ماذا يعني هبوط سعر الجنيه المصري؟

بقلم الدكتور عبدالله ناصر الدين*

تراجع سعر صرف الجنيه المصري منذ بداية العام الجاري ليصل إلى أدنى مستوياته مع بداية شهر شباط (فبراير) الجاري إلى ٧٫٦٣ للدولار (حتى تاريخ كتابة هذا المقال). و رغم أن إنخفاض سعر الصرف لم يكن مفاجِئاً، إلا أن سرعة هبوط السعر يبعث برسائل و معانٍ إقتصادية عديدة من المفيد التوقف عندها. و الجدير ذكره أن سعر الصرف الحالي كان متوقعاً لنهاية العام الجاري، أي أن الهبوط لعامٍ كامل حصل في شهر. ما هي مفاعيل هذا الهبوط؟ ما هي اهدافه؟ و هل يمكن أن يحقق مبتغاه؟
كان سعر صرف الجنيه يعادل ٥٫٥ للدولار قبل إندلاع ثورة ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١، أي أن سعر الصرف هبط بما يقارب ٤٠% حتى اليوم. خلال فترة الأزمة، تراجع إحتياط المركزي المصري من مستويات تناهز ٣٥ مليار دولار إلى ما يقارب ال١٥ ملياراً مع نهاية العام المنصرم. إن الأوضاع الأمنية و السياسية المضطربة في البلاد، أدّى إلى تراجع القطاعات الجاذبة للعملات الأجنبيه كالسياحة و الإستثمارات الأجنبية المباشرة. فبينما كان القطاع السياحي يدر ما يقارب ١٢ مليار دولار في العام ٢٠١٠، وصل إلى ٥ مليارات دولار في ٢٠١٣، ومن المتوقع أن يصل إلى ٨٫٥ مليارات في العام المالي ٢٠١٤-٢٠١٥ مع تحسن الوضع الأمني و السياسي. أما الإستثمارات المباشرة التي وصلت إلى ٦ مليارات دولار قبل الثورة، فقد هبطت إلى ما دون ال٤ مليارات دولار في سنوات الأزمة. هذا التراجع في مصادر العملات الأجنبية، أدى إلى تآكل الإحتياط و تشكيل مصدر قلق للأسواق، ما سبّب في تراجع الجنيه و تدخّل المصرف المركزي للجم الهبوط الحاد.
تبدو الأمور مختلفة اليوم، حيث أن هبوط سعر الصرف لا يعطي إشارات قلق للأسواق إنما ضمن إطار خطة إقتصادية واضحة المعالم. و لعلّه يمكن القول أن هبوط سعر الصرف يأتي ليحقق ثلاثة أهداف رئيسية، جميعها تصبّ في خانة تنشيط الدورة الإقتصادية، وتحضيراً للقمّة الإقتصادية المزمع عقدها في منتصف آذار (مارس) المقبل، والتي من دون أدنى شك سيكون لها تأثير كبير في المستقبل الإقتصادي لمصر:
أولاً، إن هبوط سعر الصرف يهدف إلى ردم الهوة بين سعر الصرف الرسمي و سعر الصرف في السوق السوداء. وكانت هذه الهوة إتسعت خلال الأزمة وشكّلت عائقاً أمام جذب الإستثمارات. إن ردم هذه الهوة يؤدي إلى إرساء جو من الإستقرار على الوضع النقدي والمالي، مما يساهم بشكلٍ كبير في جذب الإستثمارات. ولذلك، وفي جلسات مزادات متلاحقة، سمح المركزي المصري، ومن دون تدخل، بيع الدولار بأسعار المزاد كي يقلّص الفارق مع سعر السوق غير الرسمي و الذي بقي حتى اليوم أعلى بما يعادل ٠٫٢ (أي ٧٫٨جنيه للدولار). و من المتوقّع، إذا إستمر المصرف المركزي في توجهه أن يصل سعر الصرف إلى ما يقرب ال٨ جنيهات للدولار في الأشهر المقبلة.
ثانياً، إن خفض سعر الصرف يساهم في تنشيط السياحة والصادرات، مما يدعم إحتياطات البنك المركزي، ويساهم في تحفيز النمو الإقتصادي. إن أهم العوائق في هذا الإطار مرتبطة بمدى إرتفاع أسعار المنتجات المستوردة، ولا سيما أسعار عناصر الإنتاج المستوردة، (الواقع أن قيمة عناصر الإنتاج المستوردة ضعيفة إذ أن الصناعات المصرية تعتمد على عناصر داخلية مما يخفف من وطأة خفض سعر الصرف على الإنتاج). و يبدو أن توقيت هذه الخطوة مثاليٌّ مع إنخفاض أسعار النفط التي ستمتص جزءاً كبيراً من إرتفاع أسعار السلع المستوردة التي سيسببها هبوط سعر الصرف.
ثالثاً، إن هبوط سعر الصرف يساهم بموازاة خفض سعر الفائدة بنصف نقطة (أي 0.5) لتصل الفائدة إلى ٨٫٧٥% على الودائع (و٩٫٧٥% على القروض) سيساهم في تنشيط الإستثمارات في الدخل مما يدعم عملية تعافي الوضع الإقتصادي.
إن الخطوات الأخيرة للمركزي المصري في السماح لسعر الصرف بالهبوط، يرسل إشارات ثقة إلى العالم مفادها أن الهبوط هو هبوط تحت السيطرة و ليس في إطار قلق الأسواق، خصوصاً أن من المعروف أن سعر الجنيه هو فوق قيمته الحقيقية (overvalued) ويستدعي التصحيح.
إما من ناحيةٍ شروط تحقيق هبوط سعر الصرف لأهدافه فيمكن التركيز على ناحيتين. أولاً،هبوط سعر الصرف يساهم في رفع نسب التضخّم (خصوصاً إذا ما قرر المركزي المصري خفض الفائدة مجدّداً) والتي تُربك الأسواق و تجبر المركزي على إعادة رفع الفائدة. هذا السيناريو غير وارد في ظل المعطيات الحالية والمرتبطة بإنخفاض أسعار النفط. و لعلّه يمكن الإشارة هنا إلى أن إرتفاع أسعار النفط قد يشكل خطراً على التعافي الإقتصادي في مصر. ثانياً، تركّز السلطات المصرية على الوضع الإقتصادي من خلال منظار إعادة حركة النمو الإقتصادي وجذب الإستثمارات (و ضبط المؤشرات المالية و النقدية الأساسية) من دون الدخول في معترك إصلاحي حقيقي يساهم في زيادة المنافسة و الشفافية و المحاسبة ومكافحة الفساد.
من هنا يمكن الإستخلاص بأن هبوط سعر الصرف يساهم في التعافي الإقتصادي ويأتي كخطوة صحيحة لتحضير الجو الإستثماري في مصر، و لكن هذه الخطوة بعيدة من الخطوات المطلوبة لتحقيق الإصلاح الذي يحقّق نمواً طويل الأجل فتشبه إلى حدٍ كبير المنهج الإقتصادي للنظام السابق (قبل الثورة)، والفرق أن النظام الحالي إستطاع إيجاد فرص إستثمارية جديدة لم يستطع النظام السابق خلقها. بناءً عليه، فإن نجاح التعافي الإقتصادي مرهون بشكلٍ كبير بتغيّرات أسعار النفط.

• خبير إقتصادي، أستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى