الصداقة غير السهلة بين السعودية وإيران

الرياض – سمير الحسيني

قد يكون هذا العام هو العام الذي يغيِّر كل شيء في الشرق الأوسط. السبب: إحتمال ذوبان الجليد في العلاقات السعودية – الإيرانية.
وأدّت عوامل عدة إلى هذه اللحظة. الأول هو إنتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية في آب (أغسطس )2013. ومنذ إنتخابه، بدأ روحاني هجوماً ساحراً يهدف إلى تخفيف حدة التوتر بين طهران وعدد من الجيران العرب في الخليج. وزير الخارجية الايراني وصل حتى إلى المملكة في زيارة نادرة للمنافس الإقليمي، وذلك لتقديم العزاء بوفاة الملك عبد الله.
ثم هناك هذا الإتفاق النووي المؤقت، الذي قوّض مكانة المملكة السعودية بإعتبارها قوة الأمر الواقع في المنطقة ورفع مكانة إيران كقوة دولية صاعدة. ومن ثم جاء تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) الذي صار يتمختر بين العراق وسوريا بعدما أزال الحدود بينهما، ليشكّل تهديداً لكلّ من إيران والمملكة العربية السعودية والمؤسسة الدينية الوهابية المحافظة فيها.
وفي الوقت عينه، ترك تعب الولايات المتحدة الواضح من الشرق الأوسط دول الخليج من دون دعم أميركي كبير. ومع إعترافها بتفوّق موقف إيران، فليس لديها خيار سوى بدء تحسين العلاقات مع طهران.
وأخيراً، هناك تغيير في الحكم في الرياض وملك جديد على العرش.
ومع ذلك، على الرغم من ظهور مصالح مشتركة، بما في ذلك القضاء على “داعش”، فمن غير الواقعي أن نتوقع أن كل هذا سوف يترجم إلى تحسن فوري في العلاقات السعودية – الإيرانية، نظراً إلى العداء الذي تراكم منذ الثورة الإسلامية في العام 1979، والإعتبارات الإستراتيجية التي لا تزال توجّه البلدين.
لفترة طويلة، كانت العلاقات السعودية -الإيرانية تتفاقم سنة بعد أخرى. بالنسبة إلى الملكيات العربية السنية، كانت رئاسة محمود أحمدي نجاد في إيران مزعجة. مع خطابه السام، فقد ذكّر جيرانه بإستمرار بأهداف الهيمنة الإيرانية. و”الربيع العربي”، الذي يبدو أنه قوّض التوازن السياسي والطائفي في الشرق الاوسط القديم، رفع حدة التوترات. كما أن هناك مسائل لم تكن مساعدة تمثّلت بدعم طهران لنظام بشار الأسد المحاصر في سوريا ولنظام نوري المالكي السابق في العراق. وفي أواخر العام الفائت، بدا أن إيران وحلفاءها صار لهما اليد العليا في كلا البلدين، وكذلك في لبنان واليمن.
مع الحفاظ رسمياً على علاقات ودية مع طهران، فقد عملت االسعودية وراء الكواليس لكبح جماح النفوذ الإيراني. إستخدمت الرياض القوة الناعمة والعملة الصعبة كجزء من هذا الجهد، في حين نشرت جيشها ضد التورّط الإيراني الحقيقي أو المتصوَّر في البحرين واليمن. من جانبها، فضّلت طهران الحفاظ على علاقات ودية مع الرياض أيضاً، في حين حاولت تقويض منافستها من خلال هجمات سرية، بما في ذلك محاولة إغتيال السفير السعودي في واشنطن المزعومة في العام 2011 وإطلاق هجمات إلكترونية تستهدف مرافق “أرامكو” والمواقع الحكومية السعودية. وإستفاد البلدان أيضاً من ضعف العديد من الحكومات العربية بعد “الربيع العربي” من خلال إثارة القلاقل بين الأقليات الطائفية.
أخذت الأمور تتغير فوراً بعد إنتخاب روحاني. بدأ الزعيم الجديد حملة لإنهاء عزلة إيران الإقليمية والدولية، وخصوصاً رفع العقوبات الإقتصادية على البلاد. وقد فعل ذلك من خلال محاولة الوقيعة بين أعداء البلاد وتقليل التوترات بين إيران وعدد من دول الخليج.
أولاً، إستغلّ الخلافات القائمة بين بعض الدول الخليجية الصغرى والمملكة العربية السعودية لمنعها من تشكيل جبهة موحّدة ضد إيران من خلال محاولة إقناعها بأن الزمن تغيّر وأنه من الأفضل إقامة علاقات جيدة مع الجمهورية الإسلامية. وكان الهدف الرئيسي هو عزل السعودية، التي تشكل أهم منافس إيديولوجي وديني وإستراتيجي، وهي الراعي الرئيسي لأعداء طهران في جميع أنحاء العالم، والبلد الوحيد في منطقة الخليج الذي لديه القدرة المالية والإقتصادية والعسكرية الكافية لمواجهة إيران.
في الوقت عينه، كان من المهم بالنسبة إلى إيران تغيير صورتها السلبية، ولهذا السبب، كان على البلاد أن تنمّي علاقاتها وتوثّقها، وإن كان ذلك بطريقة مقيّدة، مع دول الخليج العربية. وشمل هجوم السحر الإيراني زيارات عدة إلى الخارج للرئيس الإيراني ووزير خارجيته، ونشر مقابلات ومقالات في وسائل الإعلام الخليجية، وإصدار بيانات عن الحاجة إلى الوحدة والتعاون في العالم الإسلامي، وحتى عقد سلسلة من الإتفاقات التجارية والسياحية مع العديد من الدول في المنطقة.
للتأكيد، إن هذه الجهود تمّ تقويضها إلى حد ما من طريق المفاوضات النووية الجارية، التي نشرت المخاوف في جميع أنحاء المنطقة من إيران نووية. قبل توقيع المفاوضين الدوليين (الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن زائد ألمانيا) مع إيران الإتفاق النووي المؤقت في أواخر العام 2013، ومُدِّدت الفترة مرة أخرى في أواخر العام 2014، حاولت طهران تخفيف حدة التوتر. في مقال في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف جيرانه إلى بناء نظام إقليمي جديد خالٍ من التدخل الخارجي. “لقد أدّى وجود القوات الأجنبية تاريخياً إلى عدم الإستقرار الداخلي في الدول المضيفة لها”، كما كتب، “وقد فاقم التوترات القائمة بين هذه البلدان والدول الإقليمية الأخرى”. ولما كانت القواعد الأميركية في الخليج تُعتبر بأنها العائق الرئيسي للهيمنة الإيرانية في المنطقة، فإن كلماته لم تلقَ آذاناً صاغية كما كان يأمل. وبطبيعة الحال، فإن الأنظمة الملكية العربية لم تحد عن إستراتيجيتها في إتخاذ موقف رسمي معتدل وضبط النفس.
توحّدت الدول السنية والعربية معاً مرة أخرى بفضل التطورات في سوريا والعراق. الآن، كثيرون من الخليجيين يشعرون بالقلق من أن المتمردين لن يكونوا قادرين على هزيمة الأسد، الأمر الذي سيدفع الرياض إلى التواصل والتوصّل الى إتفاق مع إيران (والراعي الآخر للأسد، روسيا) حول المستقبل السياسي لسوريا. التقارب بين زعيم الجبهة السنية وزعيم الجبهة الشيعية قد يؤثر أيضاً في الوضع في العراق. وفي الوقت عينه، لقد أدّى التنسيق الهادئ بين السعودية وإيران بالفعل إلى إنتخاب رئيس وزراء جديد في العراق ويمكن أن يساعد أيضاً في محاربة “داعش”.
تتابع دول الخليج بقلق إستيلاء “داعش” على أراض في سوريا والعراق. وطالما بقي التنظيم الإرهابي مجرد تهديد للعراق، وتستخدم إيران مواردها من أجل محاربته، فإن دول الخليج هي سعيدة. ولكن الآن يهّدد التنظيم بشكل متزايد مصالح الدول الخليجية الخاصة، بما في ذلك الأراضي السعودية نفسها، وإيران تنسّق مع الولايات المتحدة في المعركة، لذا فقد تغيّرت الصورة. إن دول الخليج، وخصوصاً السعودية، قد ترغب ضمنياً (وتكتيكياً) بالتعاون مع إيران للتأكد من أن “داعش” لن يستطيع أبداً عبور حدود أخرى. وقد أثبت البلدان في الماضي أنهما عمليان وعلى إستعداد لتعديل مواقفهما عندما تقتضي ذلك الظروف.
وفقاً لذلك، في لقاء بين ظريف ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على هامش جلسة مجلس الأمن في الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2014، بشّر ظريف ب”صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين”. وكان سعود الفبصل أكثر حذراً، مركّزاً تصريحاته على ضرورة توحيد القوى ضد “داعش”، مشيراً إلى “أننا نعتقد أنه يجب تجنب أخطاء الماضي لمواجهة الأزمة الحالية بنجاح”.
في محادثات رفيعة المستوى حول تنظيم “الدولة الإسلامية”، مع ذلك، يبدو أن مناقشات أسعار النفط قد تدخلت. وفي الإجتماع الذي إستمر يومين وإستضافته سلطنة عمان في كانون الأول (ديسمبر) 2014، فقد فُضّت المناقشات بحدة، مع إختلاف سعودي إيراني شديد بشأن تراجع أسعار النفط. وقد كانت الرياض الدافع وراء هبوط السعر الحالي لأنها السلطة المهيمنة على “أوبك”. على الرغم من أنه من الصحيح القول أن سياسة الطاقة في الرياض تستجيب جزئياً لثورة التكسير في أميركا الشمالية، لكن الدافع الأكبر هو، ربما، كسر إرادة إيران ووضع الفرامل لطموحاتها الإقليمية. ويبدو أن عدداً من صناع القرار السعوديين يعتقد بأن إنخفاض أسعار النفط هو بالتالي يخدم مصالح المملكة من حيث إيذاء الاقتصاد الإيراني المضروب فعلياً.
من ناحية أخرى، تبنّت إيران والسعودية سياسات خارجية مختلطة تضم عناصر من التعاون والصراع. ومع هذا النهج، فإنهما يمكنهما تحسين علاقاتهما ببطء عبر الخليج مع الحفاظ أيضاً على قوتهما الإقليمية. إن الشريكين الجديدين -القديمين لديهما طريق طويل من السفر قبل أن يصلا إلى مصالحة تاريخية. أما الآن، فإن دول الخليج العربية تخشى من أن تكون لدى إيران اليد العليا، وهو ما يدفعها إلى التعامل معها بحذر. هذا الشعور قد يستمر لفترة طويلة، خصوصاً إذا إستمرت نجومية إيران في الإرتفاع. وعلى الرغم من أن الفرص لا تبدو عالية في الوقت الحاضر، فحتى نصف تعاون يمكن أن يساعد على حل بعضٍ من أكثر الصراعات المتشابكة في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى