مطلوب إجراءات عاجلة لمساعدة المسيحيين العرب

لندن – باسم رحال

سُلِّطت الأضواء مرة أخرى على مصير المسيحيين في الشرق الأوسط إثر عملية الخطف الأخيرة لمئات من المسيحيين الآشوريين من قبل تنظيم “داعش” في سوريا. وجاء ذلك بعد أشهر على إجبار الكلدان والآشوريين على الفرار من الموصل، الأمر الذي يبيِّن بوضوح هشاشة الوجود المسيحي في المنطقة أكثر من أي وقت مضى.
إن مصير المسيحيين لا يُلعَب به فقط في العراق وسوريا، ولكن أيضاً في لبنان ومصر.
في لبنان، حيث يتواصل وجود الطوائف المسيحية، فإن رئيس الجمهورية حسب التقليد يأتي من الطائفة المارونية الكاثوليكية. ويحتفظ الموارنة بالسلطة السياسية، ولكنهم لا يشكّلون اليوم، مع الجماعات المسيحية الأخرى، أكثر من 35% من السكان.
هذا الرقم هو تقديري لأن لبنان لم يجرِ إحصاء سكانياً منذ العام 1932، وتحديداً لتجنّب التشديد على إنخفاض أعداد المسيحيين. عندما تم تأسيس لبنان الكبير من قبل الفرنسيين في 1920، كان المسيحيون يشكّلون غالبية طفيفة، ولكن بإضافة مناطق ذات غالبية مسلمة ضمن ذلك بأن العقود اللاحقة ستجعل التركيبة السكانية تتحوّل لصالح المسلمين.
في مصر، لدى الأقباط علاقة غامضة مع الدولة المصرية. في حين أن البابا القبطي، تاوضروس الثاني، كان من أنصار الرئيس عبد الفتاح السيسي، فإن التمييز ضد الأقباط ينتشر على نطاق واسع في إدارات الدولة. كان هناك الكثير من التوتّر بين المجتمع القبطي ونظام حسني مبارك، مع إتهام الأقباط الأجهزة الأمنية بتنظيم هجمات ضدّهم.
ويعود سبب دعم البابا تاوضروس للسيسي إلى أنه أزاحَ الحكومة التي كان يهيمن عليها “الإخوان المسلمون” والتي لم تكن تحظى بتأييد الأقباط. ومع ذلك، يعكس رد فعل البابا مشكلة أوسع نطاقاً من سلوك الأقليات في المنطقة: لحماية أنفسهم يتحالف المسيحيون العرب في كثير من الأحيان مع أنظمة إستبدادية. ونتيجة لذلك، عندما يتم الطعن شعبياً بهذه الأنظمة والإنقلاب عليها، تصبح سلامة المسيحيين موضع شك.
وهذا ينطبق بصفة خاصة على المسيحيين في سوريا والعراق. إنه خطأ فادح للمسيحيين العرب في أن يتصوّروا بأن خلاصهم يرتبط مع بقاء الطغاة. ولكن طالما بقي الخصوم الرئيسيون لأنظمة مفترضة علمانية من المتطرفين، فسوف يسود ويستمر هذا الإتجاه المتهوّر.
إن الطوائف المسيحية في الشرق الاوسط يتضاءل عدد رعاياها وسط شعور بأن فرصها في المنطقة باتت معدومة. الغالبية العظمى من المجتمعات العربية ليست لديها عقود إجتماعية تأخذ في الإعتبار مخاوف الأقليات. إن التعددية الطائفية هي شيء قيِّم سمحت به الأنظمة العربية ولكن نادراً ما روّجت له.
ومن المفارقات أن السبب في ذلك يعود إلى التقاليد القومية العربية لمعظم الأنظمة في البلدان التي يوجد فيها مسيحيون حيث تعتبر بأن الهوية الطائفية ضارة بالوحدة العربية.
والمشكلة تكمن في أن هذه الرغبة التي لا تحدّدها طائفة واحدة كانت لها نتيجة ضارة على الأنظمة القومية العربية التي تصبح صمّاء عندما يأتي الحديث عن مخاوف الأقليات. والأسوأ من ذلك، في بلدان مثل سوريا والعراق، حيث أنظمة أقلية سيطرت على السلطة، بذل القادة فيهما جهداً مضاعفاً، للفت الإنتباه بعيداً من هذه الحقيقة، بالمزايدة وتأكيد مواقفهم القومية العربية.
إن الأنظمة القومية العربية، التي لا تزال على قيد الحياة، قد فقدت معظم شرعيتها في مواجهة إنتعاش الإسلام. وهذا جعل مصير المسيحيين أكثر قتامة. القومية العربية لم تجلب لهم شيئاً، في حين قدّم التشدد المتطرف حتى أقل من ذلك. هذه الديناميات هي التي تؤدي الى مزيد من الإنخفاض في عدد المسيحيين العرب من خلال الهجرة – الأمر الذي يحمل معه المزيد من التهميش.
في نهاية الحرب العالمية الأولى، كانت حماية حقوق الأقليات موضوعاً رئيسياً في تسويات ما بعد الحرب. فقد حصل الفرنسيون في لبنان وسوريا، والبريطانيون في العراق، على تفويض من عصبة الأمم للوصاية على هذه البلدان وإنتدابها على أساس الدفاع عن الأقليات. لكن، فيما تكاليف الوصاية/ الإنتداب إرتفعت، تمّ التخلّي عن هذه السياسة ببطء.
فيما إزدادت المعارضة القومية ضد الإنتداب، تمّ إستيعاب هوية الأقليات في هوية وطنية أوسع. فقط في بلد واحد، لبنان، كان هناك عقد إجتماعي متفق عليه لإنشاء نظام تقاسم السلطة الذي سمح لزعماء من مختلف الطوائف الدينية لعب أدوار سياسية بارزة. في معظم الأماكن الأخرى سيطرت قومية خانقة، مكتسحةً جميع النبضات أو الهويات التي تتعارض مع إملاءات القومية.
والنتيجة، القومية كانت أن الإيديولوجية التي لا تطيق أو تتحمل أي بدائل أصبحت ركناً أساسياً من الإستبداد العربي. وهكذا، كان إختناق هويات الأقليات غالباً واجهة الديكتاتورية العربية. وأنه في بعض الحالات، بدا أن الأنظمة الأقلية التي فرضت مثل هذا التوحيد لم يجعلها الأمر أقل قوة.
الأمل الحقيقي الوحيد للمسيحيين العرب يكمن في ظهور مجتمعات عربية ديموقراطية حيث الفوارق والإختلافات تُحترم وتُشجَّع. ولكن، فيما الآفاق لهذا الواقع في الوقت الحاضر تبدو بعيدة المنال، فإن الوجود المسيحي قد يكون ذكرى بعيدة في الوقت الذي ستصبح الدول العربية ديموقراطية، هذا إذا أصبحت كذلك في أحد الأيام.
الواقع أن للمسلمين دورأً رئيسياً غير نمطي في الحفاظ على الوجود المسيحي المستمر. خلاف ذلك، فإن المسيحيين، قبل وقت طويل، سيصبحون مواضيع لكتب التاريخ – مثيرة للإهتمام ولكنها غير ذات صلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى