نحن أمَّةٌ لا تقرأ

بقلم ميرنا زخريّا*

لنبدأ بالحقائق المُفاجئة، لا بلْ المُحبِطة.. لنعتمد على وسائل الإستقراء، لا بلْ على وقائع الإحصاء.. فقد كشفَ “التقرير الثقافي العربي” أن معدّل القراءة عند الفرد العربيّ هو ستّ دقائق سنوياً، فيما الأوروبي يقرأ بمعدّل مئتي ساعة سنوياً. كما أن هناك كتاباً واحداً يصدر سنوياً لكل 12 ألف مُواطن عربي، فيما يصدر كتابٌ كل عام لكل 500 مُواطن إنكليزي. أما “الأمم المتحدة” فقد نشرت أن معدّل القراءة في العالم العربي هو ربع صفحة سنوياُ للشخص الواحد، فيما معدّل ما يقرأه الفرد لأميركي هو 11 كتاباً. وأن مُداولات سوق الكتب العربية لا تتعدّى الأربعة ملايين دولار سنوياً، فيما مُداولاته في أوروبا تصل لحوالي 12 مليار دولار. وقد نشر “موقع شمس” أن الدول العربية بأجمعها تطبع حوالي مليون كتاب (بما في ذلك كتب الطبخ والتنجيم)، موزّعة على ثلاثمئة مليون عربيّ، مُقابل 518 كتاباً للمُواطن الأوروبي و212 كتاباً للأميركي. يبدو أن الذين يقولون، بأننا أمَّة لا تقرأ هم على حق.
فما سرّ هذه المُفارقة على الرغم من أن أجهزة الكومبيوتر الثوريّة وأخيراً الأجهزة اللوحيّة الذكية جعلت الكتب في مُتناول القُراء مجاناً. لكنْ وللمُفارقة أيضاً، يأتي الترفيه كدافعٍ أساسيٍ من دون مُنازِعٍ لإستخدام الإنترنت في الدول العربية.
هواية القراءة، وبحسب إحصاءات الباحثين، ذاهبة إلى شُبه إنقراض، لدرجة أن الكتب الدينية أصبحت كقطعة ديكور نُزيّن بها البيوت والمكاتب، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الإجتهادات الركيكة؛ عِلماً أن المطبوعات الإجتماعية كمجلات الأزياء والفنّ ما زالت مطلوبة. يبدو أننا فعلاً أمّةً لا تُعير اهتماماً كافياً لفوائد القراءة، وهُنا بعض منها:
1. معرفة وثقافة: مِن الهوايات التي تُساعد على صقل الرؤية عند الإنسان نوعان من المعلومات: العلمية فتزداد معرفتنا كمّاً والتنويريّة فتتوسّع ثقافتنا.
2. إنفتاح وتقبّل: تُمهّد لتحجيم الإصطفاف وتعزيز الإنفتاح إذ أن الإطلاع على ثقافات ومعلومات مُتضارِبة يُنمّي العقل ويُساهم في قُبول الآخر.
3. إيجابي وموضوعي: إن مُحبّ المُطالعة المتنوّعة، غالباً ما تتّسم شخصيته بالإيجابية، فتراه يستسيغ العمل التطوّعي ويميل إلى الرأي الموضوعي.
4. تنمية وإثباتات: تنمية القدرة على الغوص في نقاش عالي المستوى ومُدعَّم بحقائق مُثبتة علمياً، ما يؤدي إلى حوارٍ راقٍ ومُثمرٍ مع الجهة الثانية.
5. ذاكرة وتحليل: تُشير التحاليل أن هواة القراءة أقل عرضة من غيرهم للإصابة بالخرف والزهايمر (الخرف) وذلك بسبب التنشيط المُستمر لحركة الدماغ.
6. إبتكار وإبداع: تعمل القراءة على تحفيز الخيال الواسع والإبتكار المتنوّع، بحيث يُصبح للقارئ مقدرة على إيجاد طاقة في حائط الحوار المسدود. وتوفّر للقارئ مروحة هائلة من الآراء ما يجعل الإنفتاح على الآخر وارد والإصطفاف هزيل، ليُصبح الحديث غني ودقيق.
7. توتّر وإجهاد: تُخفف القراءة مِن مُضاعفات التوتر وإنعكاسات الإجهاد، حتى أن ست ساعات من المُطالعة المُمتعة يُمكنها أن تُهدئ ضربات القلب.
يتفاوت مُستوى القراءة (مِن حيث تعدّدية القُراء ونوعيّة المقروء) بين بلدٍ وآخر في الدول العربية، وذلك إستناداً إلى متوسّط المستويات الثقافية والعلمية والإقتصادية. السبيل للإرتقاء بالقراءة إلى معدّلٍ مقبولٍ إلى حد ما، يكون من خلال الإجتهاد نحو قيام علاقة صداقة بين الإنسان والكتاب، لا سيّما إنسان الجيل المقبل؛ ما يتطلب:

1. تركيز مِن المدارس على مادة القراءة الحرّة، ما يدعو إلى تطوير المنظومة التعليمية المُعتمدة؛
2. توعية الأهل والمُربّين، كما الأندية والجمعيات على محاصيل ومفاعيل المُطالعة في المدى البعيد؛
3. وُجوب أن تبني كل جامعة مكتبة وافية وليست مُجرّد رفْع عتب، بحجّة أن التلامذة لم يعودوا يقرأون؛
4. مُساهمة الجهات الحُكومية المعنية من خلال أنشطة مُلائمة، كتوزيع نُسخ مجانية على الصغار؛
5. إعادة البرامج التثقيفية إلى محطات التلفزيون، في حُلةٍ عصريّة تُواكب العصر وتُشرِك الشباب؛
6. تسهيلات بقدر المُستطاع وضمن الواجب تجاه كل كاتب ودار نشر، لتشجيعهم على الإستمرار؛
7. مكتبات عامة توفّر مروَحة من المواضيع، ولا تكون حكراً على العواصِم وأبناء المُدن الكبرى.
المعايير الدولية تنصح بوُجود مكتبة عامّة لكل ستة آلاف إنسان. في حين أن كافة الدول العربية مُجتمعة تحوي حوالي 4500 مكتبة بأحجام مُختلفة، ويُقال أن المهمّ والغنيّ منها لا يتعدّى الألف. وبالتالي، لمْ يعُد مُستغرباً أن نُصادف في أوروبا أو في أميركا مُواطناً (عجوزاً كانَ أمْ شاباً) يقرأ وهو بإنتظار وُصول القطار في النفق، أو ثانٍ مُستلقٍ على شاطئ البحر في مدينة نيس، أو ثالثٍ في مقهى وسط الثلج في ولاية كولورادو. بالمُحصّلة، قد يكون تراجُع الإقبال على قراءة الكتب الورقية ظاهرة عالمية، إنما الفرق مُخيف ومُعيب بين العالمين العربيّ والغربيّ، ما يدعو للفت الإنتباه سيّما أن مشهد القراءة في الأماكن العامة العربية هو مِن سابع المُستحيلات.
في السابق، كانت النُخبة الحاكمة تقرأ كثيراً والجُموع المحكومة نادراً ما تقرأ؛ أما في الحاضر، فالمُلاحظ أنه حتى المسؤولين فإنهم في مُعظمهم لا يقرأون، وذلك يتجلّى من خلال تناولهم الهزيل لباقاتٍ وباقات من المواضيع العامة، التي وإنْ اضطلعوا بجزءٍ منها، فبهدفِ وضْعِ: تعليقٍ عامرٍ على تويتر أو مُداخلةٍ عابرةٍ على منصَّة.

• باحثة في علم الإجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى