الرياض تتقارب مع “الإخوان المسلمين” في 2015 لدرء خطر الجهاديين المتشدّدين

منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا واحدة من أكثر المناطق المضطربة في العالم – وهي ليست غريبة على الإضطرابات. فقد أعقبت إنتفاضات 2009 في إيران وسياسة حافة الهاوية لحكومة محمود أحمدي نجاد، فوضى “الربيع العربي”، وتمدّد الصراع السوري إلى العراق، وإحتمال إعادة العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. مع ذلك، خلافاً للسنوات الأخيرة، من المرجح أن يرى 2015 إعادة تنظيم المصالح العربية السنية الإقليمية بقيادة المملكة العربية السعودية لكي يكون هناك قبول أوسع للإسلام السياسي المعتدل. ستخرج المنطقة من حالة عدم اليقين التي سادت منذ نصف العقد الماضي وتتشكل أسس مستقبلها. وهذه العملية لن تكون أنيقة أو منظّمة، ولكن التغييرات ستحدث بوضوح بالنسبة إلى الصراعين السوري والليبي، كما بالنسبة إلى توقع تعاظم دور إيران في المنطقة.

الملك عبد الله بن عبد العزيز: 2015 عام التحولات
الملك عبد الله بن عبد العزيز: 2015 عام التحولات

الرياض – راغب الشيباني

تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العام 2015 وهي تواجه أزمات عدة. لا يزال عدم الإستقرار الليبي يشكّل تهديداً للأمن في دول المغرب العربي، وعلى بلدان المشرق العربي ومجلس التعاون الخليجي معرفة كيفية ضبط دورة إيقاعها وخطواتها في أعقاب المفاوضات الأميركية – الإيرانية، والحرب بالوكالة بين السنة والشيعة في سوريا والعراق، وفراغ القوة الذي خلّفته تركيا جرّاء تعثّراتها والمخاوف الداخلية التي تمنعها من الإضطلاع بدور أكبر في جميع أنحاء المنطقة. وعلاوة على ذلك فإن ما يضاعف في قلق المنطقة هو الإنخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية. في حين أن دول مجلس التعاون الخلبجي سوف تكون قادرة على إستخدام الإحتياطات النقدية الكبيرة للتخلص من الركود، فإن باقي الإقتصادات المصدّرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستواجه عواقب وخيمة.
على مدى عقود، ساعد القادة الإستبداديون الحاكمون منذ فترة طويلة في بلدان مثل الجزائر واليمن على تبنّي التشدّد، متّبعين نموذج القومية العربية المدعوم من الجيش الذي سوّقه ودافع عنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مصر. وقد تمكّنت الملكيات والإمارات العربية من الحد من المعارضة الداخلية أو المطالبات الديموقراطية من خلال مزيج من الإنفاق الاجتماعي والقمع. من جهتها لم تقم الولايات المتحدة فقط شراكة مع العديد من هذه الدول لمكافحة الإرهاب – خصوصاً بعد حوادث أيلول (سبتمبر) 2001 – ولكن رأت بأن دول الخليج العربية ستكون حصناً موثوقاً ضد توسّع إيران والعراق بقيادة صدام حسين. وقد شمل عدم الإستقرار المشرقي إلى حد كبير لبنان والأراضي الفلسطينية، في حين أن جيران إسرائيل الآخرين إلتزموا إلى حد كبير بإتفاق ضمني معها للحد من التهديدات النابعة من أراضيهم.
اليوم، أُزيلت قبضة صدام الحديدية من العراق، وحل محله نظام ديموقراطي مشاكس مهدّد من قبل “الدولة الإسلامية” كما من العمليات السياسية الداخلية. لقد ولّى القادة الذين عمّروا في الحكم طويلاً من دول مثل تونس وليبيا ومصر. وفي الوقت عينه، قد تواجه الجزائر، والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان تحوّلات غير مؤكدة قد تحدث بحلول نهاية العام. إن الحوار الجاد بين أميركا وإيران بشأن برنامج الأخيرة النووي، الذي كان في السابق “سيناريو” لا يمكن تصوره تقريباً بالنسبة إلى الكثيرين في الخليج، قد عجّل في أكبر التحوّلات في الديناميات الإقليمية، خصوصاً فيما تسعى السعودية وحلفاؤها إلى التقليل من إعتمادها على حماية واشنطن.

الدفع للهيمنة السنّية

تبدأ الرياض هذا العام مع تحديات أكبر بكثير من التي واجهتها على مدى 12 شهراً السايقة. ليس فقط أن الملك عبد الله بن عبد العزيز يعاني من مرض خطير (نوبة من الإلتهاب الرئوي أجبرت العاهل البالغ من العمر 90 عاماً على إستقبال العام الجديد في المستشفى، وعلى جهاز تنفس إصطناعي)، ولكن تواجه أكبر دولة منتجة للنفط في العالم أيضاً حرب أسعار مع منتجي النفط الصخري الأميركي. ولأن المملكة العربية السعودية وحلفاءها الإقليميين الرئيسيين، الكويت، والإمارات العربية المتحدة، تتمتع معاً بأكثر من تريليون دولار من الإحتياطات النقدية، فإنها ستكون قادرة على الحفاظ على مستويات إنتاج ثابتة في المستقبل المنظور.
ومع ذلك، فإن منتجي “أوبك” الآخرين ليسوا قادرين على الصمود في وجه العاصفة بسهولة. إن إنخفاض 40 في المئة في أسعار النفط يشكّل ضغطاً مالياً أكبر على إيران والحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في العراق، وهما أكبر منافسين طائفياً وفي مجال الطاقة للسعودية. إن تخطيط الرياض الدقيق لبناء إحتياطات ضخمة يعني أن الأمن الإقتصادي السعودي من غير المرجح أن يأتي تحت التهديد على مدى سنة إلى ثلاث سنوات. لذا فإن البلاد بدلاً من ذلك سوف تستمر في التركيز ليس على مواجهة إيران فقط ولكن أيضاً على إعادة بناء العلاقات مع الجهات الفاعلة الإقليمية السنية التي ضعفت في السنوات السابقة.
كانت إستراتيجية الرياض الإقليمية تقليدياً تقوم في المقام الأول على دعم الجماعات العربية السنية مع إيديولوجية دينية سلفية محافظة. وكانت الجماعات السلفية تقليدياً بعيدة من السياسة، وكانت إيديولوجيتهم السنية المحافظة مفيدة في منافسة المملكة العربية السعودية ضد إيران وأتباعها من الشيعة. خدم تعزيز السلفية أيضاً كأداة للحد من تصاعد الإسلاميين السياسيين السنّة المعتدلين فكرياً مثل جماعة “الإخوان المسلمين” والحركات التابعة لها، وهي جماعات تراها الرياض على أنها تمثل تهديداً بسبب نجاحها في تنظيم الدعم الشعبي والنضال من أجل الإصلاحات الديموقراطية.
ولكن، مع إرتفاع الضغوط الإقليمية الخارجية، فإن بعض دول الخليج يعيد تقييم علاقاته مع “الإخوان المسلمين”. إن التهديدات الداخلية التي يشكّلها الجهاديون السلفيون والرغبة في الحد من المكاسب المستقبلية للمعارضين الإقليميين تدفع دول مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى محاولة إقامة علاقة مع “الإخوان” للحد من المخاطر التي تشكّلها الجماعات المنافسة في المنطقة.
إن إستعادة العلاقات مع “الإخوان المسلمين” لها أيضاً آثار في العلاقات الديبلوماسية. وكانت قطر منذ فترة طويلة من المؤيدين لجماعة “الإخوان”، وهي حقيقة أدّت إلى توتر علاقاتها مع الدول الأخرى – السعودية والبحرين والإمارات التي أغلقت سفاراتها في الدوحة. ومع ذلك، فإن إستمرار التقارب بين واشنطن وطهران وإنزعاج وقلق الرياض من صعود الجماعات الجهادية السلفية جعلها تعيد النظر في موقفها من الإسلام السياسي. إن إتفاق الرياض والمنامة وأبو ظبي على إستئناف العلاقات الديبلوماسية مع الدوحة، وإعادة نظر الأخيرة في تغيير علاقاتها مع مصر وليبيا، يشير إلى كيف أن التحوّل في تواصل التكتل الخليجي مع “الإخوان المسلمين” لديه القدرة على تبسيط جهود مجلس التعاون الخليجي المبذولة في المنطقة.
محاولة الملكيات الخليجية للمصالحة مع الإسلاميين السياسيين يمكنها أن تفيد دول مجلس التعاون الخليجي. من جانبها، تواصلت قطر مع الحكومة الليبية المناهضة بشدة للإسلاميين في طبرق، ويبدو أن التوتر بينها وبين حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر قد هدأ. ويشير كلا السيناريوين إلى إحتمال إقتراب دول مجلس التعاون الخليجي من إتخاذ موقف إقليمي موحّد أكثر إبتداء من العام 2015، واحدٌ سيكون أكثر إنسجاماً مع رغبات الرياض في الحفاظ على إطار المجلس.
هذا التحسّن في العلاقات يأتي في لحظة حرجة. مع إحتمال تطور العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، فإن دول الخليج سوف تحاول ضمان وتأمين مصالحها الخاصة من طريق تورّطها مباشرة في ليبيا وسوريا ومن المحتمل في اليمن. وهذا العمل العسكري يهدف أيضاً إلى عرض قوة ضد إيران، في حين تقوم في ملء فراغ إستراتيجي أيضاً بسبب غياب القيادة التركية في المنطقة، خصوصا في المشرق العربي.
ومع ذلك، فقد عارضت قطر هذا الإجراء في الماضي. وعلى الرغم من صغر حجمها، فإن الإمارة إستخدمت ثروتها والإستقرار الداخلي لدعم مجموعة واسعة من الجماعات الإسلامية، بما في ذلك جماعة “الإخوان المسلمين” في مصر، وحزب “النهضة” في تونس، والجماعات المتمرّدة في سوريا. ووصلت التوترات بين قطر وحلفائها الإقليميين إلى الذروة في العام 2014 في أعقاب الدعم السعودي والإماراتي لإنتفاضة تموز (يوليو) 2013 التي اطاحت بحكم “الإخوان المسلمين” المدعومين من الدوحة في مصر. وقد هدّد التوتر إستقرار دول مجلس التعاون الخليجي وتسبب بالإقتتال بين المتمرّدين في سوريا. وهذا الإنفصام في السياسة الخليجية كانت له تداعيات إقليمية واسعة، بما في ذلك نجاح مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش سابقاً) ضد الجماعات المتمرّدة المدعومة من الخليج في سوريا وتوسع “الدولة الإسلامية” في العراق.
من دون تدخل عسكري أجنبي نيابة عن المتمردين، ليس هناك فصيل مشارك في الحرب الأهلية السورية قادراً وحده على إعلان النصر العسكري الحاسم. وفيما آفاق التوصل إلى نتيجة واضحة أصبحت أقل واقعية، فإن الداعمين الروسي والإيراني للرئيس بشار الأسد زادا من جهودهما الديبلوماسية للتفاوض على تسوية في سوريا، خصوصاً أن كلاً منهما حريص على إعادة التركيز على مشاكله الداخلية التي تفاقمت بسبب الإنخفاض الحالي في أسعار الطاقة العالمية . إن قرار الكويت أخيراً السماح للنظام السوري بإعادة فتح سفارته لمساعدة المغتربين السوريين الذين يعيشون على أراضيها، يشير إلى إحتمال أن دول الخليج وصلت إلى قناعة بأنه من غير المرجح أن يُخلَع الأسد بالقوة، وأصحاب المصلحة العربية السنية في الصراع السوري بدأوا يقتنعون تدريجاً بإحتمالات التوصل إلى تسوية من طريق التفاوض. إن الحل للأزمة السورية لن يأتي في العام 2015، ولكن سوف تستمر الجهات الفاعلة الإقليمية تبحث عن حل للأزمة خارج ساحة المعركة.
أي تسوية من طريق التفاوض سوف ترى راعِي السنّة في المنطقة – بقيادة دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا – يعملون على إنشاء منظمة سياسية سنية مؤهلة التي تستطيع الحدّ من سلطة الحكومة العلوية المتبقية في دمشق والتقدم المستقبلي الذي أحرزته من خلال الداعمين التقليديين في طهران. إن إسلاماً سياسياً على نمط جماعة “الإخوان المسلمين” يمثل أحد الحلول المحتملة السنية في هذا الإطار، ومع التلاشي المحتمل للمعارضة السعودية للجماعة، فإنها يمكن أن تكون بديلاً محتملاً مع مجموعة متنوعة من الخيارات السلفية التي يمكن أن توجد – لتشمل الجهاديين. مثل هذا الحل يعتمد في نهاية المطاف على إطار ديموقراطي أوسع لتنفيذه، وهو السيناريو الذي من المرجح أن يظل بعيد المنال في سوريا لسنوات مقبلة.

طريق شمال أفريقيا الطويل إلى الإستقرار

إتبعت شؤون شمال افريقيا تقليدياً مساراً واضحاً مختلفاً عن المشرق العربي وبلدان الخليج، وهو واقع شكّلته الجغرافيا كما الخلافات السياسية بين الحكومات العلمانية المتأثّرة بجمال عبد الناصر وممالك وإمارات الخليج. حالياً أصبحت مصر، منافسة المملكة العربية السعودية التقليدية على زعامة العالم العربي السني، معوّقة تعتمد على الدعم المالي من منافسيها السابقين في الخليج. وكان مجلس التعاون الخليجي قادراً على إستخدام الإستقرار النسبي لديه وثروة النفط للإستفادة من الفرص المتاحة لتأمين مصالح أعضائه في شمال أفريقيا في أعقاب “الربيع العربي”. ونتيجة لذلك، صارت القاهرة نقطة إنطلاق للنوايا الخليجية، وخصوصاً غارات دولة الإمارات العربية المتحدة الجوية ضد المتشددين الإسلاميين في ليبيا والدعم المصري -الخليجي المشترك لحملة “عملية الكرامة” التي يقودها الجنرال خليفة حفتر الذي أُعيد أخيراً إلى الجيش الليبي التابع لحكومة طبرق المعترف بها عالمياً.
مثل سوريا، تمثّل ليبيا ساحة منافسة للطموحات السنية الإقليمية. تدعم قطر، وإلى حد أقل تركيا، جماعات إسلامية سياسية وميليشيات قوية في ليبيا يقودها “المؤتمر الوطني العام” المنحلّ والذي أعيد تنصيبه في طرابلس بعدما إعترف المجتمع الدولي بمجلس النواب المناهض للإسلاميين في طبرق. وتسيطر القوى السياسية والميليشيات المنحازة للإسلاميين على أكبر ثلاث مدن ليبية، فيما لم يحرز الوكلاء المدعومون من مصر ودول الخليج الأخرى تقدماً يُذكر ضد المعارضين الإسلاميين في معارك للسيطرة على طرابلس وبنغازي، الأمر الذي دفع بالقاهرة وأبوظبي إلى المزيد من العمل المباشر.
يبدو أن المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة قلقة في المقام الأول من إمكانية تحوّل ليبيا، وهي دولة غنية بالنفط على الحدود مع مصر، إلى داعم ثري للإسلام السياسي. وقد ترك الإقتتال في المناطق الساحلية الكثير من الأراضي الصحراوية الليبية الواسعة متاحة للجهاديين الإقليميين وكذلك إلى مجموعة من أنشطة التهريب والإتجار غير المشروع، مما يشكّل خطراً أمنياً كبيراً ليس فقط على دول المنطقة ولكن على المصالح الغربية أيضاً. وقد أثبتت محاولات مصر ودول الخليج لتشكيل النتائج على الأرض في ليبيا بأنها غير فعّالة إلى حد كبير، والخطط الغربية لإجراء محادثات مصالحة تفضل قوى إقليمية مثل الجزائر – المنافسة التقليدية للمصالح المصرية والخليجية في شمال أفريقيا – التي هي أكثر راحة للعمل مع جهات فاعلة سياسية عبر طيف واسع من الإيديولوجيات السياسية لتشمل نموذجاً إسلامياً كجماعة “الإخوان المسلمين”.
من المرجح أن تجد ليبيا نفسها على أنها الأرض المثبتة للمقايضة بين المشاركين في الصدع الداخلي السني حول الإسلام السياسي. في مقابل تخفيض المملكة العربية السعودية وشركائها الضغط على الجماعات المماثلة لجماعة “الإخوان المسلمين” في مصر وسوريا، فإنه من المحتمل أن تعمل قطر وتركيا بشكل أكثر وضوحاً وظهوراً مع حكومة طبرق في العام 2015، بالإضافة إلى دفع وكلائهما من الاسلاميين إلى الحوار الوطني المدعوم من الغرب. لن يتم تسوية الوضع الأمني العام في ليبيا من خلال وساطة، ولكن الإسلاميين الليبيين هم أكثر عرضة للعودة إلى دخول إئتلاف مع خصومهم السياسيين حيث أن داعمي الجانبين في الخليج يعملون على تسوية خلافاتهم.

التأثير الإقليمي

لقد شَابَ إختلال وظيفي وإقتتال داخلي محاولات الجهات السنية في المنطقة لوضع إستراتيجية متماسكة في سوريا. وقد مكّن هذا الأمر إيران من أن تظل راسخة في بلاد الشام – ولو أنها تواجه ضغطاً – وتواصل إنفاق الموارد للمنافسة في ساحات مثل ليبيا ومصر. لذا فإن العام الجديد من المحتمل أن يشهد إطاراً متطوراً حيث أن المملكة العربية السعودية وقطر، وإلى حد أقل تركيا، سوف تتوصل إلى تفاهم دقيق حول دور الإسلام السياسي في المنطقة. لقد شهد 2014 تحوّلاً خطيراً في مصير مجموعات “الإخوان المسلمين”، التي فضّلت عن غير قصد مجموعات من اليمين المتطرف والمتشددين مثل “الدولة الإسلامية” فيما ركّزت مجموعات السنة المختلفة المدعومة من الخليج على التنافس والصراع مع بعضها البعض.
تسير إيران ببطء، ولكن بثبات نحو مفاوضات ناجحة مع الولايات المتحدة، كما أن التهديدات التي يشكّلها الإسلام المتشدّد في جميع أنحاء بلاد الشام والعراق وشمال أفريقيا، يستلزم إعادة تنظيم العلاقات داخل المصالح السنية المختلفة في الشرق الأوسط. إن قيادة سنية أقل خلافية تكون مفيدة في تنسيق الجهود الرامية إلى حل النزاعين في كل من ليبيا وسوريا، على الرغم من أن قراراً مصيرياً في كل من النزاعين سوف يظل بعيد المنال في العام 2015 وما بعده.
إن موقفاً عربياً سنياً أكثر قوة، وخصوصاً في سوريا والمشرق العربي، من المرجح أن يضع المزيد من الضغوط على إيران من أجل التوصل إلى تسوية من طريق التفاوض مع الولايات المتحدة بحلول نهاية العام. في حين أن التسوية قد تبدو ضارة بمصالح دول الخليج، فقد تحوّلت دول مجلس التعاون الخليجي نحو قبول عملي بالإتفاق، على غرار موافقة الرياض على إعطاء دور مستقبلي لجماعة “الإخوان المسلمين” في الشرق الأوسط. إن هدف مجلس التعاون الخليجي الجديد هو الحدّ من فرص طهران للنجاح بدلاً من إنكار ذلك صراحة. وسيتم تحقيق جزء من هذا من خلال إستراتيجية عدوانية جارية للطاقة. البقية ستأتي عبر المفاوضات الداخلية بين المملكة العربية السعودية ومصر وقطر وتركيا.
سيشهد العام الجديد محاولة أهل السنة في سوريا الإلتحام وراء المتمردين المقبولين من الحكومات الغربية الذين يتوقون لرؤية بداية المفاوضات وردّ محلي فاعل ضد “الدولة الإسلامية”. وستقدّم قيادة خليجية أكثر تماسكا أيضاً حصناً أكثر فعالية ضد المصالح الإيرانية والعلويين في بلاد الشام. مع ذلك، تبقى الأهم تلك الفرصة الإقليمية السانحة للسنة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لتقديم إستجابة أكثر نضجاً وقادرة على مجابهة الضغوط المتصاعدة. سواء من خلال تحركات عسكرية أكثر حزماً في المنطقة، أو من خلال العمل مع دول مثل قطر لتوجيه جماعة “الإخوان المسلمين” بدلاً من تشجيع المعارضة الإسلامية المتشددة، فإن 2015 من المحتمل أن يشهد تحوّلاً في الإستراتيجيات العربية السنّية التي شكّلت المنطقة لفترة طويلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى