في البلاد على الرف بهدوء في العام السابق.
الواقع الغاشم، تلاحظ شركة الإستشارات “إستراتيجي أند”، هو أن المنتجين في الشرق الأوسط الذين كانوا يهيمنون على سوق البتروكيماويات سابقاً بإعتمادهم على الغاز الطبيعي الرخيص الوفير يتلقون الآن مخصصات أقل من المواد الأولية، فيما العديد من الدول في المنطقة يسعى إلى تطوير الصناعات التحويلية. وقد أجبر هذا الأمر على التحوّل إلى المواد الأولية الأثقل والسوائل مثل النافتا كمادة وسيطة. لذا من المرجح أن يستفيد مشروع “صدارة” من إنخفاض الأسعار – وعلى الرغم من أن إنتاجه الرئيسي لن يبدأ تشغيله قبل بضع سنوات مقبلة، فهناك متسع من الوقت لأسعار النفط الخام لكي ترتفع أكثر وتأكل الميزة السعرية المؤقتة من تكسير النافتا.
سوف تحتاج الشركات المنتجة السعودية إلى تطوير القدرات للتأكد من أنه يمكنها أن تبقى قادرة على المنافسة مع مواد خام على أساس سائل وأثقل، مثل القدرة على تشغيل محطات متكاملة، جنباً إلى جنب مع دراية قوية في مجال التسويق التجاري.
لحسن الحظ فإن الأكبر بينها، مثل “سابك”، هي شركة قوية مالياً ومُربحة بشكل عال. لقد بيَّنت “سابك”، أكبر شركة خليجية مدرجة، أرباحاً وصلت إلى 6.25 مليارات دولار في العام الفائت. وعلى الرغم من أنه كانت هناك سبع نقاط مئوية أقل من العام 2013، فهي لا تزال منصة مريحة لتحقيق النمو في المستقبل.
من ناحية أخرى، إن تحريك قائمة المنتجات أكثر إلى المواد الأولية السائلة، مع ذلك، يحمل تحدياته الخاصة. “يتنافس السعوديون مع مكسّري المنتجات القائمة على النافتا الذين يحاولون أيضاً تزويد البولي إثيلين إلى أسواق مثل الصين وأميركا اللاتينية. ثم هناك حواجز تجارية ينبغي أن تؤخذ في الإعتبار”، قال أحد خبراء البتروكيماويات.
في هذه الأثناء، سوف ترى المملكة إنطلاق مجموعة من مشاريع الإمدادات الجديدة حين يبدأ الانتاج في العامين المقبلين. أكبرهما هو المرحلة الثانية من مصفاة “بترو رابغ” المتكاملة ومصنع البتروكيماويات في المنطقة الغربية. وسوف تنتج المرحلة الثانية من رابغ خمسة ملايين طن سنوياً من البتروكيماويات عندما يبدأ التشغيل في العام 2016. وعلى الرغم من أن المشروع سيوسِّع القائمة الحالية البالغة 1.3 مليون طن سنوياً من تكسير الإيثان، فضلاً عن بناء مجمع عطريات جديد بإستخدام 30 مليون قدم مكعبة قياسية إضافية في اليوم من الإيثان، فإنه على غرار عدد من المشاريع الجديدة هو مزيج من المواد الأولية المكسرة حيث سوف يكسر أيضاً حوالي 2.7 مليوني طن سنوياً من النافتا لإنتاج 1.34 مليون طن سنوياً من الباراكسيلين و 424 ألف طن سنوياً من البنزين.
إنتهىت “بترو رابغ” من تأمين تمويل توسيع المرحلة الثانية في 18 آذار (مارس) من هذا العام، مؤمّنة تسهيلات إئتمانية بقيمة تجاوزت 5 مليارات دولار، التي قدمتها مجموعة من البنوك اليابانية.
بالمقارنة مع قطر، يبدو أن السلطات السعودية ليست لديها نية لكبح جماح خطط توسع هذه الشركات البتروكيماوية. في شباط (فبراير) الفائت، أكدت أرامكو على أنها تتطلع إلى تحويل مدينة جيزان الإقتصادية في الزاوية الجنوبية الغربية البعيدة إلى مركز بتروكيماويات، ضامنة مصادر المواد الأولية من مصفاة جيزان المقترحة. وفقاً لرئيس مجلس إدارة أرامكو الوزير خالد الفالح، سوف يستفيد منتجو البتروكيماويات والصناعات التحويلية في المدى الطويل من هذه البرامج.
مع ذلك فإن إنخفاض الأسعار سيخنق بعض طموحات المصب السعودية. إن الآمال المعلّقة على المرحلة الثانية في مصفاة شركة “أرامكو السعودية– توتال” للتكرير والبتروكيماويات (ساتورب) يبدو أنها قد تبددت، في الوقت الراهن على الأقل.
إن التحدي بالنسبة إلى منتجي البتروكيماويات السعودية يكمن في التأكد من أنهم مستعدون لتحمل جميع ظروف السعر. سيكون هناك المزيد من الضغوط لخلق المزيد من الكفاءة، ولا سيما مع متطلبات الإنفاق الرأسمالي في الشرق الأوسط التي تُعتبَر على الأقل 20 في المئة أعلى من مصانع البتروكيماويات الآسيوية. ومن المرجح أن يزيد الضغط لعمليات الدمج والتوحيد – شيء في الوقت المناسب من المرجح أن يلعب لصالح “سابك”، ويمنح قطاع البتروكيماويات السعودي المزيد من الثقل والوزن في السنوات المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى