لماذا الغضب على الغاز الصخري في الجزائر؟

الجزائر – محمود بن عمرو

في 27 كانون الأول (ديسمبر) 2014، ومن دون إشعار مسبق أو نقاش عام وطني، أعلنت السلطات الجزائرية حفر أول بئر للغاز الصخري في عين صلاح في الجنوب. وإندلعت على الأثر إحتجاجات ضخمة غير مسبوقة في أنحاء الجزائر، والعديد منها وقع في المناطق الأكثر هدوءاً في البلاد، من ورقلة، وإيليزي، وغرداية، وتيميمون، وأدرار، وبرج باجي مختار، وأم البواقي، وبجاية، ووهران، وعين البيضا، وعين صلاح، حيث إنتشرت على طول الطريق حتى الجزائر العاصمة.
وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، لدى الجزائر ثالث أكبر إحتياطات من الغاز الصخري المقدّرة في العالم. ومع إنخفاض مواردها من النفط والغاز الطبيعي في البلاد في السنوات الأخيرة، فقد أذنت الحكومة الجزائرية بإستغلال الغاز الصخري في كانون الثاني (يناير) 2013، بعد إجراء تعديل على قانون النفط والغاز التي تمكّن من إستغلال المواد الهيدروكربونية غير التقليدية.
وكانت المشاعر المعادية للتكسير منتشرة بين الجزائريين منذ بعض الوقت، وإن كانت صغيرة ومجزأة، مع إحتجاجات أدّت دائماً إلى عدد قليل من الإعتقالات وحتماً كانت تُفرّق بسرعة، وذلك تمشياً مع مرسوم الحظر المفروض على التجمع العام في العام 2001 والذي من المنتظر أن يُلغى. وهذا على الرغم من حقيقة أنه في 24 شباط (فبراير) 2011، رفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حالة الطوارىء في البلاد التي أعلنتها الدولة منذ 19 عاماً، والتي فُرِضت لمساعدة السلطات الجزائرية خلال الصراع الوحشي مع المتمردين الإسلاميين في تسعينات القرن الفائت.
إن حجم الإحتجاجات الأخيرة فاجأ السلطات وأخذها على حين غرة. إذ أن غالبية مواقع الإحتجاجات تُعتبَر مناطق هادئة في الجنوب الجزائري الكبير، على الرغم من إحتياطاتها الهيدروكربونية المهمة. إن السلطات الجزائرية، في إزدراء لا نهاية له للشعب، تواصل إستخفافها بشعب الجنوب، وإهانة ذكاء الشعب الجزائري الذي يطالب بنقاش وطني شفاف وديموقراطي بشأن قضية الغاز الصخري والوقف الفوري لعمليات الحفر.
هذه المعارضة المتزايدة هي السبب الحقيقي لقلق السلطات الجزائرية ولخطط التكسير للشركات متعددة الجنسيات مثل “بي بي” (BP)، و”شل”، و”توتال”. إن حرص الشركات الفرنسية على ممارسة التكسير الهيدروليكي على التراب الجزائري، فيما هذه الممارسة ممنوعة ومحظّرة في فرنسا تماماً من قبل المحكمة الدستورية الفرنسية بسبب حماية البيئة، قد ساعدت في زيادة الوقود لإشعال إحباط شعب الجزائر، وموضِّحة الشعارات التي إتهمت السلطات الجزائرية بأنها وكيلة للإمبريالية وإعلان “صحراؤنا ليست للبيع”.
الواقع أن هذا يتكلم مجلّدات حول شعور الجزائريين بالنسبة إلى الشركات متعددة الجنسيات الفرنسية والبريطانية وعملياتها في الجزائر. إن قضايا الصحة والبيئة برزت عالية جداً على لائحة مخاوف المحتجين، بالنظر إلى تلوث المياه الجوفية والمخاطر الإشعاعية المحتملة التي تم ربطها بالتكسير الهيدروليكي.
وجاء خبر وقف الحفر في أواخر الشهر الفائت خلال مقابلة تلفزيونية مع رئيس الوزراء الجزائري، عبد المالك سلال. قال أن إستغلال الغاز الصخري ليس في أمر اليوم؛ إن “سوناطراك”، شركة النفط المملوكة للدولة، تعمل على إتقان تقنيات إستغلال الغاز الصخري؛ وسينشأ مركز للتدريب على إستخراج الغاز الصخري في عين صلاح.
وتحدث سلال عن الأجيال المقبلة والفوائد الإقتصادية للجميع، ساهياً عن باله إستخدام عبارة “تعليق العمل”، أو “وقف” أو “توقف”. وقال في نغمات إسترضاء وتنازل معتادة، أن العمليات في عين صلاح ذات طبيعة تجريبية، ووعد بأنه لن تكون هناك عمليات حفر على مدى السنوات الأربع الآتية.
لم يكن هذا بياناً مُقنِعاً جدا لشعب الجزائر، الذي فقد الثقة في حكومته بسبب الإعلانات الخادعة والتهميش المستمر من قبل النظام “الإستبدادي”. خصوصاً أنه في ظل الإنخفاض الأخير في أسعار النفط والإقتصاد الريعي الجزائري، فإن الناس يعلمون أن السلطات الجزائرية وشريكاتها من الشركات البترولية متعددة الجنسيات لن تتخلّى بسهولة عن خيار الغاز الصخري.
بالنسبة إلى شعب الجزائر، وخصوصاً عين صلاح، فقد تحوّلت مشاعر الإحباط إلى مشاعر بالخيانة والنفاق لأن الجميع شعروا أن رئيس الوزراء كذب على التلفزيون الوطني. وقد جرت تظاهرة إحتجاج أخرى في 26 كانون الثاني (يناير) الفائت في عين صلاح، فيما كانت السلطات المحلية تدعو الناس الى “العودة إلى الحياة الطبيعية”. لم يتم إسكات الشعب لأنه لم يقتنع بالأكاذيب والإستخفاف الصارخ من النظام.
يبدو أن فرضية غير مستقرة بشكل متزايد تتجاوز المسائل الإقتصادية أو البيئية ولكنها متجذرة في النسيج الإجتماعي للنظام، الذي يحافظ على إقصاء أبناء الجنوب ويعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
هناك حاجة ملحة لحكومة الجزائر إلى معالجة عدم المساواة الإجتماعية والإستبعاد الكلي للشعب الجزائري من صنع القرار العام، وإلى وضع حدٍّ لهذا التهميش الإجتماعي والإقتصادي لشعب الجنوب والصحراء؛ منبع الحياة للإقتصاد الجزائري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى