الأنظمة الملكيَّة: ما لها وما عليها

بقلم ميرنا زخريّا*

منذ بدء الخليقة، والإنسان يعمل على العيش داخل جماعات بأسلوبٍ مُنتظمٍ، وقد تبلورت خلال الستة آلاف سنة الماضية، نُظماً عديدةً بحيث إختارت في نهاية المطاف كل دولةٍ النظام الذي يُناسبها. وهي بمُجملها دول أعضاء في منظمة الأمم المتحدة إنما كل منها مُصنّفة بحسب نظام الحُكم الذي تتبعه. فبالإضافة إلى النظام الجُمهوري القائم في مُعظم دول العالم، هناك البابوي في الفاتيكان والإمبراطوري في اليابان؛ أما بالنسبة إلى الأنظمة المعروفة بالملكية فهي بشكلٍ عام تقع على ثلاثة ألقابٍ فاخرةٍ: الملك والأمير والشيخ، ليتربّع الشخص المُختار على رأس الدولة مدى الحياة، وبالتالي لا يبقى من مجالٍ لقيام أحزابٍ تتصارع في ما بينها لتولي زمام الحُكم. أمّا في حال قَرار التنحّي أو قَدر الممات، فهو ساعتئذ يورّث مركزه إلى الأقرب من أفراد عائلته، لهذا نجد عائلات حكمت دولاً على مرّ مئات السنين ومن دون انقطاع، علماً أن الصفات الحميدة قد لا تورّث، فكمْ من ملكٍ حكيمٍ خلفهُ إبنٌ لا يتمتع بلمزايا الأخلاقية عينها ولا حتى القيادية، ما أدى إلى نزاعات وإنقلابات. ولعل الثورة الفرنسية في عهد لويس السادس عشر مع بداية القرن التاسع عشر هي خير دليلٍ على قدرة الشعوب في تقديم التضحيات بهدف إحداث التغييرات، ما يؤكد أن الأنظمة السياسية قابلة للتطوّر تماماً كما هي أيضاً قابلة للإنحطاط.
يوجد عدد من الدول العربية التي تتبع النظام الملكي، وهي: الأردن، الإمارات، البحرين، السعودية، عُمان، قطر، الكويت، المغرب. وحسبما هو مُتداول فإن الدولة الكويتية هي الأقرب “للملكية المُقيدة” بكافة معاييرها، فيما المملكة العربية السعودية هي الأقرب “للملكية المُطلقة”. ومهما يكن من تأييدٍ لهذا النظام أو ذاك، فهذان هما نوعان مُختلفان رغم أنهما ملكيان:
* الأنظمة الملكية المُطلقة: حيثُ يتمتّع الملك بسُلطةٍ تُعتبر مُطلقة، أي أنه لايوجد رادع قانوني كالدستور لكي يستطيع بموجبه المسؤولون الآخرون مُساءلته وردعه، بُغية الحدّ من نُفوذه أمام قرارٍ مُشتبه، في حال حصل تضارب في وُجهات النظر؛ ذلك أن السيادة هي بيد فردٍ واحدٍ يستمد نفوذهُ من الله ومن الديّن، وليست بيد مجالسٍ مؤتمنة من الشعب لتسيير شؤون الدولة. وقد ذهب البعض إلى حدّ الإجتهاد في التفسير والمدافعة مُعتبراً أنه لا يوجد في الدول العربية أنظمة ملكية مُطلقة الصلاحيات، مُبرراً رأيه بأنها كلها تحتكم إلى الشريعة الإسلامية وليس إلى الأهواء الشخصية، وعليه، فإن الشعب يكون عندئذ ممثلاً في أهل الحل والعقد، لذا فالشعب هو بشكل غير مباشر صاحب السيادة الفعلية في إدارة كافة الملفات.
* الأنظمة الملكية الدُستورية: حيثُ يوجد فصل ما بين مهام الملك ومهام الحكومة، أي أنه بإستطاعة الشعوب أن تُحاسب السُلطات التي تكون هي أصلاً قد إنتخبتها، على الرغم من أن الملك في هذه الدول ما زال يحظى بنفوذٍ كافٍ، إلا أن حكوماتها مبنية على أساس السيادة الشعبية لأن الدستور يحدّ من نفوذ الملك من خلال العملية السياسية بشقيها التشريعي والتنفيذي. ولعل أوضح وصفٍ لها هو أنها ملكية مُقيدة ذلك أنه رغم إعتبار الملك رئيساً للدولة، إلا أن رئيس الوزراء أو مجلس النواب يستمد نفوذه بشكل مباشر أو غير مباشر من الشعب، كما هو الحال في بريطانيا وإسبانيا وهولندا. لذا هناك فصل ما بين عمل الملك بصفته ملكاً دائماً للدولة، وبين عمل الحكومة بصفتها مُختارة مرحلياً من الشعب من خلال إنتخابات دوريّة.
نعم، يبدو أنه يوجد إيجابيات قليلة للحُكم الملكي المُطلق، ذلك أن الإستئثار بالسُلطة أرخى بثقلهِ على عددٍ من المزايا:
1. إشكالية الفراغ غير واردة بسبب: سُهولة إنتقال الحُكم من الملك الحالي إلى وَلي العهد التالي؛
2. شخصية الملك المُحترم هي ثروة وطنية بسبب: العلاقات التي قد يبنيها على مرّ سنوات حُكمه؛
3. الإستقرار من خلال إستمرارية النهج ذاته بسبب: طابع الثبات الذي يُهيمن على الخطوط السياسية العريضة، أكانت داخلية كتلكَ الإنمائية أمْ خارجية كتلكَ الإقتصادية؛ ما يُعفيها من التعرّض للخضّات وللمناكفات على نحو ما يحدث في بعض الدول التي تتبع النظام الجمهوري، لا سيّما إذا كان يُسيطر النوع الديكتاتوري على حساب الديمُوقراطي.
ونعم، يبدو أنه توجد سلبيات كثيرة للحُكم الملكي المُطلق، أو ما يُسمى أحياناً بالجبري أو الشمولي أو الوراثي. أهمها:
1. إمكانية وُصول الأقرب على حساب الأكفأ لهذا المركز؛
2. إقصاء باقي المُواطنين من حقّ المساواة في المشاركة؛
3. إحتكار السُلطة بيد عائلةٍ واحدةٍ قد يولّد آفة الإستبداد؛
4. أثر الغِنى الفاحش والبذخ الفاجر في قناعة المواطن؛
5. إمتيازات ومصاريف ستُرهق مبدأي العدالة والموازنة؛
6. إستحالة المباشرة بآليةٍ لمُحاسبة الملك في حال أخطأ؛
7. إستهتار الملك بواجباته لا سيّما وأنه مُطمئن حيال بقائه.
أخيراً وليس آخراً، و.. على عكس ما يُشاع، و.. كلمة حقٍ تُقال: ليست كل الدول التي يحكمها نظام ملكي هي بطابعها ديكتاتورية، وليست كل الدول التي يحكمها نظام إنتخابي هي بحقيقتها ديمُوقراطية. فللأنظمةِ الجُمهوريةِ أيضاً ألف عيبٍ وعيب، وسوف نبحث الشهر المقبل في عيوب الإنتخابات والجُمهوريّات.
• باحثة في علم الإجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى