البطالة المزمنة في العالم العربي

بقلم الدكتور عبد الله ناصر الدين*

تعاني البلدان العربية من أعلى نسبة بطالة في العالم حسب منظمة العمل الدولية للعام ٢٠١٤، و كذلك كان الحال في الأعوام التي سبقت. لم تشهد هذه الدول نسبة دون ال١٠% في العقد الأخير عندما كانت المعدلات في العالم تصل إلى نسبة ٦٪ حتى في ظل الأزمة العالمية. الواقع أن العرب يعيشون تناقضات مخيفة، من يملك الثروات الهائلة ومن لا يملكها. لقد أدّت البيروقراطية والثنائية القطبية داخل هذه الدول إلى إرتفاع التفاوت الطبقي. فرغم النمو الإقتصادي الكبير فيها، فقد بقيت الشريحة الأكبر من الشعب تعاني من الفقر و قلة فرص العمل. بقي الحكام العرب ومن يحيط بهم من الطبقة الرأسمالية في عالمٍ آخر من الرخاء و تكدّس الثروات. فهل يصدق أحدٌ أن الناتج المحلي المصري إرتفع من ٢٣٫٤٠٥ مليار دولار في العام ١٩٨١ إلى ٤١٨٨٬٤١٣ دولاراً في العام ٢٠٠٩. وعلى الرغم من هذا النمو فلم يؤدِّ ذلك إلى إنخفاض البطالة التي بقيت في حدود ال٩٫٩٤٪، بل أدى إلى إستفادة المجموعة القريبة من الطبقة الحاكمة.
والأمر يزداد سوءًا عندما ننظر إلى مستوى البطالة لدى فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥-٢٤ عاماً. فقد وصلت هذه النسبة إلى ٢٩٪ في العالم العربي، أعلى نسبة في العالم، مقارنةً بنسبة عالمية وصلت إلى ١٣٫١٪ في العام ٢٠١٣. وأكثر من ذلك، في العام ٢٠١٣، شهد العالم العربي أكبر إرتفاع بطالة في فئة الشباب في العالم وصلت إلى ٠٫٦٪. ومن المتوقع أن ترتفع البطالة لدى فئة الشباب بسبب عدم الإستقرار وتراجع أسعار النفط حتى العام ٢٠٢٠. في المغرب وصلت بطالة الشباب إلى ١٩٪، ٢٢٪ في الجزائر ولبنان، و٢٥٪ في مصر، و٤٠٪ في الأراضي الفلسطينية المحتلة، و٤٢٪ في تونس. وأما البطالة لدى فئة الشباب من حاملي الشهادات الجامعية، فقد إرتفعت إلى ٤٣٪ في المملكة العربية السعودية، ٢٣٪ في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ٢٢٪ في الإمارات والمغرب، ١٤٪ في تونس، و١١٪ في الجزائر. من المؤكد أن العالم العربي سيواجه تحديات كبيرة لإعادة النمو الإقتصادي إلى مستويات تستطيع أن تمتص الداخلين الجدد إلى سوق العمل بالإضافة إلى تحديات مرتبطة بإستقرار المؤشرات الماكروإقتصادية.
من دون أدنى شك أن هذا الخليط من التفاوت الطبقي الممزوج مع نسب بطالة مرتفعة لدى فئة الشباب هو الذي أدّى إلى هذه الفوضى الكبيرة التي نعاني منها اليوم. ولعلّ أحد الأسباب التي تؤدي إلى إرتفاع التفاوت الطبقي هو النظام التعليمي ولا سيما الجامعي الذي لا يعطي فرصاً متكافئة للتعلم في الجامعات المكلفة التي تساهم في رفع دخل الأفراد الذين يتخرّجون منها. وإذا إستطاعت الدول العربية خلق ٥٨ مليون وظيفة سيؤدي ذلك إلى التخفيف من التفاوت الطبقي و إرتفاع الدخل للفرد بنسبة ٢٠٪.
لا ينقص الدول العربية قطاع خاص، فمعظمها لديه قطاع يجني أرباحاً هائلة. يحتاج العالم العربي إلى ما يقارب ال١٠٠ مليون وظيفة مع حلول العام ٢٠٢٠ لإشغال فئة الشباب وصرف أنظارهم عن الدخول في نشاطات مشبوهة من العنف والقتل و الدمار. من الإستحالة للقطاع الخاص حل هذه المعضلة بمفرده بل يحتاج إلى تكاتف الجهود مع القطاع العام للإنتقال إلى نمط إقتصادي حديث يلقى رواجاً في أوساط الإقتصاديين يعرف بالنمو الشامل الذي يسعى إلى إشراك كل شرائح المجتمع في عملية التنمية. إن الوضع في العالم العربي مختلف عن الدول الأوروبية والولايات المتحدة حيث أن الإصلاحات في العالم العربي تمر ببيروقراطية عصية تمنع حصول إصلاحات حقيقية. حتى في الدول النفطية التي دفعت وإشترت إستقرارها، فإن فئة الشباب فيها، وخصوصاً المتعلمون و حاملو الشهادات، تحتاج أن تكون منشغلة بالعمل لأن الدخل من دون عمل لن يشتري الإستقرار على المدى البعيد. فعملية خلق فرص العمل الوهمية في القطاع العام في الدول النفطية أوجد حالة من البطالة المقنّعة المخيفة التي تؤدي بطبيعة الحال إلى تحجيم الحرية الإقتصادية والقطاع الخاص.
تعاني إقتصادات العالم العربي من شدة التخصّص في قطاعات إقتصادية ضعيفة الإنتاجية وتعاني من مستويات نمو توظيف متدنية. فالقطاعات الإقتصادية المعتمدة على النفط و الغاز لا تملك القدرة على إيجاد فرص عمل كافية، بل تساهم في رفع مستوى الأجور مما يؤدي إلى تراجع القدرة التنافسية للقطاعات ذات الإنتاجية العالية.
ما يجب أن يدركه الحكام العرب، أن معظم مناطق العالم إستطاعت تحقيق أكثر بكثير مما حققوه لشعوبهم من فوضى ويأس و تخلف، وأن إيجاد فرص عمل لن يكون كافياً من دون القيام بإصلاحات مؤسساتية هيكلية تؤدي إلى التخفيف من البيروقراطية والفساد حيث يتم نمو روح المبادرة الفردية. إن سهولة هذا الكلام تواجه إنعدام الأمل في التطبيق ولو إحترق العالم العربي بأسره وعمل شبابه “ذباحين” لكافة أجهزة العالم.

• خبير إقتصادي، وأستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى