“داعش” يسرق الإنتعاش من “إربيل” ويصدّر إليها النازحين والركود

كان الزعماء الأكراد يحلمون أن يحوّلوا “إربيل” إلى دبي العراق، لكن مع وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” على أبوابهم، فقد قلّصوا من طموحاتهم الكبيرة السابقة للتركيز على ضمان بقاء إقليمهم.

 مسعود البارزاني: توقف الحلم ولو إلى حين
مسعود البارزاني: توقف الحلم ولو إلى حين

إربيل – أحمد العمري

ترتفع السلالم المتحرّكة غير المُستخدمة لتكشف أرضيات خرسانية في مركز “عنكاوا” التجاري في “إربيل”؛ فواصل من الجسيمات الخشبية تشكّل مساحات مؤقتة للمعيشة. بدلاً من تصفّح المتسوّقين لسلسلة المتاجر الغربية – أبرز علامات إزدهار أربيل الإقتصادي الأخير- تشغل مركز التسوّق، الذي لم ينتهِ بناؤه بعد، أسرٌ نازحة معوزة فرّت من سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على شمال العراق في آب (أغسطس) الفائت. ومع عدم وجود المال لنقل أفرادها إلى مساكن دائمة، فإنهم وعشرات الآلاف الآخرين مثلهم من المرجح أن يقضوا فصل الشتاء القاسي عادة هناك في مواقع بناء مماثلة.
“لقد إنتهى العراق”، يقول أحدهم الذي فر من “قرقوش”، بلدة غالبيتها من المسيحيين تقع في السهول بين مدينة الموصل التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” والمحافظات الكردية. على الرغم من أن المنطقة الكردية المزدهرة خرجت من عراق صدام حسين مع حماية جوية أميركية في العام 1991 من المرجح أن تتعافى، ولكن لن يكون ذلك بسرعة ومن دون تكلفة.
لقد وضع إقليم كردستان العراق على الرف مؤقتاً أحلامه بأن يحوّل عاصمته إلى “دبي” جديدة – ملاذٌ غني بالنفط متألق وبعيد من الفوضى. مع الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” على أعتابهم، يركّز القادة الأكراد على إبقاء إقليمهم خالٍ من العنف الجهادي ويحرصون على السباحة بحذر في المياه الغادرة التي تحيط بعلاقاتهم مع بغداد وتركيا وإيران. وفي خضم الأزمة الإقتصادية العميقة التي تخيم على إقليمهم، فقد وجدوا الخلاص المالي من تدفق النفط المتنازع عليه من حقول هي الآن تحت السيطرة الكردية.
إن الوضع العسكري، على الأقل، هو أفضل مما كان عليه قبل بضعة أشهر. الغارات الجوية الأميركية من خارج “أربيل” على محيط جبل سنجار المجاور للإقليم سمحت لمقاتلي البشمركة الأكراد إستعادة بعض الأراضي التي خسرتها أمام “الدولة الإسلامية” في آب (أغسطس) عندما تخلّى التراجع الكردي عن مئات الآلاف من المدنيين إلى الجماعة الجهادية. إن المسؤولين الأكراد يرون تهديدا دائماً من هذه المنظمة المنضبطة، والمجهّزة تجهيزاً جيداً، والممولة جيداً حيث أثبتت أنها قادرة على السيطرة وأخذ آلاف الأميال المربعة من الأراضي.
“لديهم عمق جغرافي. وإذا هزموا هنا، فيمكنهم أن يعيدوا تنظيم أنفسهم في الرمادي – وإذا حاربتهم في الرمادي، فإنهم سوف يعيدون تنظيم أنفسهم في الرقة”، يقول فؤاد حسين، رئيس هيئة أركان رئيس أقليم كردستان العراق مسعود بارزاني. مضيفاً: “هذه هي قوة [الدولة الإسلامية] …. إنهم يقاتلوننا في كل مكان. قبل خمسة أيام هاجمونا في سبعة أماكن”.
وكانت المكاسب الكردية الأخيرة الأكثر إثارة للإعجاب في محافظة نينوى، حيث أن الغارات الجوية الأميركية والأسلحة -مثل الصواريخ المضادة للدبابات التي نقلت جواً من ألمانيا إلى القوات الكردية الفقيرة التجهيز- سمحت لقوات البشمركة الإنتقال إلى الهجوم. وقد استعاد المقاتلون الأكراد سد الموصل الإستراتيجي، فضلاً عن بلدات الغوير ومخمور والخازر، وربيعة، والزمر.
“لقد إستطاع رجال البشمركة تكييف تقنيتهم وطريقتهم في مواجهة داعش”، يقول هيمان هورامي، مستشار بارزاني ورئيس مكتب العلاقات الخارجية في الحزب الديموقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان. “بالتأكيد من دون الضربات الجوية كان من الصعب جداً القيام بكل الإنجازات التي حققناها، ولكن الضربات الجوية أيضاً من دون وجود قوة على الأرض لن تستطيع فعل أي شيء أيضاً”.
وقد أدّت المكاسب العسكرية إلى تراجع المخاوف من أن العاصمة الكردية، إربيل، قد تسقط – أحد الأسباب الرئيسية للتدخل العسكري الأميركي الأخير في العراق. لكن المسؤولين الاكراد يقولون أن الكثير من المقاتلين في قواتهم البالغ قوامها 100،000، هم من المتطوعين الذين يعرفون إستخدام البنادق، ولا يزالون يفتقرون إلى الدروع الأساسية الحامية للجسم، والأسلحة الثقيلة التي يمكن أن تحوّل بشكل حاسم مصير المعركة.
“هل تعرف كم عدد البشمركة الذين قتلوا لأنه لم يكن لديهم سترات واقية؟” يسأل هورامي، في حين إمتنع عن إعطاء الرقم. وأضاف: “إنها غير متوفرة حتى في السوق”.
وقد تردّدت بغداد أيضاً في تقديم الدعم، مما زاد من تعثر الهجوم المضاد الكردي، وفقاً لمسؤولين أكراد. يقول هورامي أن الطلبات الكردية التي أرسلت إلى وزارة الدفاع العراقية كانت لإرسال دبابات وقوات لحماية سد الموصل بعدما تم تحريره – بواسطة وحدات القوات الخاصة الكردية – لكنها ذهبت من دون إجابة.
ولكن تركيز الأكراد العراقيين على الأحداث ذهب أبعد من إقليمهم. إن المدينة الكردية السورية المحاصرة “كوباني” (أو “عين العرب”) بالقرب من الحدود السورية التركية أسرت مخيلة الأكراد. بعدما إجتاح تنظيم “الدولة الإسلامية” مئات البلدات والقرى الكردية في سوريا، فقد تم منعه من أخذ هذه المدينة، حيث أن المقاتلين الأكراد الأقل تجهيزاً- والوصول المتأخر للغارات الجوية من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد الجهاديين – أوقفوا تقدم “الدولة الاسلامية”. وقد أصبحت المدينة رمزاً للمقاومة الكردية ضد الجهاديين.
والأهم من ذلك، فقد نجحت الولايات المتحدة في إقناع تركيا في تشرين الاول (أكتوبر) بالسماح ل150 من رجال البشمركة الكردية العراقية للعبور عبر تركيا للقتال مع الأكراد السوريين في “كوباني”. علماً أن القوة المقاتلة الكردية الرئيسية هناك تابعة لحزب العمال الكردستاني، الذي خاض حرباً مع تركيا لعقود من الزمن، والذي وضعته كلٌّ من أنقرة وواشنطن على لائحة المنظمات إرهابية.
“كان هذا تغييراً في قواعد اللعبة في المنطقة”، يقول هورامي. “مسلحون بأسلحة ثقيلة يعبرون تركيا إلى كوباني”، متابعاً. كما أسقطت الولايات المتحدة أيضاً أسلحة وذخيرة من الأكراد العراقيين في كوباني لإعادة إمداد الأكراد السوريين.
فيما تحركت قافلة من بطاريات المدفعية من كردستان العراق عبر تركيا في طريقها إلى سوريا في شهر تشرين الأول (أكتوبر)، إصطفت الحشود للهتاف على الطرق في كلا البلدين – في بعض الأماكن مُنعت القافلة من التحرك.
“نحن ننظر إلى [حصار كوباني] تهديداً لجميع الأكراد، لذلك هذا هو السبب في أنه من واجب جميع الأكراد أينما كانوا الدفاع عن الشعب الكردي ومناطق كردستان”، يقول هورامي.
لكن التحديات التي تواجه الأكراد ليست عسكرية فقط. بل هي أيضاً إقتصادية.
تزامنت الحرب ضد “الدولة الإسلامية” مع أعمق أزمة مالية تواجه المنطقة الكردية العراقية منذ العقوبات التجارية الدولية في عهد صدام حسين. في نزاع مستمر منذ فترة طويلة مع بغداد بشأن من الذي يسمح بتصدير النفط العراقي، فقد أوقفت الحكومة العراقية تحويل مليارات الدولارات كمدفوعات متوجبة للأكراد – الأمر الذي أدّى إلى وقف مشاريع البناء الكبرى وتأخير دفع رواتب العاملين في الحكومة. ووفق إتفاق تم التوصل اليه في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) بين وزير المالية العراقي الجديد هوشيار زيباري، وهو كردي، ووزارة النفط العراقية، فإن على بغداد دفع بعض من تلك العائدات إلى إربيل في أقرب فرصة ممكنة.
مع ذلك، فإن قرار بغداد بقطع التحويلات النقدية قد أدّى بالقيادة الكردية إلى ضخ المزيد من النفط على عجل. وهم الآن يضخون النفط من حقول تحت سيطرة القوات الكردية منذ انسحاب الجيش العراقي، بما في ذلك حقلا “باي حسن” و”آفانا” قرب كركوك، ويصدرونه عبر تركيا.
ويفيد أشتي هورامي وزير الموارد الطبيعية في الحكومة الكردية، بأن الإقليم يصدر الآن 300،000 برميل من النفط الخام يومياً، وهو رقم يقول يمكن أن يرتفع إلى 500،000 برميل في 2015. وتدّعي الحكومة العراقية أن الحق في بيع النفط يعود حصراً إلى بغداد وقد توجّهت إلى المحكمة لمنع الشركات الأميركية من شراء النفط المباع من المنطقة الكردية.
على الرغم من التقارير القائلة بأن ناقلات كاملة محمّلة بالنفط الخام الكردي تدور في المياه الدولية في إنتظار المشترين، يقول الوزير هورامي بأن كل النفط المعروض الذي توفره المنطقة الكردية يباع على الفور. وقال: “عندما يكون هناك نفط فهو سوف يتدفق، كما وجدنا”. وقال في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) في منتدى عُقد من قبل معهد أبحاث الشرق الأوسط في أربيل: “أنا لا أتذكر أي وقت مضى رؤية نفط محمّل تقطّعت به السبل لفترة طويلة”.
إن الطلب العالمي على النفط الذي لا يشبع يدعم ثقة القادة الأكراد بأنهم سوف يتجاوزون هذه الأزمة على الرغم من هبوط الأسعار في الوقت الحالي. إن إقليم كردستان العراق قد لا يصبح دبي المقبلة، لكن يبدو أنه سيفوز في نهاية المطاف ويخرج سالماً من مواجهة العاصفة الجهادية لكي يبرز كلاعب مهم في ما بعد “الدولة الإسلامية” في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى