العراق: تعزيز القطاع الخاص ضرورة للخروج من الأزمة

تُلقي البطالة ظلالها على حركة المجتمع في العراق، إذ تشهد قطاعات واسعة إرباكاً نتيجة التبعات الإجتماعية والمعيشية التي تفرضها البطالة عليها، فيما يدعو خبراء إقتصاد الحكومة العراقية إلى عقد شراكة حقيقية بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، للحد من تفاقم الإنكماش الاقتصادي وتشغيل أكبر عدد من المواطنين.
ولفتت أوساط إلى أن الأزمة المالية في العراق الناتجة من إنخفاض أسعار النفط عالمياً ومؤشرات موازنة العام الحالي، تشير بوضوح إلى خفض عدد الدرجات الوظيفية، ما زاد المشكلات الإقتصادية داخل البنية الإجتماعية التي تعاني في الأساس من تراجع كبير في سلّة الإنتاج. لذا إعتبرت أن ذلك يتطلب الدفع بوسائل الإنتاج نحو إقتصاد يبتعد من الريعية، ويعمل على مبدأ تنمية الصناعة والزراعة وقطاعات خدماتية متنوعة. وتتوزع البطالة في العراق بين فئة الشباب القادرين على العمل وبين الخريجين الجامعيين، ولا تعبّر تقديرات الخبراء لعدد هؤلاء الشباب عن الواقع، فيما تعاني البلاد من أزمة سكن خانقة نتيجة تزايد السكان وعجز ذوي الدخل المحدود عن بناء وحدة سكنية خاصة، بسبب إرتفاع أسعار المواد الأولية وأجور العمل.
وتشير أرقام الدرجات الوظيفية المخصصة في الموازنات السنوية، إلى عمق الأزمة في المجتمع وسوق العمل تحديداً، إذ يُلاحظ أن عدد الدرجات الوظيفية المخصصة في موازنة العام 2013 بلغ 150 ألفاً، في حين وصل إلى 23 ألفاً في موازنة هذه السنة، ما يظهر الفرق الواضح بين الموازنتين.
ويثير التراجع الكبير في تضمين الموازنات المالية الدرجات الوظيفية، قلق الشباب والشابات وتحديداً الخريجين والباحثين عن فرص عمل، خصوصاً أن الإستثمار لا يزال ضعيفاً بسبب الأوضاع الأمنية والظروف اإاستثنائية في البلد. ويستلزم المشهد الإقتصادي الإسراع في الخطوات لقيام إقتصاد متفتح على الإستثمارات ومشجع لجذبها، مع أهمية تنويع المصادر الإقتصادية ومعالجة البطالة على نحو جدي وسريع. ويُلاحظ أيضاً التراجع الكبير في نسب مساهمة القطاعات الإنتاجية الرئيسية في الناتج المحلي، وضرورة الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى المنتج.
ويشعر الباحثون عن فرص عمل في العراق بالإحباط، عندما يجدون أن قسماً مهماً من موازنة العام الحالي، هي تشغيلية بسبب تراجع موارد النفط نتيجة إنخفاض أسعاره عالمياً، ما جعلهم ينظرون إلى النفط باعتباره نقمة بدلاً من أن يصبح نعمة يتمتع بها المواطن، في حال إستُخدمت موارده عقلانياً وبعيداً من أية شبهات تتعلق بالفساد المنتشر في البلاد بعد عام 2003.
ولفت المدير المفوض لـ”المصرف الوطني الإسلامي” صادق الشمري في تصريح صحافي إلى “وضع الاقتصاد العراقي الصعب لجهة تداعياته الخطيرة على تراجع فرص العمل”. وشدد على أهمية “إيلاء صناديق الإستثمار الأولوية المطلوبة في تفعيل المشاريع في كل المناطق”. وإعتبر أن دولاً كثيرة “مرّت في الأوضاع ذاتها وتمكنت من النفاذ وبناء إقتصاد متين”.
ورأى أن البداية “كانت من المشاريع المتوسطة والصغيرة التي تساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي ومعالجة العجز في ميزان المدفوعات، فضلاً عن كونها توفر النقد الأجنبي من خلال الإعتماد على المنتج المحلي وجعل مسارات دورة رأس المال داخل البلد”.
وأكد على أن صناديق الإستثمار “تحقق تنمية مستدامة ومتواصلة، فيما تتطلب المرحلة الحالية العمل بمثل هذه المشاريع الممولة من صناديق الإستثمار”. وأشار إلى إمكان “توجيه الأموال في مشاريع إستثمارية منتجة تساعد على حل مشكلات الإقتصاد العراقي، وفي الطليعة توفير فرص عمل لشريحة واسعة من الشباب، وتفعيل الإنتاج المحلي والخدمات من خلال توظيف القروض في مشاريع لهذا الغرض”.
ولم يغفل الشمري أن العراق “يمتاز بتوافر سوق لكل المنتجات ما يُعد من أهم مقومات نجاح المشاريع فيه، فضلاً عن توافر الثروة البشرية التي يمكن تحويلها إلى يد عاملة ماهرة في كل الاختصاصات، مع إنشاء مراكز تدريب وتأهيل يشرف عليها خبراء ليتمكنوا من تدريب العاملين وتطويع التكنولوجيا المتقدمة وتوطينها”.
وشدد على “وضع خطة لمعالجة أوضاع المشاريع المتلكّئة وعددها 9 آلاف، صُرفت عليها مبالغ كبيرة لتأهيلها من دون جدوى”. وقال إن الاقتصاد العراقي “يمتاز بنمو كبير لكنه يمرّ في صعوبات معرقلة، ما يستلزم تشكيل قوة ضغط على مصادر القرار الحكومي لتفعيل قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات، وانتشالها من سباتها”. ورأى أن الأمر “يتوقف على تنفيذ المبادرة التي أعلنتها الحكومة الشهر الماضي والمتعلقة بتطوير القطاع الخاص”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى