البحث عن قشَّة في كومة إِبَر

بقلم إيلي صليبي*
أمَّا القَشَّة فهي بمثابة خشبة خلاص يبحث عنها العائمون في بحر الأوهام بعد غرق سفينة تحمل علم “الجمهوريَّة اللبنانيَّة” باحثين عن أيِّ سبيل للإنقاذ، وسط لُجَّة تتلاطم فيها عاتيات الأمواج ويتصارع فوقها عُتاة طاقمها المشتَّت بلا قبطان على قيادة إبتلعتها الحيتان.
وأمَّا الإِبَر فمغروزة من القعر إلى النواصي وقد نصبتها “مصانع الأزمات” لتجعل من المستحيل الخلاص ولو بالعوم على قشَّة مفقودة.
من هو الغطَّاس المغامر الذي يجرؤ على الغوص للبحث عن قَشَّة في كومة إِبَر في أعماق محيط هائج؟
ولنفرض أنَّه وجدها… فهل يستطيع بلوغ شاطئ الأمان بوطن عائم على قَشَّة؟
محال.
رسموا للمجنون زيحًا على بلاط غرفته وشجَّعوه على القفز من تحتها، ووعدوه ببلاط القصر… وصار المجنون بلا رأس وهو في الأساس رأس فارغ لا جدوى من إستعماله.
ووضعوا في تصرُّف مجنون آخر “معامل بلاط” وهو إلى السَّاعة يحاول تبليط البحر ليعبر عليه إلى قصر بلا بلاط.
وجمعوا المجانين حول بئر وحمَّلوهم سلالاً علَّهم يملأونها ماء، فرغ البئر وصار العطش يُوزَّع بالسلال.
هذا هو الحال في بلد تناقل العدوى مع الإخوان والجيران، وباتت الإقامة فيه جبريَّة، والسَّكن على أرضه محفوفًا بخطر الخرف السيَّاسي، والتنقُّل فيه تسكُّعًا على أبواب السِّفارات.
ماذا ينتظر لبنانُ من “الأذاريِّين” الأربعة عشرة، والثمانية؟
إنتخابَ رئيس يصل إسمه بالبريد البطيء ليوقِّع على المراسيم ويحافظ على المراسم الرسميَّة؟
جلسةَ “تشريع الضرورة” لمجلس نوَّاب يمدِّد لنفسه بحجج منها قانون إنتخاب لم ولن يبصر النور إلا بعد وفاة أحفاد أحفادهم؟
إستخراجَ النفط والغاز لضخِّه في جيوب المتنازعين عليه وهو خام يرقد في رحِم أمِّه لجَّة المتوسِّط؟
أم تراه ينتظر ولادة “إديسون” من جديد ليخترع مصباحًا يستبقي الشمس في اللَّيل كما في النَّهار، وما تمَّ صرفه من ديون على “مؤسسة كهرباء لبنان” ينير العالم كلَّه، ويبني شمسًا لا تغيب؟
لعلَّه ينتظر ثورة شعب خامل مدمن على قراءة صفحة الوفيَّات والحظِّ والطَّبخ، ومشاهدة المسلسلات التركيَّة الناطقة باللَّهجة السوريَّة غير المعروف انتماؤها أإلى النظام أم إلى الثَّائرين عليه؟
أينتظر نار فتيل الفتنة لتصل إلى الصَّاعق ويقعَ “الانفجار الكبير” ويعيد الله خلق الكون كُرمى لعيون زعماء لبنان وإستجابةً لأدعية أصحاب الجُبَب السوداء والعمائم البيضاء؟
أخال لبنان ينتظر إعادة تشغيل قطار الشَّرق السَّريع لا ليحجز تذكرة سفر إلى المجهول، وهو قابع في إحدى زوايا المجهول، بل إشتهاء لرحلة العودة إلى محطَّة تدشين الخطِّ من باريس إلى اسطنبول في العام 1883، وليتفرَّج على اوروبا وتركيا، وما بلغتاه من تطور وحداثة، ويتحسَّر على ما فاته منذ زمن القناصل وبني عثمان… إلى زمن السُّفراء والملوك والرؤساء العرب، ومن “الشاهنشاهيَّة” إلى “الجمهوريَّة الإسلاميَّة”.
واصلوا البحث عن القشَّة في كومة الإِبَر علَّكم إن وجدتموها عدتم بها من عرض البحر، فخلاصكم معلٌّق على قشَّة، وشفاء الوطن رهن بمفعول إبرة في العضل كلَّ يوم بيومه، وبقراءة كتاب “رجوع الشيخ إلى صباه”.
• إيلي صليبي: أديب، وكاتب، وإعلاميّ لبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى