هل يؤدي النفط الرخيص إلى نهاية دعم الطاقة؟

لندن – هاني مكارم

يمثّل إنخفاض أسعار النفط الحالي فرصة ذهبية لدول الشرق الأوسط للتخلص من دعم الطاقة المحلية المُكلفة من دون المخاطرة بإثارة غضب شعبي. القيام بذلك يمكن أن يحقق الكثير من الفوائد الفورية: تخفيف الضغط على الموازنات، وفي المدى الطويل، زيادة موارد الطاقة المُخصّصة للتصدير.
ولكن في منطقة حيث لا يزال سخاء الحكومات إحدى “الجزرات” الملموسة لدى العديد من الأنظمة، قد يكون مجال المناورة أقل بكثير مما يعتقد الخبراء. عانت مصر والأردن إحتجاجات عامة في السنوات الأخيرة عندما بدأت حكومتاهما التراجع عن دعم الطاقة. في أوائل الشهر الفائت، إندلعت أزمة نقص الوقود مُجدَّداً في مصر. وتعاني دولة الإمارات قفزة في معدل التضخم بعدما رفعت أبوظبي أسعار الطاقة.
وهذا يعني أن الحكومات في المنطقة تحتاج إلى التعامل بحذر فيما هي تسعى إلى تقليص الإعانات التي يصل مجموعها إلى مئات المليارات من الدولارات سنوياً.
مع ذلك، قد يكون الوقت لا يزال المناسب للأنظمة للمحاولة. تراجعت أسعار النفط الخام نحو 50 في المئة منذ الصيف الفائت، وهي تحوم حالياً حول 50 دولاراً للبرميل في أميركا و60 دولاراً للبرميل في لندن. وهذا قد يسمح لكلٍّ من الدول المصدِّرة للنفط مثل السعودية والمستوردة للنفط مثل مصر، خفض أو إلغاء الدعم المُكلف من دون إستثارة الغضب الشعبي، مثل إحتجاجات الخريف الفائت التي ساعدت على إطاحة حكومة اليمن. إن إزالة بعض الدعم تكون أسهل على المستهلكين عندما تكون أسعار الطاقة عالمياً أرخص. وأنه من الأسهل إقناع الحكومات على التصرّف عندما تكون موازناتها الخاصة تحت الحصار من إنخفاض الأسعار.
“إن تصاعد العبء المالي الخارج عن السيطرة لدعم الطاقة في السنوات الأخيرة سيجعل عملية الإصلاح أمراً لا مفر منه في عدد متزايد من إقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، أفاد بسام فتوح ولورا القطيري في دراستهما التي صدرت عن معهد دراسات الطاقة في أكسفورد في شباط (فيراير) الفائت. كما أشارت وكالة التصنيف الإئتماني “موديز” إلى أن النفط الرخيص يمنح الفرصة لحكومات المنطقة لعكس خطط الدعم المُكلفة.
في الواقع، هناك بلدان عدة بدأ فعلياً رفع أو خفض الدعم. لقد إتخذت دول الخليج العربية خطوات لرفع أسعار الكهرباء (الإمارات العربية المتحدة)، ووقود الديزل (قطر والكويت)، والغاز الطبيعي (عُمان والبحرين). وإيران زادت أسعار الوقود المحلية مرة أخرى. ورفعت مصر أسعار الوقود في الصيف الماضي. ويواصل الأردن الجهود المبذولة لزيادة أسعار الوقود والكهرباء. دول شمال أفريقيا، مثل المغرب وتونس، ضاعفت أيضاً الخطوات لجعل المستهلكين يدفعون شيئا أقرب إلى أسعار السوق للحصول على الطاقة.
إن زخم الإصلاح بدأ في الإنطلاق لأن تكلفة الإعانات ضخمة جداً. البنزين في محطات التعبئة يكلّف حوالي 0،60 دولار للغالون في السعودية و0،80 دولار للغالون في الكويت؛ وتسعّر دول خليجية أخرى الغاز بحوالي 1 دولار للغالون. متوسط ​​أسعار الكهرباء في السعودية هو جزء بسيط من تكلفة الطاقة في أوروبا أو الولايات المتحدة. ويقدّر صندوق النقد الدولي أن دعم الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يكلّف أكثر من 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي في السنة، أو أكثر من 230 مليار دولار في 2011. وخفَّض تراجع السعر فاتورة الدعم قليلاً، إلى نحو 200 مليار دولار سنوياً.
متابعة إصلاح الدعم أمر ملح للدول التي تستورد الوقود وكذلك تلك التي تصدّره. قبل الرفع الحاد في أسعار الوقود في الصيف الماضي، شهدت مصر ما يقرب من ثلث موازنتها يذهب لتغذية ودعم الطاقة. وهذا يجعل الأمر صعباً للإستثمار في أشياء مثل البنية التحتية والتعليم.
بالنسبة إلى البلدان المُصدّرة للنفط، التي تضرّرت موازناتها بشدة من إنخفاض أسعار النفط الخام، فإن كبح جماح الإعانات المُكلِفة هي الطريقة الوحيدة لتجنّب عجز أكبر. وقد حثّ مسؤولو صندوق النقد الدولي في عٌمان في الشهر الفائت الحكومة هناك على تكثيف عملية إصلاح دعم الطاقة لوقف النزيف المالي. وخفّضت الكويت الإنفاق المتوقّع في الموازنة المُقبلة بنسبة 18 في المئة، إلّا أنها لا تزال تواجه عجزاً واسع النطاق. وبالنسبة إلى البلدان المصدّرة للطاقة، فإن رفع قاعدة أسعار المساومة هو طريقة أخرى للحد من هدر الإستهلاك المحلي للطاقة، الذي يهدد بإلتهام الموارد القيِّمة التي يمكن تصديرها بدلاً من ذلك.
ولكن على الرغم من أن إصلاح الدعم لا يبدو أنه يتطلب تفكيراً كثيراً، فهو في الواقع أصعب على الإنجاز بنجاح. وهذا يرجع إلى مجموعة من العوامل. إلى حد كبير، إن الطاقة الرخيصة هي واحدة من عدد قليل من الفوائد الحكومية التي تتمتع بها المجتمعات في جميع أنحاء المنطقة، والعديد ينظر إليها كحق طبيعي. ولأن الأفضل حالاً (الذين يستهلكون المزيد من الطاقة) يتمتعون عموماً بفوائد أكبر من الفقراء، فإن الكثير من أصحاب المصالح الخاصة يحاربون الإصلاح.
عندما يرى المواطنون العاديون واحدة من عدد قليل من “جزراتهم” تُنتزَع منهم بعيداً، فإن الغضب يتصاعد بسرعة. وبرزت هذه الحالة بشكل كبير في اليمن، عندما إنهارت الحكومة بسب جهودها الفاشلة لكبح جماح دعم الطاقة. وإستغنم الحوثيون الفرصة وإستفادوا من الإحتجاجات الواسعة النطاق ضد إصلاح الدعم الحكومي في الخريف الماضي، وبلغت ذروتها مع سقوط الحكومة اليمنية.
في الواقع، حتى بعد مرور أربع سنوات على إندلاع الإحتجاجات الشعبية التي أدت إلى “الربيع العربي”، فإن البلدان في المنطقة لا تزال تسعى إلى نزع فتيل المصادر المُحتملة للإضطرابات. وعلى الرغم من المخاوف بشأن تأثير النفط الرخيص على الموازنة الوطنية، فقد أمطر الملك الجديد في السعودية مليارات الدولارات على موظفي الخدمة المدنية في اللحظات الأولى من توليه العرش، على سبيل المثال. والبحرين تسعى جاهدة وتكافح مرة أخرى مع الإحتجاجات.
إن “العقود الإجتماعية المعمول بها في العديد من هذه الدول ترك لديها المزيد من توزيع الثروة والإعانات بإعتبارها الركيزة الحقيقية الوحيدة التي لا تزال تحمي الأنظمة” قال كريستوفر ديفيدسون، خبير شؤون الشرق الأوسط في جامعة دورهام البريطانية.
حتى في الأماكن التي تترسخ فيها الديموقراطية تدريجاً، فإن الضغط لأخذ مستحقات إستمرت منذ عقود بحجة الموازنات الصحية لا يلقى صدى جيداً. في تونس، حيث بدأ “الربيع العربي”، تخطط الحكومة لإسترضاء صندوق النقد الدولي من طريق زيادة الضرائب وإصلاح قطاع الطاقة الأمر الذي بدأ يثير تذمر الشارع مرة آخرى. وهذا يعطي القادة الأكثر سلطوية شيئاً للتفكير.
“أتوقع أننا سوف نسمع الكثير من الأحاديث الصاخبة حول ضرورة الإستجابة لتحذيرات صندوق النقد الدولي والإصلاح، ولكن لن نرى أي إجراء حقيقي من النخب المتردّدة حقاً”، قال ديفيدسون. “إن الأنظمة لا تملك أي مساحة كبيرة للمناورة الحقيقية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى