هل يستطيع مشروع قناة السويس الجديد تغيير مستقبل مصر الإقتصادي؟

بعدما شارك الشعب المصري في قناة السويس عبر إستثمار حوالي 8 مليارات دولار في مشروع توسعتها الجديد إيماناً منه بالنظام الجديد وبعائدات المشروع وتأثيره في مستقبل الإقتصاد الوطني، فهو الآن يراقب عن كثب تحقيق ما وعد به الرئيس عبد الفتاح السيسي بالنسبة إلى تنفيذ المشروع في عام واحد بدل من سنوات ثلاث.

الرئيس محمد أنور السادات: أول من طرح المشروع
الرئيس محمد أنور السادات: أول من طرح المشروع

القاهرة – هدى أحمد

خلال خطاب متلفز في 5 آب (أغسطس) 2014، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي “مفاجأة” للشعب المصري: إطلاق مشروع قناة السويس الضخم الجديد، الذي ينطوي على توسيع القناة الحالية و تطوير ضواحيها إلى مركز تجاري عالمي. وقد أحدث المشروع موجات من التفاؤل في مصر وجميع أنحاء العالم، محرّكاً المعدات، والعقود، والتمويل. ولكن خطة التوسيع وتعميق القناة الحالية للسماح بمرور أكبر سفن الحاويات في العالم وحفر ممر مائي موازٍ للسماح لحركة المرور أن تسير في الإتجاهين لم تكن جديدة. فقد أُطلقت أولاً من قبل إدارة أنور السادات، ووُضعت على الطاولة مرتين من قبل حسني مبارك ولكنها رفضت بسبب نقص التمويل.
كما حاول الرئيس محمد مرسي أيضاً إحياء المشروع، ولكن إقتراحه تضمّن فقرات تشترط شراء مستثمرين خليجيين أرض منطقة القناة؛ وهذا تحول إلى مصدر للتوتر مع الجيش، الذي خشي من أن تقوم جماعة “الإخوان المسلمين” إلى تشجيع أصدقائها في الخليج لإمتلاك عقارات إستراتيجية على طول قناة السويس. في الواقع، يفيد بعض المراقبين بأن هذه المسألة قد سرّعت في عملية إستبدال مرسي من قبل قائد الجيش السابق المشير السيسي. إن المشروع الجديد الذي أعلنه الرئيس السيسي لا يسمح للأجانب بشراء ممتلكات في قناة السويس. من ناحية أخرى، إن هيئة قناة السويس، التي هي مصدر قلق وطني حساس، يترأسها تقليدياً ضابط في الجيش. كما أن المؤسسة العسكرية، المسؤولة عن أمن منطقة القناة، هي المقاول الرئيسي للمشروع وستقوم بتنفيذ جزء من العمل. وقد تم فعلياً إجراء مناقصات عقود لجوانب عدة لتطوير منطقة القناة في العام 2013.
كانت مفاجأة السيسي الحقيقية في تقصير مهلة إستكمال توسعة القناة من ثلاث سنوات كما كان متوقعاً في الأصل إلى سنة واحدة. وسوف تخفّض قناة في إتجاهين أوقات العبور من متوسّط 11 ساعة إلى 3 ساعات، وزيادة عدد السفن القادرة على العبور فيها في وقت واحد من 23 إلى 97 سفينة، وتدّعي الدولة بأن الإيرادات ستتضاعف من 5 مليارات دولار إلى 13.5 مليار دولار في السنة بحلول العام 2023. وإلى جانب السياحة فإن القناة هي واحدة من أهم مولّدات العملات الأجنبية في مصر.
إن قرار بناء الممر المائي الموازي على بعد 400-600 متر من ممر آخر قائم يبدو منطقياً من الناحية الأمنية، ولكن عملية الحفر ستكون صعبة بسبب التسرّب. إن “التجريف الرطب” هو عملية حفر أكثر تكلفة من الحفر الجاف. وعلى الرغم من أن العمل كان من المفترض أصلاً أن تقوم به شركات مصرية والجيش، فإن مصر تفتقر إلى المعدات الكافية لنقل 250 مليون متر مكعب من الطين في هذا الوقت القصير. لذا تم التعاقد مع ست شركات أجنبية في تشرين الأول (أكتوبر) 2014 لتقديم 36 آلة حفر من الولايات المتحدة، وهولندا، وبلجيكا، والتي صارت الآن في العمل. “أعتقد أننا كنا جميعاً مدهوشين في مدى السرعة التي تمّ فيها طرح هذه المناقصة ومدى السرعة التي تم فيها تنفيذها”، كما لاحظ بيار كاتو من مجموعة “ديم” (DEME) البلجيكية.
وكانت مفاجأة أخرى عندما أعلن السيسي في الأول من أيلول (سبتمبر) الفائت أن الشعب المصري سيُدعى إلى المشاركة في المشروع من طريق شهادات إستثمار معفاة من الضرائب التي تصدرها البنوك المملوكة للدولة في فئات منخفضة تصل إلى 10 جنيهات مصرية. وقد بيعت الشهادات، وولّدت 8 مليارات دولار، الجزء الأكبر من تكلفة توسيع القناة، في ثمانية أيام فقط. وقد فسّر بعض المعلّقين الإستجابة الحماسية بأنها تمثل تأييد الجمهور للقيادة المصرية الجديدة. وأشار آخرون إلى أن سعر الفائدة على الشهادات بلغت 12 في المئة وهي أعلى من سعر فائدة البنوك البالغ تسعة في المئة. كحافز إضافي، فإن المواطنين الذين إشتروا شهادات تصل قيمتها إلى 1،000 جنيه مصري أو أكثر يمكن أن يقبضوا الفائدة كل ثلاثة أشهر بدلاً من كل سنة.
رداً على سؤال عمّا إذا كان الحصول على فائدة فصلية من 30 جنيه مصري على إستثمار 1000 جنيه يستحقّ الرحلة إلى البنك، أجابت شابة تعمل في تصفيف الشعر: “بطبيعة الحال! هذا مال مجاني من الحكومة. إن الناس سوف يأخذون كل ما يمكن أن يحصلوا عليه ويقبّلون الأيدي التي أعطته”. ووفقاً لإستطلاع أجراه المركز المصري للبحوث العامة، فإن حوالي 42 في المئة من أولئك الذين إشتروا شهادات فعلوا ذلك من “وفورات غير مستغلّة”، يعني من المال الذي كان مخبأ تحت الفراش نظراً إلى إنعدام الثقة العميق بالبنوك المملوكة للدولة. وقال خيّاط (73 عاماً) من الإسماعيلية، الذي إستثمر عشرة آلاف جنيه من مدّخراته الهزيلة، بأنه على الرغم من إصابته بخيبات أمل مع الحكومات المتعاقبة منذ ثورة 1952 التي وضعت الجيش في السلطة، “إني مؤمن بمصر. لقد نشأتُ في جانب القناة”.
الواقع أن قناة السويس، مثل موقع مصر الجيو-إستراتيجي على مفترق طرق بين أوروبا وأفريقيا وآسيا، هي أكثر من مجرد ثروة وطنية. إنها مورد طبيعي، ونعمة وحيدة خاصة تولّد دخلاً ثابتاً وتضمن مكانة دولية للبلاد. عندما فُتحت في العام 1869، غيّرت القناة مجرى النقل العالمي من طريق تقصير الطريق بين أوروبا وآسيا 9،000 كيلومتر.
وقد إستغرق الأمر عشر سنين من النوبات المستمرة ل 20،000 رجل لحفر ممرٍّ مائي بطول 160 كيلومتراً، وهذا، مثل كل المشاريع العظيمة، جسّد مجموعة من الطموحات والنتائج المتناقضة. إن هذا المشروع الأكثر جرأة في زمانه في مجال الهندسة المدنية قد بني يدوياً إلى حد كبير بالسخرة. وقد نُفّذ بهدف إكساب مصر مرتبة في العالم الحديث والإعتراف بها كدولة تقدمية تستحق الإستقلال عن أسيادها العثمانيين، وهو نجح في إغراء البريطانيين لإحتلال مصر والقناة لتأمين الطريق إلى مستعمراتهم الشرقية. متوخاة كمصدر للدخل من قبل مموّليها، فقد تركت البلاد في حالة إفلاس. ومنذ ذلك الحين كانت قناة السويس في قلب أعظم الإنتصارات والكوارث في مصر.
من جهة أخرى، ليس كل واحد مقتنعاً بأن توسيع القناة سوف يتحقّق كما هو مقرّر. يقول بيتر ساند، كبير محللي الشحن في “البلطيق والمجلس البحري الدولي” (Baltic and International Maritime Council)، أن أي شخص يعتقد أن مهلة سنة واحدة كافية “سوف يفاجأ”. وليس هو الخبير الوحيد الذي يشكّ في أن تصل إيرادات القناة إلى الأرقام المتوقّعة، حتى بأخذ رسوم مرور أعلى في الإعتبار، إذ أن قدرة أكبر لا تضمن حركة مرور وعبور أكثر، والتي تخضع إلى تقلبات التجارة العالمية. من جهته يقدّر إسلام ممدوح، مهندس مصري ومدير مشروع البنية التحتية، أن تكون إيرادات القناة الجديدة في حدود 200 مليون دولار إلى 300 مليون دولار إضافية سنوياً بدلاً من 8.5 مليارات دولار كما قدّرتها الحكومة. وإذا إرتفعت رسوم المرور جداً، سوف يتحوّل الشاحنون عبر قناة بنما، المنافسة الرئيسية لقناة السويس. كما أن الإعلان الأخير عن توسيع قناة بنما الذي تبنيه نيكاراغوا سوف يكثّف المنافسة أيضاً.
في أواخر آب (أغسطس)، فازت “دار الهندسة”، وهي شركة هندسة وإستشارات مشهورة مقرها البحرين مع مقر رئيسي في مصر، بعقد قيمته 1.8 مليون دولار لتصميم الخطة الرئيسية لمنطقة القناة الذي من المقرّر تقديمه في شباط (فبراير) 2015. إن الخطة تتعلق بالمناطق المحيطة بالقناة الممدّدة، وموانئ شرق وغرب بورسعيد، والعريش، والأدبية، وعين السخنة، والطور، و”وادي التكنولوجيا” في الإسماعيلية. ولأنها كانت مصمّمة سابقاً ككيانات منفصلة، ستتولى دار الهندسة عملية دمج وظائف الموانئ والبنية التحتية بحيث تصبح خدماتها متكاملة. وسوف تنتج الشركة أيضاً إستراتيجية إقتصادية مع توصيات لتشريعات ذات صلة لتسهيل تمويل “الفرص الإستثمارية التي لا نهاية لها”، على حد تعبير مدير دار الهندسة للعمليات يحيى زكي عن المشروع.
إذا تمّ الإنتهاء من التوسعة في الوقت المحدّد أو كسبت القناة الإيرادات المتوقّعة، فإن القيمة الأكبر للمشروع تكمن في هدفه الممتد على مدى 20 عاماً لتطوير منطقة القناة، ومدن الإسماعيلية، وبورسعيد، وعين السخنة، والعريش، و السويس نفسها. ولأن القاهرة قد همّشتها، فلم تجتذب هذه المراكز الحضرية إستثمارات تُذكر على الرغم من قدرتها على إستيعاب النمو السكاني والمساهمة في الإقتصاد. إن المشروع الحالي، الذي من المتوقع أن يولّد مليون فرصة عمل جديدة، سوف يحسّن الموارد الفردية في حين يكلف العاملين بدور قيادي في مخطط ضخم في التنمية الوطنية. إن المصريين الذين نظروا تقليدياً حصراً إلى القاهرة والإسكندرية للبحث عن أماكن للعمل والإقامة ستُطرح عليهم خيارات جديدة واعدة.
وقد أشار السيسي إلى قناة السويس الجديدة بأنها “هدية مصر للعالم”. هكذا تفخيم هو مألوف لدى المصريين الذين يتذكّرون الضجة المحيطة بمشروعات عملاقة سابقة التي رفعت الملف الخاص للإستثمار الدولي في مصر فيما يروّج لإلتزام الدولة بمستقبل البلاد. إن مشروع توشكى، نظام الري وإستصلاح الأراضي الواسع النطاق الذي أطلقه الرئيس السابق حسني مبارك، تعثّر قبل أن يصل إلى أهدافه على المدى الطويل التي حظيت بتغطية إعلامية مكثفة، وفشله لم يكن سببه الشفافية.
ولكن “حشد التمويل” الملحوظ لتوسيع قناة السويس قد يشكّل سابقة لإشراك الشعب المباشر في مشاريع وطنية، وسيراقب المصريون قناة السويس عن كثب. إنها فرصة للدولة لإستعادة ثقة المواطنين المحبطين ومجتمع الإستثمار الدولي الحذر من الثورة على حد سواء. مع توقعات المواطنين وحاجة مصر الملحة للتنمية الإقتصادية في الميزان، فإن المفاجأة الوحيدة التي سيكون على السيسي والجيش تقديمها الآن هي أن يتقدّم المشروع بثبات، وينفّذ في الوقت المحدد، ويوفّر فرص العمل والإيرادات التي وعدا بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى