مدن الخليج العالمية في حالة قلق

أبو ظبي – سليم سلّوم

هل تكبح فترة طويلة من إنخفاض أسعار النفط طموحات ثلاثة مراكز تجارية تنافسية في الخليج؟
على مدى العقد الفائت، إستثمرت مدن أبو ظبي ودبي والدوحة بشكل كبير في جهود ترمي إلى تحويلها إلى مراكز إقليمية في عالم معولَم. لقد دمجت مشاريع ضخمة وعملاقة في قطاعات تتراوح من الطيران والبتروكيماويات إلى التمويل والعقارات هذه المدن الخليجية بالشبكات العالمية المعاصرة. ومع ذلك، فإن الصراعات التنافسية تثير مخاوف بشأن التمدّد ووفرة المعروض، إضافة إلى أن السقوط الأخير في أسعار النفط العالمية أيضاً يلقي ظلالاً من الشك على المشاريع المستقبلية المُخطَّط لها. إن “الرؤى” بالنسبة إلى التنمية على المدى الطويل يمكن أن تُحجَّم، والمشاريع قصيرة الأجل قد تُعلَّق أو تُلغى إذا ظلت أسعار النفط منخفضة لفترة طويلة.
بدأ التنويع الإقتصادي والإستثمار على نطاق واسع في مجال الخدمات اللوجستية والبنية التحتية في دبي في ثمانينات القرن الفائت، قبل عقدين من أبو ظبي والدوحة. ومع ذلك، فإن إختلافات كبيرة في النماذج الإقتصادية عزّزت التطورات اللاحقة في المدن الثلاث. وبصرف النظر عن كونها سبقت المدينتين المنافستين لها، فقد كانت دبي رائدة في إنشاء مناطق إقتصادية خاصة حرة وتحرير الأنظمة العقارية المحلية في محاولة لجذب مستويات عالية من الإستثمار الأجنبي المباشر. أما أبوظبي فقد إعتمدت في البداية على الإستثمارات الخارجية وإستخدام ميزتها النسبية في مجال الطاقة الرخيصة لإقامة صناعات ثقيلة موجَّهة للتصدير فيما أسعار النفط كانت تعرف إرتفاعاً في العقد الفائت. وكان التوسع في الدوحة جزءاً لا يتجزّأ من عملية طموحة من أعلى إلى أسفل من وصم وتشكيل وتدويل قطر بمبادرة من أمير البلاد في أواخر تسعينات القرن الفائت فيما بدأت عائدات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال تتحقق وتملأ خزينة الدولة.
كانت المنافسة الشرسة للتفوق على بعضها، وإكتساب صفة “الأكبر والأفضل” هي السمات البارزة للتنمية في المدن الثلاث منذ العام 2000. وقد حدث هذا، في جزء منه، فيما تبنّت أبوظبي والدوحة عناصر من “نموذج دبي” مثل المراكز المحورية لقطاع معيَّن ومشاريع عملاقة رفيعة المستوى. وقد تنافست المدن الثلاث بشدة لرعاية وإستضافة أحداث رياضية عالمية وغيرها من المناسبات كإختيار الدوحة لإستضافة دورة كأس العالم لكرة القدم 2022، وفوز دبي بإقامة “إكسبو 2020″، ونجاح أبو ظبي بإستضافة سباق السيارات السنوي الدولي “غران بري”…
وكانت المنافسة الأكثر وضوحاً في الطيران العالمي حيث “طيران الإمارات” و”الإتحاد للطيران” و”الخطوط الجوية القطرية” أعادت تشكيل الصناعة بشكل جذري. وقد مكّن الدعم الثقيل من شركات الطيران المملوكة للحكومة دبي وأبو ظبي والدوحة من الظهور كمراكز “فائقة التوصيل” قادرة على وصل أي مكانين في العالم مع توقف (ترانزيت) في منطقة الخليج. في حين تطوّرت دبي إلى وجهة سياحية جماعية في حد ذاتها، فإن النمو في قدرة مطاري أبوظبي والدوحة قام في المقام الأول على حركة المسافرين العابرين “ترانزيت” عبر هذين المحورين.
مع ذلك، فإن قطاعات العقارات والمال توضّح التحديات التي تنشأ عن تركيز محاور متعدّدة في منطقة محدودة “المستجمعات” السكانية.
فقد ناضلت وتذبذبت نسب الإِشغال في العديد من المجمّعات السكنية الفاخرة والأبراج المكتبية التي بُنيت على مدى العقد الماضي لترتفع إلى فوق الخمسين في المئة في كثير من الحالات. وقد خلقت المنافسة الشرسة في القطاع المالي فعلياً مؤشرات إلى تشبّع السوق. وكانت دبي وقطر مهّدت الطريق في العقد الفائت مع إطلاق أشكال مختلفة من المراكز المالية التي توفّر البنية التحتية القانونية والتجارية والأطر التنظيمية المستقلة المتميّزة عن البيروقراطية الوطنية.
من ناحية أخرى، إن إمكانية تطور مخطط سوق أبوظبي العالمي، المُقرّر إفتتاحه خلال هذا العام، ليصبح منافساً مباشراً لمركز دبي المالي العالمي، رفع الإحتمال في أن يستضيف بلد واحد – الإمارات العربية المتحدة – مناطق مالية حرة متنافسة. وفي الوقت عينه، دفع إمتصاص أقل من المتوقع مركز قطر المالي في الدوحة إلى إعادة النظر في إستراتيجيته في العام 2014 بعيداً من التركيز على إعادة التأمين، والتأمين المقيّد، وإدارة الأصول، والتحرك نحو توفير حوافز ضريبية للشركات المحلية.
إن غرق أسعار النفط العالمية إلى النصف من ذروتها في حزيران (يونيو) 2014 حيث بلغت 115 دولاراً إلى 57 دولاراً في نهاية العام الفائت، سيكون تحت مجهر المراقبة عن كثب من قبل المسؤولين والمخططين في جميع المدن الثلاث. علماً أن غرقاً مماثلاً في أسعار النفط في العام 2008 إنتعش بسرعة ولم تكن له عواقب دائمة على عائدات النفط الحكومية المقبلة. وعلى الرغم من أن الكثير سيعتمد على مدى المدة التي ستظل فيها الأسعار منخفضة، فإن أي تراجع لفترة طويلة سيعرّض للخطر برامج إستثمارية بمليارات الدولارات المخطط لها على مدى العقد المقبل. دبي والدوحة، على وجه الخصوص، ملتزمتان بشدة لإقامة “إكسبو 2020” ودورة كأس العالم 2022 على التوالي. وقد يحدث مزيد من الترشيد في الأعمال التحضيرية لكل مدينة إذا تم خفض الإنفاق على المشاريع الرأسمالية قبل الإنفاق الجاري.
الواقع أن هناك علامات فعلية على خفض في موازنات مشاريع ضخمة في قطاعات “ليّنة” مثل التعليم والفنون، والسؤال الذي يقلق الجميع الآن: هل سيتمدد هذا الخفض إلى مشاريع مهمة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى