حربٌ خليجية – أميركية حول الأجواء المفتوحة

يبدو أن شركات الخليج الثلاث “طيران الإمارات”، و”الإتحاد للطيران”، و”الخطوط الجوية القطرية” أمام مشكلة كبرى مع 3 شركات طيران أميركية رئيسية “ديلتا إيرويز” و”يونايتد إيرلاينز” و”أميركان إيرلاينز”. فقد أنتجت مجموعة ضغط (لوبي) بقيادة الناقلات الأميركية الرائدة الثلاث ملفاً من 55 صفحة يكشف، للمرة الأولى، أدلّة دامغة على الدعم الحكومي للناقلات الخليجية الثلاث، حيث وصل هذا الملف إلى الكونغرس لدراسته وإتخاذ موقف على ضوئه.

سير تيم كلارك: "طيران الإمارات" ستدحض كل الإدّعاءات
سير تيم كلارك: “طيران الإمارات” ستدحض كل الإدّعاءات

واشنطن – محمد زين الدين

لا أحد يجادل في أن صعود شركة “طيران الإمارات”، المملوكة لإمارة دبي، قد غيّر وجه الطيران المدني. فبعدما إنطلقت في العام 1985 مع طائرتين فقط، فقد تضخمت الناقلة الخليجية في الحجم لتصبح أكبر شركة طيران دولية في العالم من حيث عدد المقاعد. وقد سار نموّها السريع جنباً إلى جنب مع التنمية الإقتصادية الأوسع في الإمارة، التي تضع حكومتها قطاع الطيران كأولوية إستراتيجية.
مما لا شك فيه بأن الميزة الجغرافية تكمن في صميم نجاح “طيران الإمارات” – فدبي تقع على مفترق طرق بين الشرق والغرب، مما يجعلها نقطة توقّف مثالية للسفر للقارات – ولكن هل هذه النعمة تم إستخدامها بإنصاف من كيان تجاري، أو من الإستدانة من جيوب الحكومة العميقة؟
هذا هو السؤال الذي يواجه المشرّعين الأميركيين الذين يعكفون على قراءة ملف من 55 صفحة أنتجته “الشراكة من أجل أجواء مفتوحة وعادلة” (الشراكة) – وهي جماعة ضغط تقودها ثلاث ناقلات أميركية – حيث إكتشفت لأول مرة أدلّة دامغة على الدعم الحكومي لثلاث شركات طيران خليجية تنمو بسرعة: “طيران الإمارات” في دبي، “الإتحاد للطيران” في أبوظبي، و”الخطوط الجوية القطرية” في الدوحة. وتعتقد “الشراكة” بأن هذه الإعانات والمنافع ذات الصلة والتي تُقدَّر ب42 مليار دولار على مدى عشر سنين، تضر بالآفاق التجارية لشركات طيران القطاع الخاص في أميركا، التي لا تتمتع بميزة أن يكون أمير أو شيخ حاكم كمساهم وحيد.
من دون دعم حكوماتها، تزعم، فإن “الإتحاد للطيران” و”الخطوط الجوية القطرية” “لن تكونا مجديتين تجارياً”، في حين أن “طيران الإمارات” كانت ستنمو بوتيرة أبطأ بشكل ملحوظ.
وهي حجة مألوفة وجدت بالفعل مؤيدين في أوروبا، حيث تم تقييد شركات الطيران الخليجية بقيود ثنائية تحدّ من حصولها على كل بلدان القارة. ولا عجب بأن كارستن سبور، الرئيس التنفيذي لشركة “لوفتهانزا” الألمانية، وافق وأيّد على الفور الملف وأشاد بنظرائه في الولايات المتحدة لكونهم “أكثر فعالية” في جمع الأدلّة عن الدعم أكثر مما إستطاعت أوروبا جمعه.
ولكن في حين أن تصريحاته ستكون موضع ترحيب من قبل شركات الطيران الأميركية في “الشراكة” – “ديلتا إيرويز”، و”يونايتد إيرلاينز” و”أميركان إيرلاينز” – فإن رد فعل واشنطن هو ما يهم حقاً. إذا رأى المشرّعون الأميركيون أن المزاعم ذات مصداقية، فإنهم يمكن أن يتحركوا للمطالبة بإعادة التفاوض على معاهدات الأجواء المفتوحة التي وقّعتها أميركا مع قطر والإمارات العربية المتحدة بين عامي 1999 و2002.
هذه المعاهدات هي الأطر التنظيمية التي تسمح ل”طيران الإمارات”، و”الإتحاد للطيران”، و”الخطوط الجوية القطرية” من الوصول غير المحدود إلى المطارات الأميركية. من دونها، فإن شركات الطيران الخليجية ستواجه قيوداً على النمط الأوروبي عندما تحلّق فوق شمال المحيط الأطلسي، الأمر الذي سيحدّ بشدة من إحتمالات توسّعها في أميركا.
“سوف ندحض جميع الأشياء التي تُقال عنا،”، قال سير تيم كلارك، رئيس “طيران الإمارات”، للصحافيين في واشنطن في آذار (مارس) الفائت. ووصف المزاعم بأنها “هراء”، ووعد بنقض كل “سطر بعد سطر” في الوقت المناسب، وأضاف: “بعدما نكون قد فعلنا ذلك، أتوقع أن يكون هناك إعتذار من الناس الذين أطلقوا هذه الإدّعاءات”.
وذهب سير “تيم” إلى إتهام منافسيه في الولايات المتحدة بالسعي إلى الحمائية قائلاً: “كانت الأجواء المفتوحة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة ناجحة بشكل كبير بالنسبة إلى المستهلكين الأميركيين والتجارة والإقتصاد الكلي. لا ينبغي أن يكون هناك أي سبب للحكومة الأميركية للقيام بتجميد الإتفاق أو الدوران عليه، وذلك فقط لحماية مصالح ضيّقة قليلة وللشراكة الأوروبية؛ لا سيما عندما سيكون التقييد أو تعطيل إختيار المنافسة على الطرق الدولية على حساب مصلحة المستهلك”.
منذ أوائل تسعينات القرن الفائت، كانت إتفاقات الأجواء المفتوحة حجر الزاوية في سياسة أميركا بالنسبة إلى الطيران المدني الدولي. وقد وقّعت واشنطن 111 إتفاقية من هذا النوع مع بلدان في جميع أنحاء العالم، مزيلة القيود الثنائية التي إستخدمت تاريخياً من قبل الحكومات لحماية خطوطها الجوية المحلية من المنافسة الأجنبية. هذه السياسة، على نحو فعّال، هي “الطفل المدلّل” لرأسمالية السوق الحرة. بتكريسها الحق لشركات الطيران لتطير بقدر ما يحلو لها بين البلدين، فإن معاهدات الأجواء المفتوحة إحتضنت فكرة أن السوق المحررة بالكامل تعظّم وترفع كلاً من الكفاءة التجارية والنشاط الإستهلاكي.
وصف رئيس “طيران الإمارات” إطلاق الأجواء المفتوحة بمثابة “نقطة تحوّل في التفكير الجوّي السياسي” الذي غيّر العالم. ومع أن منافسيه في الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع الغالبية في هذه الصناعة، يتفقون إلى حد كبير معه على هذه النقطة، لكن فهمهم المشترك لا يذهب إلى أبعد.
ووفقاً ل”الشراكة” الأميركية، فإن السلطة القانونية التي يقوم عليها نظام الأجواء المفتوحة في أميركا لم يعد ينطبق على المعاهدات القطرية والإماراتية. وتستشهد بإلتزامين للمشرّعين اللذين، كما تزعم، يجري تجاهلهما: أولاً، من المفترض على المعاهدات “ضمان المنافسة العادلة ورفع مستوى ساحة المنافسة من خلال القضاء على تشوّهات السوق، مثل الإعانات الحكومية”. ثانياً، ينبغي أن تُمنح “فوائد في حجم مماثل … بين الحقوق الممنوحة والحقوق التي إستُغني عنها”.
سيكون هذان الطلبان القانونيان العصا التوجيهية التي تحدّد رد فعل وجواب واشنطن. وفي حين يتفق الجميع على أن الأجواء المفتوحة هي، من حيث المبدأ، شيء جيد، يجب على المشرّعين الأميركيين أن يقرّروا ما إذا كانت المعاهدات الحالية مع قطر والإمارات العربية المتحدة ترقى إلى روح هذه السياسة. إذا كانت شركات الطيران الخليجية لم تلعب حسب القواعد التجارية للقطاع الخاص، أو إذا مالت فوائد الأجواء المفتوحة بطريقة ما إلى صالحها، فمن المحتمل عندها أن تقف واشنطن مع “الشراكة” الأميركية.
“في العام 1999 فشل المفاوضون الأميركيون في توقّع مدى التهديد التنافسي غير العادل، أو عدم وجود توازن في الفوائد التي ستعود على كل جانب”، يشير الملف. وهو يرفض المعاهدتين ويعتبرهما بأنهما كانتا “عمليتين في وقتهما”، إذ أنهما وُضِعتا في عصر عندما كانت شركات الطيران الخليجية تتمتع بحصة متواضعة في السوق.
وقد لخّص نائب رئيس “يونايتد إيرلاينز” لشؤون الشركات والحكومة، مارك أندرسون، موقف “الشراكة” بشكل أفضل: “نحن لا ننافس شركات نقل جوي؛ نحن نتنافس ضد حكومات”.
الشكوى الأولى من السهل جداً فهمها. بالزعم الذي يقول بأنها تشوّه السوق من خلال الدعم الحكومي، فإن شركات الطيران الخليجية لديها الترف في بيع تذاكر غير مربحة من دون الحاجة إلى القلق حول تغطية تكلفة رأس المال. إذا كان هذا صحيحاً، فهو يضرّ بالسوق العالمية. إن أسعار رحلات جوية منخفضة بشكل غير معقول ستُجبر في نهاية المطاف شركات الطيران الأجنبية إلى الإنسحاب من بعض الطرق، والحد من المنافسة، الأمر الذي يؤدّي إلى تقلص الصناعة في الولايات المتحدة. في مقابل إلغاء رحلة يومية لطائرة ذات جسم عريض لناقلة أميركية، تدّعي الشراكة، يتم فقدان 800 وظيفة في أميركا. إن واشنطن لن تحب ذلك.
الشكوى الثانية: الخلل في الفوائد الثنائية هو نظري. ويتعلق بإعتماد شركات الطيران الخليجية على ربط حركة المرور (connecting traffic)، بدلاً من أصل ووجهة الرحلات (origin-and-destination traffic).
يجب على معاهدات الأجواء المفتوحة، من الناحية النظرية، فتح أسواق مربحة على طرفي السلسلة الثنائية. ولكن، من الناحية العملية، يتم إستخدام مراكز الخليج في المقام الأول كمحطات توقف لرحلات لأكثر من مدينة – على سبيل المثال، نيويورك-دبي-مومباي، وهذا يعني أن معظم ركابها يطير إلى وجهات تستطيع شركات الطيران الأميركية خدمتها بشكل مستقل. هناك حركة مرور ضعيفة نسبياً ناشئة منطلقة أو مُستَقبِلة في هذه النقاط الخليجية الثلاث، وبالتالي فإن الجاذبية التجارية من الوصول المحرّر وغير المقيّد بالنسبة إليها ليست مقنعة؛ بالتأكيد ليس بالمقارنة مع السوق الأميركية الضخمة.
في نهاية المطاف، فإن القصور القانوني وراء هذين الإدّعاءين يتوقف على إبراز دليل ملموس عن دعم حكومي. جميع رؤساء شركات طيران الخليج – سير تيم كلارك (طيران الإمارات)؛ وجيمس هوغن (الإتحاد للطيران)، وأكبر الباكر (الخطوط الجوية القطرية) – نفوا مراراً وتكراراً وبشكل صاخب تلقّي مثل هذه الفوائد. يبدو الآن أن الإدعاءين الأخيرين مشكوك فيهما للغاية، في حين أن الحكم لم يصدر بعد بالنسبة إلى طيران الإمارات.
“الإتحاد للطيران” لا تنشر بياناتها المالية، ولكن “الشراكة” الأميركية تزعم أنها إكتشفت، من مصادر الناقلة الخليجية من ولايات قضائية في بلد ثالث حيث تقدّم بياناتها، أدلّة على أن “الإتحاد” تلقت 17 مليار دولار من الدعم منذ العام 2004. وهذا الرقم يشمل 4.6 مليارات دولار من القروض الحكومية المزعومة من دون فوائد – حيث تبلغ قيمتها 6.6 مليارات دولار عند العوملة (فوترتها) مع أسعار فائدة تجارية والإذن باالسحب مستقبلاً. ووفقاً للبيان المزعوم ل”الإتحاد للطيران” في العام 2010، فإن غالبية هذه المطلوبات تم إعادة تبويبها ك”أدوات حقوق مُلكِية” بسبب عدم وجود “أي إلتزامات تعاقدية لسداد القروض في المستقبل المنظور”. ويوفّر الملف أيضاً المدفوعات من حقن رأس المال الحكومي المزعوم سنة بعد سنة التي بلغ مجموعها 6.3 مليارات دولار.
وقد وعد هوغان بإصدار طعن شامل بالملف، على الرغم من أن حجته من المتوقع أن تكون خطابية المنطق إلى حد كبير. ويبدو أنه لم ينكر صحة التقارير المالية التي تم الحصول عليها سراً. ويبدو أيضاً أنه لم يطعن في التأكيد، خلافاً لإدعاءات سابقة عن الربحية، أن “الإتحاد للطيران” وصلت خسائرها المتراكمة إلى 4 مليارات دولار على مدى العقد الماضي.
“لقد أكّدت الناقلة دائماً بشكل واضح أنها تلقّت إستثماراً في الأسهم وقروضاً من المساهمين،” يصرّ هوغان. “مساهمونا يعتقدون ويؤمنون في خطة عملنا. وقد زادوا إلتزاماتهم فيما نحن نتطور”.
البيانات المالية السرية للخطوط الجوية القطرية تجعل القراءة محرجة على حد سواء. لقد تلقّت الناقلة التي تتخذ من الدوحة مقراً، كما يزعم الملف، 16 مليار دولار من الإعانات منذ العام 2004، بما في ذلك 7.8 مليارات دولار في شكل قروض من دون فوائد (قيِّمت ب8.4 مليارات دولار بشروط تجارية) و6.8 مليارات دولار ضمانات قروض حكومية. وزعم الملف أن بعض قروضها حُوِّل إلى حقوق للمساهمين في العام 2009 لأن السداد لم يكن “مخططاً له ومن غير المحتمل أن يحدث في المستقبل المنظور”.
متحدثاً إلى “سي أن أن” (CNN) في شباط (فبراير) الفائت بعد أنباء عن كشف الملف، ولكن قبل أن تُعرَف محتوياته، أشار الباكر أن رئيس “ديلتا إيرلاينز” “ريتشارد أندرسون يحتاج إلى الذهاب للدراسة في إحدى الجامعات لمعرفة ما هو الفرق بين الأسهم والدعم “. يبدو أن الباكر في الواقع قد يكون الشخص الذي يحتاج إلى الدروس: يستخدم الملف التعريف المعترف به عالمياً عن “الإعانة أو الدعم”، على النحو المنصوص عليه في إتفاق منظمة التجارة العالمية بشأن الدعم والإجراءات التعويضية. ومع ذلك، كرّر موقفه في شهر آذار (مارس)، معلناً: “إن دولة قطر هي المالك للخطوط الجوية القطرية، ومهما كانت الأموال التي إستثمرت في الناقلة فهي مساهَمة، والتي هي شرعية تماما”.
من ناحية أخرى، إن بعض الإدعاءات الأوسع في الملف هو، بإعتراف الجميع، مفتوحٌ للتأويل. إن مبلغ ال42 مليار دولار، على سبيل المثال، يتضمّن وفورات في التكاليف التي لا يعتبرها كثير من الناس دعماً حقيقياً: رسوم مطار مخفضة، وإعفاءات ضريبية، وعدم وجود عمال نقابيين إلخ…. غالبية هذه المزاعم ضد الإمارات – المتهمة بتلقي 5 مليارات دولار فوائد غير عادلة – تندرج تحت هذه الفئة.
ومع عدم وجود دليل دامغ ضد “طيران الإمارات”، فإن “الشراكة” الأميركية بدلاً وتعويضاً عن ذلك شهّرت بالناقلة الإماراتية من خلال إنتقاد “شركة دبي”: قطاع طيران “متكامل عمودياً” يفتقر إلى الشفافية، وقد لا يتعامل مع الأطراف ذات العلاقة بذراع طويلة، وبالتالي رسمت الإعانات المالية من عائلة آل مكتوم الحاكمة بطريقة غير مباشرة وملتوية.
يُمكن أن تكون هذه الشكاوى مشروعة، لكنها ربما تنتمي إلى نقاش أوسع حول المعايير التنظيمية العالمية للطيران المدني. وكما أشارت طيران الإمارات في الماضي، إن الإتفاقات الثنائية “لم تحاول مواءمة قوانين تأسيس الشركة، وقواعد العمل أو غيرهما من التشريعات المحلية”. ولنا أن نتساءل ما إذا كانت إدعاءات محدّدة ضد “طيران الإمارات” تبرّر إعادة التفكير في معاهدة الأجواء المفتوحة بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة.
عموماً، مع ذلك، يمثّل الملف تحقيقاً دامغاً الذي يبيِّن عدم صحة الكثير من الإدعاءات السابقة ل”الإتحاد للطيران” و”الخطوط الجوية القطرية”. من جهته أعلن بيل شوستر، النائب الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا الذي يقود لجنة النقل في مجلس النواب الأميركي، دعمه ل”الشراكة” الأميركية.
إذا برز المزيد من الحلفاء في الكونغرس للنائب الجمهوري و”الشراكة”، فإن شركات الطيران الخليجية ستواجه مهمة شاقة في محاولة جذب المسافرين الأميركيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى