ممنوع على القبطان دخول الحمّام

بقلم إيلي صليبي*

يُروى أنَّ أحد مشايخ العرب لم يسافر مرَّة بالطائر الميمون، ويأمن البحر على بساط معلَّق بين الأرض والسماء.
جاؤوه بإحصاءات ومقارنات محاولين إقناعه بسلامة الطيران قياسًا إلى سجلَّات الحوادث وأعداد الضحايا، لكنَّه ظلَّ على يقينه من أن الموت، ورجلاه فوق التراب أو تحت الماء، أكثر بُعداً منه في خواء الفضاء.
سُئل: ألا تؤمن بالقدر؟ وهل هناك مفرٌّ منه ولو كنت في فراش نومك؟
أجاب: بلى.
قيل له: إذًا…
اغتاظ، وهتف: ويحكم، ربما كنتُ في الطائرة وسقطت بفعل قدر “الكابتن”.
تحضرني الطرفة هذه، عند كلِّ كارثة جويَّة مأساويَّة، آخرها حادثة تحطُّم طائرة “لوفتهانزا” هبوطًاً عشوائيًّا مفتعلًا في أحد منحدرات جبال “الألب”.
قدر من كان وراء مقتل مئةٍ وخمسين شخصا؟
قدر ركاب سلَّموا أرواحهم لمريض نفسيٍّ مكتئب؟
أم قدر “كابتن” أحرجه إحتقانه، فغادر قمرة القيادة إلى “الحمّام”؟
أم قدر معاونه المريض عقليًّا، وكان خطَّط لــ”فاجعة لا ينساها العالم” كما أسرَّ لصديقته، يومًا، بإعترافها؟
بين الركّاب أطفال وفتية.
وعروس وعروسها.
وزوج وزوجه.
وطاقم مضيفات ومضيفين مشغول بتوزيع الكؤوس وبيع المشروبات، ومنهمك في تلبية طلبات.
وأناس إلتقوا للمرَّة الأولى فوق الغيوم… وللمرة الأخيرة في أكياس جمع بقاياهم.
ومدخِّنون كانوا يتحرَّقون على “سيجارة” كُتب على غلاف حافظتها: “التدخين قاتل، ويقصِّر سنَّ حياتك”. وكتب عليهم الموت بلا لفافة تبغ.
ورجال أعمال يحلمون بصفقات.
وعجائز يعودون من إجازات، بعد تعب عمر، وإقتصاد نفقات، لتمضية أيامهم الأخيرة في رحلة إنتهت بلحظات.
حجز بإصرار على الجلوس في مقاعد مجاورة لنوافذ الطائرة ليتسنّى لطالبيها التمتع برؤية منسابة فوق سهول أوروبا وهضابها، والإرتعاب بالإصطدام.
وثمة نيام لم يستفيقوا إلّا على صراخ الهلع فعادوا إلى غفوة أبديَّة.
قدرٌ… ولكن،
من حقِّ كل مسافر، بعد اليوم، أن يطلب كشوفات طبيَّة لقباطنة الجوِّ ومعاونيهم، والطاقم كلِّه، قبل صعود درج طائرة، لأنَّ الشيخ العربي كان على حقٍّ في مسألتين:
الأولى: أن بساط الريح يتهادى وليس فوقه وتحته إلّا الفراغ.
الثانية: الإستسلام لقدر الآخرين، يبدأ “بنكتة” وينتهي بمأساة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى