هل تواجه الصين أميركا في الخليج العربي لضمان أمن طاقتها؟

فيما كانت واشنطن مهتمة بترتيب بيتها الداخلي بعد الأزمة المالية التي كانت تهدد كيان وضعها المالي برمته، كانت بكين بدورها تستغنم الفرصة لتأمين مصادر جديدة للطاقة تضمن من خلالها إمدادات النفط والغاز في المستقبل، حيث وصلت إلى منابع حلفاء الولايات المتحدة في الخليج. فهل أميركا مستعدة لتحمل عواقب ذلك؟

نائب وزير الخارجية الأميركي السابق روبرت زوليك: الصين صارت "شريكا مسؤولا" في النظام الدولي
نائب وزير الخارجية الأميركي السابق روبرت زوليك: الصين صارت “شريكا مسؤولا” في النظام الدولي

بكين – عبد السلام فريد

في الجزء الكبير من تاريخها، إتبعت الصين سياسة واضحة قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. ولكن ذلك تغير في أواخر العام الفائت، عندما دخلت بكين إلى الساحة الدولية بطريقة لم تألفها من قبل، عارضةً تقديم المال والقوة العسكرية لمحاربة إرهاب تنظيم “الدولة الإسلامية”. الواقع إن الأمر أكثر من عرض عضلات نموذجي للصين، إن هذه الإجراءات – تشبه الكثير من السياسة الخارجية للبلاد في العقد الفائت – يمكن تتبعها وإعادة أسبابها إلى وجود إتجاه متزايد: شهية عاجلة وشريهة للطاقة المستوردة، وتحديداً النفط.
وهذا يثير أحد أكبر الأسئلة التي تلوح في الأفق الذي من شأنه أن يساعد على تحديد العلاقات بين واشنطن وبكين في العقود المقبلة: فيما شكل إدمان الطاقة في الصين بدأ يشبه ذلك الذي في الولايات المتحدة، هل أن دور بكين العالمي سيتبع ذلك؟
في غضون جيل واحد، وبفضل نمو إقتصادي غير مسبوق، ذهبت الصين من أن تكون بلداً مكتفياً ذاتياً بالنفط الخام (تنتج ما تستهلك) إلى تقريباً تجاوز الولايات المتحدة كأكبر مستورد للوقود في العالم. في العام 2014، إستوردت بلاد ماوتسي تونغ في المتوسط نحو 6.2 ملايين برميل يومياً، في حين أن أميركا إستوردت ما يقرب من 7.4 ملايين برميل يومياً. وفي كانون الأول (ديسمبر) الفائت، وصلت واردات النفط الصينية 7 ملايين برميل يومياً للمرة الأولى، في حين واصل إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة إرتفاعه إلى أكثر من 9 ملايين برميل يومياً، وهو الأعلى من أي وقت مضى.
أين وكيف تحصل الصين على كل هذه الكمية من النفط أمرٌ ولّد صداعاً لقيادة البلاد، والتي تشهد العديد من المشاكل عينها التي عانى منها رؤساء أميركا منذ ريتشارد نيكسون. لقد تعلّمت بكين الدرس من الحصار النفطي الذي فرضته منظمة “أوبك” في 1973-1974 – وبالتالي حرمان الغرب من تلك الإمدادات الثابتة من النفط، وخصوصاً من الشرق الأوسط، التي تُعتبر بالغة الأهمية لتحقيق النمو الإقتصادي المطرد. تستورد الصين حالياً نحو 60 في المئة من إحتياجاتها من النفط، وقائمة المورّدين الرئيسيين تشمل بعض الدول الأكثر تقلّباً في العالم: إيران والعراق وخارج منطقة الشرق الأوسط السودان وفنزويلا. كل هذه الدول تَعطَّل إنتاج النفط فيها بسبب العنف والإرهاب وضعف الدولة أو العقوبات الدولية.
وقد أثار هذا الإعتماد المتزايد على البلدان غير المستقرة الصين ودفعها على القيام بالنشر الأول من نوعه في الخارج لقواتها المقاتلة في دور حفظ السلام — في أفريقيا، حيث منذ فترة طويلة شاركت الصين في برامج الإستثمار والبنية التحتية والزراعة. في العام 2013، أرسلت بكين 170 جندياً الى مالي للمساعدة في منع الفتنة في البلاد من الإمتداد إلى الدول المجاورة الغنية بالنفط، مثل الجزائر وليبيا. وبعد ذلك بعام، في أول خطوة أخرى، قفزت الصين إلى عربة محادثات السلام بين الفصائل المتحاربة في جنوب السودان.
ولكن تأمين إنتاج النفط ليس مصدر القلق الوحيد للصين. الشحن، بطبيعة الحال، هو أيضاً مصدر قلق رئيسي. أكثر من 80 في المئة من النفط الذي تستورده بكين يجب أن يعبر من خلال نقطة الإختناق العالمية، مضيق ملقا – قناة قرب سنغافورة تنكمش إلى أقل من ميلين من العرض وتعالج أكثر من 15 مليون برميل من شحنات النفط يومياً. وفي خطاب ألقاه في العام 2003، هيو جين تاو، الرئيس الصيني في حينه، قال عن “معضلة ملقا”: الخوف من أن “قوى كبرى معينة” – إيحاء إلى الولايات المتحدة، قد تقطع شريان الحياة للطاقة في الصين في هذا الممر الضيّق، غامزاً من قناة ما فعلته أميركا مع اليابان خلال الحرب العالمية الثانية. في المقابل، سرّع هيو في برنامج تحديث البحرية، الذي إستمر في عهد الرئيس شي جين بينغ، بإطلاق أول حاملة طائرات للصين، وإدخال أول صاروخ باليستي لها مضاد للسفن، وزيادة بناء مدمرات وفرقاطات وغواصات هجومية بمعدل 3 أضعاف. وكان بعض من هذا التقدم قيد التنفيذ والعرض منذ العام 2008، عندما نشرت الصين دوريات لمكافحة القرصنة بعيداً في الممرات البحرية قبالة سواحل الصومال وخليج عدن في أول مهمة بحرية في الخارج منذ 600 سنة. وفي خطوة تهدف إلى القضاء على نقاط ضعفها المنقولة بحراً، فقد فتحت الصين خط أنابيب الغاز والنفط عبر ميانمار في أواخر كانون الثاني (يناير) 2015.
من ناحية أخرى، شهد التورّط الصيني الجديد في البحث عن مصادر للنفط تحوّلاً نهائياً نحو الشرق الأوسط في تشرين الثاني (نوفمبر)2014، عندما عرضت بكين المال على واشنطن (نحو 10 ملايين دولار) لمساعدة المشرّدين في العراق. وبعد شهر، عرضت الدعم العسكري على العراق في شكل غارات جوية لمكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”. آتية من بلد يعتبر منذ فترة طويلة التدخلات العسكرية الأميركية مؤامرات غربية شائنة، كانت هذه العروض مذهلة ومفاجئة. لكنها كانت في خط المناقشات المفتوحة بين كبار المسؤولين، من بينهم وزير الخارجية وانغ يي، حول وجود دور صيني يزداد بروزاً في المنطقة. ومثال على ذلك، أن مبعوث بكين الجديد إلى الشرق الأوسط هو خبير في محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، وهذا يمثّل علامة على أن الصين تستعد لمشاركة كاملة في واحدة من أكثر القضايا المستعصية في الشرق الأوسط.
التغيّر في السياسة الخارجية الصينية يأتي تماماً في الوقت الذي تحاول الولايات المتحدة الإنسحاب من من الحروب المضطربة التي دامت عقداً كاملاً. ولكن الإنسحاب الأميركي الكامل من منطقة الشرق الأوسط سيكون مستحيلاً، نظراً إلى وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” ووعد طويل الأمد لحماية إمدادات الطاقة لحلفاء أميركا. وبناء على ذلك، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى معرفة كيفية العمل مع الصين الواثقة — وليس فقط في محور واشنطن إلى آسيا، ولكن في محور بكين الى الغرب.
بطريقة ما، يبدو أن واشنطن كانت تطلب ذلك. لقد دفع مسؤولون أميركيون عديدون وطالبوا منذ فترة طويلة الصين بإستخدام وزنها دولياً؛ الرئيس باراك أوباما يشكو من أن بكين كانت “منافسة حرة” من دون مسؤولية على مدى عقود، مستفيدة بشكل كبير من تدفقات التجارة والطاقة العالمية التي تحميها وتسمح بها البحرية الأميركية. في هذا المعنى، إن قوات حفظ السلام الصينية في أفريقيا ودوريات الصين لمكافحة القرصنة كانتا أمراً مرحباً به بوصفه علامة على ان بكين أصبحت، على حد قول نائب وزير الخارجية الأميركي السابق روبرت زوليك، “شريكا مسؤولا” في النظام الدولي.
ولكن هناك جانباً آخر مهماً يحتمل أن يكون خطيراً، وهو خصوصاً في الشرق الأوسط:
فيما أصبحت الصين كبيرة بما يكفي لوضع ثقلها، فقد تكون كبيرة أيضاً بما يكفي لنشر قوتها من حولها. هذا الواقع صار واضحاً بالفعل في الفناء الخلفي للصين، حيث مناطق الدفاع الجوي والزوارق الحربية تساعد بكين على دفع مطالباتها الإقليمية ضد جيرانها الأصغر. حيث يشعر الجيش الصيني بأنه أكثر راحة للعمل — في بحر الصين الجنوبي، على سبيل المثال– فقد تحدّى مراراً وبتهور طائرات وسفناً حربية أميركية. ويتخوف الخبراء من أن هذا السلوك سوف يصل إلى منطقة الشرق الأوسط. آخر شيء تريد واشنطن أن تراه هو تقلص حريتها على المناورة في المنطقة من قبل الصين النشيطة والقادرة.
طبعاً هذا لن يحدث بين عشية وضحاها. خلافاً للولايات المتحدة، لا تملك الصين تحالفات رسمية في الشرق الأوسط أو قواعد جوية وبحرية في مكان قريب– ليس بعد، على أي حال. وعلى الرغم من التطورات الحديثة، فإن البحرية الصينية لا تزال بعيدة عقوداً لمجاراة قوة نيران البحرية الأميركية وعددها وتكنولوجيتها. ولكن هذا لا يعني أن الصين سوف تتخلّى عن الملعب. فهي لا يزال لديها الكثير من النفوذ: النفوذ الإقتصادي، وإتباع نهج من دون تعليق قيود سياسية أو عسكرية للمساعدات والاستثمار، وسلك ديبلوماسي متحرّك ونشيط وإستباقي على نحو متزايد بدعم من قيادة قوية. قد لا يكون على واشنطن مواجهة مجموعة من الناقلات أو السفن الحربية الصينية في الخليج العربي حتى الآن، لكنها لا تزال تحتاج إلى التحضير للتعايش أو التصادم — أو كليهما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى