مقاربة إقتصادية للبنى التحتية في لبنان

بقلم البروفسور جاسم عجاقة*

تُعتبَر البنية التحتية في لبنان ضعيفة نسبة إلى باقي الدول المجاورة ونسبة إلى دولٍ بحجم الإقتصاد اللبناني. وبإستثناء شبكة القطاع المصرفي اللبناني المتطوِّرة نسبياً، فهي تُعتبَر من أهم العوامل التي تؤثر سلباً في الناتج المحلي الإجمالي.
تَشمل عبارة “البنية التحتية” لبلد معيَّن الهيكلية المادية والتنظيمية الأساسية اللازمة لتشغيل الماكينة الإقتصادية فيه. ويتم وصفها على أنها شبكة من العناصر الهيكلية التقنية الموصولة ببعضها لتأمين إطار دعم لتشغيل الآلية الإقتصادية. لذا تبرز أهمية البلد الاقتصادية وتطوره الاجتماعي من خلال بنيته التحتية. ففي البلدان المتطورة إقتصادياً تتمتع البنية التحتية بمستويات عالية من الإستثمارات سمحت لها بالتطور بشكل كبير.
ويُصنِّف الإقتصاديون البنى التحتية نوعين: البنية التحتية المادية والبنية التحتية غير المادية أو الناعمة. تضم الأولى النقل، الطاقة، المياه، الإتصالات، إدارة النفايات الصلبة، البيئة وغيرها. أما الثانية فتشمل بنية الحوكمة، البنية الإقتصادية، والبنية الإجتماعية.
من الناحية العملية، تُعتبَر البنية التحتية أساسية في إنتاج البضائع والسلع والخدمات وتوزيعها إلى الأسواق، كما أنها تُساهم أيضاً في تأمين خدمات النقل والطبابة والإستشفاء والأمن والتعليم وغيرها من الخدمات الإجتماعية.
من هذا المنطلق، تُعتبر هذه الوسائل أساسية في الناتج المحلي الإجمالي حيث يتم الإستثمار فيها بشكل كبير في الإقتصادات المُتطورة والنامية. وفي لبنان، تُعاني هذه البنية من نقص هائل في الإستثمارات نتَجَ من عقود من الإهمال. وبإستثناء ما تمّ إستثماره في ستينات وتسعينات القرن الماضي، لا يُمكن القول أن البنية التحتية في لبنان هي بنية قادرة على مواكبة التطور العصري الذي ينتج عنه نمو إقتصادي. في هذا الإطار، يجب معرفة أن غياب الإستثمارات لها عواقب وخيمة على إنتاجية الإقتصاد.
إن عدم الإستثمار في البنى التحتية يؤدي إلى لجم تطور الإقتصاد ونموه وذلك عبر حرمانه من الكثير من الخدمات والسلع التي كانت قد توفّرت له لو وُجِدت بنية تحتية مؤاتية. هذا الأمر يؤدي إلى خفض الإستهلاك بفعل نقص العمالة وبالتالي خفض النمو هيكلياً. على سبيل المثال، إن غياب البنى التحتية الأساسية والداعمة لقطاع النفط في لبنان (خزانات لتخزين الغاز، طرقات لتوزيعه داخلياً، الشبكة الكهربائية، المطاعم والفنادق…)، ستدفع بإتجاه تأخير الإستخراج والإستفادة من النشاطات الإقتصادية التي كانت تستطيع الإنتاج لو توفّرت هذه البنى.
من هنا يُمكن القول أن النمو الاقتصادي في لبنان محدود بفعل تآكل البنى التحتية وعدم الإستثمار فيها.
لذا، يُمكن الجزم أنه بإستثناء القطاع العقاري وقطاع الخدمات في الفترة ما بين العامين 2005 و2010، لم تشهد القطاعات الخاصّة الأخرى أي إستثمارات تُذكر. فعجز الدولة اللبنانية عن تمويل الإستثمارات وغياب إطار قانوني يسمح للقطاع الخاص بالإستثمار في البنى التحتية، أدّيا الى تآكلها كالصدأ في الحديد. وأكبر مثال على ذلك هو مؤسسة كهرباء لبنان التي هي مركز إنتاج حيوي وأساسي في الماكينة الإقتصادية اللبنانية نظراً إلى الإستخدام الكبير للكهرباء في الإقتصاد. فهذه المؤسسة التي يعطّلها الإستثمار منذ أكثر من 17 عاماً، أصبحت تُشكّل أزمة وطنية بإمتياز من ناحية مسؤوليتها عن ثلث الدين العام اللبناني من جهة، وعن الخسارة الناتجة من عدم توافرها من جهة أخرى. وأيضاً لا يوجد أي إستثمارات في قطاع الإتصالات وذلك منذ إستعادة إدارته من القطاع الخاص على الرغم من المدخول العالي الذي يؤمّنه هذا القطاع. هذا بالإضافة إلى عشرات خزانات الوقود المنتشرة على السواحل اللبنانيّة في مناطق مأهولة بالسكان والتي أصبحت مع مرور الزمن تُشكّل خطراً على المناطق الموجودة فيها بفعل وقوع حوادث تقنية و/أو أمنية نتيجة الوضع الأمني المتردي في لبنان.
ونستنتج مما تقدم أن البنى التحتية في لبنان بحاجة ماسة إلى الإستثمارات وذلك في كل أنواعها. ومن دونها سيبقى لبنان يُسجِّل نسب نمو لا تتجاوز الـ 2%، وهي نسب قليلة جداً لإقتصاد بحجم الإقتصاد اللبناني ولبلد يدفع فوائد على دينه العام بمعدل 7%. وقد قمنا بحساب حاجات لبنان من الإستثمارات في بنيته التحتية وتوصلنا إلى الأرقام التالية التي تعكس بلا شك الحاجة الماسة إلى هذه الإستثمارات اليوم قبل الغد (الأرقام بمليارات الدولارات) : الكهرباء 4، الصناعة 4، قطاع الخدمات 3، قطاع الإتصالات 3، القطاع العقاري 3، القطاع السياحي 2، قطاع المياه 2، الطاقة المتجددة 2، القطاع الرقمي 2، الأبحاث 2، الزراعة 2، القطاعات الأخرى 1.
وهذه الإستثمارات تتطلّب فترة عشر سنين لتنفيذها على الأقل نظراً إلى حجمها الهائل مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي (67%). وستشكّل من دون أدنى شك رافعة أساسية للنهوض الإقتصادي وذلك عبر خلق فرص عمل للبنانيّين بمئات الآلوف بما فيها فرص عمل تتطلب مهارات عالية وبالتالي ستخف هجرة اللبنانيين إلى الخارج وسيزيد الإستهلاك وكنتيجة حتمية النمو بشكل هيكلي إلى عتبة الـ 10% لعشرات السنين.
ولكن كيف سيموّل لبنان هذه الإستثمارات؟
لا يُمكن للدولة اللبنانية في وضعها الحالي ومع مالية عامة في حالة تعيسة ودين عام يوازي 145% من الناتج المحلي الإجمالي، القيام بهذه الإستثمارات. إلا أن القطاع الخاص، عبر قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، قادر على تمويل هذه الإستثمارات كما وتسخير خبرته العالية على المنصات العامة. لكن هذا الأمر مشروط بتوفير الأمن والإستقرار السياسي، وردع التهديدات على مناطق لبنانية من قبل المجموعات المُسلّحة.
ولكي تكتمل الصورة يتوجّب على الدولة إلزام الشركات الأجنبية التي ستشترك في هذه الشراكة، إستثمار قسم من الأرباح في الإقتصاد اللبناني لكي يتم تأمين إستمرارية الإستثمارات على الأمد البعيد.
• خبير إقتصادي وإستراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى