ظافر هنري عازار حوَّل السينما اللبنانية إلى كتاب!

هل يمكن أن يكتب سيناريو لفيلم ويصدر في كناب قبل تصوير الفيلم ليصل إلى الناس؟ ظافر هنري عازار فعل ذلك في كتابه الجديد “نزوات إمرأة شيطانية” ومدير تحرير “أسواق العرب” في بيروت يدلي بدلوه بعد مراجعته للكتاب.

بيروت – جوزف قرداحي

سأل الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس في جريدة “الحياة”: ماذا يمكنك أن تفعل حين تكتب سيناريواً لفيلم سينمائي تريد مهما كلّف الأمر أن يصل إلى الناس؟ الجواب البديهي هو تحويل السيناريو إلى فيلم. فهذا هو مبدئياً مآل كل سيناريو. وقد يكون الفيلم سينمائياً وقد يكون تلفزيونياً، ليست هي المشكلة. المشكلة تبدأ حين تنتفي أية إمكانية لتحويل النص من المكتوب إلى المرئي. عند ذاك يكون أمامك حل واحد: تُصدر السيناريو في كتاب فيتحول إلى عمل أدبي، في إنتظار ظروف أفضل. وهذا ما فعله الزميل الناقد اللبناني ظافر هنري عازار إذ أصدر أخيراً، في طبعة بالغة الأناقة، نصّ سيناريو عنوانه “نزوات إمرأة شيطانية” في أكثر من 300 صفحة من القطع الكبير. طبعاً لن تكون قراءة السيناريو في حاله هذه سهلة إلا للعارفين بتقنية الكتابة السينمائية، ومع هذا لا بد من تحية هذه المبادرة التي تكشف عن حب للسينما ورغبة في مواصلة الإحتكاك بها لناقد، تفيدنا صفحات الكتاب أن له عشرات الكتب والدراسات والسيناريوات ولا يزال مصراً على العطاء.
قد يبدو سؤال الناقد ابراهيم العريس غريباً حين ندرك أن عشرات كتّاب السيناريو في الغرب، يُطلقون أعمالهم ونصوصهم في كتابٍ أولاً، وذلك إستقطاباً لشركات الإنتاج التي تسعى دائماً إلى دراسة نبض الشارع من خلال نجاح وإنتشار السيناريو أو القصة كعمل أدبي أولاً، لتباشر في تحويله من الورق إلى فيلم حي ناطق ومتحرك. وهي خطة إعتمدتها سينما هوليوود منذ عقود، وقد يبدو أن فيلم “Fifty shades of grey” الذي عرف نجاحاً منقطع النظير خير دليل على برهان تلك التجربة، بعدما حولته هوليوود من كتاب أدرج على لائحة “الأكثر مبيعاً” “Best seller”، إلى فيلم تجاوزت أرقام أرباحه المبالغ الخيالية.
سيناريو “نزوات إمرأة شيطانية” قد يكون مغامرة فريدة من نوعها في عالمنا العربي، أقدم عليها سينمائي لبناني عشق الفن السابع وشاشته الذهبية حتى الإدمان، وكرّس حياته منذ أكثر من ثلاثين عاماً في الكتابة السينمائية، نقداً وتوثيقاً وتأريخاً وإعداداً، قدم في خلالها للمكتبة أكثر من عشرة كتب، عالجت موضوعات شتى في العالم السابع، منها: “عين على السينما العالمية” ثلاثة أجزاء، “نظرة على السينما اللبنانية” ثلاثة أجزاء، “أليسار ملكة قرطاج” سيناريو وحوار، وغيرها. وله أيضاً عشرات الأفلام التفلزيونية “تيلي فيلم” منها: “النمر الأفريقي”، “التنين الأخضر”، “هنيبعل”، “قادم من الظلام” (عن فكرة للمنتج والممثل العالمي شوقي متى)، “الأجنحة المتكسرة” عن رائعة جبران خليل جبران، “سالومي” (سيناريو لفيلم سينمائي روائي طويل) وغيرها.
من هنا ندرك أن السيناريست اللبناني ظافر هنري عازار، “المصر على العطاء” على ما يقول إبراهيم العريس، أخرج في كتابه “نزوات إمرأة شيطانية” فيلماً على ورق يبحث عن مغامر حقيقي مثله يؤمن بالتخصصية السينماتوغرافية، ليحوّله إلى فيلم من لحم ودم، عن قصة قد تبدو حقيقية للوهلة الأولى، إستقى أحداثها من كواليس المجتمع اللبناني المخملي، حيث تعيش “حياة” وهي إمرأة مغوية متزوجة في الثلاثين من عمرها صراعاً نفسياً نتيجة تعرضها للإغتصاب في خلال الحرب الأهلية من قبل شبان ينتمون لإحدى الميلشيات المسلحة. زواجها من المحامي كميل وهو أحد السياسيين المعروفين لم يشفِها من رغبتها في الإنتقام. فيحاول زوجها مرات عديدة عن ثنيها من الإقدام على أعمال طائشة قد تجرّها إلى السجن، غير أن نزواتها القاتلة كانت دائما أقوى من كل محاولاته. ليلجأ في نهاية المطاف إلى صديقة العائلة الطبيبة النفسية هدى التي تحاول مساعدتها في تجاوز أزماتها ونزواتها، لنكتشف في سياق تصاعدي درامي، من خلال السيناريو الذكي صراعاً من نوع آخر، هو صراع ديني مشرقي يعود إلى جذورها ذات الأصول اليونانية، فتتكشف للقارىء العقدة تلو الأخرى، في تلازم مضطرد، وفي خط مستقيم يضيء على نزاعات سياسية لعائلة المحامي التي بدأت تفقد وهجها ونفوذها السابق بسبب الإنغماس في الترف والحياة الصاخبة البعيدة من تطور العصر الذي بدأ يبشر بولادة زعامات سياسية جديدة غير تقليدية.
لوهلة أولى، قد يبدو السيناريو معقّداً لمن لا يفهم لغة السينما، وهو في الأساس لم يُكتب إلا لهواة السينما والباحثين عن المتعة البصرية من خلال الوصف الدقيق لكل لحظة وهمسة وحتى كمية الضوء الآتية من نافذة غرفة النوم المطلة على الفجر. وهو بالتالي قد يصلح ومن دون إدّعاء مادة أكاديمية لهؤلاء العاملين في الإنتاج السينمائي أو التلفزيوني ويفتقرون إلى اللغة التقنية والمشهدية في تركيبة اللقطة وأبعادها وقياساتها بالثانية والدقيقة والتسلسل الكرونولوجي. فضلاً عن حرصه على نقل دقة الحركة والحوار والتقطيع الفني “Decoupage technique”، في سياق السهل الممتنع، وبأسلوب غربي رشيق، لا مبالغة فيه أو إدّعاء، وهو المتأثر بمدارس عالمية وأدباء لهم بصماتهم في عالم الأدب والوصف والمشهدية أمثال: تولستوي، دوستويفسكي، تشيخوف، شكسبير، وغيرهم. الأمر الذي صقل ثقافته السينمائية وساعده على بلورة بصمته الخاصة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى