الإستثمار الأجنبي المباشر والنمو الشامل للدول

مع إرتفاع النمو الاقتصادي والعولمة، يُتوقع أن يكون العام الحالي إستثنائياً للإستثمار الأجنبي المباشر في كثير من الدول. وتظهر الزيادة في توافر رأس المال، حاجة الدول إلى الذهاب أبعد من الأرقام المالية وفهم العوامل التي تؤثر في إستقطاب الإستثمار الأجنبي المباشر. ودعماً لهذه الجهود، أشار تقرير أصدرته مؤسسة “ديلويت” بالإشتراك مع “مبادرة التقدّم الإجتماعي”، إلى أن السياسات الصائبة يمكن أن تؤمن العوامل الإيجابية اللازمة للتقدم الاجتماعي في بلد ما، حيث يساهم هذا الأخير بإستقطاب الإستثمار الأجنبي المباشر والذي بدوره يمكن أن يساعد في تحقيق مزيد من التقدم.
وقارن التقرير الذي حمل عنوان “الإستثمار الأجنبي المباشر والنمو الشامل للدول: الإنعكاسات على التقدم الإجتماعي”، البيانات المتعلقة بمؤشر التقدم الاجتماعي، وهو مقياس شامل يتخطى الناتج المحلي الإجمالي في 132 بلداً ليشمل النمو والأداء والاستثمار الأجنبي المباشر. وقال الشريك المسؤول عن قسم الخدمات الإستراتيجية في “ديلويت الشرق الأوسط” رشيد بشير: “في حين أن المنافع الاقتصادية لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر باتت واضحة، إلا أن معالم مساهمة هذا الاستثمار في التقدم الاجتماعي تبقى أقل وضوحاً. وهذا التقرير يظهر كيف يمكن لمؤشر التقدم الاجتماعي أن يكون مثابة دليل للشركات للقيام باستثمارات إستراتيجية وجذابة، ويظهر للحكومات أن السياسات التي تركّز على دفع عجلة التقدم الاجتماعي يمكن أن تجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وأشار التقرير إلى أن “الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن أن يشجع التقدم الاجتماعي لبلد ما على المدى البعيد من خلال دعم قطاعات محددة، لاسيما قطاعي الرعاية الصحية والتعليم، ومن خلال زيادة فرص العمل ورفع مستوى الدخل الفردي”. ويمكن للعوامل المساهمة في التقدم الاجتماعي، مثل البنية التحتية والتعليم والأمن الشخصي والسياسي، أن تساعد على جذب الاستثمارات الخارجية. ومن بين الأمور التي توازي الاستثمار الأجنبي المباشر من حيث الأهمية، عوامل التنوع والاندماج وقبول الآخر التي تؤثر في نمط الحياة وتساعد في جذب القوى العاملة والاستثمارات الدولية المطلوبة للقطاعات ذات المهارات العالية، مثل قطاع التمويل.
وأضاف: “من حيث التقدم الاجتماعي، ليست كل الاستثمارات الأجنبية المباشرة متساوية والنتائج الإيجابية تبقى غير مضمونة. فعلى سبيل المثال، وبغض النظر عن التقدم الاجتماعي، قد تحدّ الاضطرابات السياسية الاستثمار الأجنبي المباشر، كما الحال في كل من مصر والعراق، كما يجب على الحكومات أن تضع سياسات متكاملة لدفع عجلة التقدم الاجتماعي من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر”.
ويستقطب بعض الدول، مثل البرازيل وروسيا والهند والصين وكازاخستان، مستويات عالية من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دون تحقيق تقدم اجتماعي مرتفع. ويمكن أن يحدث ذلك في كثير من الحالات، لاسيما عندما يتجاوز النمو الاقتصادي السريع وتيرة التقدم الاجتماعي، أو عندما يكون الاستثمار الأجنبي المباشر موجهاً في شكل غير متناسب نحو بعض القطاعات مثل الموارد الطبيعية، أو عندما تمنع البيئة السياسية الاستثمار أو تقع الدول في براثن الفقر.
وخلص التقرير إلى أن “دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط، لاسيما السعودية والكويت، تستقطب كثيراً من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الضخمة نسبياً، كما تشكل الصراعات وعدم الاستقرار في كل من العراق ومصر حاجزاً أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة بغض النظر عن مستوى التقدم الاجتماعي، وتجذب الدول التي تفرض ضرائب منخفضة، الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعيداً من التقدم الاجتماعي، كما الحال في لبنان”.
وأضاف: “يمكن للتقدم الاجتماعي أن يفسّر بعض الاتجاهات في الاستثمار الأجنبي المباشر ويمكن للأخير أن يفسّر بدوره بعض التحسينات في مستوى التقدم الاجتماعي”. ويكشف كيف تتطور عناصر التقدم الاجتماعي المختلفة عبر مراحل التنمية الاقتصادية، وكيف يساهم التقدم الاجتماعي في تسلق الدول سلّم التنمية. وفي حين أن معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة متدفق حالياً نحو الاقتصادات الناشئة، فإن فهم العوامل التي يمكنها أن تدفع عجلة التنمية سيساعد الدول في الاستفادة من هذه العلاقة ذات الفوارق الدقيقة في شكل أفضل.
وقال المدير التنفيذي لـ”مبادرة التقدم الاجتماعي” مايكل غرين: “يظهر هذا التقرير أن العلاقة بين الشركات والمجتمع يمكن أن تكون تكافلية وغير متضاربة، وفي الظروف المناسبة يحقق الاستثمار الأجنبي المباشر منافع حقيقية لحياة الأشخاص العاديين في شكل يتخطى أثره الاقتصادي، إلا أنه يظهر أيضاً بوضوح أن الشركات تحقق أقصى قدر من الازدهار في المجتمعات السليمة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى