العلويون العرب في تركيا على مفترق طرق

الإسكندرونة – باسم رحال

توجّه ثلاثة رجال بلحى طويلة وسراويل عسكرية وقمصان سوداء إلى إحدى الأسواق الفرعية في مدينة الإسكندرونة الساحلية في جنوب تركيا في أيار (مايو) الفائت. دخلوا إلى أحد المحلات هناك حيث ألقوا التحية بالعربية على صاحب المحل، وطلبوا منه إرشادهم إلى مسجد الحي. ولما أفادهم بأنه ليس هناك أيّ مسجد، سألوه إذا كان ينتمي إلى الطائفة العلوية. فأجاب بالإيجاب. عندها صرخ أحدهم، قبل مغادرتهم جميعاً المحل، بأن “تنظيم “داعش” قادم قريباً لإبادة مجتمع النصيريين الكفّار بأكمله”، مستخدماً مصطلحاً يحطّ من مقام العلويين. وأثار هذا الحادث شائعات تفيد بأن الجماعة المتشدّدة تنشىء شبكات في المدينة. ونتيجة لذلك تصاعد القلق إلى آفاق جديدة بين العلويين العرب في جنوب تركيا.
مع عدد سكان يقدّر بأكثر من 500،000 شخص، يجد العلويون العرب في تركيا أنفسهم على منعطف خطير. لقد تمّت عملية إستيعابهم بثمن ثقافي حاد ومرتفع جداً، حيث منعت الدولة التركية تعليم اللغة العربية في مدارسهم وفرضت عليهم التعليم الديني السنّي، إلى درجة أن كثيرين من شباب العلويين العرب لا يستطيعون التكلّم أو القراءة أوالكتابة بالعربية.
“أريد أن يتعلّم أطفالي المزيد عن ثقافتي، وأن يتحدّثوا لغتي الأم والتواصل مع زملائهم العلويين العرب في سوريا”، يقول سمير (…)، وهو مدرّس في مدرسة عامة في غرب تركيا. ويعود تجدّد إهتمام المجتمع العلوي في هويته، في جزء منه، إلى نتيجة ثانوية للإنتفاضة الشعبية في2011 في بلاد الشام. وعلى الرغم من دعم أنقرة للمعارضة السورية فإن العلويين العرب في تركيا يعتبرون بشار الأسد، كما الطائفة العلوية، حصناً ضد التهميش الماضي.
وقد تعزّزت هذه المخاوف مع ظهور تنظيم “داعش”، الذي مارس سرداً طائفياً متعصّباً لتجنيد المقاتلين. وهذا شمل الإفراج عن أشرطة “فيديو” قاتمة تصوّر أعضاء التنظيم التكفيري يستجوبون ويعدمون بفرح السجناء العلويين بعد إستيلائه على قواعد عسكرية عدة تابعة للنظام السوري في الأشهر الستة الفائتة. وقد إستهدفت الجماعات السنية المتطرفة أيضاً مدنيين علويين في سوريا.
“أقدم “داعش” على إرتكاب مجزرة في اللاذقية عندما دهم 19 قرية علوية”، يقول حسن سيفري، أحد أبرز الصحافيين العلويين العرب في وكالة أنباء “ياكين دوجو هابر” التركية. مضيفاً بأن “مجموعات إرهابية، مثل “داعش” و”جبهة النصرة”، إكتسبت أرضية واسعة من خلال وعودها بأنها ستبيد العلويين على الساحل السوري”. الحقيقة إن أحداثاً مثل السيارة المفخّخة التي إنفجرت في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الفائت خارج مدرسة في منطقة علوية في أكرمة في مدينة حمص، ما أسفر عن مقتل 42 طفلاً، تُعطي مصداقية لهذه الآراء.
وقد أثارت عمليات القتل هذه غضب العلويين العرب في تركيا، الأمر الذي أدّى بهم إلى تنظيم تجمّعات ذكرى لتكريم الأطفال والإحتجاج ضد “داعش” و”جبهة النصرة”.
من ناحية أخرى، أضف إلى هذا الوضع السيىء تدهور علاقة هؤلاء العلويين العرب مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا. إن الإيحاءات الطائفية الناتجة من السياسات المناهضة للأسد في بلاد أتاتورك تهدّد عملية التكامل والإحتواء الناجحة نسبياً التي بدأت منذ 80 عاماً مع العلويين العرب.
على سبيل المثال، بعد الإنفجار التوأم لسيارتين مفخّختين في أيار (مايو) 2013 الذي أسفر عن مقتل مواطنين أتراك في بلدة حدودية في جنوب ريحانلى، رثى رئيس الوزراء (يومها) رجب طيب أردوغان “إستشهاد 53 من مواطنينا السنّة”، وبالتالي، حاقناً بذلك صراحة موضوع الطائفية في المأساة. من جهة أخرى، تأثر المجتمع العلوي العربي أيضاً من إحتجاجات “جيزي بارك”، التي قُتل خلالها ثلاثة شبان من العلويين العرب على أيدي رجال الشرطة الذين إستخدموا القوة المفرطة لتفريق الحشود. أحد الضحايا، علي إسماعيل قرقماز، تعرّض للضرب حتى الموت في الشارع بعدما حُرِم من العلاج في المستشفى العام.
ورداً على ذلك، أنشا شبان من العلويين العرب شبكة تضامن دعوها “برلمان الشباب العلوي العربي عبر تركيا” لمناقشة التحديات وسبل التعامل معها. ولم تقرّر هذه المنتديات بعد سبيل التعبئة، لكنها حدّدت ثلاثة مطالب أساسية هي: الحق في تعليم اللغة العربية، وإعادة أسماء المدن إلى أصلها التاريخي العربي في لواء الإسكندرون، والإعتراف الرسمي بالطائفة العلوية العربية كمجتمع أقلّي. هذه المطالب ليس من المرجح أن تقتصر على الشباب والمتعلّمين فقط.
الواقع أن المجتمع العلوي العربي في تركيا يجد نفسه على مفترق طرق. وكما هو الحال مع الأقليات الأخرى، لقد أصبحت الروابط الدينية واللغوية التي تتخطّى الحدود الوطنية تشكل عائقاُ. ومع ذلك، هناك بعض الأمل في أن يكون هناك خفض للتوترات.
أخيراً، أعلنت الحكومة التركية عن خطط لتقديم “حزمة إصلاح” من شأنها معالجة مسألة مساواة حقوق العلويين. وبالنسبة إلى العلويين العرب على وجه الخصوص، من المؤمّل أن تغطي هذه الحزمة قضايا الدين واللغة. وهذه هي حقوق ثقافية، طالما طالبت بها أقليات عرقية أخرى مثل السكان الأكراد الذين يبلغ عددهم أكثر من 18 مليون نسمة في تركيا.
إن العلويين العرب والحكومة التركية على حد سواء هما في وضع أفضل لرأب الصدع أكثر من بلدان تعاني من العنف مثل سوريا والعراق. ولكن هذا يعتمد فقط على ما إذا كان بامكانهما التغلب على العداء الطائفي الذي يشتعل في معظم أنحاء المنطقة، وذلك قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى