لماذا تراجع دور الإقتصاد في الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة؟

بقلم الدكتور عبد الله ناصر الدين*
لم يستقطب الإقتصاد الإسرائيلي كثيراً من الإهتمام في الإنتخابات التي جرت أخيراً و التي فاز بها حزب الليكود مجدّداً خلافاً لمعظم التوقعات. عاد بنيامين نتنياهو إلى السلطة من بابها الواسع، ربما بسبب إنجازاته الإستخباراتية، و توسّعه في بناء المستعمرات وعزل الفلسطينيين، والمساهمة بشكلٍ فعال في إشغال العالم العربي المجاور بحروب فتن تربك أعداءه بإستجرارهم إلى حيث لا يريدون. في ظل هذه التطورات بقي الإقتصاد الإسرائيلي بمنأى عن التجاذب الإنتخابي. ولكن ما هو وضع هذا الإقتصاد؟ وإلى أي مدى تأثر بالأحداث الأخيرة في المنطقة؟ ولماذا لم يلعب دوراً بارزاً في الإنتخابات الأخيرة؟
إن الإقتصاد الإسرائيلي هو إقتصاد إنتاجي يضع الدولة العبرية في مصاف الدول المتقدمة إقتصادياً وخصوصاً في قطاعات عديدة منها التكنولوجيا المتطورة والإتصالات، والكيماويات، وصناعة المعادن، وتجارة الألماس. و يعتمد هذا الإقتصاد على الصادرات بشكلٍ لافت بحيث تشكل ما يوازي ٢١٪ من الناتج المحلي الذي يصل إلى ٣٠٠ مليار دولار، وتورَّد بشكلٍ أساسي إلى الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. و بذلك فإن التراجع الإقتصادي في أوروبا ساهم في إضعاف الصادرات وكان من التحديات البارزة في الأعوام القليلة الماضية حتى اليوم. من ناحيةٍ اخرى، شكل إرتفاع أسعار العقارات وما رافقه من إرتفاع في كلفة المعيشة التحدي البارز الآخر. لذلك فإن الحفاظ على تنافسية سعر العملة المحلية “الشيكل” “checkel” يعتبر من أولويات المصرف المركزي الإسرائيلي، وكذلك السيطرة على التضخم ولو أن سياسات المصرف المركزي أظهرت إهتماماً وأولوية أكبر إلى سعر الصرف.
ومع تراجع أسعار النفط و إبتعاد الضغوط التضخمية عن أفق الكثير من الإقتصادات المستوردة للنفط ومنها الإقتصاد الإسرائيلي، إستطاع المصرف المركزي التدخل بسهولة ومرونة أكبر في سعر صرف “الشيكل” عبر خفض نسبة الفائدة وعمليات التيسير الكمي. و لعلّه يمكن القول أن إنخفاض أسعار النفط كان له أثر بارز في تحسن وضع الإقتصاد الإسرائيلي أخيراً والمساهمة في إعادة إنتخاب نتنياهو خصوصاً أن كلفة المعيشة إرتفعت في السنوات الأخيرة وبلغ نسبة نمو الناتج للفرد أدنى مستوياته إلى ٠.٨% في العام ٢٠١٤. فإنخفاض أسعار النفط ساعد على خفض العجز وخفض كلفة المعيشة (مع بروز نسب تضخم سلبية في الربع الأول من العام الجاري)، وخفض كلفة الإنتاج و دعم الصادرات، أي كل ما كان يتمناه نتنياهو إقتصادياً.
وعودةً إلى سعر الصرف، نجح المصرف المركزي في مجابهة حرب العملات الأخيرة التي نشبت وأدت إلى تراجع أسعار العديد من العملات في أوروبا إضافةً إلى تعنت المصرف الفيديرالي الأميركي في الحفاظ على دولار ضعيف لدعم إعادة النهوض الإقتصادي. لكن المصرف المركزي خفض أيضاً من نسبة الفائدة ثلاث عشر مرة منذ ٢٠١١ إلى مستويات متدنية جداً كان العام الجاري اخرها إلى “٠.١٪” و إظهار نيته في خفض إضافي إذا ما لزم الأمر. والحقيقة أن حجم الإحتياطات الضخمة التي يملكها المصرف المركزي الإسرائيلي و التي تبلغ أكثر من ٨٥ مليار دولار تريحه في عمليات التدخل في سعر الصرف.
و لعلّه يمكن القول أن حكومة نتنياهو إستطاعت القيام بإصلاحات قاسية غير شعبوية أدت إلى خفض سياسات الدعم وإرتفاع أسعار العقارات وتراجع القدرة الشرائية، سياسات لاقت الكثير من المعارضة والإعتصامات الرافضة بسبب زيادة الفقر والضغوطات المعيشية المتزايدة على الطبقة الوسطى. و قد تراجع الكيان الإسرائيلي إلى المرتبة ال٢٥ بين ال ٣٦ دولة في منظمة التعاون والتنمية في معيار نوعية الحياة. فشلت تلك الإصلاحات في تحقيق اهدافها لإنعاش الإنتاجية و النمو الذي بقي ضعيفاً. ولكن إستطاع نتنياهو من الكسب جراء سياساته العنصرية ضد الفلسطينيين والأمنية في المنطقة ما خسره في الإقتصاد.
و بناءً عليه، يمكن وضع تهميش الإقتصاد الإسرائيلي في الإنتخابات الأخيرة في خانتين. أولاهما، أنها في الحد الأدنى لم تلعب دوراً سلبياً على نتنياهو رغم أداء حكومته الإقتصادي الذي لا يرقى إلى طموح الناخبين. وربما ساهم إنخفاض سعر النفط في التخفيف من هذا الأثر السلبي. أما في الخانة الثانية، رغم إنه من المعروف أن المفاوضات مع الفلسطينيين والأمن يشكلان المواضيع الأهم إنتخابياً، فقد تراجع دور الإقتصاد في الإنتخابات بشكلٍ بارز، ما يشير ربما إلى أن الناخب الإسرائيلي يعطي لهذين الموضوعين أهمية أكبر مما كان يعطيها في السابق، ربما نتيجة للمخاوف من تعاظم دور الجمهورية الإسلامية في إيران في المنطقة، والتقارب الأميركي – الإيراني في الملف النووي الذي يعارضه الإسرائيليون بشدة. و في إطارٍ مماثل، ومن المواضيع الإنتخابية التي تقدمت على الإقتصاد كانت المخاوف الكبيرة المرتبطة بالتوسع الديموغرافي للفلسطينيين و الذي بدأ الناخبون اليهود يلمسون أثره فيهم ويتخوفون من المستقبل.

• خبير إقتصادي، وأستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى