“أللهُ أكبر” رددها مسيحيو الصحراء قبل الإسلام!

بقلم جوزف قرداحي

مسيحيو شبه الجزيرة العربية كانوا أول من تناقل كلمة “أللهُ أكبر”، وذلك نقلاً وترجمة عن أصلها السرياني”ألوهو رابو” وهي اللغة السائدة في ذلك العصر إلى جانب العربية والأشورية والكلدانية وغيرها، فضلاً عن عبارة “بسم الله الرحمن الرحيم” في تبادلهم التحيات ما بينهم والتعريف عن بعضهم بعضاً، خصوصاً إبان النفوذ الوثني المسيطر بقوة، وتعرّض “أهل الكتاب” (مسيحيين ويهود) للتنكيل والإضطهاد. فضلاً عن ترداد عبارات التحيات اليومية مثل: “السلام عليكم” فيرد المسيحي العربي التحية بعبارة: “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته”، دلالة على تميّزه عن “الكفار” من عبدة الوثن.
إستمر إضطهاد النصارى والجماعات المؤمنة من القبائل الاخرى كالاشوريين والسريان واليهود، على أيدي عبدة الأوثان، الى ان جاء النبي محمد متنوّراً بتعاليم أهل الكتاب الذين حضنوه طفلاً، وملبياً الدعوة الإلهية، وقضى على الوثنيين وأصنامهم، محرّراً تلك القبائل المؤمنة ومتحالفاً معها بين مدّ وجزر، تقتضيه مصالح زعامات تلك القبائل السياسية، وحساباتها. (لَتَجِدَنَّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولَتَجِدَنَّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنَّا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون. “سورة المائدة:81”).
ومن العادات السيئة المتوارثة عن الطقوس الوثنية، عادة تقديم “الأضحية البشرية” للآلهة التي ما زال بعض القبائل الافريقية يتوارثها حتى يومنا هذا، إضافة الى بعض منتحلي الإسلام من المتطرفين، الذي يتحفنا على الفضائيات والإنترنت بمشاهد أضاحيه البشرية مقطوعة الرؤوس او المضرجة بدمائها كشاة محللة للذبح، وطوائف هندية، منتشرة في الهند ولو بحياء. وهي عادات تبنتها اليهودية، مع بعض التعديل، فإستبدلت الأضحية البشرية، بالماشية، كالخراف والعجول وغيرها. وقد كان تأثُّر اليهود بعادات أهل الجوار واضحاً. (1- الكنعانيون، وأضاحيهم من الأطفال للإله ملكارت. 2- الأشوريون وشريعة حمورابي، فإستوحوا من الكنعانيين رواية تضحية إبراهيم بإبنه إسحق للإله يهوه، الذي أراد إختبار محبة عبده المسكين، ومن الأشوريين إستوحوا الوصايا العشر. ولعل التأثير الأخير، من الإيجابيات المستوردة النادرة، في النهي عن القتل، والمحرّمات الأخرى كالسرقة وشهادة الزور واشتهاء مقتنى الغير الخ. علماً ان اليهود، ضربوا الرقم القياسي في معصية تلك الوصايا المقدسة.
امام هذا الخلط في حابل عادات الأضحية الوثنية في نابل طقوس الأضحية اليهودية، ومعهم بعض الفرق المسيحية، لم يجد الرسول العربي مفراً من تبنّي طقوس أهل الكتاب، وعاداتهم في تقديم الأضاحي، والإبقاء عليها، خصوصاً انه أمام تأسيس شريعة جديدة تجمع الدينين السماويين الى الاسلام بعد نزول الوحي. وقد كان هدف النبي، إنساني وإجتماعي بقدر ما هو روحاني، فجعل من طقوس تقديم الأضاحي مناسبة لعمل البر والإحسان، آمراً بإطعام اليتامى وإشراك الفقراء والمعوزين، في تميُّز ظاهر عن اليهود، الذين كانوا لا يمسّون أضاحيهم بل يتركونها للنسور والكواسر وأبناء آوى.
ومع بداية الدعوة الاسلامية، إتسمت العلاقات المسيحية بالنبي العربي بالكثير من الودّ الى حدود التحالف وإعتراف شريحة كبيرة من زعمائهم بنبوّته، وإعتناقهم الإسلام، أملاً في الخلاص من عدوهما المشترك المتمثل بالوثنيين. فإنتقل الكثير من الشعائر المسيحية الى الإسلام الذي إحتواها، متطبعاً بها. ومن تلك الشعائر :”اللهُ أكبر” و”بسم الله الرحمن الرحيم”، اللذان على ما يبدو عاد وتخلى عنهما اصحابهما المسيحيون، لإسباب إقترنت بالجهل، والتعصّب والصراعات المذهبية التي غذّتها “العقول المريضة” من كلا الجانبين مسلمين ومسيحيين، والقراءات الخاطئة للنصوص المقدّسة، والتي يتحمل القسم الاكبر منها رجال الدين المسيحيون منهم والمسلمون على حد سواء.
هذا الخطأ في قراءة النصوص، وشرحها وتفسيرها، أعطى الهامش الكبير لجماعات من فصيلة أسامة بن لادن، وقبله ابو سياف، وبعدهما الزرقاوي والبغدادي، وما بينهم من جماعات “التكفير والهجرة” في الجزائر والى آخر اللائحة الارهابية…كي يعيدوا الزمن الى الوراء، متطاولين على الرسالة الشريفة، التي بشر بها محمد داعياً الى الإيمان بها واعتناقها. (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.”سورة البقرة:189″).
هذا الخطأ في قراءة النصوص، أعطى بالتالى هؤلاء، الحجة في تقديم البشر، كائناً من كانوا، قرابين لإله إدّعوا كفراً وزوراً تمثيله، وتنفيذ أوامره. فصوّروا الله عزّ وجل، ذلك الوحش المخيف، الرابض على “ممرات الينابيع” كما في أساطير التنين، لا يهدأ له بالاً، ولا تستوي له حالاً، ما لم يفترس كل يوم ضحية بشرية من ضحايا القرية المهددة بالعطش والموت، جرّاء إحتلال التنين مقدرات المياه المصدر الوحيد لإرواء أهل القرية واراضيها. أو كأن الله عز وجل، ذلك الوحش المفترس، العائش على سفك الدماء البشرية، التي يقدمها له دواعش بن لادن والزرقاوي إنتقالاً إلى البغدادي ومن لف لفهم بحد السيف وتفجير السيارات، على هتافات “الله أكبر”، الأسمى والأعلى والأنقى والأكبر من إجرامهم.
دماءٌ كثيرة سُفكت باسم الله تعالى، منذ “هدر” فريسيو اليهود وكهنتهم دماء ابنه الوحيد على الصليب، ومن بعده دماء رسله ومبشّريه، ومن ثم دماء اوليائه الصالحين.
مذابح كثيرة إرتُكِبت في سبيل الدين، وفي سبيل الله، كلها لم تؤدِ الى غير مزيد من الإنقسامات، ومزيد من القتل، ومزيد من الشر. ولم يرتوِ الاله!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى