هل تنجح الوحدة العسكرية الخليجية؟

الدوحة – سمير خيرالله

على مدى السنوات ال 25 الماضية، خاضت التحالفات الغربية حروباً عدة في العالم العربي، بما في ذلك في العراق وليبيا. وفي كل مناسبة، تساءل النقاد لماذا ينبغي على القوى الخارجية أن توفّر الأمن في منطقة مزوّدة بآلاف الطائرات الحربية الغربية المجهّزة بأحدث التقنيات، والتي يتم تدريب قادتها في الأكاديميات العسكرية الغربية مثل “ساندهيرست” البريطانية و”فورت ليفنوورث” الأميركية. كما لو أنه يعالج ويرد على هذا التساؤل، أعلن مجلس التعاون الخليجي أخيراً إنشاء قيادة عسكرية مشتركة بين الدول الست الأعضاء فيه. وإن القيادة، كما سُرِّب، تضم مئات الآلاف من الجنود، وسيتم إنشاؤها للرد على التهديدات الإقليمية التي تتمثل بالإسلاميين المتشدّدين والمُنافِسة الدائمة إيران.
ومع ذلك، فإن هذه الخطوة إلى حد كبير أقل ثورية مما تبدو. لقد لعبت التحالفات العسكرية العربية دوراً في معظم النزاعات الحديثة في المنطقة، بما في ذلك جميع الحروب الأربع العربية الإسرائيلية، وحرب الخليج الأولى، والإستراحات في وقت السلم. بالإضافة إلى ذلك، بعد سنوات قليلة على تشكيل مجلس التعاون الخليجي في العام 1981، قام قادته بإنشاء “درع الجزيرة”، وهي قوة ردع صغيرة مقرّها في حفر الباطن قرب الحدود السعودية مع الكويت. ولكن الذي كان مثيراً للإعجاب على الورق كان أقلّ من ذلك في الواقع. لقد كانت قوات “درع الجزيرة” غير فعّالة في الإستعدادات لحرب الخليج الأولى الأمر الذي دفع بالقائد العام للقوات العربية المشتركة إلى إرسال وحدات مجلس التعاون الخليجي إلى جيوشها الوطنية، وعندما تم نشرها في البحرين في العام 2011 –لقمع الإحتجاجات المؤيدة للديموقراطية— رفض عضوان، الكويت وسلطنة عُمان، إرسال وحدات من جيشيهما.
ببساطة، كل جهد بُذِل في سبيل إنشاء وحدة عسكرية بين الدول العربية قد إنتهى بالفشل، إلى درجة أكبر أو أقل. هناك الكثير من الأسباب لذلك. أحدها أن الدول الصغيرة تخشى من فقدان سيادتها وإستقلالها وذوبانها في كتلة أكبر. في ستينات القرن الفائت، كانت تخشى من هيمنة مصر عليها. الآن، فإنها قلقة من هيمنة المملكة العربية السعودية، وهو حَذَرٌ لعب أيضاً دوراً كبيراً في منع تشكيل إتحاد سياسي ومالي في منطقة الخليج. من ناحية أخرى، فإن العديد من دول الخليج يجد نفسه متورطاً في نزاعات بسبب السياسة الإقليمية. في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال، أثار دعم قطر الإيديولوجي والمادي لجماعة “الإخوان المسلمين” ردوداً غاضبة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. كما أن مجموعة من مواقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه إيران تجعل رد فعل الإتحاد الأوروبي على روسيا يبدو وكأنه نموذج للوحدة. وأخيراً، لا تزال دولتان تُعتبران من الأقوى في المنطقة والأكثر قدرة وحزماً من الناحية العسكرية، المغرب والأردن، خارج دول مجلس التعاون الخليجي ومن المرجح أن تبقيا كذلك، على الرغم من الجهود السعودية الدورية لجذبهما إلى المجلس.
على الرغم من هذا الخلل، فقد أظهرت دول الخليج إستعداداً مكتَشَفاً حديثاً لإستخدام القوة ضد دول عربية أخرى. في العام 2011، إنضمت قطر والإمارات العربية المتحدة إلى حلف شمال الاطلسي لقصف قوات معمر القذافي في ليبيا. هذا الصيف، عاد الطيارون في الإمارات العربية المتحدة إلى ليبيا وحدهم، وقصفوا مواقع الإسلاميين في طرابلس رغم إعتراضات الولايات المتحدة. وفي أيلول (سبتمبر)، أعلنت واشنطن أن دولاً عربية عدة في الخليج سوف تنضم إلى حملتها في سوريا ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا.
ولكن هذا الإصرار الجديد لا ينبغي المبالغة به. في ليبيا في العام 2011 وفي سوريا اليوم، فقد قامت الدول العربية بجزء صغير من الغارات الجوية وأخذت مهمات منخفضة المخاطر نسبياً. إن مشاركتها كانت رمزية وليست كثيفة. وكانت قوات الإمارات العربية المتحدة، لعلّها الأجرأ بين جميع القوات العربية في هذا الصدد، تقوم بدعم جوي قريب مثير للإعجاب لقوات التحالف في أفغانستان. ولكن الغارات الإماراتية في ليبيا، كانت محرومة من المخابرات الغربية وغيرها من أشكال الدعم، ويبدو أنها كانت ناجحة، مؤكدة حدود القدرات العربية المستقلة. وبعبارة أخرى، فإن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تكافح من أجل القيام بعمليات معقدة، ثابتة، مستمرة أو متطلبة، مثل تلك التي تتطلب تدمير شبكات الدفاع الجوي الكبيرة للعدو. من ناحيتها فإن إيران، التي حفزت “الثورة الإسلامية” فيها إلى تشكيل مجلس التعاون الخليجي، من شأنها أن تمثّل خصماً أكثر خطورة بكثير من ليبيا أو سوريا، وسيكون حتى على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أن تعتمدا على دعم واسع النطاق من الولايات المتحدة في أي مواجهة.
على الرغم من حدود قدرتها المتوسطة، قد يكون هناك أمامها مجال لمهمات أصغر. في اليمن، على سبيل المثال، سيطر المتمردون الحوثيون، الذين يُعتَبرون من قبل الكثيرين في الخليج بأنهم وكلاء لطهران، على جزء كبير من العاصمة. وقد تدخّلت المملكة العربية السعودية سابقاً في شمال اليمن من دون نجاح يُذكر، ولكنها لا تزال منزعجة وقلقة من الوضع في صنعاء ويمكن أن يتطلب الأمر منها ومن حلفائها في الخليج المزيد من الضربات الجوية في السنوات المقبلة.
لدى الدول الراعية العسكرية الأجنبية للخليج – فرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة- سبب للترحيب بإستقلال الخليج، ولكن أيضاً لديها سبب آخر لكي تكون حذرة من ذلك. إن دولاً خليجية معتمدة على ذاتها فكرة جذّابة للغرب فقط إذا إلتقت الأهداف في المنطقة مع الغربية منها. وهنا يجد الغرب سبباً للقلق. على الرغم من أن الدول الغربية قد حثّت على التسوية، على سبيل المثال، فقد إعتمدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مواقف عدوانية جداً تجاه الحركات الإسلامية غير العنيفة إلى حد كبير، مثل جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر. وعلى الرغم من أن الغرب يتجه بشكل تدريجي نحو الإنفراج مع إيران فإن دول الخليج تريد كبح النفوذ الإيراني.
في النهاية، يجد كل جانب أنه في مأزق. الغرب يريد حشد دول الخليج لمكافحة “داعش” ولكن يقاوم مطالب الخليجيين لمواجهة إيران وسوريا أيضاً. إن الدول الخليجية تعتمد على الغرب للأمن ولكنها يائسة للإظهار أنه يمكنها أن تكون مستقلة إذا إختارت وأرادت. ولو، على الرغم من كل الصعاب، تمكّنت دول مجلس التعاون الخليجي إنشاء قيادة مشتركة جديّة وموثوقة، فقد يكون على الغرب أخذ مطالب الخليج بجدية أكثر. ولكن هناك أسباباً قليلة للإعتقاد بأن هذه المحاولة للوحدة العسكرية في الخليج ستكون أكثر نجاحاً من تلك التي حدثت في الماضي.
فهل تفاجىء دول مجلس التعاون الخليجي المشككين؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى